الأمن
مصدره وأعداؤه
مصدره وأعداؤه
معاشر المسلمين
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
يقول تبارك وتعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، وثبت في الصحيحين من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وذلك في حجة الوداع: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض))، ويقول: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه))، وعن سهل بن حنيف أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أشرف يوم الدار ـ أي: على الخوارج الذين جاؤوا لقتله ـ فقال: أنشدكم بالله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إسلام، أو قتل نفس بغير حق فقتل به))؟! فوالله، ما زنيت في جاهليه ولا إسلام، ولا ارتددت منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا قتلت النفس التي حرم الله، فبم تقتلونني؟!
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، وموجب قتل العمد القصاص في الدنيا ووعيد في الآخرة. وقال عليه الصلاة والسلام: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)) متفق عليه، وفي الحديث الآخر: ((لو اجتمع أهل السماوات والأرض على قتل رجل مسلم لأكبهم الله في النار))، ((ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم)). وإذا تمالأ جماعة على قتل مسلم عدوانا اقتصّ منهم لما روى مالك عن سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة بفرد واحد قتلوه غيلة، وقال عمر: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم).
أيها المؤمنون
إن المتأمل في عالمنا المعاصر ليرى دون عناء ما يعج به من المخاوف والمزعجات والمقلقات، والقتل، والجوع، والأمراض النفسية والأسرية والاجتماعية ويرى الهلع على وجوه الكثير من الناس من جراء ما يهدد وجودهم وأعراضهم وأموالهم وقبل ذلك دينهم. وقد صاحب ذلك حملة ماكرة خبيثة ملبسة مضللة من الكفار، وأذنابهم المنافقين في وسائل إعلامهم المختلفة وذلك بالتلاعب بالمصطلحات، والتلبيس على الناس في معنى الأمن ووسائله، ومعنى الإرهاب وطرائقه. وجاءوا بزخرف من القول ليصرفوا الناس عن الأسباب الحقيقية للمخاوف وذهاب الأمن فأبعدوهم عن الأسباب الحقيقية لاختلال الأمن في حياة الأفراد والمجتمعات والدول والتي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم، وجعلها سنناً ثابتة لا تتغير ولا تتحول. وجاءوا بأسباب أملتها عليهم أهواؤهم ومصالحهم؛ فجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً. وهكذا شأن شياطين الجن والإنس الذين أخبرنا الله عز وجل عنهم بقوله: )َوكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ([الأنعام: 112].
أيها المسلمون
عندما يذكر الأمن ومتعلقاته عند كثير من الناس اليوم، فإنما يفهمون منه الأمن على النفوس، وعلى الأموال والأعراض من الاعتداء ويقصرونه على هذه الأمور فحسب، مع أن الأمن بمفهومه الشامل عندما يطلق فإنما يعني أموراً هي في مجموعها أشمل وأعم من هذا الفهم القاصر لمتعلقات الأمن ، وإن حاجة العبد إلى الأمن في ضرورياته الأساسية لا تقل عن حاجته إلى الطعام والشراب، ولكن هذه الضروريات تتفاوت في أهميتها؛ فالأمن على الدين والعقيدة يحتل في الأهمية المرتبة الأولى ثم يليه الأمن على الأنفس والعقول والأعراض والأموال.
ثمّ إنَّ الأمن في هذه الدنيا لا يتحقق إلا إذا أمن الناس فيها على تلك الضروريات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها ، على أديانهم و أنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم ،وكل هذه الضروريات لا يتوفر الأمن فيها إلا بطاعة الله عز وجل، وتوحيده واجتناب معاصيه ومساخطه. وإن لم يكن ذلك ، فإن سنة الله عز وجل نافذة على عباده الذين عصوه بأنواع العقوبات التي تورث الخوف وانعدام الأمن على هذه الضرورات؛ فلا يأمن الناس إذا عصوا ربهم على تلك الضروريات ، والواقع والتاريخ يشهد بذلك ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [النحل: 33]، وهذا ما حذر منه مؤمن آل فرعون قومه وذلك في قوله تعالى ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ [غافر: 31،30] وهذا ما أخبر به ربنا عز وجل عن القرية الآمنة بقوله: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ )[النحل:112].
