إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

الأمن وأسبابه

الأمن 
مصدره وأعداؤه
معاشر المسلمين
 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول تبارك وتعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، وثبت في الصحيحين من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وذلك في حجة الوداع: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض))، ويقول: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه))، وعن سهل بن حنيف أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أشرف يوم الدار ـ أي: على الخوارج الذين جاؤوا لقتله ـ فقال: أنشدكم بالله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إسلام، أو قتل نفس بغير حق فقتل به))؟! فوالله، ما زنيت في جاهليه ولا إسلام، ولا ارتددت منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا قتلت النفس التي حرم الله، فبم تقتلونني؟!

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، وموجب قتل العمد القصاص في الدنيا ووعيد في الآخرة. وقال عليه الصلاة والسلام: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)) متفق عليه، وفي الحديث الآخر: ((لو اجتمع أهل السماوات والأرض على قتل رجل مسلم لأكبهم الله في النار))، ((ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم)). وإذا تمالأ جماعة على قتل مسلم عدوانا اقتصّ منهم لما روى مالك عن سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة بفرد واحد قتلوه غيلة، وقال عمر: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم).

أيها المؤمنون
إن المتأمل في عالمنا المعاصر ليرى دون عناء ما يعج به من المخاوف والمزعجات والمقلقات، والقتل، والجوع، والأمراض النفسية والأسرية والاجتماعية ويرى الهلع على وجوه الكثير من الناس من جراء ما يهدد وجودهم وأعراضهم وأموالهم وقبل ذلك دينهم. وقد صاحب ذلك حملة ماكرة خبيثة ملبسة مضللة من الكفار، وأذنابهم المنافقين في وسائل إعلامهم المختلفة وذلك بالتلاعب بالمصطلحات، والتلبيس على الناس في معنى الأمن ووسائله، ومعنى الإرهاب وطرائقه. وجاءوا بزخرف من القول ليصرفوا الناس عن الأسباب الحقيقية للمخاوف وذهاب الأمن فأبعدوهم عن الأسباب الحقيقية لاختلال الأمن في حياة الأفراد والمجتمعات والدول والتي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم، وجعلها سنناً ثابتة لا تتغير ولا تتحول. وجاءوا بأسباب أملتها عليهم أهواؤهم ومصالحهم؛ فجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً. وهكذا شأن شياطين الجن والإنس الذين أخبرنا الله عز وجل عنهم بقوله: )َوكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ  ([الأنعام: 112].

أيها المسلمون
عندما يذكر الأمن ومتعلقاته عند كثير من الناس اليوم، فإنما يفهمون منه الأمن على النفوس، وعلى الأموال والأعراض من الاعتداء ويقصرونه على هذه الأمور فحسب، مع أن الأمن بمفهومه الشامل عندما يطلق فإنما يعني أموراً هي في مجموعها أشمل وأعم من هذا الفهم القاصر لمتعلقات الأمن ، وإن حاجة العبد إلى الأمن في ضرورياته الأساسية لا تقل عن حاجته إلى الطعام والشراب، ولكن هذه الضروريات تتفاوت في أهميتها؛ فالأمن على الدين والعقيدة يحتل في الأهمية المرتبة الأولى ثم يليه الأمن على الأنفس والعقول والأعراض والأموال.
ثمّ إنَّ الأمن في هذه الدنيا لا يتحقق إلا إذا أمن الناس فيها على تلك الضروريات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها ، على أديانهم و أنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم ،وكل هذه الضروريات لا يتوفر الأمن فيها إلا بطاعة الله عز وجل، وتوحيده واجتناب معاصيه ومساخطه. وإن لم يكن ذلك ، فإن سنة الله عز وجل نافذة على عباده الذين عصوه بأنواع العقوبات التي تورث الخوف وانعدام الأمن على هذه الضرورات؛ فلا يأمن الناس إذا عصوا ربهم على تلك الضروريات ، والواقع والتاريخ يشهد بذلك  ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [النحل: 33]، وهذا ما حذر منه مؤمن آل فرعون قومه وذلك في قوله تعالى
 ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ [غافر: 31،30] وهذا ما أخبر به ربنا عز وجل عن القرية الآمنة بقوله: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ )[النحل:112].

وفي ضوء الآيات السابقة وما في معناها نخلص إلى أن الأمن الشامل الحقيقي لا يتحقق في دنيا الناس، ولا يصدق على أن فرداً أو طائفة أو مجتمعاً أو دولة في وضع آمن، حتى يكونوا آمنين على دينهم وعقولهم من الشبهات والضلالات والأفكار المنحرفة عن عقيدة التوحيد وأخلاق الإسلام وشريعته.
وكذلك آمنين على أنفسهم ودمائهم من الاعتداء والتهديد وإلحاق الأذى،وكذلك آمنين على أعراضهم من كل ما من شأنه أن يلحق الضرر والأذى بها من فتن الشهوات والعبث مما يكون سبباً في إشاعة الفاحشة بين المؤمنين والاعتداء على الأعراض.

وكذلك آمنين على أموالهم من السلب والاعتداء، وانتشار المال الحرام، وأكل الأموال بالباطل.
وبدون الأمن على هذه الضروريات الخمس لا يكون الفرد، ولا المجتمع، ولا الدولة، ولا البشرية في أمن ولا أمان. وأكبر شاهد لذلك ما يعيشه العالم اليوم سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع، أو البشرية بأسرها من القلق والخوف والاعتداء الصارخ على هذه الضروريات الأساسية التي جاء الإسلام في الدنيا لحفظها وصيانتها لينعم الناس في ظله بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.

