إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 31 مايو 2015

خطبة في عظمة الله - العظيم

( خطبة في عظمة الله  العظيم ) 
قالَ نافعٌ رحمَه اللهُ: خرجتَ مع ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما في بعضِ نواحي المدينةِ ومعه أصحابٌ له فوضعوا سُفرةً، فمرَّ بهم راعي .. فقالَ له عبدُ اللهِ: هَلُمَّ يا راعي فأصِبْ من هذه السفرةِ .. فقالَ الراعي: إني صائمٌ

فقالَ له عبدُ اللهِ: في مثلِ هذا اليومِ الشديدِ حَرُّهُ، وأنتَ في هذه الشِّعابِ في آثارِ هذه الغنمِ وبينَ الجبالِ .. ترعى هذه الغنمَ وأنتَ صائمٌ .. فقالَ الراعي: أُبادرُ أيامي الخاليةَ .. فَعجِبَ ابنُ عُمرَ، وقالَ: هل لك أن تبيعَنا شاةً من غَنمكَ نجتزرُها ونطعمُك من لحمِها ما تُفطرُ عليه ونُعطيكَ ثمنَها .. قالَ : إنها ليستْ لي إنها لمولاي

قالَفما عَسيتَ أن يقولَ لك مولاك إن قُلتَ أكلَها الذئبُ .. فمضى الراعي وهو رافعٌ إصبعَه إلى السماءِ .. وهو يقولُ: فأينَ اللهُ؟ .. قالَ نافعٌ: فلم يزلْ ابنُ عمرَ يقولُ: فأينَ اللهُ؟ .. فأينَ اللهُ؟ .. فأينَ اللهُ؟
فما عدا أن قَدِمَ المدينةَ فبعثَ إلى سيدِه فاشترى منه الراعيَ والغنمَ، فأعتقَ الراعيَ ووهبَ له الغنمَ

عبادَ اللهِ ..
إن الفرقَ بينَ هذا الراعي البسيطِ وبينَ من يتهاونُ في المعصيَةِ .. هو مقدارُ ما في القلبِ من تعظيمِ اللهِ جلَّ جلالُه.
إن زمانُنا هذا .. قد كَثُرتْ فيه الأشغالُ .. وتغيَّرتْ فيه الأحوالُ .. وانبهرَ الناسُ بما صنعوا من اكتشافاتِ .. ونسوا عبادةً من أعظمِ العباداتِ .. وهي التَفكرُ فيما أبدعَ اللهُ تعالى من مخلوقاتٍ .. فنقصَ تعظيمُ اللهِ تعالى في الخَلَواتِ.

هذا نوحٌ عليه السلامُ لما رأى قومَه يقعونَ في الشركِ وهو أعظمُ المعاصي .. علِمَ أنهم لم يعظِّموا اللهَ تعالى في قلوبِهم حقَّ عظمتِه .. فذكَّرَهم بآياتِ اللهِ تعالى في الكونِ .. لعلهم يتفكرونَ فيها ويؤمنونَ .. فقال: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا).

اسألْ نفسَك .. من خلقَ تلك السماواتِ السبع الشِّدادَ؟ .. ومن جعلَ الأرضَ مَبسوطةً كالمِهادِ؟ .. ومن أنزلَ من السماءِ ماءً طَهوراً .. فأخرجَ به أشجاراً وفَواكِهَ وزُهوراً؟ .. فالماءُ واحدٌ .. والترابُ واحدٌ .. وتختلفُ الأصنافُ لوْناً وحَجْماً .. ورائحةً وطَعْمَاً .. (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ).

من يُجيبُ الدَعَواتِ؟ .. ومن يَكشفُ الكُرُباتِ؟ .. ومن يعوذُ به الخائفُ؟ .. ومن يلوذُ به الحائرُ؟ .. (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ *)

من خلقَ الكائناتِ من العدمِ؟ .. ومن يُعيدُها ليومٍ لا ينفعُ فيه الندمُ؟ .. من يرزقُ الجَنينَ في ثلاثِ ظُلماتٍ؟ .. ومن يعلمُ غيبَ الأرضِ والسماواتِ؟ .. (أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * )

عَلمتْ السماواتُ والأرضُ قُدرتَه .. وامتلأتْ في أرجاءِهما عظمتُه .. فجاءهما الأمرُ بالإتيانِ .. فاستجابا من غيرِ ترددٍ ولا عِصيانٍ .. (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)

