إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 27 يناير 2022

جريمة عمل قوم لوط

 ( جريمة عمل قوم لوط ) 

الخطبة الأولى:

من الآثار الناتجة عن سوء التربية: عمل قوم اللواط الذي انتشر في السنوات الأخيرة بين الشباب في كثير من البلدان. ذلكم الداء الذي عذب الله به قوم لوط أشد العقوبة لقبحه وعظيم خطره.

 فذنوب اللواط من أعظم الذنوب، تمنع غيث السماء، وتغضب الرب على المربوب، ويضيق بها الفضاء، وتعج لها السماء، وتنقطع بها العرى، ويحل بها البلاء؛ داء عضال وقبح أفعال، وعيب دونه سائر العيوب.. تموت به الفضيلة وتحيا به الرذيلة، وتفتت من صنعه أكباد أهل الغيرة والشيمة، تذوب من أجله حبات القلوب؛ وفاعل ملعون ومفعول به عليه مغضوب، وخُلق فاسد وشرف مسلوب.

 ولقد كانت أمة قديم عصرها باق ذكرها تسكن بين الشام والحجاز ترتكب هذه الجريمة علناً، وتحارب ربها باقترافها؛ فيأتون الرجال شهوة من دون النساء، لا يبالون بعتب العاتبين، ولا يخافون لومة اللوام؛ فبعث الله فيهم لوط بن هاران -عليه السلام-، فدعاهم إلى التوحيد، وحذرهم من اللواط أبلغ تحذير، وتوعدهم بعذاب الله، وأغلظ لهم فيه الكلام، فما كان جواب قومه إلا أن قالواأَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)[النمل:56].

 وكذلك يفعل السفهاء بأولي الأحلام! فأنزل الله عليهم عقوبة، عقوبة تناسب جريمتهم، فقال سبحانهإِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ)[العنكبوت:31].

 كما أمر الله نبيه بأن يخرج من هذا البلد الذي انتشر فيه هذا الوباء، فقال سبحانه( فأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ)[هود: 81].

 فوالله ما كان بين إهلاك أعداء الله ونجاة نبيه وأوليائه إلا ما بين السَّحَر وطلوع الفجر، وإذا بديارهم قد اقتلعت من أصولها، ورفعت نحو السماء حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب ونهيق الحمير، فجعل الله عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود؛ فجعلهم آية للعالمين وموعظة للمتقين، ونكالاً وسلفاً لمن شاركهم في أعمالهم من المجرمين.. أخذهم الله على غرة وهم نائمون، وجاءهم بأسه وهم في سكرتهم يعمهونفَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الحجر:84].

 ذهبت اللذات وأعقبت الحسرات وانقضت الشهوات، تمتعوا قليلاً وعذبوا طويلاً..رتعوا مرتعاً وخيماً؛ فأعقبهم ذلك عذاباً أليماً، أسكرتهم خمرة تلك الشهوة؛ فما استفاقوا منها إلا في ديار المعذبين وفي منازل الهالكين، فندموا أشد الندامة، وبكوا على ما أسلفوا بدل الدموع دماً؛ 

 عباد الله: تأملوا -رحمكم الله- كيف جمع الله على هذه الأمة أنواع العقوبات؛ فطمس أبصارهم وسود وجوههم، وأمر جبريل أن يقتلع قراهم من أصلها ثم يقلبها عليهم، ثم أمطر الله عليه حجارة من سجيل.

 أيها المسلمون: إن جمع هذه العقوبات دليل على شدة مفسدتهم وشدة ذنبهم وعظيم فحشهم.

 نعم! إنه والله - منظر وفعل تترفع عنه طباع البغال والحمير، بل والكلاب والخنازير؛ إذ كيف يقع رجل على رجل وهو يعلم ما في ذلك من مخالفة العقل والدين، وما فيه من مرض خطير، وشر مستطير.