أيها المسلمون :
عندما غاب شرع الإسلام عن أكثر بقاع الأرض عقيدة وشريعة، وأعرض أكثر الناس عن طاعة الله تعالى، وتوحيده، وانتشر الكفر والشرك والفسوق والعصيان رأينا عقوبة الله عز وجل وسنته التي لا تتخلف في القوم الظالمين حيث انتشر الخوف والرعب والقلق والشقاء بين الناس، وتسلط بعضهم على بعض، وسادت شريعة الغاب، وأصبح الإنسان لا يأمن على دينه ولا نفسه ولا عقله ولا ماله ولا عرضه إلا من رحم الله عز وجل ووفقه لتوحيده وطاعته التي هي مصدر الأمن والسلام والسعادة. 

إن من أراد أن يأمن في هذه الحياة الدنيا من عذاب الله عز وجل، ويحصل على الأمن والسلام في دينه ونفسه وعقله وماله وعرضه، ويحصل على الأمن يوم القيامة، فلن يجد ذلك إلا في ظل الإسلام الحقيقي الذي هو توحيد الله عز وجل، وأحكامه وطاعته، والدخول في السلم كافة، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97] وقال سبحانه: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية: 21]. ومن ذهب يبحث عن الأمن والسعادة في غير طاعة الله عز وجل وتوحيده؛ فمثله كمن رأى سراباً حتى إذا جاءه لم يجد شيئاً، بل لن يجد إلا الخوف والرعب والقلق والشقاء. قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)  [طه: 124].
وليعلم المؤمن إن الأمن الذي يشعر به في طاعة الله عز وجل، ويجده في محبة الله تعالى والأنس به، واليقين بلقائه لا يعني أنه لا يتعرض للخوف والفزع في الدنيا بل إن من سنة الله عز وجل في عباده المؤمنين أن يبتليهم ويمحصهم بصنوف من البلاء. ومن أنواع البلاء: المخاوف والهموم والأذى الذي يتعرضون له من أعداء الله عز وجل لكنهم بما عندهم من الإيمان، والتوكل على الله تعالى، والثقة في كفايته، ورجاء الأجر عنده يوم القيامة كل ذلك من شأنه أن يخفف عليهم المخاوف ويسكب في نفوسهم الأمن والطمأنينة والسكينة والثبات. والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة.

فهؤلاء أنبياء الله تعالى وصفوته من خلقه لم يتعرض أحد من البشر إلى الأذى والمخاوف مثل ما تعرضوا له، ولكنهم واجهوا ذلك كله بالطمأنينة، والاستعانة بالله تعالى وتفويض الأمور إليه ، ثم إن لهم أعظم الكرامة حين يلقون ربهم تبارك وتعالى في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

معاشر المسلمين :
وحتى نصل إلى الأمن الحقيقي الذي ينشده كل مسلم ، يجب علينا أن نعرف عدونا الحقيقي ، أعداء الأمن والسلام المتمثل في دين الإسلام الحق :
فالعدوالأول: فئة الكفار والمنافقين
والعدوالثاني: فئة أهل الأهواء والشبهات
والعدوالثالث: فئة أهل الشهوات والفسق والمجون
وهذه الفئات ليست على درجة واحدة في الخطورة فخطر فئة الكفار والمنافقين هي أشدها ثم فئة أهل الأهواء ثم أهل الشهوات.

والكفار في عدائهم وحربهم للأمن والسلام يستخدمون وسائل ماكرة كثيرة ، منها أسلوب الغزو العسكري والإرهاب والقتل والتشريد والأسر وهتك الأعراض، وسلب الأموال. وهذا أمر واضح لا يشك فيه عاقل. والتاريخ يشهد، وواقعنا المعاصر شاهد على ذلك.

والمنافقون بتوليهم الكفار وخيانتهم للمسلمين يعدون من أعدى أعداء الأمن والسلام، حيث يتواطأون مع الكفار في غزوهم لبلدان المسلمين، ويرحبون بهم. ولولا هؤلاء المنافقون وأمثالهم لما استطاع الكفار دخول بلاد المسلمين ولما وجدوا لهم موطأ قدم في بلدان المسلمين ، ومن أشهر المنافقين في واقعنا المعاصر : الرافضة (أحفاد ابن العلقمي)، والعلمانيون المستغربون، وزنادقة الصوفية الباطنيون.
وقد حذرنا الله عز وجل من المنافقين وعداوتهم وكيدهم للإسلام وأهله وذلك بتوليهم للكفار، ونصرتهم لهم، وفرحهم بانتصارهم على المسلمين. قال الله عز وجل: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )[
الحشر:11] وقال تعالى: (بشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{138} الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) [النساء: 139،138]

*ومن أساليب مكرهم:
أسلوب الغزو الفكري للعقيدة والعقول والأخلاق ، وهذا الأسلوب من العداء للمسلمين وأمنهم الفكري والأخلاقي ، قد يكون أخطر من الأسلوب العسكري السابق بيانه، ذلك لأن العداء العسكري بالتقتيل والتشريد، والاحتلال العسكري للبلاد يستنهض الهمم، وينبه الغافلين، ويوقظ النائمين. أما الغزو الفكري العقدي على العقول والأخلاق، فيسري في الناس، وهم في غفلة عن ذلك، وبخاصة إذا اشتغل أكثر الناس بدنياهم ولهوهم وشهواتهم.

