إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 21 يوليو 2017

فلسطين الأرض المقدسة

الخطبة الأولى 
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل, فاتقوا الله رحمكم الله, فالتقوى من التوقي, ومن يتقِ الله يقه, واعلموا أن الأجل دون الأمل, فبادروا الأجل بالعمل, فإنه لا عمل بعد الأجل, والآخرة باقية والدنيا فانية, فقدموا أمر الآخرة على أمر الدنيا, ولا تأخذكم في الله لومة لائم, 

أيها المسلمون: منذ ظهرت الحضارات الإنسانية وميزان القوى لا يستقر على حال, أمم تكون في الصدارة ثم تمسي فإذا هي في ذيل القائمة, وأخرى لم تكن شيئًا مذكورًا فإذا هي تترقى في أوج العظمة وقمم المجد, إنها أيام الله يداولها بين الناس, هذا التداول بإذن الله وأمره ، يخضع لسنن من الله شتى, ولن تجد لسنة الله تبديلاً .

لا مفر من سنن الله العاملة في التاريخ, فهي لن تحابي أحدًا أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم.

ومن منظور هذه السنن وبتأمل هذه النواميس شاء الله سبحانه أن يجعل بيت المقدس مسرى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ومنطلق المعراج إلى السماء في رحلة نبينا عليه الصلاة والسلام , ولأمر حكيم شاء سبحانه أن يجعل بيت المقدس قبلة المسلمين الأولى منذ فرضت الصلاة في العهد المكي وثمانية عشر شهرًا من العهد المدني, وهو ما يزيد على نصف سني البعثة المحمدية, ثم لأمر حكيم وحكمة عظيمة تسلم العبقري الملهم الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفاتيح بيت المقدس من دون سائر المدائن التي فتحها الله على المسلمين.
إنه التمييز الواضح والخصوصية الخاصة والإعلان الصريح لما لهذه المدينة المقدسة من منزلة كبرى في دين الإسلام وتاريخ المسلمين.
للمسجد الأقصى وقصة الإسراء خبر خاص, وسورة كاملة في قلب مصحفنا .

إنها سورة الإسراء سورة بني إسرائيل في آياتها ودلالاتها وكنوزها, بسم الله الرحمن الرحيم: ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير( , رباط قرآني محكم بين هاتين المدينتين المقدستين, واتصال ديني وثيق بين مكة المكرمة والقدس الشريف, ورباط مقدس بين أشرف بقعتين فيهما الكعبة المشرفة والمسجد الأقصى, رباط إلهي وثيق وما وصله الله لا ينقطع, 
بيت المقدس ربوة مباركة ذات قرار ومعين, أرض مقدسة, قبلة الأمة وبوابة السماء وميراث الأجداد, ومسئولية الأحفاد, معراج محمدي, وعهد عمري, دار الإسلام, إلى مسجدها تشد الرحال, ومن قبله تشد الأبدان والنفوس والأفئدة, فتحه المسلمون بعد وفاته عليه الصلاة والسلام بست سنوات, وحكموه قروناً طويلة ثم احتله الصليبيون تسعون عامًا فأخرجهم صلاح الدين رحمه الله, وهذه الأيام يحتله يهود, ولن يخرجوا والله إلا بصلاح الدين.

حكم المسلمون هذه المدينة المباركة هذه الأحقاب الطويلة, فما هدموا بيتًا لساكن ولا معبدًا لمتعبد, التزموا بتعالم دينهم, احترموا كل ذي عهد وعقد وذمة, وفاءً للعهد العمري

لقد تضمن العهد العمري حرية المعتقد وحرية السكنى وحرية التنقل, وهو عهد منذ أكثر من ألف وأربع مائة سنة, لم يكن متأثرًا بشعارات حقوق الإنسان المنافقة في عصرنا, ولكنها كانت تطبيقًا لمنهج الإسلام في التعامل الراقي المخلص مع أهل الأديان الأخرى.
لقد أصبح القدس الشريف وسكانها من مختلف الديانات في حماية المسلمين يحافظون عليها ويدافعون عنها وعن من فيها, هذا حديث أهل الإسلام وهذا حكمهم وهذا تاريخهم هذا حديثنا وهذا حكمنا, وهذا تاريخنا.

