إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 11 يونيو 2017

رمضان و تحقيق التوحيد

( رمضان وتحقيق التوحيد )
رمضان إيمانٌ وعقيدةٌ و توحيدٌ، رمضان عبوديةٌ وسلوكنعم، فرمضان كما هو في ظاهره سلوك، هو أيضا عقيدة وإيمان وتوحيد. وفي هذه الخطبة نريد أن نعطي رمضان حقه مع عقيدة التوحيد، نريد أن نربط ما بين رمضان وعقيدة التوحيد، نريد أن نستجلي مظاهر التوحيد في رمضان، نريد أن نجعل من صيامنا توحيداً للخالق سبحانه، نريد أن نحقق التوحيد من خلال رمضان ، فرمضان ليس هو فقه وأحكام فقط، بل هو قبل ذلك وبعد ذلك ومع ذلك: توحيد
فكيف يمكن تحقيق التوحيد في صيامنا لرمضان؟ وكيف يمكن أن نشهد مقامات التوحيد في رمضان؟
يتحقق التوحيد في رمضان بأن نعتقد ابتداء بأن الذي شرع صيام رمضان هو الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)(البقرة،183). وهذه من أعظم حقائق التوحيد أن تعتقد بأن المشرّع هو الله تعالى، وأن الآمر للعباد والناهي لهم، والمحلّل لهم والمحرّم عليهم، هو الله عزّ وجل. فما شرعه لهم من شأن رمضان وما أمرهم فيه وما نهاهم عنه فيه ، وما حلّله لهم في ليالي رمضان وما حرمه عليهم في نهاره، كما في قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)(البقرة،187)، وقال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)(البقرة،187) كل هذا من توحيد الله. من توحيد الله في ربوبيته فهو الخالق، وله الحق في التشريع للمخلوق، قال تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ )(آل عمران،54).وهنا أيها الصائم حينما تعتقد ذلك تحقق التوحيد وتستشعر أنك توحد الله بالاعتراف بأن التشريع من الله وحده لا شريك له
إن من تحقيق التوحيد في رمضان، تحقيق الطاعة فيه والاتباع والعبودية. وهذا من تحقيق توحيد الألوهية الذي هو إفراد الله تعالى بحق العبادة وحق الطاعة المشروعة. فحينما يقوم المؤمن بطاعة الله فيصوم رمضان، امتثالا لأمر الله تعالى، وعندما يتبع في تطبيق صيام رمضان ما جاءت به السنة، اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما يقصد من طاعته تلك واتباعه هذا تحقيق العبودية لله، امتثالا لقوله تعالى ) فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(البقرة،185). فذلك كله تحقيق لتوحيد الألوهيةتعترف بأن الله له حق الطاعة والامتثال وتطبق ذلك ..
ومن تحقيقك للتوحيد في صيامك رمضان، أنك تصوم هذا الشهر، إيمانا منك بالله تعالى، وتصديقا بألوهيته، وتصوم أيام رمضان محققا التوحيد في قلبك من خلال إخلاصك لله سبحانه. وهذا المقام من تحقيق التوحيد في صيامنا لرمضان، قد جاء به الحديث النبوي الصحيح، كما في البخاري أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). في شرح النووي: "مَعْنَى (إِيمَانًا) تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقّ ، وَمَعْنَى (اِحْتِسَابًا) أَنْ يُرِيد اللَّه تَعَالَى وَحْده لَا يَقْصِد رُؤْيَة النَّاس، وَلَا غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِف الْإِخْلَاص". ومما لا شك فيه أنّ الإخلاص من أعظم حقائق توحيد الألوهية،.

يتحقق التوحيد في صيام رمضان حينما يُعظّم المؤمن شهر رمضان، حينما يستشعر المسلم حُرْمة هذا شهر رمضان، فتعظيمك لرمضان هو من تعظيم لشعائر الله، وتعظيمك لشعائر الله هو من تعظيمك لله تعالى، وتعظيمك لله تعالى هو من تحقيقك للتوحيد. قال تعالى: ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(الحج،32)، لذلك ، الذين لا يعظمون شهر رمضان هم في الحقيقة لا يعظمون الله عزوجل ..