وإن أخطر غزو يوجهه الكفار اليوم إلى بلدان المسلمين وساعدهم في ذلك المنافقون، بل وينفذونه لهم، إنما هو غزوهم لعقول وأفكار المسلمين، وتغيير نظرتهم الصحيحة للإسلام، وذلك بوصفهم الإسلام أنه عقيدة وجدانية بين العبد وربه في صلاته ومسجده وأذكاره وتسبيحاته، وأن لا دخل له في توجيه دفة الحياة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما أنهم حرب على عقيدة الولاء والبراء بوصفها تثير العداء بين بني الإنسان. وهم حرب على شعيرة الجهاد بوصفها عدوان وكراهية وإرهاب وإكراه!! وهو حسب مكرهم وتضليلهم يتعارض مع سماحة الإسلام ورحمته!!

*ومن أساليب مكرهم:
العدوان على أمن الأخلاق والأعراض والبيوت والأسر
 ومن ذلك:
 إثارة الشهوات، ونشر الرذيلة، وإفساد الأخلاق بما يقوم به الكفرة والمنافقون في وسائلهم الإعلامية المختلفة من مجلة وصحيفة ومذياع وتلفاز وقنوات فضائية وشبكات عنكبوتية، من نشر للعهر والفساد والإباحية التي تلهب الشهوة في نفوس المتعاطين معها، والتي تقود إلى الخبث والزنا، وفساد الأسر والبيوت والأعراض والنسل.

*ومن عدوانهم على أمن الأخلاق والأعراض والبيوت والأسر
تلك الحملة الشعواء على المرأة ولباسها وحجابها وعملها والدعوة إلى تحررها، والتمرد على قوامة زوجها إلى آخر هذه الصيحات العدوانية التي يريد أصحابها أن تكون المرأة سلعة رخيصة بيد الرجل يتمتع بها حيث شاء، كما يريدون أن يخلو البيت المسلم من مربية الأجيال، بحيث تترك أولادها وزوجها بلا سكن ولا رعاية، لتعمل مع الرجل الأجنبي خارج بيتها.

*ومن عدوانهم على أمن الأخلاق والأعراض والبيوت والأسر
تلك الهجمة الشرسة من الكفار والمنافقين على أهل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاولة تحجيمهم وتشويه سمعتهم ، ولا يخفى ما في ذلك من حقد دفين وغيظ شديد في قلوب المفسدين من رؤيتهم لهؤلاء المصلحين الذين هم بحق صمام أمان المجتمعات وهم يحاربون الفساد والرذيلة ويضيقون الخناق على المفسدين وبذلك يدرءون عقوبة الله عز وجل وعذابه ، وهذا لا يريح أهل الفساد بل يزعجهم ويغيظهم ولذلك فهم لا يفتأون يعادون أهل الحسبة ويضعون العقبات في طرقهم ويسعون لتشويه سمعتهم .
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 

الخطبة الثانية
 أما بعد معاشر المسلمين
فيقول ربنا تبارك وتعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)  [الأنعام: 83]، 

نفهم من هذه الآية أن الأمن والإهتداء في الدنيا والآخرة لا يكونان إلا لمن آمن بالله ووحده، وأطاعه، ولم يلبس إيمانه بظلم. ولكن الناس يتفاوتون في هذا الأمن والاهتداء حسب تحقيقهم للإيمان وخلوصهم من الظلم.

فإن خلص الإيمان من الشرك الأكبر الذي هو أعظم الظلم، وخلص من ظلم العباد، وخلص من ظلم العبد لنفسه بما دون الشرك من الكبائر والمعاصي وذلك باجتنابها أو التوبة الصادقة منها قبل الموت؛ فإن هذا الصنف من الناس يحصلون على الأمن التام في الدنيا وعند الموت وبعد الموت في البرزخ ويوم القيامة. وهم الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)  [النحل:32] وبقوله تعالى: (إِنَّ  الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{30} نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{31} نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) [فصلت: 30-32].

أما إذا شاب الإيمان شيء من الظلم، فينظر إلى هذا الظلم فإن كان من الظلم الأكبر الذي هو الشرك بالله عز وجل، فإن صاحبه محروم من مطلق الأمن في الدنيا والآخرة؛ فلا يشعر في الدنيا بأمن ولا سعادة ولا طمأنينة لفقده الإيمان. ولا ينعم بالأمن عند موته، بل تغشاه كرب الموت وغمراته وزجر ملائكة العذاب وضربهم له كما قال تعالى: ( ولَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ)  [الأنفال: 50] ولا يأمنون في قبورهم بل الفزع والعذاب المؤلم إلى يوم القيامة  (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ..)[غافر:46] ويوم القيامة يحزنهم الفزع الأكبر، ويدخلون دار الشقاء والخوف والعذاب الأليم. 