من خلقَنا من ترابٍ؟ .. ومن يعلمُ ما في الأرحامِ والأصلابِ؟ .. كلُّ ذلك ومن يولدُ ومن يموتُ في كتابٍ .. انه الله العظيم

من خلقَ الدَّوابَّ المُنتشرةَ في الفَضاءِ؟ .. فمنها الزاحفُ ومنها الماشي ومنها السابحُ في الماءِ .. فلا إلَه إلا اللهُ له الحمدُ والفضلُ والثناءُ .. (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). انه الله العظيم

ومن خلقَ الطيرَ صافاتٍ في السماءِ؟ .. ومن أمسكَها عن السُقوطِ وجعلَ لها الهواءَ؟ .. (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ). ان الله العظيم 

من يأتينا بالليلِ والنهارِ؟ .. ومن جعلَ الليلَ مُظلِماً للسكونِ والقَرارِ؟ .. ومن جعلَ للمعاشِ ضَوءَ النهارِ؟ .. ومن يأتِ بهما لو أذهبَهما العزيزُ القهَّارُ؟ 

من رزقنا من الثَمراتِ والطَعامِ؟ .. ومن سَخَّرَ الفُلكَ تجري في البحرِ كالأعلامِ؟ .. ومن جعلَ الشمسَ والقمرَ يَسيرانِ بانتظامٍ؟ .. نَعَمٌ لا تُحصى من اللهِ ذي الجلالِ والإكرامِ .. انه الله العظيم
حتى مشركي مكةَ كانَ في قلوبِهم بقايا لتعظيمِ اللهِ تعالى .. بما كانوا يعرفونَه من نِعَمِه عليهم .. رزقاً وإحياءً وإماتةً وتدبيراً .. ( ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله )
لم يكن لديهم أدنى شكٍ في أن اللهَ تعالى خالقَ كلِ شيءٍ .. وربَّ كلِ شيءٍ .. ومالكَ كلِ شيءٍ .. ولا يخرجُ عن أمرِه شيءٌ .. 

يا أهلَ الإيمانِ ..
لا ينبغي لجماداتٍ أن تكونَ أكثرَ تعظيماً للهِ تعالى من عبادِه المؤمنينَ .. فهذه كلمةٌ قالَها أهلُ الكُفرِ كَذِباً وبُهتاناً واغتراراً .. كانَ لها الأثرُ العظيمُ على المخلوقاتِ غَضَباً وتسبيحاً واعتذاراً .. (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا).

قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما في تفسيرِ هذه الآياتِ: (اقشعرتْ الجبالُ وما فيها من الأشجارِ .. والبحارُ وما فيها من الحيتانِ .. وفزعتْ السماواتُ والأرضُ .. وجميعُ المخلوقاتِ إلا الثقلينِ . وكادتْ أن تزولَ .. وغَضبتْ الملائكةُ .. واستعرتْ جهنمُ .. حينَ قالوا: اتَّخذَ اللهُ ولداً).

أرأيت هذه السماوات السبع، والكون كله، نحن على الأرض لا شيء، والأرض في المجموعة الشمسية لا شيء، والمجموعة الشمسية في المجرة لا شيء، والمجرة ضمن المجرات لا شيء، فنحن نقطة في فضاء كامل لا نراه، ، شيء عجيب وكون فسيح حتى نصل إلى السماء الدنيا، ثم بين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، ثم بين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة عام. 

أرأيت هذه السماوات العظيمة وهذا الكون الكبير الفسيح هذا كله بالنسبة إلى كرسي الرحمن كحلقة ملقاة في أرضٍ فلاة -أي في صحراء- هذا الكون كله والسماوات السبع كحلقة، أرأيت؟! أتخيلت؟! أتصورت؟! 
نحن ماذا نساوي داخل هذه الحلقة؟ لاشيء. 
ثم اعلم أن هذا الكرسي بالنسبة لعرش الرحمن جل وعلا كالحلقة بالنسبة للفلاة -الصحراء- تخيل وتصور!! ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )  [طه:5]. يعلم ما توسوس به كل نفس، يسمع دبيب النملة على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء 