إن من حقائق التوحيد العظيمة التي تتحقق في رمضان، وتظهر في صيامنا لرمضان، هي مخالفة أهل الكفر وأهل الضلال وعدم التشبه بهم. نعم، فالمؤمنون بالتزامهم بأحكام الصيام واتباعهم للهدي النبوي، يكونون بذلك أمّة متميزة، لها هويّتها، لا تقع بالتشبّه مع أهل الكفر في تديّنهم وتعبّدهم وتنسكّهم، بل يكونون أمة لها خصوصيتها في تحقيقها لعبودية ربها وتوحيده. 
ومن ذلك اتباع الشرع في تعجيل الإفطار وعدم تأخيره. وذلك من أجْلِ أن نخالف اليهود والنصارى في ذلك. ففي الحديث المتفق عليه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر). وفي السنن عن أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، إن اليهود والنصارى يؤخرون) ( صحيح الترغيب – الالباني ). قال شراح الحديث: الحديثان "يدلان على مشروعية تعجيل الإفطار، وفيه مخالفة لليهود والنصارى؛ لأنهم كانوا يؤخرون الإفطار، 
ولهذا أكد النبي صلى الله عليه وسلم على تعجيل الفطر في أحاديث كثيرة؛ كي لا يقع المسلمون في التشبه بهم، وقد روى الإمام أحمد عن ابن عمر وإسناده جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تشبّه بقوم فهو منهم)، قال ابن تيمية: "وقد صرح بذلك فيما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون ). وهذا نص في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى). ". وفي الحديث كذلك ردّ على أهل البدع الذين يؤخرون الفطر حتى تظهر النجوم، وعند ابن خزيمة وابن حبان عن سهل مرفوعاً : (لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر النجوم). صحيح الترغيب - الالباني

هل تعلمون أنّ تحقيق التوحيد في رمضان، يكون في سحورك أيها المؤمن. نعم، هل تعلم أيها المؤمن أن سحورك فيه مقام من مقامات التوحيد، وذلك بمخالفتك لأهل الكتاب وعدم التشبه بهم في تديّنهم وعباداتهم. وهذا من أعظم جوانب تحقيق التوحيد. فتأمّل معي ذلك في الحديث الذي يرويه مسلم أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (فَصْلُ مَا بَينَ صِيامِنَا وصِيَامِ أَهْلِ الكِتَابِ أَكَلَةُ السَّحَر). قال النووي: "مَعْنَاهُ: الْفَارِق وَالْمُمَيِّز بَيْن صِيَامنَا وَصِيَامهمْ السُّحُور؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَسَحَّرُونَ وَنَحْنُ يُسْتَحَبّ لَنَا السُّحُور،وقال ابن تيمية: " وفيه تحقيق للتوحيد، ففي فعله مُخالَفَةً لأهْلِ الكِتابِ؛ لأَنَّهُم لا يَتَسَحَّرُون، ومُخَالَفَتُهُم أَصْلٌ عَظِيمٌ من أُصُولِ دِينِنا؛ ولِذا حُرِّمَ التَّشبُّه بهم في شَعَائِرِهِم ومَا اخْتُصُّوا به مِنْ عَادَاتِهِم وأخْلاقِهِم"
إن من حقائق التوحيد المرتبطة بشهر رمضان، اليقين بما يحدث من أفعال الله في عوالم الغيب. فبسبب دخول رمضان يُجري الله تعالى أحداثا غيبية عجيبة، يجب علينا تصديقها والجزم بحدوثها.. ففي الحديث الصحيح أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ). فهنا نوقن يقينا جازما بربوبية الله تعالى للعالمين، ومن ذلك أنه يحدث تغييراً لعالَم الجنة والنار في رمضان، فتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، كما تظهر قدرة الله تعالى العظيمة في تقييده لعالم الجن، حيث تصفّد الشياطين وتغلّ بالقيود، وكلّ هذا من أفعال الله تعالى التي هي من ربوبيته، وأسمائه وصفاته الدالة على أفعاله وإرادته وقدرته وقوته سبحانه وتعالى. والمؤمن الصائم يصدق بحدوث ذلك كله في عالم الغيب رغم أنه لا يراه بل يقينا بالوحي وإيمانا بالله وصفاته سبحانه.

ومن تحقيقك للتوحيد في صيامك رمضان، معرفتك اسم الله الغفور، وتصديقك بصفة المغفرة وآثارها الواقعة لك بسبب صيامك وقيامك. فمن توحيد الأسماء والصفات الظاهرة في صيامنا لرمضان، توحيد الله باسمه الغفور، فكما في في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، فهنا من تحقيق الصائم للتوحيد أن يصدق بمغفرة الله تعالى التي هي من تجليات وآثار اسمه الغفور جزاء على صيام العبد وجزاء على قيامه شهر رمضان. فمن التوحيد أن نثبت لله اسم الغفور وصفة المغفرة وآثارها في حق من يصوم ويقوم من مغفرة الذنوب.