أما إذا كان هذا الظلم ما دون الشرك الأكبر كمظالم العباد، أو الكبائر والمعاصي التي مات العبد وهو مصر عليها، فإن هذا يحصل له الأمن في نهاية المطاف بدخوله الجنة دار الأمن والسلم بما معه من الإيمان والتوحيد والعمل الدال على صدق إيمانه؛ لكنه معرض للمخاوف والعذاب في البرزخ ويوم القيامة، حتى يتطيب ويزول خبثه، ويتهيأ لدخول الجنة دار الطيبين، لأن الجنة لا يدخلها إلا طيبا قال تعالى عن أهل الجنة: (  وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر:73]

معاشر المسلمين:
دأب كثير من الناس في حديثه عن الأمن اقتصاره في ذلك على الأمن في الحياة الدنيا، وعدم التطرق عند الحديث عن الأمن عن أمن الآخرة وأهوالها، ولا عن أمن القبر ونعيمه وعذابه ولذا يحرص أكثر الناس اليوم على توفير الأمن في حياتهم الدنيا وبخاصة على النفس والأهل والمال والعرض، ويبذلون ما في وسعهم من الأسباب لتحقيق السلام والأمن والسعادة في حياتهم الدنيا. والقليل القليل منا من يوجه همه وتفكيره وحركته للفوز بالأمن الحقيقي والسلام السرمدي يوم يبعث الله من في القبور ويحصل ما في الصدور (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ )  [الروم:14] فريق في الجنة آمنون سالمون منعمون أبد الآباد، وفريق في السعير معذبون مكروبون يحيون فيها ولا يموتون ، وما هم منها بمخرجين أبد الآباد. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{27} إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ )[المعارج: 28،27] وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [فصلت: 40]. فأي الدارين أحق بتوفير الأمن فيها ، أدار الدنيا الفانية الزائلة بأفراحها وأتراحها، أم الدار الباقية السرمدية بنعيمها أو عذابها؟ لاشك أن منطق الشرع والعقل يؤثر الآخرة على الأولى. والعاقل من مهَّد لنفسه ليرتاح الراحة التامة الكاملة الأبدية في دار الخلد والسلام. والعاجز الأحمق من غفل عن ما بعد الموت وعن اليوم الآخر وانشغل بدنياه الفانية الزائلة عما وراءه من الأهوال والأفزاع والحساب والعذاب (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34-37]  
(يوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)  [الحج:2].

والعجب كل العجب أنه مع كل هذا التذكير، والتنبيه والتحذير من ربنا الرحمن الرحيم من هذا اليوم العصيب، وأثره على أمن مستقبلنا الأبدي، إلا أن حالنا في هذا الزمان حال الغافل اللاهي عن كل هذه التحذيرات، فلا تكاد تجد منا- إلا من رحم الله- إلا من هو منشغل في هذه الدنيا ، قد استهلكت عليه وقته، وأصبح في دوامة مستمرة منذ أن يصبح وحتى ينام آخر الليل.
وما هنالك أشد من مرض الغفلة، ولكن الأدهى والأمر أن يكون المرء من أهل الغفلة وهو لا يشعر بذلك، وهذه الحالة – والعياذ بالله- قد تتحول إلى جمود وتحجر وقسوة، ثم إلى لجاج  وعناد.
وإذا كان الكتاب والسنة قد اهتما غاية الاهتمام بتفاصيل هذا اليوم المشهود، وخوفا منه ومن أهواله، فإنه من الحمق والجهل أن لا نهتم بما اهتم به كتاب ربنا – سبحانه- وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
(فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)  [الزمر:15].

وبعد أيها المؤمنون :
 فأن أعدى أعداء البشرية وأظلم الظالمين لها، وأعداء الأمن والسلام هم أولئك الذين يحاربون منهج التوحيد والإيمان أن يستقر في حياة الناس، ويحاربون شريعة الله عز وجل وأحكامها وآدابها أن تستقر في المجتمعات، ويريدون للناس أن لا يأمنوا في دنياهم على أديانهم ولا أنفسهم ولا أعراضهم ولا أموالهم ولا عقولهم. ويريدون لهم الشقاء والعذاب في نار جهنم يوم القيامة، فهؤلاء وأمثالهم يجب مطاردتهم ومحاصرتهم ومجاهدتهم وفضحهم حتى يصبحوا عاجزين عن هذا الظلم والفساد الذي يزاولونه، وأن ترصد لفضحهم وحربهم الأنفس والأموال. وهذا من أعظم غايات الجهاد وهنا أذكر بقول الله تعالى: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنعام: 81] وأخاطب به كل عاقل منصف: أي الفريقين أحق بالأمن، والدعوة إلى الأمن في الدنيا والآخرة؟ أهم دعاة التوحيد والإيمان والفضيلة أم دعاة الشرك والكفر والفساد والرذيلة؟ لقد حسم الله عز وجل الجواب بقوله سبحانه : الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: 82]  

3

نعمة الأمن

( نعمة الامن ) 
أيّها المسلمون، فرَض الله الفرائضَ وحرَّم المحرَّماتِ وأوجب الحقوقَ رِعايةً لمصالحِ العباد، وجعل الشريعةَ غِذاءً لحِفظ حياتِهم ودواءً لدَفع أدوائهم، وجاءت دعوةُ الرّسل بإخلاصِ العبادةِ لله وحدَه بخضوع وخشوعٍ وطمأنينة، ومَقَتت ما يصرِف القلوبَ عن خالقِها، فكانت أوَّل تضرُّعات الخليل عليه السلام لربّه جل وعلا أن يبسُطَ الأمنَ على مهوى أفئِدَة المسلمين فقال: ربِّ اجعل هذا البلدَ أمنًا، فاستجاب الله دعاءَه فقال سبحانه: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا[آل عمران:97].

