إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 1 يوليو 2016

قيام الليل

( قيام الليل ) 
عبــــــــاد الله، في رمضان تتنوع الطاعات والعبادات، وكل عبادة وطاعة تؤتي ثمرتها في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، وإن من هذه العبادات في هذا الشهر المبارك صلاة التراويح، وقيام الليل؛ لما فيهما من الأجر والثواب، والفوائد الروحية، والقيم الأخلاقية، والصحة الجسدية، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبهواه مسلم.
وعن عمر بن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رسولَ الله -صلى الله عليه وسلمرجلٌ من قضاعة فقال: يا رسول الله! أرأيتَ إن شهدتُّ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وصُمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيتُ الزكاة؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن مات على هذا كان من الصدِّيقين والشهداءصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان والألباني.
فهل نشمِّر عن ساعد الجد لتربية نفوسنا على صلاة التراويح والقيام في رمضان؛ حتى تستقيم على هذه العبادة والطاعة طوال العام؛ فتحل علينا البركات، وتتنزل علينا الرحمات، وتفرج الكربات، وتقضى الحاجات، وتدفع الشرور والآفات؟! وكم نحن محتاجون إلى رحمة الله وتوفيقه! ولن تنال إلا بعبادة صحيحة، ومناجاة صادقة، وعمل خالص.
إنَّ قيام الليل عبادة من العبادات الجليلة، لا يلازمها إلا الصالحون، فهي دأبهم وشعارهم، وهي ملاذهم وشغلهم، وصَفَهم الله  عزوجل بقوله: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا)، إلى أن قال: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الفرقان:64-75].
إنَّ قيام الليل له لَذَّة، وفيه حلاوة وسعادة لا يشعر بها إلا مَن صَفَّ قدميه لله فى ظلمات الليل، يعبد ربه، ويشكو ذنبه، ويناجى مولاه، ويطلب جنته، ويرجو رحمته، ويخاف عذابه، ويستعيذ من ناره، قال -تعالى- عنهم: (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:17-18]. قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار.
وقال -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر:9]. أي: هل يستوي مَن هذه صفته مع من نام ليله وضيّع نفسه، غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده؟!.
عن -السري رحمه الله تعالى- قال: دخلتُ سوق النخَّاسين، فرأيت جارية ينادى عليها بالبراءة من العيوب، فاشتريتها بعشرة دنانير, فلما انصرفت بها -أيإلى المنزل- عرضتُ عليها الطعام، فقالت لي: إني صائمة. قال: فخرجْتُ، فلما كان العشاءُ أتيتها بطعام فأكلت منه قليلا، ثم صلينا العشاء، فجاءت إليّ وقالت: يا مولاي، بَقِيَتْ لك خدمة؟ قلت: لا. قالت: دعني إذاً مع مولاي الأكبر. قلت: لكِ ذلك.
فانصرفَت إلى غرفة تصلي فيها, و رقدت أنا، فلما مضى من الليل الثلث ضربت الباب عليّ، فقلت لها: ماذا تريدين؟ قالت: يا مولاي، أما لك حظ من الليل؟ قلت: لا، فذهبَت، فلما مضى النصف منه ضربَت عليّ الباب وقالت: يا مولاي، قام المتهجدون إلى وِرْدِهم، وشمــَّر الصالحون إلى حظهم، قلت: يا جارية، أنا بالليل خشَبة، أي: جثة هامدة، وبالنهار جلبة، أي: كثير السعي...
فلما بقي من الليل الثلث الأخير ضربَت علي الباب ضرباً عنيفاً، وقالت: أما دعاك الشوق إلى مناجاة الملِك؟ قدِّمْ لنفسك وخُذ مكاناً؛ فقد سبقك الخُدَّام.
قال السري: فهاج مني كلامها، وقمت فأسبغت الوضوء، وركعت ركعات، ثم تحسسْتُ هذه الجارية في ظلمة الليل، فوجدتها ساجدة و هي تقول: الهي بحبك لي إلا غفرت لي. فقلت لها: يا جارية، ومِن أين علمت أنه يحبك؟ قالت: لولا محبته ما أقامني وأنامك. فقلت: اذهبي؛ فأنت حرة لوجه الله العظيم. فدعت ثم خرجت و هي تقول: هذا العتق الأصغر، بقي العتق الأكبر. أي: من النار.
