إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 15 أبريل 2022

فضل الذكر

 ( فضل الذكر )

عباد الله: إن أزكى الأعمال وخير الخصال وأحبَّها إلى الله ذي الجلال ذكر الله تعالى؛

روى الترمذي وغيره عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضربوا أعناقكم وتضربوا أعناقهم؟!"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "ذكر الله تعالى".

الذّاكرون الله تعالى هم السباقون في ميدان السير إلى الله والدار الآخرة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ"، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ". 

وهؤلاء -عباد الله- هم الذين أعدّ الله لهم المنزلة الكريمة والثواب العظيم (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 35].

ذكر الله -عباد الله- هو حياة القلوب, فلا حياة لها إلا به، روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".

وليس للقلوب قرار ولا طمأنينة ولا هناءة ولا لذة، ولا سعادة إلا بذكر الله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]،

ذكر الله تعالى هو الفرج بعد الشدَّة، واليسر بعد العسر، والفرح بعد الغم والهم، وهو تفريج الكربات، وتيسير الأمور، وتحقق الراحة والسعادة في الدنيا والآخرة،

وما عولج كرب ولا أزيلت شدَّة بمثل ذكر الله -تبارك وتعالى-، وقد كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- يقول في الكرب: "لا إله إلا الله العظيم، لا إله إلا الله الحليم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم",

ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "دعوة ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ما دعا بها مكروب إلا فرَّج الله كربه".

ذكر الله -عباد الله- جالب للنعم المفقودة, وحافظ للنعم الموجودة؛ فما استجلبت نعمة وما حفظت نعمة بمثل ذكر الله -تبارك وتعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

ذكر الله -جلَّ وعلا- محطُّ الأوزار، وتكفير السيِّئات، ورفعة الدرجات، وعلو المنازل عند الله -تبارك وتعالى-،

فما حُطَّت الأوزار بمثل ذكره سبحانه، ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال"من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة، حطت عنه خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر". والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

وذكر الله تعالى غراس الجنة، فما غرست الجنة بمثل ذكره؛ يقول -عليه الصلاة والسلام "من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة". رواه الترمذي.

وروى الترمذي أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لقيت إبراهيم الخليل ليلة أسري بي فقال لي: يا محمد: أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأنها طيبة التربة، عذبة الماء، وأخبرهم أن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

ذكر الله -عباد الله- كلمات خفيفة على اللسان، لا تكلِّف العبد جهدًا، ولا يناله منها مشقة، إلا أن لها ثوابًا عظيمًا، وأجرًا جزيلاً، وهي حبيبة إلى الله -عزَّ وجلّ-، روى البخاري في صحيحه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".

عباد الله: وذكر الله -جلَّ وعلا- هو الطارد للشياطين، والمخلِّص من وساوسها وشرورها وكيدها وحبائلها (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [فصلت: 36]،

عباد الله: لقد تكاثرت النصوص في الكتاب والسنة، وتضافرت الدلائل فيهما في الحث على ذكر الله، والأمر بذكره –سبحانه- بالكثرة وبيان ثواب المكثرين من ذكر الله في آيات كثيرة، وأحاديث عديدة، صحَّت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛

يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب: 41-43]،

يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فإذا فعلتم ذلك -أي: أكثرتم من ذكر الله تعالى- صلى الله عليكم وملائكته". 

ويقول الله تعالى (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 35]،

ويقول الله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45]، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي فيها الحث على الإكثار من ذكر الله، والأمر بذكره -سبحانه- بالكثرة.

الخطبة الثانية :

إخوة الإيمان، إن للذكر فوائدَ عظيمة، يضيق المقام عن إحصائها، بل يعجز العقل عن إدراكها، وقد عدّ ابن القيم أكثر من سبعين فائدة للذكر في كتابه "الوابلُ الصيِّب من الكلم الطيب"،

منها: أنه يورث الذاكرَ القربَ من الله، فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قربه منه. أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب مني شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» [صحيح مسلم: 2675].

ومن فوائده أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم: «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» [صحيح ابن حبان:7338].

ومنها: أن دوام ذكر الله يوجب الأمان من نسيانه ، فلا يشقى العبد في معاشه ومعاده، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ .  قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ} [طه: 124:126]، 

ومنها: أن الله يباهي بالذاكرين ملائكته. أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: «ما أجلَسَكم ؟ قالوا: جلَسْنا نذكرُ اللهَ. قال: آللهِ ! ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: واللهِ! ما أجلسَنا إلا ذاك. قال: أما إني لم أستحلفْكم تهمةً لكم. وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقلَّ عنه حديثًا مني. وإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرج على حلقةٍ من أصحابِه. فقال " ما أجلَسَكم؟ " قالوا: جلسْنا نذكرُ اللهَ ونحمدُه على ما هدانا للإسلامِ، ومنَّ به علينا. قال " آللهِ! ما أجلسَكم إلا ذاك؟ " قالوا: واللهِ ! ماأجلسَنا إلا ذاك. قال: " أما إني لم أستحلِفْكم تهمةً لكم. ولكنه أتاني جبريلُ فأخبرَني؛ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يباهي بكم الملائكةَ» [صحيح مسلم: 2701].