وفضَّل الله البيتَ الحرام بما أحلَّ فيه من الأمنِ والاستقرار، وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا [البقرة:125]. وامتنَّ الله على ثمودَ قومِ صالح نحتَهم بيوتَهم من غير خوفٍ ولا فزع، فقال عنهم: وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ [الحجر:82]. وأنعمَ اللهُ على سبَأ وأغدَق عليهم الآلاء المتتابعةَ وأسكنهمُ الدّيار الآمنة، فقال جل وعلا: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ[سبأ:18]. ويوسفُ عليه السلام يخاطبُ والدَيه وأهلَه ممتنًّا بنعمة الله عليهم بدخولهم بلدًا آمنًا مستقرًّا تطمئنّ فيه نفوسهم وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [يوسف:99]. وحَبَس الله عن مكةَ الفيلَ وجعل كيدَ أصحابِ الفيل في تضليل لتبقَى كعبةُ الله صرحًا آمنًا عبر التاريخ.

والعربُ قبلَ الإسلام كانت تعيش حالةً من التمزُّق والفوضى والضّياع، تدور بينهم حروبٌ طاحنة ومعاركُ ضارية، وعلَت مكانةُ قريش من بينهم لاحتضانها بلدًا آمنا، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت:67]، بل وأقسم الله بذلك البلدِ المستقرِّ الآمن: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:1-3]، ووعد الله نبيَّه محمَّدًا عليه الصلاة والسلام وأصحابه بأداء النُّسُك على صفةٍ تتشوَّف لها نفوسهم وهي الأمنُ والاطمئنان، قال جلّ وعلا: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ [الفتحة:27].
وممّا اختصَّت به مدينةُ المصطفى  أمنُها حين فَزَع القرى من المسيح الدجال، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يدخُل المدينةَ رعْبُ المسيح الدجال، لها يومئِذ سبعةُ أبواب، على كلِّ باب ملكان)) رواه البخاري

ومن نعيمِ أهل الجنة في الجنّة أمنُ المكان، فلا خوفَ ولا فزعَ ولا تحوُّل، ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ [الحجر:46]، وقال سبحانه: وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ:37]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ [الدخان:51].

أيّها المسلمون، لقد جمعت شريعةُ الإسلام المحاسنَ كلّها، فصانت الدينَ وحفِظت العقول وطهَّرتِ الأموال وصانت الأعراض وأمَّنت النفوس، أمرتِ المسلمَ بإلقاء كلمة السلام والأمن والرحمةِ والاطمئنان على أخيه المسلم إشارةً منها لنشرِ الأمن بين الناس، وأوجبت حفظَ النفس حتى في مظِنَّة أمنها في أحبِّ البقاع إلى الله، قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا مَرَّ أحدُكم في مسجدِنا أو في سوقنا ومعه نَبلٌ فليمسِك على نِصالها ـ أو قال: ـ فليقبِض بكفِّه أن يصيبَ أحدًا من المسلمين منها بشيء)) متفق عليه

وحذَّرت من إظهارِ أسباب الرَّوع بين صفوفِ المسلمين، قال : ((لا يُشِر أحدُكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعلَّ الشيطانَ ينزِع في يده، فيقعُ في حفرةٍ من النار)) متفق عليه
وحرَّمت على المسلم الإشارةَ على أخيه المسلم بالسّلاح ولو مازحًا، قال النبيّ : ((من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإنّ الملائكة تلعنُه حتى يدعَها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه)) رواه المسلم
قال النوويّ رحمه الله: "هذا مبالغة في إيضاح عُموم النهي في كلِّ أحدٍ، سواء من يُتَّهم فيه ومن لا يتَّهم، وسواء كان هذا هزلاً ولعبًا أم لا؛ لأن ترويعَ المسلم حرامٌ بكلِّ حال"

ودعا الإسلامُ إلى كلِّ عمل يبعَث على الأمن والاطمِئنان بين صفوفِ أفراده، وأمر بإخفاء أسباب الفزَع في المجتمع، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّع مسلِمًا)) رواه أحمد
ولمَّا دخل النبيّ  مكَّة عامَ الفتح، منح أهلَ مكَّة أعظمَ ما تتوُق إليه نفوسهم، فأعطى الأمانَ لهم وقال: ((من دخَل دارَ أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقَى السّلاحَ فهو آمن، ومن دخل المسجدَ فهو آمن)) رواه مسلم
وما شُرعت الحدود العادِلة الحازمة في الإسلام على تنوُّعها إلاَّ لتحقيقِ الأمن في المجتمعات.

أيها المسلمون، بالأمن والإيمان تتوحَّد النفوسُ، وتزدهِر الحياة، وتغدَق الأرزاق، ويتعارف الناس، ، ويزدادُ الحبلُ الوثيق بين الأمة وعلمائها، وتتوثَّق الروابطُ بين أفراد المجتمع، وتتوحَّد الكلمةُ، ويأنس الجميعُ، ويتبادل الناسُ المنافع، وتُقام الشعائر بطمأنينة، وتقُام حدود الله في أرض الله على عباد الله.

وإذا اختلَّ الأمنُ تبدَّل الحالُ، ولم يهنأ أحدٌ براحةِ بال، فيلحقُ الناسَ الفزعُ في عبادتهم، فتُهجَر المساجد ويمنَع المسلم من إظهارِ شعائر دينه، قال سبحانه: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ [يونس:83]، وتُعاق سُبُلُ الدعوة، وينضَب وُصول الخير إلى الآخرين، وينقطع تحصيلُ العلم وملازمة العلماء، ولا توصَل الأرحام، ويئنُّ المريض فلا دواءَ ولا طبيب، وتختلُّ المعايش، وتهجَر الديار، وتفارَق الأوطان، وتتفرَّق الأسَر، وتنقَضُ عهودٌ ومواثيق، وتبور التجارة، ويتعسَّر طلبُ الرزق، وتتبدَّل طباعُ الخَلق، فيظهرُ الكَذِب ويُلقَى الشحّ ويبادَر إلى تصديق الحَبَر المخوف وتكذيب خبر الأمن.