عبــــــــاد الله: لقد حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قيام الليل، ورغّب فيه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسدرواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
عن عبد الله المكي قال: كانت حبيبةُ العدويَّةُ إذا جاء الليل قامت على سطح بيتٍ لها، وشدَّتْ عليها درعها وخمارها، ثم قالت: إلهي، قد غارت النجوم، ونامت العيون، وغلقت الملوك أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك. ثم تُقبل على صلاتها.
فإذا طلع الفجر قالت: إلهي، هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري! أقبِلْتَ منى ليلتي فأُهنَّأ؟ أم رددتها على فأعُزى؟ وعِزَّتك! لَهذا دأبي ودأبك ما أبقيتني، وعزتك! لو انتهرتني عن بابك ما برحت؛ لما وقع في نفسي من جودك وكرمك.
عبــــــــاد الله: إن شرف المؤمن وعِزه واستغناءه عن الناس لا يكون في ماله مهما كثر، ولا في جاهه ومنصبه مهما علا؛ إنما يكون في قيام الليل، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أتاني جبريل فقاليا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبِبْ مَن شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعِزُّه استغناؤه عن الناسرواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني.
إنه؛ عندما تُطلَب العزة من غير مصدرها، فلن يكون هناك إلا الذل والهوان، وعندما يطلب الشرف والرفعة والمكانة العالية من غير وجهتها الصحيحة فلن تكون هناك إلا الوضاعة والدناءة.
إنَّ القيامَ بالعبادات، والمداومة عليها، والحرص على أدائها، واستغلال أوقاتها، عنوانٌ على كمالِ الإيمان، وصدقِ العمل، وإخلاص القلب، وهي طريقٌ لسعادة الدنيا والآخرة، وبها تُستجلَب الخيرات، وتدفع المصائب والكوارث والنقمات، وبها تصحُّ الأجساد، وتعمر البيوت، وتحيا المجتمعات، ويوم القيامة تُرْفَعُ بها الدرجات.
كان منصورُ بنُ المعتمر يصلِّي الليل على سطح بيته، وهكذا طوال حياته، فلما مات، قال غلام لأمه: يا أماه، الجِذع الذي كان في سطح جيراننا لم نعد نراه؟ قالت: يا بني، ليس ذاك بجذع، ذاك منصور قد مات.
ولما احتضر عبد الرحمن بن الأسود فبكى، فقيل له: ما يبكيك، وأنتَ مَن أنت في العبادة والصلاح والخشوع والزهد؟! فقال: أبكي -والله!- أسفاً على الصلاة والصيام والذكر والقيام، ثمّ لم يزل يتلو حتى مات.
عن أسماء بنت يزيد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يحشر الناس في صعيد واحد يوم القيامة، فينادي منادٍ فيقول: أين الذين كانوا تتجافى جنوبهم عن المضاجع، فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم يؤمر بسائر الناس إلى الحساب". رواه البيهقي.
وعن إياس بن معاوية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لابد من صلاة بليل ولو حلب شاة". رواه الطبراني.
وفي الحديث الحسن أن جبريل قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل". الطبراني بسند حسن.
واسمع لتعجب، عن أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم... والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم لله، فيقول: يذر شهوته ويذكرني، ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا، فقام من السحر في سراء وضراء". الطبراني بإسناد حسن.
غفلنا عن دأب الصالحين فضاع علينا ثواب الصالحين، وغلفنا قلوبنا بالمعاصي النكر، فضاعت علينا أسرار الليل ونسائم السحر؛ 
ويا أيها الشباب: وهبكم الله القوة والعزم، فأين جزاء الشاكرين؟! قال محمد بن يوسف: "كان الثوري يقيمنا الليل فيقول: قوموا يا شباب، صلوا ما دمتم شبابًا، إذا لم تصلوا اليوم فمتى؟!".
قال أبو الزناد"كنت أخرج من السحر إلى مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا أمرُّ ببيت إلا وفيه قارئ، وكنا ونحن فتيان نريد أن نخرج لحاجة فنقول: موعدكم قيام القراء". 
قال الحسن بن عرفة ليزيد بن هارون: "يا أبا خالد: ما فعلت العينان الجميلتان؟! قال: ذهب بهما بكاء الأسحار!".