ومن تحقيقنا للتوحيد في صيامنا رمضان، أن نوحّد الله تعالى باسمه الرحمن وبصفته الرحمة. وذلك من توحيد الأسماء والصفات. وهذا النوع من التوحيد ظاهر فيما شرعه الله تعالى من الرخص الرمضانية لعباده المكلفين بالصيام. فهو من رحمته سبحانه رخّص لأصحاب الأعذار الفطر في رمضان ولم يكلفهم فوق طاقتهم، فجعل الرخصة بالإفطار للمسافر وللمريض ولكبير السن العاجز ولمن يلحق بهم ممن لا يطيقون الصيام. قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(البقرة،185). فأنت لا تفكر في هذا الامر كحكم فقهي مجرد ، بل لا بد للمؤمن ان يستشعر رحمة الله بعبادة وأنه رحيم بهم يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر 
ومن تحقيقنا للتوحيد في صيامنا لرمضان، أن نصدق بأن الله تعالى يُصلّى على عباده الذين يتسحّرون، وصلاته عليهم هي ثناء منه سبحانه عليهم. وهذا من توحيد الله تعالى في صفاته وأفعاله. ففي الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ ومَلائِكتَهُ يُصَلُّونَ عَلى المُتسَحِّرِينوانت تتسحر تستشعر ان الله يثني عليك وملائكته تثني عليك ويعظم هذا في قلبك حتى لا يساورك شك في ذلك ابدأ
ومن تحقيقنا للتوحيد في صيامنا لرمضان، أن نتعبد الله تعالى بعبادة الدعاء، والدعاء من أعظم حقائق توحيد الألوهية. وله أفضليته الكبرى في رمضان، حيث للصائم دعوة مستجابة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ان لله عتقاء في كل يوم وليلة ، لكل عبد منهم دعوة مستجابة ). صحيح الجامع ...
الخطبة الثانية::
لقد خلقنا الله -جل وعلا- في هذه الدنيا من أجل عبادته،وتوحيده،حيث قال الله : (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) ومن أعظم غايات العبادة التوحيد ، وحقيقة هذا التوحيد،وهذه العبودية أنها حال في القلب والجوارح تجعل العبد مقبلا على الله وحده 

وهذا التوحيد كلما قوي في قلب العبد،واستقرت حقائقه في النفس كانت العبادة أحسن،والإقبال على الله فيها أثبت وأقوم،وأيضا كلما صحت العبادة وقويت أداها العبد على أحسن الوجوه عملا ،وإخلاصا، ومحبة، وإقبالا على الله ،وموافقة للسنة
والصائم في أثناء صيامه يستشعر عبوديته لربه، ومراقبة له – سبحانه- في كل لحظة من اللحظات،فهو وإن خلا بنفسه فإنه يمنعها من الطعام والشراب لأنه يستحضر في قلبه أنه يعبد ربا واحدا يسمعه ويراه. فهذه منزلة المراقبة ومنزلة الاحسان في العبادة ، تعبد الله كأنك تراه ..
إن من حقائق التوحيد العظمى المرتبطة بالصيام، أن يصدق العبد الصائم تصديقا جازما بأنه سوف يفرح فرحة خاصة عند اللقاء بالله سبحانه تعالى، وهذه الفرحة سببها صومه لرمضان بشكل خاص. وهذه الفرحة يفرحها لما يقابل الكريم سبحانه في الدار الآخرة، ففي صحيح البخاري، قال النبي صلى الله عليه وسلملِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ). قال ابن رجب: "فيما يجد عند الله من ثواب الصيام مدخراً فيجده أحوج ما كان إليه"، وقال النووي: "وأما فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه وتذكر نعمة الله تعالى بتوفيقه لذلك".
وإنّ من حقائق التوحيد العظمى التي انطوى عليها شهر رمضان هي حقيقة التصديق بجزاء الصيام الغيبي، وهو تخصيص باب للصائمين من أبواب الجنة الثمانية واسمه باب الريّان. وهذا الجزاء من الغيب الذي ادخره الله لعباده الصائمين، فنحن نؤمن بذلك ونعتقد به تصديقا بخبر الوحي الغيبي، وهذا من التوحيد، ومن التصديق بجزاء أهل التوحيد. ففي صحيح البخاري قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ فِى الْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ).
1