أما اليوم فبيت المقدس يجري فيه ما لم يحدث على أيدي أي غزاة في تاريخ البشرية كلها في تاريخ المقدس, ولم يجرِ ذلك في تاريخ المقدس الممتد آلاف السنين لم يفعل غازٍ أو محتل مثلما فعله ويفعله اليهود اليوم, وليس بعد شهادة التاريخ من شهادة, وليس من رأى كمن سمع على ما تشاهدون في هذه الأيام بل في هذه الساعات, احتلوا القدس الشريف منذ أكثر من ثلاثين عامًا فأحرقوا المسجد الأقصى, ونسبوا ذلك إلى معتوه مختل العقل, وكأن المجانين لا يخرجون إلا على مقدسات المسلمين!! أما أعمال الحفر والهدم والتخريب حول المسجد فهي متواصلة منذ أن وطأت أقدامهم ولا تزال,
انبعث باعث منهم ليحصد المصليين من المسلمين وهم يصلون في مسجد الخليل فقتلهم وهم ركع سجود, ومنذ أيام أطلقت النار على المصليين وهم في رحاب المسجد الأقصى, ليسقط العديد من القتلى والجرحى, هدمت الأبنية والآثار الإسلامية في سعي دائم وحثيث لإزالة المعالم وتغير الهوية, , جرائم عدوانية أسالت الدماء ورسخت الكراهية وبعثت الأحقاد وأعادت أجواء الحرب, زرع للحقد الأسود في مدينة الإيمان والسلام والأرض المباركة, 
اعتداءات وانتهاكات في صور فظيعة تجعل من حق المظلوم أن يستخدم كل سلاح ممكن لحماية نفسه, مظلوم احتلت أرضه يقابل جيشًا مدججًا بكل أنواع الأسلحة والآليات الفتاكة, يقاتله أطفال وشباب أحداث ليس لهم حيلة إلى العصي والحجارة والصراخ ليدافعوا عن أنفسهم ومقدساتهم وأرضهم ومنازلهم, 
كل يدعي التسامح وكل يزعم الديمقراطية, وكل يتشبث بحقوق الإنسان في هذا القرن, قرن التحضر وقرن المدنية, قرن المواثيق الدولية, والقرارات الأممية, ولكن العمل والواقع والأرض والتاريخ هو الذي يصدق ذلك أو يكذبه, دماء تراق وحصد للأرواح من المدنيين العزل في أماكن العبادة وفي الشوارع وفي الطرقات والساحات العامة, بل صواريخ وقنابل داخل المنازل والشقق, وحرب من الأرض والبحر والسماء, يتحدثون عن السلام بألسنتهم ويباشرون الحرب في خططهم واستعدادتهم وأفعالهم, أفعال شنيعة وتجاوزات رهيبة, لا تثير لدى الجهات الدولية القائمة على رعاية المواثيق الدولية والقيمة على رعاية حقوق الإنسان وحاملة لواء الديمقراطية والمسئولة عن الأمن الدولي والاستقرار العالمي لا تثير لديها أي تحرك أو تصرف منصف.
بل إن هؤلاء اليهود الصهاينة لم يسئلوا عن جريمة ارتكبوها ولم تحجب عنهم مساعدة طلبوها, ولم يتأخر عنهم مدد سألوه, ولم يوجه إليهم لوم ولا عتاب في جرم اقترفوه.

بل لقد توافد كبار ساسة العالم من أجل أسراهم, وبعثت التعازي من أجل قتلاهم, أما إخواننا في فلسطين فلا بواكي ، أين العدل؟ وأين الإنصاف؟ وأين حقوق الإنسان من شعب يعيش منذ أكثر من ستين عامًا في احتلال وفي مخيمات وفي ملاجئ؟ والملايين منه يعيشون في التشريد والشتات, شعب فلسطين حياته كلها خوف وتعذيب واعتقال تهدم البيوت وتغلق المدارس بل تغلق المخازن والمتاجر لتسد عنهم أبواب الرزق القليلة, تجويع وبطالة, استيلاء على الأرض وتحكم في مصادر المياة, بل تحكم في نبرات الحياة, محتل يلاحق من يشاء ويتهم من يشاء, ويقتل من يشاء ويعتقل من يشاء, ينشئ المستوطنات ويقيم الحواجز ويبني الأسوار ويغلق المدن والطرق ثم يزعم أنه يريد السلام.