وقال الحسن: "كان عمر -رضي الله عنه- يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط، ويبقى في البيت يعاد للمرض".
لقد سمعوا نداء الله حين يتنزل في الثلث الأخير ويقول"هل من مستغفر؟! هل من تائب؟! هل من سائل؟! هل من داع؟! حتى ينفجر الفجر"، فاستحوا أن لا يجيبوا خالقهم ومولاهم.
أخذ الفضيل بن عياض بيد الحسين بن زياد وقال: "يا حسين: ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول الرب: كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني؟! أليس كل حبيب يحب خلوة حبيبه؟! ها أنا ذا مطّلع على أحبائي إذا جنهم الليل، غدًا أقر أعينهم في جناتي".
عُبّادُ ليلٍ إذا جَنَّ الظلامُ بِهِمْ *** كم عابدٍ دمْعُهُ في الخـدِّ أجْرَاهُ
وأُسْدُ غابٍ إذا نادى الجهادُ بِهِمْ *** هَبُّوا إلى الموتِ يستَجْدُونَ رُؤياه
يا ربّ فابعثْ لنا مِن مِثْلِهِمْ نَفَـَرًا *** يشيـِّدُونَ لنـا مجداً أضَعْنَــاه
ونحن نقول: مَن يصلي لك أيها المسلم، ومن يصوم ويزكي وينفق عنك إذا لم تقم أنت بذلك، وتستغل نفحات الرحمن، ورياح الإيمان في شهر رمضان؟.
فاللهم، يا سامع الدعوات، ويا مقيل العثرات، ويا غافر الزلات: اجعلنا من عبادك التائبين، ولا تردنا عن بابك مطرودين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 الخطـبة الثانية:

عبـاد الله، عندما وصف الله -سبحانه وتعالى- عُبَّاده بقيام الليل، والتضرع بين يديه، وصَفَهم بعد ذلك مباشرة بالجود والكرم والإنفاق، فقال -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:15-17].
وفي شهر رمضان يكون الإنفاق أعظم؛ لأنه يتزامن مع الصيام والقيام وقراءة القرآن، فكيف بمسلم يقرأ قول الله -عز وجل-: (مَنْ ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة:245]، أو يقرأ أو يسمع قول الله -عز وجل-: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39]، ثم لا يسارع إلى الإنفاق والبذل والعطاء؟! كلٌّ بما يستطيع، فكم من جائع ومحتاج ويتيم ومسكين ومريض وغارم يحتاج إلى مَن يقف بجانبه ويمد يد العون له! ولن يضيع ذلك عند الله.
عبــــــــاد الله: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس في رمضان وغير رمضان، أخرج البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فلَرسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة".
فتشبهوا بنبيكم عليه الصلاة والسلام ، واقتدوا بسلوكه وأخلاقه، ؛ تفلحوا في الدنيا والآخرة.
وفي الحديث القدسي: قال الله -عز وجل-: "أنفِقْ يا ابن آدم أنفقْ عليكالبخاري ومسلم.
في عام الرمادة، وقد بلغ الفقر والجوع بالمسلمين مبلغاً عظيماً، جاءتْ قافلةٌ لعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ مُؤَلَّفة ٌمِن أْلفِ بَعْيِرٍ، مُحَمَّلَة ٌ بالتَّمْرِ والزَّبيْبِ والزَّيْتِ وغيرِها من ألوانِ الطعامِ، فجاءَهُ تُجّارُ المدينةِ المُنَوَّرَةِ مِنْ أَجْلِ شِرائِها منه، وقالُوا لهُنُعْطيكَ ربحاً بَدَلَ الدِّرْهَمَ دِرْهَمَينِ يا عثمان. قالَ عثمانُ: لقد أُعْطِيْتُ أكثرَ مِنْ هذا. قالوا: نَزِيْدُكَ الدِّرْهَمَ بخَمْسة. قالَ لَهُمْ: لَقَدْ زادنَي غيرُكم، الدِّرْهَمَ بَعَشَرة! قالوا له: مَنْ ذا الذي زادَكَ، ولَيْسَ في المدينةِ تُجّارٌ غيرُنا؟ قالَ عثمانُ: أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ اللهِ -تعالى-: (مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فلهُ عَشْرُ أمثاِلها)؟ أُشْهِدُكُمْ أنّي قَدْ بِعْتُها للهِ ورسولهِ. فأنفَقَها في سبيل الله.