وفي ضوء الآيات السابقة وما في معناها نخلص إلى أن الأمن الشامل الحقيقي لا يتحقق في دنيا الناس، ولا يصدق على أن فرداً أو طائفة أو مجتمعاً أو دولة في وضع آمن، حتى يكونوا آمنين على دينهم وعقولهم من الشبهات والضلالات والأفكار المنحرفة عن عقيدة التوحيد وأخلاق الإسلام وشريعته.
وكذلك آمنين على أنفسهم ودمائهم من الاعتداء والتهديد وإلحاق الأذى،وكذلك آمنين على أعراضهم من كل ما من شأنه أن يلحق الضرر والأذى بها من فتن الشهوات والعبث مما يكون سبباً في إشاعة الفاحشة بين المؤمنين والاعتداء على الأعراض.
وكذلك آمنين على أموالهم من السلب والاعتداء، وانتشار المال الحرام، وأكل الأموال بالباطل.
وبدون الأمن على هذه الضروريات الخمس لا يكون الفرد، ولا المجتمع، ولا الدولة، ولا البشرية في أمن ولا أمان. وأكبر شاهد لذلك ما يعيشه العالم اليوم سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع، أو البشرية بأسرها من القلق والخوف والاعتداء الصارخ على هذه الضروريات الأساسية التي جاء الإسلام في الدنيا لحفظها وصيانتها لينعم الناس في ظله بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
أيها المسلمون :
عندما غاب شرع الإسلام عن أكثر بقاع الأرض عقيدة وشريعة، وأعرض أكثر الناس عن طاعة الله تعالى، وتوحيده، وانتشر الكفر والشرك والفسوق والعصيان رأينا عقوبة الله عز وجل وسنته التي لا تتخلف في القوم الظالمين حيث انتشر الخوف والرعب والقلق والشقاء بين الناس، وتسلط بعضهم على بعض، وسادت شريعة الغاب، وأصبح الإنسان لا يأمن على دينه ولا نفسه ولا عقله ولا ماله ولا عرضه إلا من رحم الله عز وجل ووفقه لتوحيده وطاعته التي هي مصدر الأمن والسلام والسعادة.
إن من أراد أن يأمن في هذه الحياة الدنيا من عذاب الله عز وجل، ويحصل على الأمن والسلام في دينه ونفسه وعقله وماله وعرضه، ويحصل على الأمن يوم القيامة، فلن يجد ذلك إلا في ظل الإسلام الحقيقي الذي هو توحيد الله عز وجل، وأحكامه وطاعته، والدخول في السلم كافة، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97] وقال سبحانه: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية: 21]. ومن ذهب يبحث عن الأمن والسعادة في غير طاعة الله عز وجل وتوحيده؛ فمثله كمن رأى سراباً حتى إذا جاءه لم يجد شيئاً، بل لن يجد إلا الخوف والرعب والقلق والشقاء. قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124].
وليعلم المؤمن إن الأمن الذي يشعر به في طاعة الله عز وجل، ويجده في محبة الله تعالى والأنس به، واليقين بلقائه لا يعني أنه لا يتعرض للخوف والفزع في الدنيا بل إن من سنة الله عز وجل في عباده المؤمنين أن يبتليهم ويمحصهم بصنوف من البلاء. ومن أنواع البلاء: المخاوف والهموم والأذى الذي يتعرضون له من أعداء الله عز وجل لكنهم بما عندهم من الإيمان، والتوكل على الله تعالى، والثقة في كفايته، ورجاء الأجر عنده يوم القيامة كل ذلك من شأنه أن يخفف عليهم المخاوف ويسكب في نفوسهم الأمن والطمأنينة والسكينة والثبات. والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة.