باختلال الأمن تُقتَل نفوسٌ بريئة، وترمَّل نساء، ويُيتَّم أطفال. إذا سُلِبت نعمةُ الأمن فشا الجهلُ وشاع الظلم وسلبتِ الممتلكات، وإذا حلَّ الخوفُ أُذيق المجتمعُ لباسَ الفقر والجوع، قال سبحانه: فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112]
الخوفُ يجلِب الغمَّ، وهو قرين الحزن، 
ولو قلَّبتَ البصرَ في الآفاقِ لوجدتَ الأمنَ ضرورةً في كلّ شأن، ولن تصلَ إلى غايةِ كمالِ أمرٍ إلا بالأمن، بل لن تجدَ مجتمعًا ناهضًا وحبالُ الخوف تهزّ كيانَه.
أيّها المسلمون، نعمةُ الأمن من نعَم الله حقًّا، حقيقٌ بأن تُذكَر ويذكَّر بها وأن يُحافَظ عليها، قال سبحانه: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ [الأنفال:26]

ونعمةُ الأمن تُقابَل بالذكر والشكر، فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:239]. 
وأمَر الله قريشًا بشكر نعمةِ الأمن والرخَاء بالإكثار من طاعته، قالَ جل جلاله: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ  الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3، 4].

والمعاصي والأمنُ لا يجتمِعان، فالذنوب مُزيلةٌ للنِّعم، وبها تحُلّ النقم، قال سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53]، وما نزل بلاءٌ إلاَّ بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة. والطاعةُ هي حِصن الله الأعظمُ الذي من دخله كان من الآمنين.
وبالخوف منَ الله ومراقبتِه يتحقّق الأمن والأمان، فما منع الاخ من قتل أخيه الاّ خوفِه من ربِّه جل وعلا، مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28].

والعنايةُ بالعلم والتمسُّك بالكتابِ والسنة شريعةً وقِيَمًا وأصولاً اجتماعية عصمةٌ من الفتن، وللتعليم الشرعيِّ أساسٌ في رسوخ الأمن والاطمئنان، قال ابن القيّم رحمه الله: "وإذا ظهر العلمُ في بلدٍ أو محلّة قلّ الشر في أهلها، وإذا خفي العلمُ هناك ظهَر الشرّ والفساد"
والعلماءُ الربانيّون هم ورثةُ الأنبياء، وفي ملازمتِهم وزيارتهم وسؤالهم والاستنارةِ بآرائهم سدادٌ في الرأي وتوفيقٌ للصواب ودرءٌ للمفاسد. وببركةِ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر تُمنَع الشرور والآفات عن المجتمعات. وحِفظُ العبد نفسَه من شهواتِ النفس وشبهاتِ القلبِ أصلٌ في صيانةِ المجتمع من المخاوف والمكاره. وتأويلُ نصوص الشريعة على غير وجهِها سببُ انحرافِ الفهوم، ومنها ينطلق الأعداءُ لتلويث عقولِ الناشئة، ويزداد أثره حينَ يضعُف التحصُّن بعلوم الدين.

الخطبة الثانية : 
وبعد: أيها المسلمون، فحِفظُ الأمن في بلاد الحرمين ألزمُ، فعلى ثراها تنزَّل الوحي، ومِن بين لابتَي طابةَ شعَّ النور في الآفاق، فيها بيتُ الله قائم، وفيها مسجدُ رسول الله  عامر.
ويجب أن ينهلَ الجميعُ من منبع الكتاب والسنّة من غير تحريفٍ أو تأويل لنصوصِهما، ومعرفة ضوابط الولاءِ والبراء من غير إفراطٍ فيها أو مجافاة عنها, وبالتمسك بالشريعة يسعَدُ الجميعُ بالأمن والرخاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ[النور:55].