السبت، 3 يونيو 2017

صلاح القلب

( صلاح القلب 
الحمد لله الذي يعلم ما تخفي القلوب والخواطر ، ويرى خائنة الأحداق والنواظر ، المطّلع على خفيات السرائر ، العالم بمكنونات الضمائر ، المستغني في تدبير الكون عن المشاور والمؤازر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلّب القلوب ، وغفار الذنوب ، وستير العيوب ، ومفرج الكروب . وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين ، وجامع شمل الدين ، وقاطع دابر الملحدين ، صلى الله وسلم عليه ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين . أما بعد:
فإن من أشهر الأحاديث النبوية حديث النعمان بن بشير المتفق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) 
ويهمنا في هذا المقام الجزء الأخير من الحديث وهي قوله صلى الله عليه وسلم ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) 
لأن حديثنا هنا عن القلب والذي يظهر من هذا الحديث أنه هو الذي يتولى توجيه الجوارح فهي المقصودة بلفظة الجسد, ويزداد الأمر أهمية بالنظر إلى حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) 
فالقلب مصدر السعادة والشقاء للإنسان ، فإذا صلح القلب صلح سائر الجسد واستبشر صاحبه بالخير والنور ، وكان من أهل الخير والسرور فهو في الدنيا بصير العين والقلب ، يراقب الله عز وجل في السر والعلانية ، يرجو رحمة الله ، ويخشى عذابه ، تتوق نفسه للقاء الله عز وجل ، ليجد ما أعد الله له من النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ، فهو من السعداء في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة ، فهنيئاً لهذا القلب المطمئن هنيئاً له بما أعد الله له من نعم لا تعد ولا تحصى ، وهذا هو القلب السليم ، 
أما القلب الأخر وهو القلب السقيم المريض فإنه قلب فاسد ، وسيفسد سائر الجسد ، فصاحبه ذو قلب منكوس تغيرت فيه ملامح الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، فهو يدعو صاحبه إلى فعل الفواحش الظاهرة والباطنة لايقف عند حدود الله ، عرف محارم الله فارتكبها ، واستوعب أوامر الله فتركها ، استوثق بقفل الذنوب والمعاصي ، فهذا الجسد الذي احتوى هذا القلب كالبيت الخرب ، دمار ظاهره وباطنه ، فصاحبه لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ، انكب على الشهوات والهوى ، أعمى البصيرة وان كان مبصرا ، مطموس الفطرة والاخلاق ، اجترأ صاحبه على فعل كل فاحشه ورذيلة ، وارتكاب كل معصية وخطيئة ، لا يردعه رادع ، ولا يمنعه مانع
فلأن القلب كذلك فلا بد من الحرص على صلاحه وإصلاحه ولا ينبغي الغفلة عن ذلك : والسؤال : 
هل ندعو لقلوبنا؟  وأترك جواب السؤال لكم : هل تدعون لصلاح قلوبكم ؟
وهناك سؤال آخر هل في النصوص الشرعية أدعية تخص القلب؟
أما السؤال الثاني :  فالجواب نعم توجد نصوص في القرآن وفي صحيح السنة فيها تخصيص القلب بالدعاء وسأذكرها لكم / حتى يتبين لنا عظيم أهمية هذا الامر في ديننا .. 
أولا من القرآن:
قوله تعالى: ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) آل عمران آية رقم 8
فهذا دعاء بسلامة القلب من الزيغ عن الهدى.
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) سورة الحشر الآية 10 
وهذا دعاء بسلامة القلب من الغل وهو من أعظم أسباب دخول الجنة 
وفي هذا الحديث مايدل على ذلك فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل مثل حاله الأولى فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال إني لاحيت أبي فأقسمت لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي ( وفي رواية حتى تحل يميني ) فعلت قال نعم قال أنس وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر ( فيسبغ الوضوء ) قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أر تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هو إلا ما رأيت ( فانصرفت عنه قال فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاُ ( وفي رواية غلاً ) ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه فقال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق . (رواه أحمد والنسائي وصحح اسناده بعض أهل العلم ) 
الله أكبر أيها الأحبة ما أعظم هذه البشرى فكيف حال قلوبنا هل منا اليوم من يستطيع أن يقول مقالة هذا الأنصاري المبشر بالجنة إذا فالدعاء الدعاء.