فهؤلاء أنبياء الله تعالى وصفوته من خلقه لم يتعرض أحد من البشر إلى الأذى والمخاوف مثل ما تعرضوا له، ولكنهم واجهوا ذلك كله بالطمأنينة، والاستعانة بالله تعالى وتفويض الأمور إليه ، ثم إن لهم أعظم الكرامة حين يلقون ربهم تبارك وتعالى في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
معاشر المسلمين :
وحتى نصل إلى الأمن الحقيقي الذي ينشده كل مسلم ، يجب علينا أن نعرف عدونا الحقيقي ، أعداء الأمن والسلام المتمثل في دين الإسلام الحق :
فالعدوالأول: فئة الكفار والمنافقين
والعدوالثاني: فئة أهل الأهواء والشبهات
والعدوالثالث: فئة أهل الشهوات والفسق والمجون
وهذه الفئات ليست على درجة واحدة في الخطورة فخطر فئة الكفار والمنافقين هي أشدها ثم فئة أهل الأهواء ثم أهل الشهوات.
والكفار في عدائهم وحربهم للأمن والسلام يستخدمون وسائل ماكرة كثيرة ، منها أسلوب الغزو العسكري والإرهاب والقتل والتشريد والأسر وهتك الأعراض، وسلب الأموال. وهذا أمر واضح لا يشك فيه عاقل. والتاريخ يشهد، وواقعنا المعاصر شاهد على ذلك.
والمنافقون بتوليهم الكفار وخيانتهم للمسلمين يعدون من أعدى أعداء الأمن والسلام، حيث يتواطأون مع الكفار في غزوهم لبلدان المسلمين، ويرحبون بهم. ولولا هؤلاء المنافقون وأمثالهم لما استطاع الكفار دخول بلاد المسلمين ولما وجدوا لهم موطأ قدم في بلدان المسلمين ، ومن أشهر المنافقين في واقعنا المعاصر : الرافضة (أحفاد ابن العلقمي)، والعلمانيون المستغربون، وزنادقة الصوفية الباطنيون.
وقد حذرنا الله عز وجل من المنافقين وعداوتهم وكيدهم للإسلام وأهله وذلك بتوليهم للكفار، ونصرتهم لهم، وفرحهم بانتصارهم على المسلمين. قال الله عز وجل: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )[الحشر:11] وقال تعالى: (بشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{138} الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) [النساء: 139،138]
*ومن أساليب مكرهم:
أسلوب الغزو الفكري للعقيدة والعقول والأخلاق ، وهذا الأسلوب من العداء للمسلمين وأمنهم الفكري والأخلاقي ، قد يكون أخطر من الأسلوب العسكري السابق بيانه، ذلك لأن العداء العسكري بالتقتيل والتشريد، والاحتلال العسكري للبلاد يستنهض الهمم، وينبه الغافلين، ويوقظ النائمين. أما الغزو الفكري العقدي على العقول والأخلاق، فيسري في الناس، وهم في غفلة عن ذلك، وبخاصة إذا اشتغل أكثر الناس بدنياهم ولهوهم وشهواتهم.
وإن أخطر غزو يوجهه الكفار اليوم إلى بلدان المسلمين وساعدهم في ذلك المنافقون، بل وينفذونه لهم، إنما هو غزوهم لعقول وأفكار المسلمين، وتغيير نظرتهم الصحيحة للإسلام، وذلك بوصفهم الإسلام أنه عقيدة وجدانية بين العبد وربه في صلاته ومسجده وأذكاره وتسبيحاته، وأن لا دخل له في توجيه دفة الحياة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما أنهم حرب على عقيدة الولاء والبراء بوصفها تثير العداء بين بني الإنسان. وهم حرب على شعيرة الجهاد بوصفها عدوان وكراهية وإرهاب وإكراه!! وهو حسب مكرهم وتضليلهم يتعارض مع سماحة الإسلام ورحمته!!
*ومن أساليب مكرهم:
العدوان على أمن الأخلاق والأعراض والبيوت والأسر ومن ذلك:
إثارة الشهوات، ونشر الرذيلة، وإفساد الأخلاق بما يقوم به الكفرة والمنافقون في وسائلهم الإعلامية المختلفة من مجلة وصحيفة ومذياع وتلفاز وقنوات فضائية وشبكات عنكبوتية، من نشر للعهر والفساد والإباحية التي تلهب الشهوة في نفوس المتعاطين معها، والتي تقود إلى الخبث والزنا، وفساد الأسر والبيوت والأعراض والنسل.