وان ما حصل من الاحداث الاخيره ..لدليل على أهمية تكاتف الجميع في سبيل الحفاظ على أمن المجتمع وأمانه .. ان هذه التصرفات التي لا يقرّها عقل ولا دين ولا منطق ولا دعوه ، لا تجلب للمجتمع سوى المزيد من الهلاك والدمار والتشتت والخوف والرعب الذي يسيطر على النفوس ..
واجب علينا جميعاً ان نعلم ان ما أصابنا انما هو بما كسبت ايدينا ويعفو – سبحانه – عن كثير ، وانه ما نزل بلاء الاّ بذنب ولا رُفع الاّ بتوبة صادقة من الجميع ..
وان مثل هذه الاحداث المستنكرة التي تتكرر ، تحتاج الى بحث عن اسبابها ومعالجتها المعالجة الصحيحة التي تقطع دابرها وتحمي المجتمع من نتائجها .. معالجة كل الاسباب بلا استثناء ولا انتقاء ، والنزول الى ارض الواقع لمعرفة الحقيقة الكاملة ...
إن من أراد أن يأمن في هذه الحياة الدنيا من عذاب الله عز وجل، ويحصل على الأمن والسلام في دينه ونفسه وعقله وماله وعرضه، ويحصل على الأمن يوم القيامة، فلن يجد ذلك إلا في ظل الإسلام الحقيقي الذي هو توحيد الله عز وجل، وأحكامه وطاعته، والدخول في السلم كافة، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97] وقال سبحانه: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية: 21]. ومن ذهب يبحث عن الأمن والسعادة في غير طاعة الله عز وجل وتوحيده؛ فمثله كمن رأى سراباً حتى إذا جاءه لم يجد شيئاً، بل لن يجد إلا الخوف والرعب والقلق والشقاء. قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)  [طه: 124].
وليعلم المؤمن إن الأمن الذي يشعر به في طاعة الله عز وجل، ويجده في محبة الله تعالى والأنس به، واليقين بلقائه لا يعني أنه لا يتعرض للخوف والفزع في الدنيا بل إن من سنة الله عز وجل في عباده المؤمنين أن يبتليهم ويمحصهم بصنوف من البلاء. ومن أنواع البلاء: المخاوف والهموم والأذى الذي يتعرضون له من أعداء الله عز وجل لكنهم بما عندهم من الإيمان، والتوكل على الله تعالى، والثقة في كفايته، ورجاء الأجر عنده يوم القيامة كل ذلك من شأنه أن يخفف عليهم المخاوف ويسكب في نفوسهم الأمن والطمأنينة والسكينة والثبات. والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة.
فهؤلاء أنبياء الله تعالى وصفوته من خلقه لم يتعرض أحد من البشر إلى الأذى والمخاوف مثل ما تعرضوا له، ولكنهم واجهوا ذلك كله بالطمأنينة، والاستعانة بالله تعالى وتفويض الأمور إليه ، ثم إن لهم أعظم الكرامة حين يلقون ربهم تبارك وتعالى في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فمن أهم أسباب الامن إقامة شرع الله في الارض ، وتطبيق حدوده ، والاخذ على أيدي السفهاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، قمع أهل الفساد وأطرهم على الحق أطرا ، وقصرهم على الحق قصرا ، حتى يأمن المجتمع من شرهم ويكون الدين كله لله ، فبالشكر تدوم 
2