أيها المسلمون: عندما تنعدم الخيارات أمام المظلوم وتضيق المدائن بشعب مقهور فإن كل سلوك متوقع وكل سياسات يمكن فهمها, , ليسا طرفين متكافئين جيش إحتلال مسلح ضد شعب أعزل, القتلى والضحايا في طرف والقاتل والجلاد الذي يطلق النار في طرف آخر, قاتل ومقتول, وجلاد وضحية, إن مشاهدة هذه المناظر ومتابعة الأحداث تقطع الأمل في الرغبة الجادة في السلام, 

إن القوة والقهر والظلم لا يمكن لها أن تنشىء حقًا أو تقيم سلامًا, إن العدوان لا يولد إلا العدوان 

أيها المسلمون إن ما يجري في بيت المقدس وفلسطين المحتلة امتحان شديد لأمة الإسلام, أمة الإسلام أمة عطاء, تجود ولا تبخل, في تاريخها المشرق الطويل قدمت ما يشبه المعجزات وهي اليوم تعيش مفترق طرق خطير يحيط بها وبقدسها وبأجزاء محتلة من ديارها,

أمة محمد أمة الإسلام وأمة الجهاد, وأمة عزة, لا تعجز بإذن الله أن تجد لنفسها مخرجًا بتوفيق الله وعونه من أزمتها وعطبها الحضاري, والقدس والأرض المباركة أغلى وأثمن وأكبر من أن تترك لمفاوضات أو لمساومات.

أيها الأخوة: إن قضية بيت المقدس وقضية فلسطين لا تنفصل البتة عن قضية الإسلام كله, إنها ليست أرضًا فلسطينية أو عربية فحسب بل إنها قبل ذلك وبعده أرض المسلمين جميعا , تفدى بالأرواح والمهج, وإذا ضعف الإسلام في نفوس الاتباع, ضعفت معه روابط الحقوقوالفداء في قضاياه كلها, ويوم يترسخ الإيمان ويصفو المعتقد وتسود الشريعة وتعلو الشعائر, ستحيا كل القضايا وسيتحقق كل مطلوب.
فيجب أن يعي المسلمون ويعلنوا أنه لا سبيل لاستخلاص الحقوق واستنقاذ المغتصبات في أي مكان وعلى أي أرض إلا حين يعتصمون بحبل الله, ويكونون جميعًا ولا يتفرقون, يصطفّون عبادًا لله إخوانًا يجمعهم نداء واحد, لا نداء غيره: يا مسلم يا عبد الله, والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الخطبة الثانية :
أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله رحمكم الله, واعلموا أن بيت المقدس والأرض المباركة في خطر عظيم, والعمل من أجل إنقاذها وتطهيرها فريضة شرعية وواجب ديني يستنهض عزم أبناء امة الاسلام وبذل كل الجهود والوسائل لإحقاق الحق, ونصرة القضية.
في نصوص الكتاب والسنة ربط متين صريح للأرض المقدسة والأرض المباركة بأصلها الأصيل, وهو الإسلام, فهو مستقبلها, وبه حياتها, ولن يتم لها أمر أو يعرض لها شأن إلا من خلال دين محمد عليه الصلاة والسلام إن هذا الربط يعطي لقضية القدس والأرض المحتلة ولكل قضايا الأمة إطارًا رحبًا وعمقًا عميقًا لا يتحقق من خلال نظرة إقليمية أو دعوة قومية.

مكة المكرمة والمدينة المنورة وبيت المقدس هي سر القوة التي جابت خيولها العالم.

أيها المسلمون إن الذي ينظر إلى القضية بمنظار القرآن لن يخدع أبدًا, فالقرآن الكريم يقول: ( أو كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ) ويقول: ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادًا والله لا يحب المفسدين ) 
ومن يتزود بزاد القرآن فلن يضعف أبدًا ( لا يقاتلونكم جميعًا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى ) ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم .

ومن يتعامل مع قضاياه على هدي القرآن فلن يضل أبدًا ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) , ) ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ,(  ومن صدق بما في القرآن فلن يتنازل عن حق أبدًا. ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرًا .
لكن مع الأسف أيها المسلمون إذا كان الإسلام في عقول بعض المسلمين وكتاباتهم وإعلامهم لا يستحق أن يحظى منهم بتفكير او باهتمام بل إذا كانت العقيدة عند بعضهم أهون من الأرض, والشريعة أرخص من التراب, فهيهات أن تنتصر القضية أو يتنزل نصر.
يا هؤلاء, لا عودة للحق قبل العودة الصحيحة للإسلام, إن من سنن الله أن العاقبة للمتقين, وأن الأرض يرثها عباد الله الصالحون, ولكن من سننه أيضًا إذا تخلى أهل الإيمان عن إيمانهم فإنه يستبدل قومًا غيرهم ويأتي بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم 
.
أيها المسلمون: النصر قادم لا محالة, بنا أو بغيرنا, ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)  ودين الله منصور بنا أو بغيرنا ( إن لا تنفروا يعذبكم عذابًا أليمًا ويستبدل قومًا غيركم ولا تضروه شيئًا والله على كل شيء قدير)  والحق سيعلو على أيدينا أو أيدي غيرنا ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم .والباطل سيزهق بجهودنا أو بجهود غيرنا ولكن لماذا لا يطلب المسلم الخير لنفسه؟ لماذا لا يكون لبنة في طريق النصر وسهمًا من سهام الحق وأداة لإزهاق الباطل.