*ومن عدوانهم على أمن الأخلاق والأعراض والبيوت والأسر
تلك الحملة الشعواء على المرأة ولباسها وحجابها وعملها والدعوة إلى تحررها، والتمرد على قوامة زوجها إلى آخر هذه الصيحات العدوانية التي يريد أصحابها أن تكون المرأة سلعة رخيصة بيد الرجل يتمتع بها حيث شاء، كما يريدون أن يخلو البيت المسلم من مربية الأجيال، بحيث تترك أولادها وزوجها بلا سكن ولا رعاية، لتعمل مع الرجل الأجنبي خارج بيتها.
*ومن عدوانهم على أمن الأخلاق والأعراض والبيوت والأسر
تلك الهجمة الشرسة من الكفار والمنافقين على أهل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاولة تحجيمهم وتشويه سمعتهم ، ولا يخفى ما في ذلك من حقد دفين وغيظ شديد في قلوب المفسدين من رؤيتهم لهؤلاء المصلحين الذين هم بحق صمام أمان المجتمعات وهم يحاربون الفساد والرذيلة ويضيقون الخناق على المفسدين وبذلك يدرءون عقوبة الله عز وجل وعذابه ، وهذا لا يريح أهل الفساد بل يزعجهم ويغيظهم ولذلك فهم لا يفتأون يعادون أهل الحسبة ويضعون العقبات في طرقهم ويسعون لتشويه سمعتهم .
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الخطبة الثانية
أما بعد معاشر المسلمين
فيقول ربنا تبارك وتعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 83]،
أما بعد معاشر المسلمين
فيقول ربنا تبارك وتعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 83]،
نفهم من هذه الآية أن الأمن والإهتداء في الدنيا والآخرة لا يكونان إلا لمن آمن بالله ووحده، وأطاعه، ولم يلبس إيمانه بظلم. ولكن الناس يتفاوتون في هذا الأمن والاهتداء حسب تحقيقهم للإيمان وخلوصهم من الظلم.
فإن خلص الإيمان من الشرك الأكبر الذي هو أعظم الظلم، وخلص من ظلم العباد، وخلص من ظلم العبد لنفسه بما دون الشرك من الكبائر والمعاصي وذلك باجتنابها أو التوبة الصادقة منها قبل الموت؛ فإن هذا الصنف من الناس يحصلون على الأمن التام في الدنيا وعند الموت وبعد الموت في البرزخ ويوم القيامة. وهم الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل:32] وبقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{30} نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{31} نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) [فصلت: 30-32].
أما إذا شاب الإيمان شيء من الظلم، فينظر إلى هذا الظلم فإن كان من الظلم الأكبر الذي هو الشرك بالله عز وجل، فإن صاحبه محروم من مطلق الأمن في الدنيا والآخرة؛ فلا يشعر في الدنيا بأمن ولا سعادة ولا طمأنينة لفقده الإيمان. ولا ينعم بالأمن عند موته، بل تغشاه كرب الموت وغمراته وزجر ملائكة العذاب وضربهم له كما قال تعالى: ( ولَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الأنفال: 50] ولا يأمنون في قبورهم بل الفزع والعذاب المؤلم إلى يوم القيامة (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ..)[غافر:46] ويوم القيامة يحزنهم الفزع الأكبر، ويدخلون دار الشقاء والخوف والعذاب الأليم.