ومن فوائد الذكر أنه سدٌ بين العبد وبين جهنم ـ والعياذ بالله ـ، فإذا كان ذِكرًا دائمًا محكمًا، كان سدًا محكمًا لا منفذ فيه، وإلا فبحسبه، روى الحاكم في المستدرك وصححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خُذوا جُنَّتَكم خُذوا جُنَّتَكم قالوا يا رسولَ اللهِ مِن عدوٍّ حضَر قال لا ولكنْ مِن النَّارِ قولوا سُبْحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكبَرُ فإنَّهنَّ يأتينَ يومَ القيامةِ مُستقدِماتٍ ومُجنِّباتٍ وهنَّ الباقياتُ الصَّالحاتُ» [المعجم الأوسط: 4/219].


الجمعة، 1 أبريل 2022

كيف نستقبل رمضان؟

 كيف نستقبل رمضان؟

 

حلُّ علينا ضيفٌ عزيز، وزائرٌ عظيم، يُظِلُّنا مرةً كل سنة، ضيف حُقَّ لنا أن نستبشر به، ويهنِّئ بعضُنا بعضًا به، إنه شهرُ رمضان المبارك، الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشِّر صحابتَه بقدومه، فيقول لهم: ((أتاكم رمضانُ، شهرٌ مبارك، فرَضَ الله - عز وجل - عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدة الشياطين، لله فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حُرم))؛ "صحيح سنن النسائي".

 

فهنيئًا لمن أدرك رمضان، وبُشرى لمن بلَّغه اللهُ رمضانَ، قال ابن رجب: "كيف لا يُبشَّر المؤمنُ بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يبشر العاقل بوقت يُغَلُّ فيه الشيطان؟! من أين يشبه هذا الزمانَ زمان؟!".

 

ولأن السَّلَف الصالح خَبَرُوا قيمة رمضان؛ فقد كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر، ويسألون الله - تعالى - أن يعيشوا لرمضان المقبل، حتى يَعُبُّوا من الخير والفضل، 

 

قال مُعَلَّى بن الفضل: "كانوا يدْعون الله ستةَ أشهر أن يبلِّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبَّله منهم"، وكان يحيى بن أبي كثير يقول: "اللهم سلِّمنا إلى رمضان، وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبَّلاً".

 

قال ابن رجب: "بلوغُ شهر رمضان وصيامُه نعمةٌ عظيمة على مَن أقدره الله عليه، ويدلُّ عليه حديث الثلاثة الذين استُشهد اثنانِ منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فَرُئِي في النوم سابقًا لهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاةً، وأدرك رمضان فصامه؟ فوالذي نفسي بيده، إن بينهما لأبعدَ مما بين السماء والأرض))"؛ "صحيح سنن ابن ماجه".

 

فمن فضْل الله عليك، ومحبتِه لك: أنْ نَسَأَ في حياتك، حتى تتزوَّد من خير رمضان هذه السنة؛ ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، فلا يظفر بنعمة إدراك رمضان، والاغتراف من خيراته، إلا المبشَّرون برحمة الله.

 

فافرحْ بقدوم رمضان، واستعدَّ له بترك المعاصي، ومضاعفة القربات، والإخلاص في الطاعات، فكم من متشوفٍ إليه أقعده عن صيامه المرضُ! وكم من منتظِرٍ له باغتَهُ الموتُ وألمَّ به الأجل! 

 

فإن شخصًا واحدًا يموت في العالم كل نصف ثانية؛ أي: في نصف ساعة يموت قرابة 3600 شخص، 

 

فهذه فرصتك في رمضان، حيث أخبر المعصوم - صلى الله عليه وسلم - بأنه إذا جاء ((فتِّحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين))؛ متفق عليه، وهو محمول على الحقيقة؛ ليعظم الرجاء، ويكثر العمل، وتقل المعاصي، وتحبس الشياطين عن أذى المؤمنين وإغوائهم.

 

فمن رُحم في شهر رمضان فهو المرحوم، ومن حُرم فهو المحروم، ومن لم يتزود منه لآخرته فهو المذموم الملوم.