إن القضية ليست قضية ربح الدنيا وما فيها؛ ولكن القضية التي ينبغي أن يسعى لها كل مسلم هي ربح الآخرة، فأنفقوا -رحمكم الله-، وقدموا لأنفسكم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، واستغلوا أيام رمضان بالأعمال الصالحات.

3

الدعاء في رمضان

( الدعاء في رمضان )
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لِلنَّاسِ حَاجَاتٌ هُم لها طَالِبُونَ، وَمَطَالِبُ إِلَيهَا يَطمَحُونَ، وَأُمنِيَّاتٌ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيهَا، وَرَغَبَاتٌ يَسعَدُون بتَحقِيقِهَا، مَرِيضٌ يَرجُو الشِّفَاءَ، وَمُبتَلًى يَطلُبُ العَافِيَةَ، وَفَقِيرٌ يَأملُ الغِنى، وَمُضَيَّقٌ عَلَيهِ يَتَلَمَّسُ السَّعَةَ.
وَثَمَّةَ مَهمُومٌ نَاءَت بِهِ المُشكِلاتُ، وَمَدِينٌ أَثقَلَت كَاهِلَهُ الحُقُوقُ، وَمَطلُوبٌ أَقَضَّ مَضجَعَهُ الدَّائِنُونَ، وَتَرَى كُلَّ هؤلاءِ يَتَلَفَّتُونَ يَمنَةً وَيَسرَةً وَيَتَفَكَّرُونَ، وَيَفزَعُونَ إِلى مَن يَظُنُّونَ فِيهِ خَيرًا، وَيُلقُونَ بِحَاجَاتِهِم إِلى مَن يَأمُلُونَ عِندَهُ قَضَاءً.
وَكَثِيرًا مَا يَغفَلُونَ في هَذَا عَن بَابٍ وَاسِعٍ مِن أَبوَابِ الفَرَجِ، بَابٌ أَوسَعُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ، بَابٌ مَا طَرَقَهُ مُحتَاجٌ إِلاَّ قُضِيَت حَاجَتُهُ، وَلا وَلَجَهُ مُضطَّرٌّ إِلاَّ نُفِّسَت كُربَتُهُ، ذَكَرَهُ الكَرِيمُ في ثَنَايَا آيَاتِ الصِّيَامِ في سُورَةِ البَقَرَةِ، وَدَعَا إِلَيهِ الرَّحِيمُ عِبَادَهُ، وَرَغَّبَهُم فِيهِ وَدَلَّهُم  على طَرِيقَه، يَقُولُ الحَقُّ -تَبَارَكَ وَتَعَالى( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ) [البقرة:186].
فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ! مَا أَكرَمَ الخَالِقَ وَأَقرَبَهُ وَأَرحَمَهُوَمَا أَغفَلَ الخَلْقَ وَأَضعَفَهُم وَأَبعَدَهُم! يَدعُوهُم مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَيَفتَحُ لَهُمُ البَابَ، وَيُرشِدُهُم لِلطَّرِيقِ، ثم يُعرِضُونَ عَنهُ وَيَذهَبُونَ إِلى غَيرِهِ.
وَيَسلُكُونَ سُبُلاً لا يَدرُونَ مَا نِهَايَتُهَا، يُدَبِّجُونَ خِطَابَاتِ الشَّكوَى لِمَخلُوقِينَ مِثلِهِم مُحتَاجِينَ، وَيَطلُبُونَ الشَّفَاعَاتِ مِنَ مَسَاكِينَ عَاجِزِينَ، وَيَنثُرُونَ مَاءَ الوُجُوهِ لَدَى مَن لا يَملِكُ لَهُم ضَرًّا وَلا نَفعًا، وَيُذِلُّونَ النُّفُوسَ أَمَامَ مَن لا يُغنِي عَنهُم قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا، وَمَعَ هَذَا لا يُكَلِّفُ أَحَدُهُم نَفسَهُ أَن يَجأَرَ إِلى اللهِ بِدَعوَةٍ، أَو يَرفَعَ إِلَيهِ كَفَّ ضَرَاعَةٍ، أَو يَهمِسَ إِلَيهِ في جُنحِ الظَّلامِ بِحَاجَةٍ!.