 وإنه -والله- ليحزُّ في النفوس أن نراه بادياً، وأن نراه بازدياد بين الشباب في هذه الأعوام، وأن نرى لمرتكبيه علامات يختص بها من يريد هذه الجريمة، ومشية يتميزون بها، وزي يعرفون به، حتى إن بعضهم ليهتم بشعر رأسه كما تهتم الفتاة بشعرها بل وأكثر منها، وإن بعضهم ليستعمل المساحيق الخاصة بالنساء زيادة في التميع، وميولاً إلى الأنوثة، وميلاً إلى النعومة، وسعياً إلى مباشرة هذه الجريمة.

 أيها المسلمون: إن هذا الكلام واقع فعلاً وليس فيه أي مبالغة...

 أيها المسلمون: لقد بلغت بنا الحالة إلى أن أصبحنا نخاف على الصبي من الغلمان أكثر من خوفنا على البنات الشابات، ولقد أصبح المترف عابثاً بمن يلوط به، فلا دين يمنعه، ولا وازع يردعه.

 فيا رجال الإصلاح، ويا أساتذة المدارس، ويا أولياء الأمور، ويا حملة الشريعة: اعلموا أنكم عن أمتكم مسئولون؛ فوجهوا الشباب قبل أن يستفحل هذا الداء، وقبل أن يحل بأمتنا البلاء؛ فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "يا معشر المهاجرين! خمس خصال إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا"(رواه ابن ماجه، وقال الألباني: صحيح لغيره).

 فيا أيها الأولياء: أنقذوا أبناءكم من جحيم هذه الجريمة؛ فإن لها عقوبات متعددة، وويلات متنوعة، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

 ويقول مجاهد -رحمه الله-: "لو أن اللوطي اغتسل بماء السماء وبماء الأرض لم يزل نجساً حتى يتوب إلى الله".

 إن الذي يقرأ ويسمع هذا الحديث، ويذهب بعدها إلى الشوارع التي يجتمع فيها الشباب؛ ليرتعد خوفاً من الجبار جل جلاله أن يرفع عنا يده؛ إذ أنه سيرى الشاب الكبير السن بجانبه الغلام الصغير في سيارة واحدة، فما هو المآل يا ترى؟!

 أتظنون -معاشر المسلمين- أن هؤلاء الصبية الذين هجروا بيوت أهليهم، وجلسوا مع من قَلَّ قدرهم، وساءت أحوالهم سيأمن عليهم من هذه الجريمة؟  لا -والله- أيهاالمسلمون.

الخطبة الثانية :

 فيا أيها المسلمون: إن مفسدة اللواط من أعظم المفاسد، وإن عقوبتها من أعظم العقوبات في الدنيا والآخرة.

 أما في الدنيا؛ فقد ثبت عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلاً ينكح كما تنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر -رضي الله عنه-؛ فاستشار أبو بكر الصحابة، فكان علي -رضي الله عنه- أشدهم قولاً فيه، فقال: "ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله بها، أرى أن يحرق بالنار". فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه.

 ويقول ابن عباس -رضي الله عنه "ينظر أعلى بناء في القرية فيرمى اللوطي منها منكساً، ثم يتبع بالحجارة"(رواه ابن أبي شيبة).

 وأما في الآخرة؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال "لعن الله من عمل عمل قوم لوطوكررها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ثلاث مرات (رواه أحمد، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح). واللعن، هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله.

  

اعلموا -رحمني الله وإياكم - أن فاحشة اللواط فاحشة عظيمة القبح، شديدة النكاية، تشمئز منها القلوب وتنبو عن سماعها الأسماع، وتنفر منها أشد النفور؛ لذلك يقول هشام بن عبد الملك: "لولا أن الله ذكر اللوطية في كتابه ما صدقت أن رجلاً يقع على رجل". وقد أحرق بالنار من يفعل هذه الفاحشة.

أولاً: فبغض البصر؛ فإن في غض البصر فوائد جمة، من أولها: أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم الذي أخبر النبي عنه بقوله: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس"(ضعيف الترغيب). 

الدواء الثاني: اشتغال القلب بما يبعده عن هذه الجريمة، ويحول بينه وبين الوقوع فيها، كالعكوف على قراءة كتاب الله، وقراءة سير الصالحين، وسماع كلام الله، وكلام الناصحين.