الجمعة، 14 يوليو 2017

فضائل يوم الجمعة

( فضائل يوم الجمعة )
الخطبة الأولى
إن الله فضَّل بعض الشهور والأيام على بعض، وجعل من الأيام مواسم وأعيادًا، اصطفاءً منه واختيارًا، وتشريفًا منه وتكريمًا، ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص: 68]، وإن الله تعالى قد جعل للمسلمين من أيام الدنيا ثلاثةَ أعياد؛ عيدين يأتيان في كل عام مرة مرة: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيدًا يتكرر كل أسبوع، وهو يوم الجمعة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن يوم الجمعة يومُ عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده))؛ رواه أحمد. قال الالباني  ضعيف 
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ" صحيح الجامع
إن يوم الجمعة أيها المسلمون من أعظم الأيام عند الله قدرًا، وأجلها شرفًا، وأكثرها فضلاً، فقد اصطفاه الله تعالى على غيره من الأيام، وفضَّله على ما سواه من الأزمان، واختص الله به أمة الإسلام، وضلت عنه اليهود والنصارى، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( أضل اللهُ عن الجمعة مَن كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق))؛ رواه مسلم.
(( إن خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أدخِل الجنة، وفيه أخرِج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم جمعة))؛ رواه الترمذي وصححه الألباني.
ومما جاء في فضل يوم الجمعة ما جاء في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال (( عرضت الجمعة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاءه بها جبرائيل -عليه السلام- في كفه كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء، فقال: ما هذه  يا جبرائيل؟ قال: هذه الجمعة، يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولأمتك من بعدك ولكم فيها خير، تكون أنت الأول وتكون اليهود والنصارى من بعدك وفيها ساعة لا يدعو أحد ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه أو يتعوذ من شر إلا أعطاه أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد )) صحيح الترغيب – الالباني – حسن صحيح
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-قَالَقَالَ أَبُو القَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-: "فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ إياه" وَقَالَ بِيَدِهِيُقَلِّلُهَا. " البخاري ومسلم 
 إن من بركات هذا اليوم أن الله يغفر لعبده ما ارتكب ما بين الجمعتين من آثام وخطايا، إذا اجتَنب الكبائر، يقول صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارة ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر))؛ أخرجه مسلم.  
عباد الله: إن يومًا بهذه المزية، وتلك المكانة عند الله لهو حريٌّ بأن نعتني به، فقد شرع الله في هذا اليوم الغسل، وجعله أمرًا مؤكدًا، يقول صلى الله عليه وسلم: ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم))؛ البخاري وهذا يدل على تأكيد الغسل وأهميته، 
وشُرِعَ الطِّيبُ، ولبس أحسن الثياب، فعن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة، وتطهر بما استطاع من طهر، ثم ادهن أو مس من طيب، ثم راح فلم يفرق بين اثنين، فصلى ما كُتب له، ثم إذا خرج الإمام أنصت، غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))؛ رواه البخاري
ولقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يجتهد في التبكير إلى الجمعة، لما في ذلك من الفضل العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرَّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر))؛ رواه البخاري.
 بمعنى أن الذي يبكر إلى الصلاة يوم الجمعة كان له من الأجر كمن اشترى شيئًا مما ذُكِر في الحديث، ووزعه على فقراء المسلمين، فمن ذهب في الساعة الأولى كان كمن اشترى من ماله الخاص بدنة، فذبحها ثم وزعها على فقراء المسلمين ثم على ذلك ما ورد في الحديث، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