اطلاع الله تعالى على عباده 
تقول عائشة : ( جاءتنا المجادلة -المجادلة التي في سورة قد سمع الله خولة بنت ثعلية - تشتكي إلى رسول الله من زوجها، تقول عائشة : وليس بيني وبينها إلا ستارٌ رقيق، تقول: لا أسمع بعض كلامها، وإذا بالرب ينزل: (  قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَاوَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1] ) لا تظن عندما تختلي بنفسك في معصية أو تغترب عن الأرض؛ لتعصي الله جل وعلا، أو تغلق على نفسك الباب وتطفئ الأضواء لتعصي لا تظن أن الله قد غفل عنك
يوماً من الأيام والنبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فإذا به يقول لهم : ( تسمعون ما أسمع؟ قالوا: لا يا رسول الله ) واسمعوا هذا الحديث ، قال: (أطت السماء ) والأطيط: هو صوت الحمل على الناقة إذا كان ثقيلاً ومشت الناقة يظهر له صوت، بعضكم لعله سمع أو يتخيل هذا الصوت، وأي حمل على السماء؟ (أطت السماء وحق لها أن تئط ) ما الذي حدث؟ ما الذي جرى؟ السماء العظيمة فيها حمل ثقيل، أتعرف ما الذي فيها؟ (ما من موضع شبرٍ إلا وفيه ملك ساجدٌ أو راكع ) الله أكبر!! (ما من موضع شبرٍ إلا وفيه ملك ساجد أو راكع ). 
هؤلاء الملائكة الذين لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] إذا بعثوا يوم القيامة تعرف ماذا يقولون؟ 
سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! لا يعصون الله، حياتهم عبادة، وركوع وسجود وتنفيذ لأوامر الله، لا يعصون الله ما أمرهم، يسبحون الله ولا يفترون، ثم ما عبدناك حق عبادتك،تعرف لماذا؟ تعرف لِمَ؟ لانهم يعلمون انه الله العظيم 

بعضنا يَمنُّ على الله أنه صلى خمس صلوات في المسجد، ماذا تعني خمس صلوات؟! لا شيء، كانت خمسين فجعلها الله خمساً، وهي خمس في العمل خمسون في الميزان، ومع هذا يَمنُّ على الله أنه صلاها في اليوم والليلة، يَمنُّ على الله إذا حج بيت الله، يَمنُّ على الله إذا صام الإثنين والخميس: (  بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17]. 

أرأيت أو أسمعت بوصف أفضل الملائكة جبريل؟ جبريل له ستمائة جناح؛ كل جناح يغطي الأفق كله، فتخيل، وتصور! 
هذا جبريل صاح صيحة دمر قرية كاملة. جبريل بطرف جناحه قلب قرية على رأسها. 
جبريل هذا المخلوق العظيم رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج في السماء السابعة كالحلس البالي، كالثوب الخلق، تعرف لِمَ؟ لأن جبريل عرف عظمة الله فزاد خوفاً وخشية: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:67]. 

أرأيت السماوات السبع العظيمة؟ يطويها الرب جل وعلا كطي السجل للكتب: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ [غافر:15] الله، ذُو الْعَرْشِ [غافر:15] الله الذي يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ [غافر:15] الكل له يوم القيامة بَارِزُونَ لاتخفى منهم خافية[غافر:16] كل الناس حفاة عراة، ويقبض الرب عز وجل الأرض بيمينه والسماوات بيده الأخرى وكلتا يديه يمين، فيقول للخليقة كلها: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ من يرد عليه، من يجرؤ أن يرد على الله في ذلك اليوم؟ 

أين ملوك الأرض؟ أين السلاطين؟ أين المتجبرون على أمر الله؟ على شرع الله؟ على دين الله؟ أين المتكبرون عن السجود لله عز وجل؟ 
في يوم القيامة عندما يجمع الله الأولين والآخرين،
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:1-2].. وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر:67].. 
فإذا بالرب جل وعلا يكلمك (ما منكم من أحد ألا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ) لا توجد واسطة، (فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ) هل قدم قيام الليل؟ هل قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هل قدم صيام النافلة؟ هل قدم الصدقات والزكاة؟ هل قدم الدعاء والذكر؟ أم ماذا قدم؟ هل قدم النوم عن الصلاة؟ هل قدم النظر إلى النساء والخلوة بهن؟ هل قدم استماع الأغاني والطرب؟ كل شيء فعله في الدنيا يراه، قال الله: ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:4]. 