ثانيا : من السنة النبوية :-وقد وردت في السنه أحاديث عظيمة تدعوا الى العناية بالقلب وملاحظته 
اللهم جدد الإيمان في قلبي : 
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) صححه الألباني : انظر حديث رقم: 1590 في صحيح الجامع.‌ والفرق واضح بين حال الثوب جديدا وحاله باليا قديما

اللهم يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ : 
ففي سنن الترمذي حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الْحَرِيرِ حَدَّثَنِي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ قَالَتْ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ ....فَتَلَا مُعَاذٌ{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }
وجاء في رواية أخرى عن أنس بن مالك قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول اللهم ثبت قلبي على دينك فقال رجل يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك وصدقناك بما جئت به فقال إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها ....وأشار الأعمش بإصبعيه) قال الألباني صحيح
فهذا من أهم الأدعية للقلب لاهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به فكيف بنا؟

اللهم مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك : 
فعن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء) ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك (.
اللهم اهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة قلبي : 
فقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو وذكر دعاء طويلا ذكر فيه ( رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة قلبي ) السخيمة، والسخمة بالضم: الحقد
الخطبة الثانية :

اللهم حبب إلي الإيمان وزينه في قلبي. : 
فعن عبيد بن رفاعة الزرقي عن أبيه أنه سمع من دعوات للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد قوله (اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين) والحديث رواه أحمد وصححه الألباني في تعليقه على فقه السيرة
.وهذه من منن الله التي منّ بها على الصحابة وذكرهم بها كما في سورة الحجرات قال تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ )فأنعم بخصلة اتصف بها خير الناس بعد الرسل.

ومنها ما في هذا الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عته قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات كما يعلمنا التشهد : ( اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها وأتمها علينا ) قال الشيخ الألباني : صحيح


ومنها اللهم إني أعوذ بك من شر قلبي
وكذلك اللهم اجعل في قلبي نورا
وكذلك اللهم نق قلبي من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
وكذلك اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري
وهذه الأدعية ثبتت كلها في أحاديث صحيحة متفرقة.
وكل دعاء يتعلق بالحالة التي ينبغي عليها القلب فلا مانع منه مثل:
اللهم اصلح قلبي واذهب قسوته وطهره من النفاق والرياء واجعله قلبا مطمئنا لينا مخبتا منيبا ولاتنزع منه الرحمة يارب العالمين.
أسباب صلاح القلب : 
قراءة القران بالتدبر والتفكر فيه ، 
المداومة على الذكر: قال تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب" وشكا رجلُ الى الحسن قساوة قلبه فقال : أدنه من الذكر.
قيام الليل وإحياؤه بالعبادة . 
الدعاء واغتنام أوقات الإجابة . 
مجالسة الصالحين . 
.الابتعاد عن أهل الفسق والمعاصي .
أكل الحلال والابتعاد عن أكل الحرام والمشتبه .
اجتناب المنكرات والملاهي .
الإكثار من الصيام ، والمتابعه بين الحج والعمرة .
الخلوة بالنفس ومحاسبتها .
العلم بأن الله مطلع على الأقوال والأعمال .
بر الوالدين . 
زيارة القبور فإنها تذكر الآخرة . 
الصدقة ، وتفقد الفقراء والمساكين والمسح على رأس اليتيم ومعرفة أحوالهم .
زيارة المرضى ، ومن يعانون سكرات الموت .
المحافظة على الصلوات جمعة وجماعات .
اللهم إني أسألك قلبا سليما :  لنصلح قلوبنا ورمضان أعظم فرصة لذلك لما اجتمع فيه من العبادات العظيمة من صيام وصلاة وقراءة قرآن وقيام ليل واطعام طعام واعمال بر عظيمة  تصلح القلوب ..
ففي حديث عظيم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب) 
ولا يخفى ما لسلامة القلب من أهمية للنجاة يوم القيامة قال تعالى وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ , يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ , إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) 
فلن ينجو يوم القيامة الاّ من أتى الله بقلب سليم ..
القلب السليم، وهو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شركٌ بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى إرادةً ومحبّةً وتوكُّلاً وإنابةً وإخباتًا وخشيةً ورجاءً، وخلُص عملُه لله، فإن أحبَّ أحبَّ في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، وسلم من الشبهات ومن التعلق بالشهوات ومن الأمراض المهلكة كالرياء والنفاق والغل والحسد وغيرها من أمراض القلوب..

1