فانظروا رحمكم الله إلى هذا الفرق العظيم بين أجر من يبكر ويأتي في الساعة الأولى، ومن يتأخر ويأتي في الساعة الخامسة الأخيرة، إنه الفرق بين من يتصدق ويتبرع بالبدنة، وبين من يتصدق ويتبرع بالبيضة، فانظر لنفسك ماذا أنت تختار، ولو حصل لك ظرف معين في أحد المرات وتأخرت، فاحرص أن تكون على الأقل مع من يقرِّب بقرة، أو على الأقل دجاجة، لكن أن يكون طبعك وديدنك مع البيضة دائمًا فهذا أيضًا من الحرمان، أما إذا دخل الخطيب فإن البيضة أيضًا أنت لست من أهلها، لأن الملائكة تطوي الصحف وتجلس تستمع إلى الخطبة.
 وعن أوس بن أبي أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة وغسّل، وبكر وابتكر، ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها))؛ صحيح الترمذي  الالباني 
فما أعظم هذا الأجر يا عباد الله، هنيئًا لمن بكر وأتى إلى المسجد قبل حضور الخطيب، وصلى ما قدِّر له، وتشرف بكتابة اسمه في السجلات التي تحملها الملائكة القاعدون على أبواب المساجد في هذا اليوم العظيم، وأجر المسير والتبكير إلى الجمعة كل خطوة تعادل في الثواب صيام سنة وقيامها، أضف إلى ذلك إن المبكر إذا دخل المسجد فاشتغل بالصلاة والذكر وقراءة القران حصل على خيرات كثيرة، والملائكة تستغفر له طيلة بقائه في المسجد، ويكتب له أجر المصلي ما دام ينتظر الصلاة، 
ولكن ومع كل أسف كثير من الناس زهد في هذا الأجر، ورغب عن هذا الخير، فصار لا يأتي لصلاة الجمعة إلا في آخر لحظة، ومنهم من يأتي وقت الخطبة فقط أو في آخرها، وهذا أمر ملحوظ ومشاهد، يدخل الخطيب المسجد فلا تكاد ترى إلا بعض الصفوف، وما إن يشرع الخطيب في الخطبة ويسمعه الناس حول المسجد فيبدؤون في المجيء، ومنهم من يتأخر حتى قبيل الإقامة، وهذا لاشك أنه حرمان عظيم، وتثبيط من الشيطان، وضعف من النفس، فاتقوا الله عباد الله، لا تحرموا أنفسكم هذا الأجر العظيم، بكروا إلى الجمعة، لتحوزوا على رضوان الله جل وعلا، ويُذكَر في الأثر عن علقمة قال: خرجت مع عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يوم الجمعة، فوجد ثلاثة قد سبقوه، فقال: "رابع أربعة، وما رابع أربعة من الله ببعيد، إنَّ الناس يجلسون يوم القيامة من الله عز وجل على قدر رواحهم إلى الجمعات، الأوَّل ثمَّ الثاني ثمَّ الثالث ثمَّ الرابع، وما رابع أربعة من الله ببعيد"؛ رواه المنذري وحسنه.
وليتجنب المسلم ما يعوقه عن التبكير، من السهر في ليلة الجمعة، وربما يسهر البعض إلى طلوع الفجر، ثم يستغرق معظم النهار نومًا، فعساه أن يستيقظ للفريضة ولو متأخرًا، وبعضهم ربما مضت عليه الساعات في نوم عميق، فتفوته الجمعة، إنها خسارة عظيمة لمسلم منحه الله الصحة والعافية، ولكنه لا يبالي بهذا اليوم ولا بفضائله.
 وإذا دخل المسلم المسجد شُرع له أن يصلي ركعتين تحيةَ المسجد ولو كان الإمام يخطب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب إذ دخل سُلَيْك الغطفاني رضي الله عنه فجلس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أصليتَ ركعتين؟))، قال: لا، قال: ((قم فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما))؛ رواه البخاري ومسلم.
وإذا تأخر المسلم عن الإتيان مبكرًا إلى المسجد وقد امتلأ المسجد، فإنه يمنع من تخطَّي رقابَ الناس؛ لأن في ذلك أذىً للمسلمين، وإشغالٌ لهم عن الاستماع، وإلهاء لقلوبهم عن الإقبال على سماع الخطبة، فبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا رجلٌ يتخطى رقاب الناس، فقال له: ((اجلس فقد آذيت وآنيت))؛ أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
 إذا أتى المصلي إلى صلاة الجمعة فيشرع له الإنصات لخطبة الإمام، والإصغاء إليها، ويَحرُم عليه التحدث مع الغير، والاشتغال بما يلهي عن سماع الخطبة، يقول صلى الله عليه وسلم: ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت))؛ رواه البخاري.  
من مس حصى المسجد، أو عبث بشيء من متاعه والإمام يخطب، فقد لغا في جمعته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مس الحصى فقد لغا))؛ رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وما من دين على وجه الأرض يلزم مؤمنيه في يوم من أيام الأسبوع أن يأتوا يوم الجمعة بالاستماع والإنصات، كأشد ما يكون الاستماع والإنصات إلى خطبة الجمعة، لا يلتفتون عنها بشيء، ولا يردون السلام، ولا يشمتون العاطس، كلهم آذان مصغية، كأن على رؤوسهم الطير الاّ دين الاسلام .