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صعِد المنبرَ فقال: ((آمين، آمين، آمين))، قيل: يا رسول الله، إنك صعِدتَ المنبر فقلت: ((آمين، آمين، آمين))؟ فقال: ((إن جبريل - عليه السلام - أتاني فقال: من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله، فقلت: آمين، قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار، فأبعده الله، فقلت: أمين، قال: ومن ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت:آمين))؛ "صحيح الترغيب".

 

فاستجِب لنداء: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"، كفاك ما ارتكبتَ في رجب فلم تتب، وما اقترفتَ في شعبان فلم تُقلع، فهذا رمضان فاتَّق الله.

 

يَا ذَا الَّذِي مَا كَفَاهُ الذَّنْبُ فِي رَجَبٍ 

حَتَّى عَصَى رَبَّهُ فِي شَهْرِ شَعْبَانِ 

لَقَدْ أَظَلَّكَ شَهْرُ الصَّوْمِ بَعْدَهُمَا 

فَلاَ تُصَيِّرْهُ أَيْضًا شَهْرَ عِصْيَانِ 

 

انظر إلى عظم هذه البشارات التي يحملها رمضان إلينا:

شهر القرآن الكريم: قال - تعالى -: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، قال ابن كثير: "يمدح - تعالى - شهرَ الصيام من بين سائر الشهور، بأنِ اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم". 

 

قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه) متفق عليه، فرمضانُ محرقةٌ للذنوب، ومطهرةٌ من الآثام؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الصلواتُ الخمس، والجمعةُ إلى الجمعة، ورمضانُ إلى رمضان، مكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر))؛ مسلم. 

 

قال القرطبي: "قيل: إنما سمي رمضان؛ لأنه يَرمَض الذنوب؛ أي: يحرقها بالأعمال الصالحة".

 

 رمضان عتق من النار: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله - تعالى - عتقاءَ في كل يوم وليلة، لكل عبدٍ منهم دعوةٌ مستجابة) "صحيح الجامع"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله - تعالى - عند كل فطرٍ عتقاءَ من النار، وذلك في كل ليلة))؛ "صحيح الجامع".

 

تدريب على الإخلاص والبعد عن الرياء: يقول الله - تعالى - في الحديث القدسي: ((يَتركُ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي، الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها))؛ البخاري.

 

ومعنى: "الصوم لي" أنه سرٌّ بين العبد وربه، لا يدخله الرياءُ؛  لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لكل عملٍ كفارةٌ، والصوم لي وأنا أجزي به))؛ البخاري، 

 

قال سفيان بن عيينة: "هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسِب الله - تعالى - عبدَه، ويؤدِّي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمَّل الله - تعالى - ما بقي عليه من المظالم، ويُدخله بالصوم الجنة"؛ ذكره البيهقي في "الشعب".

 

فلا تعجب إذًا إذا علمتَ أن داود بن أبي هند: "صام أربعين سنة، لا يَدري عنه أهلُه ولا أهلُ السوق، يحمل غذاءه معه، فيتصدق به، فيظن أهلُه أنه أكل في السوق، ويظن أهلُ السوق أنه أكل عند أهله".

 

فاللهم بلِّغنا رمضان، وتقبله منا، آمين.

  

الخطبة الثانية

إذا رأيتَ هلال رمضان، فادعُ بما سنَّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يقول: ((اللهم أَهِلَّهُ علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله))؛ "صحيح سنن الترمذي".

 

احرص على تبييت نيَّة الصوم من الليل، وتناول السَّحور - ولو جرعةَ ماء - مع تأخيره إلى قبيل الفجر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((السَّحُور أَكْلُهُ بركة؛ فلا تَدَعوه ولو أن يَجْرَعَ أحدُكم جرعةً من ماء؛ فإن الله وملائكته يصلُّون على المتسحرين))؛ "صحيح الجامع"،

 

ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكلةُ السحر))؛ مسلم.

 

ومن السنة أيضًا تعجيلُ الفطر بمجرد سماعك كلمة (الله أكبر) من الأذان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر))؛ متفق عليه.

 

وادعُ عند إفطارك لنفسك بالفلاح، ولأبنائك وإخوانك بالصلاح، ولسائر المسلمين بالنصر والتمكين؛ فإن للصائم المخلص دعوةً لا تُردُّ؛ كما في الحديث: ((ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر))؛ "صحيح الجامع"، وفي حديث: ((دعوة المظلوم)).

 

فإذا أفطرتَ فادعُ بما كان يدعو به الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يقول: ((ذهب الظمأُ، وابتلَّت العروقُ، وثبت الأجرُ إن شاء الله))؛ "صحيح سنن أبي داود".