قَالَ الإِمَامُ ابنُ كَثِيرٍ -رحمه اللهُ-: وَفي ذِكرِهِ -تعالى- هَذِهِ الآيَةَ البَاعِثَةَ عَلَى الدُّعَاءِ مُتَخَلّلَةً بَينَ أَحكَامِ الصِّيَامِ إِرشَادٌ إِلى الاجتِهَادِ في الدُّعَاءِ عِندَ إِكمَالِ العِدَّةِ، بَلْ وَعِندَ كُلِّ فِطرٍ.
وَقَالَ الشَّيخُ ابنُ سَعدِيٍّ -رحمه اللهُ-: وَالدُّعَاءُ نَوعَانِدُعَاءُ عِبَادَةٍ، وَدُعَاءُ مَسأَلَةٍ؛ وَالقُربُ نَوعَانِ: قُربٌ بِعِلْمِهِ مِن كُلِّ خَلقِهِ، وَقُربٌ مِن عَابِدِيهِ وَدَاعِيهِ بِالإِجَابَةِ وَالمَعُونَةِ وَالتَّوفِيقِ، فَمَن دَعَا رَبَّهُ بِقَلبٍ حَاضِرٍ، وَدُعَاءٍ مَشرُوعٍ، وَلم يَمنَعْ مَانِعٌ مِن إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، كَأَكلِ الحَرَامِ وَنَحوِهِ، فَإِنَّ اللهَ قَد وَعَدَهُ بِالإِجَابَةِ، وَخُصُوصًا إِذَا أَتَى بِأَسبَابِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَهِيَ الاستِجَابَةُ للهِ -تَعَالى- بِالانقِيَادِ لأَوَامِرِهِ وَنَواهِيهِ القَولِيَّةِ وَالفِعلِيَّةِ، وَالإِيمانُ بِهِ المُوجِبُ لِلاستِجَابَةِ، فَلِهَذَا قَالَ( فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ) [البقرة:186].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقُربَةٌ جَلِيلَةٌ، لا يَدَعُهَا إِلاَّ عَاجِزٌ، وَلا يَغفَلُ عَنهَا إِلاَّ مَحرُومٌ، صَحَّ عَنهُ -صلى اللهُ عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ". وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ يَقُولُ اللهُ -تبارك وتعالى "أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَاني". وقال -صلى الله عليه وسلم "إِنَّ اللهَ -تعالى- حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَستَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيهِ يَدَيهِ أَن يَرُدَّهُمَا صِفرًا خَائِبَتَينِ".
وَإِذَا لم يَكُنْ رَمَضَانُ هُوَ شَهرَ الدُّعَاءِ وَفُرصَةَ الابتِهَالِ وَالنِّدَاءِ، فَفِي أَيِّ شَهرٍ يَكُونُ ذَلِكَ؟ وَإِذَا لم يَستَغِلَّ العَبدُ مَوسِمَ الرَّحمَةِ لِيَرفَعَ إِلى مَولاهُ حَاجَاتِهِ وَرَغَبَاتِهِ، فَمَتى يَكُونُ ذَلِكَ؟ وَإِذَا كَانَ اللهُ حَيِيًّا كَرِيمًا، يَستَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيهِ يَدَيهِ أَن يَرُدَّهُمَا صِفرًا، فَكَيفَ بِمَن شَفَتَاهُ مِنَ الصَّومِ ذَابِلَتَانِ، وَبَطنُهُ خَالٍ طَاعَةً لِرَبِّهِ، وَقَدَمَاهُ مَصفُوفَتَانِ قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا؟ كَيفَ بِهِ إِذَا رَفَعَ كَفَّيهِ وَنَاجَى رَبَّهُ عَلَى تِلكَ الحَالِ؟.
فَهَلُمَّ -عِبَادَ اللهِ- إِلى اللهِ في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ، فَبَينَ أَيدِيكُم الثُّلُثُ الأَخِيرُ مِنَ اللَّيلِ، حَيثُ يَنزِلُ رَبُّ العَالمينَ إِلى السَّمَاءِ الدُّنيا نُزُولاً يَلِيقُ بِذَاتِهِ -سُبحَانَهُ-، وَيُنَادِي خَلْقَهُ: هَلْ مِن سَائِلٍ فَأُعطِيَهُ؟ هَل مِن مُستَغفِرٍ فَأَغفِرَ لَهُ؟ هَل مِن تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيهِ؟ هَل مِن دَاعٍ فَأُجِيبَهُ؟.