الخميس، 12 سبتمبر 2019

وما كان لمؤمن ولا مؤمنة

( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ) 
الخطبة الاولى : 
ذكر المفسرون أن رسول الله عليه الصلاة والسلام خطب أبنت عمه زينب بن جحش لمولاه زيد أبن حارثه ، فقالت : يا رسول الله ، لست بنكاحته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل فانكحيه فقالت : يا رسول الله ، أؤامر فى نفسى؟ فبينما هما يتحادثان ، أنزل الله - تعالى هذه الآية ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراُ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاُ مبينا ) . فقالت : يا رسول الله ، قد رضيته لى زوجا؟ قال : نعم قالت : إذا لا أعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجته نفسى " .
قال ابن كثير : هذه الاية عامة فى جميع الأمور . وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشئ ، فليس لأحد مخالفته ، ولا اختيار لأحد هاهنا ولا رأى ولا قول ، كما قال – تعالى( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً  ( 
وفى الحديث الشريف  والذى نفسى بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " . صححه أحمد شاكر
وقال - سبحانه  ) إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً  ( للإِشعار ، بأن ما يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يفعله بأمرا لله - تعالى - لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى .
وقوله ) أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ أى : لا يصح لمؤمن أو مؤمنة إذا أراد الله ورسوله أمرا ، أن يختاروا ما يخالف ذلك ، بل يجب عليهم أن يذعنوا لأمره صلى الله عليه وسلم وأن يجعلوا رأيهم تابعا لرأيه فى كل شئ .
ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا ( فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا ( يقول: فقد جار عن قصد السبيل، وسلك غير سبيل الهدى والرشاد.
﴿وَما كانَ ﴾  العلماء قالوا: ما كان لنفي الشأن، لو سألت إنساناً: هل أنت جائع؟ يقول لك: لا، الجوع حدث، لا تكفي، 
لو كنت إنساناً محترماً جداً ولك مكانة، لو شخص سألك: هل أنت سارق؟ ليس من الحكمة ولا من البلاغة أن تقول: لا، يجب أن تقول: ما كان لي أن أسرق، صيغة ما كان  كما يقول أهل اللغة والبلاغة - تنفي عشرة أفعال، لا أفعل، ولا أرضى، ولا أشجع، ولا أعطي، مثلاً قال تعالى:
﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم ﴾سورة الأنفال: ٣٣ ]  أي مستحيل وألف مستحيل أن يعذب المؤمنون وهم مطبقون سنة النبي عليه الصلاة والسلام،.. فالمعنى : مستحيل وألف مستحيل أن يكون للمؤمن خيرة من امره اذا قضى الله ورسوله في أمر ما ..مستحيل وألف مستحيل ان يكون
اعلموا عباد الله أن هذه الآية الكريمة تؤسس قاعدة أساسية يجب أن تكون منهجاً لحياة المسلمين وأن تستقر في نفوسهم وتتمثل في واقعهم ، إنه الأصل العظيم الذي يوجب على الراعي والرعية وعلى الفرد والمجتمع ، الاستجابة لأمر الله جل وعلا وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع مناشط الحياة وفي كافة المجالات والتصرفات ، 
هذه الآية تقرر قاعدة كبرى بأن من مقتضيات الإيمان وصفاته واركانه الإسراع إلى مرضاة الله جل وعلا والاستهداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والإذعان والاستسلام والخضوع لحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم .
عباد الله : إن سلف هذه الأمة لم ينالوا وشرف هذه الدنيا وفلاحها ونصرها وأمنها وأمانها ، إلا حينما وقفوا حيث أمر الله واختاروا لأنفسهم ما اختاره شرع الله فحازوا بذلك خير الدنيا وسعادتها ورضي الله ورضوانه في الآخرة .
عن عائشة رضي الله عنها قالت :( يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) شَقَّقْنَ  مُرُوطَهن فاعتجرن بِهَا ) فالواجب على كل مسلم أن يقف عند شرع الله وأن يحكم  في هواه وشهواته ورغباته حدود الله جل وعلا .
فإذا دعته نفسه إلى كسب دنيوي أو شهوة بدنية فعليه أن ينظر في حكمها ومدى مسايرتها للمنع الشرعي الصحيح وليحذر نفسه الأمارة بالسوء وليجتنب الغرور بهذه الدنيا الفانية الزائلة .
فيا أهل السلام تمسكوا بدينكم وقدموه على كل غال ونفيس تغنموا وتسعدوا وتفلحوا (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
ومن لم يلتزم شرع الله واتبع هواه فقد زل به الطريق وانحرف به عن الجادة القويمة ووقع في الضلال البعيد والانحراف السحيق ، قال تعالى بعد أن ذكر شأن المؤمنين (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) .
ورسوله صلى الله عليه وسلم يخاطب أمته داعياً إياهم طريق السعادة وسفينة النجاة قائلاً (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا ومن يأبى يا رسول الله، قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى ) .
ولفظ من أمرهم " دلالة على أن المؤمن ليس له اختيار في طاعة الله ورسوله، وعليه الخضوع بين يدي ربه الذي يصرف له أموره ويدبر له شؤونه، فالله القيوم قائم على أمره كله ، وفي تفاصيل حياته كلها صغيرها وكبيرها
إنَّ اليقين بأنَّ الخير فيما اختاره الله لعبده له الأثر الكبير على النفس ، مما يجعل العبد في طمأنينة وراحة أنَّ أمره كله خير
أيها المسلمون: إن الواجب علينا أن لا نتعدى حدود الله التي يجب أن نعيش بها وأن نتحاكم إليها ، ونحن في خطر عظيم ومهلكة واقعة إن نحن أصبحنا نتخير في أمر قضى الله عز وجل به أو رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك كان من الإثم العظيم أن يتخير المسلمون في أمر حرام او أن يطرحوه لتصويت أو إبداء رأي أو استطلاع أو غيرها من الوسائل التي توحي بشيء من التخيير بين حكم الله ورسوله وبين حكم البشر 
لا خيرة للمؤمن الصادق في أحكام الله ، ليس له ألاّ التسليم والرضى والقبول والطمأنينة في جميع ما يقضي الله عزجل ويقضي رسوله عليه الصلاة والسلام في العبادات والاحكاموالمعاملات والاخلاق والدين والدنيا والثقافة والسياسة والفرد والمجتمع والامة  والاسرةوالزوجة والابناء والاقتصاد وكل شيء ، فالامر أمره والخلق خلقه ونحن عبيده نسمع ونطيع ونسّلم ونأتمر ، لان في ذلك الخير والصلاح والفلاح لنا في الدنيا والاخرة
الخطبة الثانية : 
فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت.
قَالَ حَاطِبٌ: ((وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) ((وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام)) ((وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا)) ((وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ))ِ ((مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ)) ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)) ((فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله)) أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ.
 فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال: لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.]
وقال الإمام أحمد : عن أبي برزة الأسلمي أن جليبيبا كان امرأ يدخل على النساء يمر بهنويلاعبهن ، فقلت لامرأتي : لا يدخلن اليوم عليكم جليبيب ، فإنه إن دخل عليكم لأفعلنولأفعلن
قال : وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيم لم يزوجها حتى يعلم : هل لنبي الله صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار : زوجني ابنتك " قال : نعم ، وكرامة يا رسول الله ، ونعمة عين فقال : إني لست أريدها لنفسي قال : فلمن يا رسول الله ؟ قال : لجليبيب فقال : يا رسول الله ، أشاور أمها فأتى أمها فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك ؟ فقالت : نعم ونعمة عين فقال : إنه ليس يخطبها لنفسه ، إنما يخطبها لجليبيب فقالت : أجليبيب إنيه ؟ أجليبيب إنيه ؟ لا لعمر الله لا تزوجه 
فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره بما قالت أمها ، قالت الجارية : من خطبني إليكم ؟ فأخبرتها أمها قالت : أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ؟! ادفعوني إليه ، فإنه لن يضيعني 
فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : شأنك بها فزوجها جليبيبا
قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له ، فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه : هل تفقدون من أحد " ؟ قالوا : نفقد فلانا ونفقد فلانا قال : انظروا هل تفقدون من أحد ؟ " قالوا : لا قال : لكني أفقد جليبيبا " قال  فاطلبوه في القتلى " فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه 
قالوا : يا رسول الله ، ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه .. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عليه ، فقال : قتل سبعة وقتلوه ] ، هذا مني وأنا منه مرتين أو ثلاثا ، ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحفر له ، ما له سرير إلا ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم وضعه في قبره ، ولم يذكر أنه غسله ، رضي الله عنه قال ثابت : فما كان في الأنصار أيم أنفق منها وحدث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتا : هل تعلم ما دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : اللهم ، صب عليها الخيرصبا ، ولا تجعل عيشها كدا " كذا قال ، فما كان في الأنصار أيم أنفق منها...هكذا أورده الإمام أحمد بطوله ، وأخرج منه مسلم