 الدواء الثالث: عدم اختلاط الكبير مع الصغير الأمر وخاصة من كان لا علاقة له به .

 الدواء الرابع: تربية النشء تربية سليمة ليس فيها إفراط ولا تفريط؛ لأن بخل الوالد على ولده يحتم على الولد أن ينساق مع كبار السن بغية الدراهم، كما أن البذل لغير فائدة قد يَجر الولد إلى إغراء غيره.

 الدواء الخامس: عدم السماح للأبناء بالسهر سواء كانوا صغاراً أو كباراً.

 الدواء السادس: منع الأبناء من الالتحاق بالأماكن التي يكثر فيها الفساقوتجمعاتهم 

 الدواء السابع: محاربة جهاز الفيديو؛ فإن فيه أشرطة ممنوعة، ولكنها تتسرب عن طريق الخفية، ويتداولها بعض المراهقين تعرض فيها جريمة اللواط والزنا -نسأل الله أن يحفظ ذرارينا منه، وأن يعين هذه الدولة على إزالته بالكلية-.

 

الجمعة، 21 يناير 2022

فتنة النساء

 ( فتنة النساء )  

أيها المسلمون: وقفَ على قارعةِ الطريقِ يرفعُ لافتة الخطر.. يُحذِّرُ العابرينَ من خَطَرٍ كامِنٍ أمامَهم.  فما يمَرَّ بِهِ عابِرٌ إلا شَكرَه، ولا يأتى عليه سائرٌ إلا بالَغَ في الثناءِ عليه. 

وكذا القلوبُ تُجمِعُ على محبةِ مَن يسعى في حمايتها من المخاطِرِ، ويجتهدُ في وقايتها من المهالِك. 

ولا أَعزَّ على المؤمنِ من إِيمانِهِ، ولا أكرمَ عليه من دِيْنِهِ.  ضَرَرٌ يُصيبُ الدينَ يعني خسارةَ الآخرة

ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم  أرسلَهُ الله شاهداً ومبشراً ونذيراً. 

يُنذرُ العالمينَ من كُلَّ شَرٍّ، ويحذرُهم من كُلَّ خَطَر. يأمُرُهُم بالمعروفِ الذي به يُدرِكُونَ رحمةَ الله. وينهاهُم عن المنكرِ الذي يودِي بهمِ إلى سخطِ الله. يُنذرُ أسبابَ الضلالِ وَيُـحَذِّرُ دُرُوْبَ الضَّرَرْ.

وفي مَوْقِفٍ مِنْ مَوَاقِفِ الرِّسَالَةِ التي قامَ فيها رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم  محذراً ومُنذراً. 

قال أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ رضي الله عنه سِمْعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم  يقول : (مَا تَرَكْتُ بَعْدِيْ فِتْنَةً هِي أضرُّ على الرِّجالِ مِن النساءِ) متفق عليه 

تحذيرٌ وإنذارٌ يُوجِبُ اليقظةَ والحذر. مِنْ فِتْنَةٍ وَقْعُها خَطِيرٌ وشَرٌّها مُسْتَطِيْر

فِتنةُ النساءِ.. إنَّ فتنةَ النساءِ تُرْدِيْ العقولَ. 

كَمْ لبيبٍ يقومُ في القوم شهماً، قولُه صائبٌ ورأيٌ سديدُ. اذا مسته فتنة النساء ضاع ذاك الرأي السديد والعقل الرشيد ..

فتنةُ النساءِ تُوْهِنُ الإيمانَ وتُضْعِفُ القلبَ، وتَسلُبُ العقلَ وَتُوْرِدُ المهالِك.

في النساءِ فتنةٌ.. يُمتَحَنُ بها إيمانُ الرَّجُلِ. ويُبْتلى بها صبرُهُ وتَقْواه.

وَقَلَّمَا اسْتَهَانَ رَجُلٌ بهَذِهِ الفِتْنَةِ إِلا اصْطَلَى بِنارِها، وقَلَّما استخفَّ رجلٌ بهذه الفتنةِ إلا انقلَبَ كاسِفَ الإيمانِ مُوُقَراً بالأوزار

لَيْسَ تَنَطُّعاً ولا غُلُواً.. أَن تُشْهَرَ أمامَ هذه الفتنةِ كُلُّ عباراتِ الخطر، ويُسْتَنفَرَ أمامَها كُلُّ دُعاةِ التَّحْذِيْر. فنصوصُ القرآنِ والسنةِ يَزْخرانِ بذلك. 

عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم   قال: (إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ) رواه مسلم

فتنةٌ تموجُ فِي كُلِّ فَجٍّ..

مَنْ تَوَقَّى الشِّراكَ أضحى طليقاً ، لا تُغامِر باقتحامِ وادي المهالِك. فما حَفِظَ مُؤمنٌ إيمانَه بمثلِ النأيِ عَن مَوْرِدٍ تَخْتَلِفُ إليهِ النساء. في السُّوقِ أو العمل، أو المتجرِ أو الوظيفة. أو المرافقِ العامةِ والمُتَنزَهات. 

كُنْ حَذِراً.. إِنَّ القلوبَ لها انكفاءُ.  فما استهانَ عاقِلٌ بهذه الفتنةِ إلا نَدِم.  

وما صَدَقَ رَجُلٌ سَوِيٌّ يَسْتَمْرِئُ مُخالَطَةَ النساءِ ويستعذِبُ الحديثَ مَعَهُن، ويَزعُمُ أَنْهُ مِنْ فِتْنَتِهِنَّ في مَأَمَن. 

عَنْ عقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (إِياكُمْ والدُّخُولَ على النِّساءِ) متفق عليه 

ومَن امتَثَلَ قولَ اللهِ غَنِم {إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْأَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}

عباد الله: وحينَ يُبْتلَى رَجُلٌ عاقِلٌ عفيفٌ بِفَاتِناتٍ مَفْتُوْنَاتٍ.. يَسْتَعرِضْنَ محاسِنَهُنَّ أَمامَ الرجالِ. يَتَعَمَّدنَ إثارةَ الفتنةِ في نفوسِهِم، بكلماتِ خُضُوعٍ، أو نظراتِ إغراءٍ، أو إشاراتِ استمالَة. فإِنَّهُ لن يقوى على مقاومَةِ الفتنةِ إلا باعتصامِه باللهِ.  وَمَنْ كَانَ لَه رصيدٌ من الإيمانِ والتقوى أُعينَ.

وقَفَ يوسفُ عليه السلام أمامَ أعظمَ فتنةٍ للنساءِ.. شامِخاً طاهراً عفيفاً، 

صاحَ في وجه الفتنةِ إِذْ عَرَضَتْ لَه: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} 

 فِتنةٌ قاسيةٌ عَرَضَتْ لَه على حينِ غَفْلَة.. لَمْ يَظُنَّ يوماً أَنْ سَتَعْرِضُ لَه. هُيِئَت لَه أسبابُها، وأُشْهِرَتْ أَمَامَهُ بَوَاعِثُها.  فَوَثَبَ الإيمانُ في قلبِه يُصَارِعُ الفتنةَ حتى أَبطَلَها. 

قال الله: {كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} أخَلَصَهُ اللهُ وَاصطَفَاهُ فَخَلَّصَهُ من شَرِها، بما كانَ لَهُ من سابِقِ إيمانٍ وصِدقٍ وتقوى.

وأَنَّى لِرجُلٍ يَسْتعذبُ الحديثَ في مجالِسِهِ عن مفاتِنِ النساءِ، ويستدعي مشاهِدَ الفِتنةِ في خواطِرِه، ويستديمُ التَّلَذُّذ في خيالِهِ بَوَصِلِ الغانيات. أَنَّى لَه أَن يُقاوِمَ أَدْنَى فِتنةِ للنساءِ تَعْرِضُ له، أَنَّى لَه أَن يجدَ للثباتِ أوتاداً حِينَ تَسْتَعْرِضُ الفتنةُ أمامَ ناظِرَيْه. 