وَفي هَذَا يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبدِ في جَوفِ اللَّيلِ الآخِرِ، فَإِنِ استَطَعتَ أَن تَكُونَ مِمَّن يَذكُرُ اللهَ في تِلكَ السَّاعَةِ فَكُنْ"، وَيَقُولُ -عليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنَّ في اللَّيلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسلِمٌ يَسأَلُ اللهَ خَيرًا مِن أَمرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ في كُلِّ لَيلَةٍ".
وَبَينَ أَيدِيكُم السُّجُودُ في الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَةِ، وفي قِيَامِ اللَّيلِ، وَأَقرَبُ مَا يَكُونُ العَبدُ مِن رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، [...َيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجتَهِدُوا في الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَن يُستَجَابَ لَكُم".
وَبَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَقتٌ لِلدُّعَاءِ المُستَجَابِ، يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم "إِذَا نَادَى المُنَادِي فُتِحَت أَبوَابُ السَّمَاءِ، وَاستُجِيبَ الدُّعَاءُ". وَيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "الدُّعَاءُ بَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ مُستَجَابٌ فَادعُوا".
وَفي آخِرِ سَاعَةٍ مِن يَومِ الجُمُعَةِ وَقتُ إِجَابَةٍ، قَال -صلى الله عليه وسلم  "يَومُ الجُمُعَةِ ثِنتَا عَشرَةَ سَاعَةً، مِنهَا سَاعَةٌ لا يُوجَدُ عَبدٌ مُسلِمٌ يَسأَلُ اللهَ فِيهَا شَيئًا إِلاَّ آتَاهُ اللهُ، فَالتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعدَ العَصرِ".
فَيَا أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: أَينَ أَنتُم عَن هَذِهِ الفُرَصِ الكَبِيرَةِ لِلدُّخُولِ عَلَى مَلِكِ المُلُوكِ؟ وَاللهِ لَو فَتَحَ مَلِكٌ مِن مُلُوكِ الدُّنيَا لِلنَّاسِ بَابَهُ يَومًا لِيَرفَعُوا إِلَيهِ حَاجَاتِهِم وَيَبُثُّوهُ شَكَاوَاهُم، لَوَجَدتَ الزِّحَامَ عَلَى بَابِهِ كَثِيفًا، وَلأَلفَيتَ الحَاضِرِينَ إِلى قَصرِهِ لَفِيفًا، فَكَيفَ وَمَلِكُ المُلُوكِ هُوَ الذي يَفتَحُ البَابَ؟.
كَيفَ وَهُوَ -سُبحَانَهُ- القَرِيبُ المُجِيبُ، أَلا فَأَكثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ في شَهرِ البَرَكَاتِ، وَارفَعُوا إِلى اللهِ جَمِيعَ الحَاجَاتِ، وَأَلِحُّوا بِالمَسأَلَةِ في شَهرِ النَّفَحَاتِ؛ فَإِنَّ مَن أَكثَرَ طَرقَ البَابِ فُتِحَ لَهُ، وَرَبُّ العَالمينَ يُحِبُّ مِن عَبدِهِ أَن يُلِحَّ عَلَيهِ في الدُّعَاءِ، وَيَغضَبُ ممَّن تَرَكَ سُؤَالَهُ وَأَعرَضَ عَن رَحمَتِهِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ مَن لم يَسأَلِ اللهَ يَغضَبْ عَلَيهِ".
وَاحذَرُوا العَجَلَةَ وَاستِبطَاءَ الإِجَابَةِ، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقُربِ الفَرَجِ وَحُصُولِ اليُسرِ، فَقَد قال -صلى الله عليه وسلم  "يُستَجَابُ لأَحَدِكُم مَا لم يَعجَلْ، يَقُولُ: دَعَوتُ فَلَم يُستَجَبْ لي". وَيَقُولُ -صلى الله عليه وسلم "اُدعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ".
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم إِنَّ الَّذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتي سَيَدخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60].