أما إذا كان هذا الظلم ما دون الشرك الأكبر كمظالم العباد، أو الكبائر والمعاصي التي مات العبد وهو مصر عليها، فإن هذا يحصل له الأمن في نهاية المطاف بدخوله الجنة دار الأمن والسلم بما معه من الإيمان والتوحيد والعمل الدال على صدق إيمانه؛ لكنه معرض للمخاوف والعذاب في البرزخ ويوم القيامة، حتى يتطيب ويزول خبثه، ويتهيأ لدخول الجنة دار الطيبين، لأن الجنة لا يدخلها إلا طيبا قال تعالى عن أهل الجنة: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر:73]
معاشر المسلمين:
دأب كثير من الناس في حديثه عن الأمن اقتصاره في ذلك على الأمن في الحياة الدنيا، وعدم التطرق عند الحديث عن الأمن عن أمن الآخرة وأهوالها، ولا عن أمن القبر ونعيمه وعذابه ولذا يحرص أكثر الناس اليوم على توفير الأمن في حياتهم الدنيا وبخاصة على النفس والأهل والمال والعرض، ويبذلون ما في وسعهم من الأسباب لتحقيق السلام والأمن والسعادة في حياتهم الدنيا. والقليل القليل منا من يوجه همه وتفكيره وحركته للفوز بالأمن الحقيقي والسلام السرمدي يوم يبعث الله من في القبور ويحصل ما في الصدور (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ) [الروم:14] فريق في الجنة آمنون سالمون منعمون أبد الآباد، وفريق في السعير معذبون مكروبون يحيون فيها ولا يموتون ، وما هم منها بمخرجين أبد الآباد. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{27} إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ )[المعارج: 28،27] وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [فصلت: 40]. فأي الدارين أحق بتوفير الأمن فيها ، أدار الدنيا الفانية الزائلة بأفراحها وأتراحها، أم الدار الباقية السرمدية بنعيمها أو عذابها؟ لاشك أن منطق الشرع والعقل يؤثر الآخرة على الأولى. والعاقل من مهَّد لنفسه ليرتاح الراحة التامة الكاملة الأبدية في دار الخلد والسلام. والعاجز الأحمق من غفل عن ما بعد الموت وعن اليوم الآخر وانشغل بدنياه الفانية الزائلة عما وراءه من الأهوال والأفزاع والحساب والعذاب (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34-37]
(يوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج:2].
والعجب كل العجب أنه مع كل هذا التذكير، والتنبيه والتحذير من ربنا الرحمن الرحيم من هذا اليوم العصيب، وأثره على أمن مستقبلنا الأبدي، إلا أن حالنا في هذا الزمان حال الغافل اللاهي عن كل هذه التحذيرات، فلا تكاد تجد منا- إلا من رحم الله- إلا من هو منشغل في هذه الدنيا ، قد استهلكت عليه وقته، وأصبح في دوامة مستمرة منذ أن يصبح وحتى ينام آخر الليل.
وما هنالك أشد من مرض الغفلة، ولكن الأدهى والأمر أن يكون المرء من أهل الغفلة وهو لا يشعر بذلك، وهذه الحالة – والعياذ بالله- قد تتحول إلى جمود وتحجر وقسوة، ثم إلى لجاج وعناد.
وإذا كان الكتاب والسنة قد اهتما غاية الاهتمام بتفاصيل هذا اليوم المشهود، وخوفا منه ومن أهواله، فإنه من الحمق والجهل أن لا نهتم بما اهتم به كتاب ربنا – سبحانه- وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
(فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر:15].
وبعد أيها المؤمنون :
فأن أعدى أعداء البشرية وأظلم الظالمين لها، وأعداء الأمن والسلام هم أولئك الذين يحاربون منهج التوحيد والإيمان أن يستقر في حياة الناس، ويحاربون شريعة الله عز وجل وأحكامها وآدابها أن تستقر في المجتمعات، ويريدون للناس أن لا يأمنوا في دنياهم على أديانهم ولا أنفسهم ولا أعراضهم ولا أموالهم ولا عقولهم. ويريدون لهم الشقاء والعذاب في نار جهنم يوم القيامة، فهؤلاء وأمثالهم يجب مطاردتهم ومحاصرتهم ومجاهدتهم وفضحهم حتى يصبحوا عاجزين عن هذا الظلم والفساد الذي يزاولونه، وأن ترصد لفضحهم وحربهم الأنفس والأموال. وهذا من أعظم غايات الجهاد وهنا أذكر بقول الله تعالى: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنعام: 81] وأخاطب به كل عاقل منصف: أي الفريقين أحق بالأمن، والدعوة إلى الأمن في الدنيا والآخرة؟ أهم دعاة التوحيد والإيمان والفضيلة أم دعاة الشرك والكفر والفساد والرذيلة؟ لقد حسم الله عز وجل الجواب بقوله سبحانه : الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: 82]