وفي قِصَّةِ جُرَيْجٍ.. خَيْرُ شاهدٍ على أَنَّ القلبَ إذا عُمِرَ بالإيمانِ ومراقبةِ اللهِ وقت الرَّخاء.. أُحيطَ بالحفظ والثباتِ وقتَ الفتنة. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :(فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ.. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ، قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا..الحديث) متفق عليه

(فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا) أفكانَ جُريجُ يَفتَقِدُ ما يَجِدُهُ الرجالُ مِنْ مُيُوْلِ إلى النِّسَاءِ؟  أَمْ أن جريجاً كانَ لَه قلبٌ عامرٌ بمراقبةِ الله.. فانْكَفَّ عَن مواقَعةِ الحرام؟! {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}  بارك الله لي ولكم بالقرآن

الخطبة الثانية :

أيها المسلمون: وحينما تَشْتَدُّ فِتْنَةُ النساءِ في زَمَنٍ وتتضاعفُ..   فتَعرِضُ للرجُلِ في كُلِّ موقفٍ وفي كُلِّ حين.  في الواقعِ وفي التقنيةِ، وفي الطريقِ في العَمَل.

يَظَلُّ المؤمنٌ منها على وَجَلْ، يخشى على دينِه ويُحاذرُ على إيمانِه. يستعيذُ باللهِ كثيراً وإليه يَلْجأُ ويَفْزَعْ {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ* فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

وإنَّ فتنةً.. جاءَتْ نصوصُ الشريعةِ بأبْلَغِ معانيِ التحذيرِ منها. سَيُسألُ عَنْ إذكائها وإشاعَتِها كُلُّ مَنْ كانَ لَه سَبَبْ

سيُسألُ عن هذه الفتنةِ أَمامَ رَبِّ العالمينَ يوم القيامةِ.. وَلِيٌّ لَم يُحِطْ نِساءَهُ بعنايتِه وحُسْنِ تربيته. فاسْتَهَنَّ بالحجابِ وجَعَلْنَهُ عَلَماً للفتنةٍ والزِّيْنَة. يَخْرُجْنَ مِنْ بُيوتِهِنَّ  متى شئن، وكيفَ شئن، وإلى أي مكانِ شئنَ، وعلى أَي هيئةٍ شِئن. دُوْنَ أَنْ يكونَ للوليِّ فِيهِنَّ تقويمٌ وتصويب، وتربيةٌ وتأديب

وستُسألُ عن هذه الفتنةِ أَمامَ رَبِّ العالمينَ يوم القيامةِ.. فتاةٌ خالَفَتْ أمرَ رَبِها، فَخَرَجَتْ مُتَبَرِّجةً تتباهى بزينتها.  تُخَالِطُ الرجالَ وتُخاطِبُهُم، وتسْتَعرِضُ أَمامَهُمْ زِيْنَتَها وتَخْضَعُ بالقولِ لَهُم.  تُسألُ عَن كُلِّ فتنةٍ في القلوبِ زَرَعَتْها. وتحاسَبُ عَن كُلِّ نظرةٍ إليها اسْتَجْلَبَتْها.

وسيُسألُ كُلُّ رَجُلٍ عَن طَرْفٍ في الحرامِ أطالَه، ونظرةٍ للفتنةِ أَمْعَنَها. قالَ جَريرٌ رضي الله عنه سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن نظر الفَجْأَةِ فقال:«اصْرِف بَصَرك» رواه مسلم

يُسألُ المرءُ عَن جهازٍ يُقَلِّبَهُ بين يديه.. لا يستحضِرُ وَقتَها مُرَاقَبَةَ اللهِ لَهُ، ولا يَسْتَشْعِرُ اطلاعَ اللهِ عليه،  فلا يَتَوَرَّعُ عن اسْتِعْراضِ صورٍ للحياءِ خادِشة، ولا يتنزَّهُ عَن مُشاهَدَةٍ مشاهِدَ للشهواتِ مُثيرة.

وليُسألَنَّ أمامَ اللهِ أقوامٌ.. أَجَّجُوا لهذه الفتنةِ نيرانها.. كاتِبٌ رمى في الفتنةِ بكلمةٍ، ومُغردٌ رمى فيها بصورةٍ، وتاجرٌ هيأ للفتنةِ أجواءَها. {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}