 عباد الله .. كُونُوا مِنهُ عَلَى ثِقَةٍ وَاسأَلُوهُ، فَإِنَّهُ -سُبحَانَهُ- لا يُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً، وَلا يُخَيِّبُ مَن أَعظَمَ فِيهِ رَجَاءً، قَال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِن مُسلِمٍ يَدعُو بِدَعوَةٍ لَيسَ فِيهَا إِثمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أَعطَاهُ اللهُ بها إِحدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَن يُعَجِّلَ لَهُ دَعوَتَهُ، وَإِمَّا أَن يَدَّخِرَهَا لَهُ في الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَن يَصرِفَ عَنهُ مِنَ السُّوءِ مِثلَهَا"، قَالُوا: إِذًا نُكثِرُ. قَالَ: "اللهُ أَكثَرُ".
وَيَقُولُ -عليه الصلاةُ وَالسلامُ-: "أَعجَزُ النَّاسِ مَن عَجَزَ عَنِ الدُّعَاءِ…". وَإِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- فَلِمَاذَا تَركُ الدُّعَاءِ وَالانقِطَاعُ؟ لِمَاذَا الغَفلَةُ وَالإِعرَاضُ؟ لماذا رَفعُ الحَاجَاتِ لِغَيرِ اللهِ؟.
يَا مَرِيضًا عَبَثَ بِهِ الدَّاءُ وَالأَلَمُ، يَا فَقِيرًا استَبَدَّت بِهِ الدُّيُونُ، يَا مَهمُومًا يَا مَغمُومًا، يَا مُحتَاجًا يَا مُضطَّرًّا، أَينَ أَنتُم عَنِ الدُّعَاءِ؟ أَينَ أَنتُم عَنِ التَّضَرُّعِ؟ أَينَ أَنتُم عَن قَرعِ أَبوَابِ السَّمَاءِ في هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ؟.
الخطبة الثانية : 
عن أنس بن مالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر))
قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : ( لرجلٍ ما تقولُ في الصَّلاةِ قالَ أتشَهَّدُ ثمَّ أسألُ اللَّهَ الجنَّةَ وأعوذُ بِهِ منَ النَّارِ أما واللَّهِ ما أُحسنُ دندنتَكَ ولا دندنةَ مُعاذٍ قالَ حولَها نُدَنْدنُ ) صحيح ابن ماجة  الالباني
وفي بدر لما خرج لملاقاة المشركين، فقد بات ليلته والناس نائمون، بات ليلته كلها وهو يدعو الله عزّ وجل، وقد وعده الله عزّ وجل أن ينصره،  ومع ذلك بات يدعو الله طيلة تلك الليلة، يدعو الله بقلب خاشع، وبكف ضارع يجأر إلى الله عز وجل، ويبكي ويتضرع، ويمرّغ وجهه بين يدي رب العالمين في ظلمات الليالي صلوات الله عليه، 
ففي الحديث "لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ)
ان المسلم في مثل هذه الأحوال، وفي مثل هذه الظروف عليه أن يلجا إلى الله بالدعاء والتضرع، فإن الله عز وجل يحب الملحّين من عباده في الدعاء. وفي الحديث: "إن الله يحب الملحّين في الدعاء" وفي الآخر: "من لم يسأل الله يغضب عليه".
وما أحسن ما قال الشاعر
لا تسألن بُني ابن ادم حاجة ** وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله ** وبُنيّ آدم حين يُسأل يغضب

آَلا فَادعُوا اللهَ مُوقِنِينَ، وَالجَؤُوا إِلى الرَّحِيمِ مُستَسلِمِينَ، وَارغَبُوا إِلى الكَرِيمِ مُخلِصِينَ، اُدعُوا دُعَاءَ المُضطَّرِّينَ، وَأَلِحُّوا إِلحَاحَ المُحتَاجِينَ، فَوَاللهِ لا غِنى لَنا عَن رَبِّنا طَرفَةَ عَينٍ( أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفَاءَ الأَرضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ، قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل:62].
أَتَهَزَأُ بِالدُّعَاءِ وَتَزدَرِيهِ *** وَمَا تَدرِي بِمَا صَنَعَ الدُّعَاءُ؟
سِهَامُ اللَّيلِ لا تُخطِي وَلَكِنْ *** لَهَا أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ انقِضَاء
2