فانتبه يا عبد الله، لا تفسد جمعتك بعبث أو غيره، توجه بسمعك وقلبك إلى الخطبة، ولا تتكلم حال الخطبة، ولا تكن من الذين غلب عليهم الكسل أو عدم المبالاة، يملون من الجلوس ربع ساعة لاستماع ذكر أو موعظة، ولهذا تجدهم يأتون في آخر الخطبة حتى لا يطيل الجلوس، وبعضهم إذا جاء متأخرًا فإنه لا يجلس، يظل واقفًا حتى تقام الصلاة، ولو طُلِبَ من أحدهم أن يجلس في غير هذا المكان لجلس الساعات الطوال، في لهو أو لعب أو غيره، فأي حرمان للعبد أكثر من هذا؟!
الخطبة الثانية :
ومن أحكام يوم الجمعة : 
عن عبد الله بْن عُمَرَ-رضى الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلمقَالَ: " إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ اللهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ " صحيح الجامع
وقد ورد النهي عن تخصيص يوم الجمعة منفردًا بصيام؛ وليلها بقيام؛ لما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم))رواه مسلم
فمن أراد صيامه فعليه أن يصوم يوما قبله أو بعده؛ لحديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال ) لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده))البخاري ومسلم
ومن أحكامها: أنه يستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلممن قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)) تخريج المشكاة  الالباني  حسن
ومن أحكامها: أن لصلاة الجمعة سنة بعدية؛ ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( إذا صلى أحدكم الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا)) رواه مسلم ....وذلك في المسجد.
وجاء في حديث ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما-: ((أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حتى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ)). رواه مسلم ...وذلك في البيت-والعلم عند الله-.
قال إسحاق: "إن صلى في المسجد يوم الجمعة صلى أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين"، وقال أبو بكر الأثرم: "كل ذلك جائز".
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو-رضى الله عنهماقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ القَبْرِ" حسن  صحيح الجامع
قال سبحانه﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات المشروعة في هذا اليوم، فإنَّ أوسَ بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خلق الله آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثِروا من الصلاة عليَّ فيه، فإن صلاتكم يوم الجمعة معروضة عليَّ))، قالوا: "وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أَرِمْتَ؟!"؛ أي: بليت ، فقال: ((إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أن تأكل أجسامنا))؛ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه واللفظ له.
وفي الحديث ( أكثرُوا مِنَ الصَّلاةِ علِي يومِ الجُمُعةِ ؛ فإنَّهُ مَشْهودٌ تَشْهَدُهُ الملائكةُ ، وإِنَّ أحدًا لَنْ يصلِّيَ عليَّ ؛ إلَّا عُرِضَتْ عليَّ صلاتُهُ حتى يَفْرُغَ مِنْها . قال : قُلْتُ : وبعدَ الموتِ ؟ قال : إِنَّ اللهَ حَرَّمَ على الأرضِ أنْ تأكلَ أَجْسادَ الأنبياءِ عليهم السلامُ ، ) صحيح الترغيب حسن لغيره
وفي الحديث : ( أكثروا الصلاةَ عليّ يومَ الجمعةِ وليلةَ الجمعةِ ، فمَنْ صلّى عليّ صلاةً صلّى اللهُ عليهِ عشرا ) السلسلة الصحيحة  حسن لشواهده
قال ابن القيِّم: "ورسول الله سيِّد الأنام، ويوم الجمعة سيِّد الأيَّام، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى، وهي أنَّ كلَّ خير نالته أمَّته في الدنيا والآخرة فإنَّما نالته على يده، فجمع الله لأمَّته بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم فإنَّما تحصل يوم الجمعة، فإنَّ فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنَّة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنَّة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم يُسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يردُّ سائلهم، وهذا كلُّه إنَّما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقِّه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته".

1