لا تنظر إلى صغر المعصية، لا تقل صغيرة، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، الواحد منا اليوم إذا كان في مجمعٍ من الناس يستحي أن يعصي ربه، أمام والده يستحي أن يرتكب بعض المنكرات، أمام إخوانه، أمام شيخ المسجد، أمام بعض الصالحين يستحي من بعض المعاصي، لكن إذا لم يكن أحدٌ يراه لا يستحي من الله جل وعلا: ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:1] ألا يعلم هذا الرجل وهذا العاصي بتلك المعصية أن الله عز وجل مطلع عليه فيها، أن الله يراه.  

يا عبد الله: هل فكرت أن ترجع إلى الله؟ يا من تتوجه بيديك وقلبك إلى البشر، هلا توجهتإلى الله؟ هلا كنت صادقاً في توجهك إلى الله؟  
أتعرف أن الرب العظيم الجليل الكبير المتعال يحب عبده إذا رجع إليه؟ أتعلم أن الله العظيميفرح إذا أقبل عبده إليه تائباً؟ لو أمضى سنوات من حياته في المعاصي، وأسرف علىنفسه بالذنوب، وأكثر من الذنوب والمعاصي، ثم أراد أن يرجع إلى الله قبله الله، وأحبه، وفرح به إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]؟ 

من أنا وانت حتى يحبنا الله؟ من أنا وانت حتى يفرح الله عز وجل بنا؟ أنا وانت الذين أذنبنا وأسرفنا وكثرت منا المعاصي والذنوب، ولطالما عصينا الله، والآن يحبنا الله؟ نعم. لو رجعنا وتبنا وندمنا على ما مضى فإن الله عز وجل يحبنا. 

رجل من بني إسرائيل عَبَدَ الله أربعين سنة؛ ثم انتكس فعصى ربه أربعين عاماً، ثم بعدأربعين سنة من المعصية أراد التوبة، فقال وهو يبكي ويدعو: رب عبدتك أربعين عاماً،وعصيتك أربعين عاماً، فهل لي من توبة إن أنا رجعت إليك؟ فإذا به يسمع هاتفاً يقول له: عبدي عبدتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، وإن رجعت إلينا قبلناك وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:8].. 
الخطبة الثانية :
ان من تعظيم الله عزوجل الخشوع و الخضوع له سبحانه و الاستكانة و التذلل لعظمته و جبروته ، يصف لنا الإمام ابن القيم رحمه الله- حال المصلي وهو يتعبد لربه حال ركوعه ، فيقول:" ثم يرجع جاثيا له ظهره خضوعا لعظمته،وتذللا لعزته واستكانة لجبروته ، مسبحا له بذكر اسمه ( سبحان الله العظيم) "
ومنها تعظيم أمره سبحانه ونهيه فيطاع فلا يعصى، ويُذكر فلا ينسى،ويشكر فلا يُكفر، ومن ذلك تعظيم نصوص الكتاب و السنة و الاستسلام لها وعدم التقدم بين يدي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم برأي أو اجتهاد ، قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما )
تعظيم شعائره وحرماته قال تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [ الحج :32]وقال سبحانه ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) [ الحج :30]
يقول ابن القيم – رحمه الله- : " فإن عظمة الله تعالى و جلاله في قلب العبد و تعظيم حرماته يحول بينه و بين الذنوب و المتجرئون على معاصيه ما قدروه حق قدره "
( اسم الله العظيم في السنة النبوية ) 
أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يدعو بهن عِندَ الكربِ : ( لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السماواتِ، وربُّ العرشِ الكريمِ ) .
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان إذا أهمَّه الأمرُ، رفع رأسَه إلى السَّماءِ . فقال: سبحانَ اللهِ العظيمِ، وإذا اجتهدَ في الدُّعاءِ قال: يا حيُّ يا قيُّومُ
من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرار أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض
جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللهِ علِّمْني كلامًا أقولُه قال : ( قُلْ : لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له اللهُ أكبَرُ كبيرًا والحمدُ للهِ كثيرًا وسُبحانَ اللهِ ربِّ العالَمينَ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العلِيِّ العظيمِ العزيزِ الحكيمِ ) قال : هؤلاءِ لربِّي فما لي ؟ قال : ( قُلِ : اللَّهمَّ اغفِرْ لي وارحَمْني واهدِني وارزُقْني )
نزلت سورة الأنعام على النبي صلى الله عليه وسلم ومعها مركب من الملائكة سد ما بين الخافقين ، لهم زجل بالتسبيح والتقديس ، والأرض ترتج ، و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سبحان الله العظيم ، سبحان الله العظيم
ألَا أُعَلِّمُكَ كلماتٍ إذا قلتَهُنَّ غفَرَ اللهُ لكَ ، وإِنْ كنتَ مغفورًا لَكَ ؟ قَلْ : لَا إلهَ إلَّا اللهُ العَلِيُّ العظيمُ ، لا إلهَ إلَّا اللهُ الحكيمُ الكريمُ ، لا إلهَ إلَّا اللهُ سبحانَ اللهِ ربِّ السمواتِ السبعِ وربِّ العرْشِ العظيمِ ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ
كلِمتان خفيفتان على اللِّسانِ ، ثَقيلتان في الميزانِ ، حبيبتان إلى الرَّحمنِ : سبحان اللهِ العظيمِ ، سبحان اللهِ وبحمدِه
مَن قال حِينَ يأْوِي إلى فِراشِه : ( لا إِلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شرِيكَ لهُ ، له المُلْكُ ، و له الحمدُ ، و هو على كلِّ شيءٍ قديرٌ ، لاحَوْلَ ولا قُوةَ إلا باللهِ العلىِّ العظيمِ ، سُبحانَ اللهِ ، والحمدُ للهِ ، ولا إلهَ إلا اللهُ ، واللهُ أكبرُ ) ؛ غُفِرَتْ له ذنوبُه أوخطايَاهُ – شَكَّ مِسْعرٌ – وإنْ كانت مِثلَ زَبَدِ البحرِ
مَن قال سُبحانَ اللهِ العظيمِ وبحَمدِه غُرِسَتْ له نخلةٌ في الجنةِ
نَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا مرَّ على القبورِ قال : السَّلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنين ، وإنَّا – إن شاء اللهُ – بكم لاحقون ، غفر اللهُ العظيمُ لنا ولكم ورحِمنا وإيَّاكم
من خرج من بيتِه إلى المسجدِ فقال أعوذُ باللهِ العظيِمِ وسلطانِه القديمِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ ربِّي اللهُ توكَّلتُ على اللهِ لاحولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ قال له الملكُ كُفِيتَ ووُقِيتَ
كانَ إذا دخلَ المسجدَ قال : أعوذُ باللهِ العظيمِ، و بوجهِهِ الكريمِ، و سلطانِهِ القديمِ، منِ الشيطانِ الرجيمِ، وقالَ : إذا قالَ ذلكَ حُفِظَ منهُ سائرَ اليومِ
مَنْ قال حِينَ يُصبِحُ و حِينَ يُمسِي : سُبحانَ اللهِ العظيمِ و بِحمدِهِ ، مِائةَ مَرَّةٍ ، لمْ يأتِ أحدٌ يومَ القِيامةِ بأفْضلَ مِمَّا جاء به ، إلَّا أحَدٌ قال مِثلَ ذلِكَ ، و زادَ عليْهِ
كنتُ أَمشي مع رسولِ اللهِ صلى اللهُ علَيهِ وسلمَ في حَقٍّ لِبَعْضِ أَهلِ المدينَةِ، فَقَال: يا أَبا هريرَةَ، هَلَكَ الْمُكْثِرونَ إِلا من قَال: كَذا وَكَذا، وهَكَذا وَهَكَذا، وَقَليلٌ ما هُمْ ، ثُمَّ مَشَى ساعَةً، ثُمَّ قَال: يا أَبا هُرَيْرَةَ، أَلا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ من كُنوزِ الْجَنَّةِ ، فَقُلْتُ: بَلى يا رَسولَ اللهِ، قَال: تَقولُ: لا حَوْلَ وَلا قوَّةَ إِلا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ، وَلا مَلْجَأَ من اللهِ إِلا إِلَيهِ ، قَال: ثُمَّ مَشَى ساعَةً فَقَال: يا أَبا هُرَيْرَةَ، هَل تَدْري ما حَقُّ اللهِ عَلى النَّاسِ، وَما حَقُّ النَّاسِ عَلى اللهِ؟ ، قَال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسولُهُ أَعلَمُ قَال: حَقُّ اللهِ عَلى النَّاسِ أَنْ يَعْبُدوهُ وَلا يُشْرِكوا بِهِ شَيئًا، فَإِذا فَعَلوا ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلى اللهِ أَن لا يُعَذِّبَهُمْ



3

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق