مجاهدة النفس
أيها المسلمون: جعل الله الدنيا دار بلاء وامتحان، وجهاد ومجاهدة، وصبر ومصابرة، فمن اجتاز البلاء، وصبر في ذات الله تعالى، وجاهد في سبيله كان حقاً على الله تعالى أن يرضى عنه، ويدخله الجنة.
والعبد منذ تكليفه إلى أن يرفع عنه التكليف يخوض معركة مع نفسه وشيطانه؛ فنفسه تدعوه إلى هواها، وشيطانه يؤزه إلى ما يرديه ويهلكه.
والناس على فريقين: من يغلبه شيطانه، ويركن إلى دنياه فيعب من شهواته، وينسى حقوق ربه، فمصيره ما ذكر الله تعالى بقوله (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى) [النَّازعات].
وعكسه من غلب شيطانه، وقهر نفسه، ولم يركن إلى الدنيا، وتمتع بما أحل الله له من الشهوات، ولم يجاوز ذلك إلى ما حرَّم الله عليه، وقام بحق الله تعالى خير قيام؛ فهو السعيد المذكور في قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى) [النَّازعات].
من أحب الله تعالى وعظم شعائره؛ خالف هواه إلى ما يحب الله تعالى، وقصر نفسه على ما أحلَّ الله له، ومن أتبع نفسه هواها وأرخى لها زمامها؛ ففي محبته لله تعالى نقص بقدر اتباعه لهواه، وعصيانه لربه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " محبة الله توجب المجاهدة في سبيله قطعاً"
إن معالجة النفس ومجاهدتها من أعظم أنواع الجهاد؛ لأنه جهاد يستغرق العمر كله، وإذا طال الأمد ضعفت النفس، فاحتاجت إلى مجاهدة أكثر.
يقول سفيان الثوري رحمه الله تعالى: " ما عالجت شيئاً أشد عليَّ من نفسي، مرة لي ومرة علي ".
وكان عمر رضي الله عنه يخاطب نفسه، ويقهرها حتى لا تجمح به فتخرجه عن الجادة دخل رضي الله عنه حائطاً فبدأ يخاطب نفسه ويحاسبها، قال أنس رضي الله عنه: فسمعته يقول: " عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ بخ، والله يا ابن الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك ".
إن الإنسان قد يجاهد غيره لكنه ينسى نفسه التي تحتاج إلى جهاده، فيذرها تركب هواها، وتنال مطلوبها، ولا يحسب أنها تحتاج إلى مجاهدة، بل قد ينكر ذلك ويرى أنه على أحسن حال، أو على الأقل ليس أسوأ الناس، وهذا يقعده عن المجاهدة، فيسير في الردى، ويوشك أن يهلك وفي هذا المعنى قال علي رضي الله عنه: "أول ما تنكرون من جهادكم أنفسكم "، ولما سأل رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن الجهاد قال رضي الله عنه: " ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها ".
مجاهدة للنفس هي التي تعالج الشهوات، ومجاهدة النفس إنما تكون لكبح جماحها وامتلاك زمامها، وحملها علي ما يرضي ربها، وتصفية كدرها، وتنقية فطرتها، ولذا كان الأمر الرباني لنبيه صلي الله عليه وسلم وللمؤمنين معه بالقيام بالليل والذكر الدائم بالنهار، وهو أمر يحتاج إلي رياضة نفسية وعزيمة إيمانية، وهمة أخلاقية، وإرادة قوية. قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(العنكبوت: (69).
إن الخطوة الأولى لمجاهدة النفس الاعتراف بأنها تحتاج إلى مجاهدة، والنظر إلى نقصها وعيبها وخطئها، ومقارنة ذلك بالنفوس التي تفضلها وتتفوق عليها ومن لم يعترف بتقصيره وخطئه فكيف يجاهد نفسه؟!
أما المجاهدة للنفس اصطلاحاً فقد عرفها الجرجاني في كتاب التعريفات (204) بأنها محاربة النفس الأمارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها بما هو مطلوب في الشرع، وقال المناوي هي حمل النفس علي المشاق البدنية ومخالفة الهوى، وقيل هي بذل المستطاع في أمر المطاع وهو الله - عز وجل -.
قال أحدهم: " عملت في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدت شيئاً أشد علي من العلم ومتابعته..." ، ". ( ابو يزيد البسطامي )
وقال الحسن البصري: " أفضل الجهاد جهاد الهوى
قال الحسن: « إذا نظر إليك الشيطان فرآك مداوما في طاعة الله ، فبغاك وبغاك ، فرآك مداوما ملك ورفضك ، وإذا كنت مرة هكذا ومرة هكذا طمع فيك »
وما دامت النفس ضعيفة، والشيطان موجوداً فإن العبد يحتاج إلى مجاهدة دائمة، ولا سيما أن الشيطان لا يكل ولا يملَّ من قذف وساوسه وخطراته في قلوب العباد، وعلاج ذلك دوام المجاهدة.
عن سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الشيطان يقعد لابن آدم بأطرقه، قعد في طريق الإسلام، فقال: تسلمُ وتذرُ دينك ودين آبائك وآباء آبائك؟ فعصاه وأسلم، وقعده له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطِوَل، فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد؟ فهو جَهْدُ النفس والمال، فتقاتل فتقتل؛ فتنكح المرأة، ويقسم المال! فعصاه فجاهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة"رواه النسائي وصححه ابن حبان.
وكما أن اجتناب المعاصي يحتاج إلى مجاهدة للشيطان، ومقاومة للنفس الأمَّارة بالسوء، فإن التزام الطاعة والمحافظة عليها، وأداء الفرائض والمندوبات يحتاج إلى مجاهدة النفس الميالة بطبعها إلى الراحة والكسل، وإلى مجاهدة الشيطان الذي يثبط العزائم، ويضعف الهمم، ويزين للعبد ترك اكتساب الحسنات، وهذا هو دأب الصالحين من عباد الله تعالى من النبيين والصحابة، والتابعين لهم بإحسان دوام المجاهدة في سبيل الله تعالى، وقهر النفس على اكتساب الحسنات، وترك السيئات.
ومن صدق مع الله تعالى، واجتهد في هذا الباب وفقه الله للهدى، وبلغه ما تمنى، وضعف تسلط الشيطان عليه، كما قال الله سبحانه (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69]، فالهداية من الله تعالى، ويستحقها المحسنون من عباده، الذينجاهدوا في الله تعالى حتى بلغهم الله ما أرادوا من الهداية.
وواقع المجاهدين يدل على ذلك: فهذا نبي الله يوسف عليه السلام دعاه الشيطان إلى مقارفة الحرام مع امرأة العزيز التي زينت لها نفسها الأمَّارة بالسوء عملها فراودته عن نفسه، لكنه عليه السلام جاهد نفسه، ولم يستسلم للشيطان ولهواه، فقال (مَعَاذَ الله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف:23]، واعترف بعجزه وضعفه رغم مجاهدته، وسأل الله تعالى العافية من هذا الابتلاء، ودعا فقال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) [يوسف].
وهذه الاستجابة من الله تعالى ليوسف عليه السلام كانت بعد مجاهدة منه، وصدق في التوجه إلى الله تعالى.
ولما سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة قال له " أعني على نفسك بكثرة السجود "، وهذا يحتاج إلى مجاهدة، إذا حققها العبد بلغ ما تمنى، وأعطاه الله ما سأل؛ إذ نيل المطالب يحتاج إلى عمل، ولا تنال بالتمني فقط، فإذا اجتمع العمل مع صدق التوجه إلى الله عزَّ وجلَّ نال العبد ما أراد.
قال أبي بن كعب رضي الله عنه " كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، قال : فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد جمع الله لك ذلك كلَّه " رواه مسلم.
روى البخاري ومسلم بسندهما عن أنس بن مالك أن أنس بن النضر قال- بعد أن فاتته غزوة بدر لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون دخل يضرب في صفوف الكافرين حتى ُوجد به بضع وثمانون ضربة بالسيف، وطعنة بالرمح ورمية بسهم، وقد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه.
ونزل فيه قوله - تعالى -: (مِّنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهم مَّن يَنتَظِرُ...)(الأحزاب: من الآية (23) وهذا قطعا ًمرّ عبر مجاهدة كبيرة للنفس حتى ينال هذا الرضا الرباني.
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً ؟ متفقٌ عليه. هذا لفظ البخاري، ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة.
عن أبي صفوان عبد الله بن بسرٍ الأسلمي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الناس من طال عمره وحسن عمله رواه الترمذي
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدّرجات؟» قالوا: بلى. يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة. فذلكم الرّباط»
عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» ،
ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: «الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل ، قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17)
ثمّ قال: ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ، ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟» قلت: بلى، يا نبيّ الله، فأخذ بلسانه، قال: «كفّ عليك هذا» فقلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ قال: ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم- أو قال: على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم؟
الخطبة الثانية :
يقول نبينا عليه الصلاة والسلام :"الْمُجَاهِدُ من جَاهَدَ نَفْسَهُ في طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل".رواه الإمام أحمد في المسند(6/22)من حديث فضالة بن عبيد-رضي الله عنه-،وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله-في السلسلة الصحيحة(549)
وقال أبن القيم –رحمه الله- :" سمعت شيخنا –أي ابن تيمية(رحمه الله) -يقول:جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين،فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولا".روضة المحبين( ص487)
نجد في الواقع بعضا ًمن الناس يدخنون أو يشربون الخمور وهم أعلم الناس بضررهما لكن شهوتهم تغلبهم ولا يعقل أن يكون إصلاحهم عن طريق شرح آثار التدخين والخمر لأنهم أعلم من غيرهم في هذا، لكن لابد من تدريبهم على مجاهدة النفس حتى يمنع نفسه من إدمانها
إن مواجهة ضغط شهوة الرجال إلى النساء أو النساء إلى الرجال والوصول إلى غض البصر وحفظ الفرج لا يحدث فقط باستحضار نصوص العفة، وعقوبة مقترف الزنا أو مقدماته، بل يلزم أن يواجه هذا الطوفان من سعار الشهوة بالصيام الذي هو وجاء لهذه الشهوة في وسط المثيرات حولنا، وبالقيام الذي يعظم الخشية لله، وبمواجهة النفس في نزواتها أن يخوض مع الخائضين سواء عن طريق الانترنت أو التليفزيون أو الأفلام الهابطة والمجلات الفاسدة، ويلزم مع هذا إشغال النفس بالحلال الطيب من التريض، وأن يكون يومه وليله مليئاً بالواجبات الشريفة، والأعمال الكثيفة فإن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أيما مفسدة كما قال الشاعر.
مهما توسع المسلم والمسلمة في حفظ النصوص الشرعية والآثار التربوية عن فضل القيام والصلاة مع الخشوع والخضوع، وسكب الدموع خشية رب الأرض والسماوات، فلن يحصل على انتظامه في القيام والصلاة على وقتها والخشوع في أركانها حتى يجاهد نفسه ويعصر قلبه، ويظل ذاكراً لذنبه، متذكراً موقفه بين يدي ربه، وعندئذ سيذوق حلاوة مجاهدته ولذا قال أحد الصالحين: جاهدت نفسي في قيام الليل عشرين عاما فذقت حلاوته عشرين عاماً، وهو معنى قوله - تعالى -: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقنَـهُم يُنفِقُونَ)(السجدة: ?16?).
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر متفقٌ عليه.
والمراد: العشر الأواخر من شهر رمضان. والمئزر: الإزار، وهو كنايةٌ عن اعتزال النساء، وقيل: المراد تشميره للعبادة. يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي: تشمرت، وتفرغت له.
والمراد: العشر الأواخر من شهر رمضان. والمئزر: الإزار، وهو كنايةٌ عن اعتزال النساء، وقيل: المراد تشميره للعبادة. يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي: تشمرت، وتفرغت له.
أيها المسلمون: تتجلى المجاهدة في الصيام أكثر من غيره من العبادات؛ فالعبد في رمضان يجاهد نفسه، ويكبح شهوته؛ إرضاءً لله تعالى يشتهي الطعام فلا يأكله، ويظمى فيرى الماء ولا يشربه، وتكون معه زوجته الحلال له فلا يقربها.. ويجاهد نفسه عن سائر المفطرات ابتغاء رضوان الله تعالى.
فالصيام يدرب الصائم على المجاهدة؛ حتى ترتاض نفسه عليها، ومن قدر على الصيام عن المفطرات طوال النهار فهو قادر على الصيام عن المحرمات طوال الليل، ومن صام عن المحرمات في رمضان فقد أثبت أنه قادر على تركها في غير رمضان، وهذه هي المجاهدة.
إننا -معشر المسلمين- قد استطعنا كبح شهواتنا المباح منها والمحرم في نهار رمضان، فلماذا لا نكبح نفوسنا عن الحرام في ليالي رمضان؟!
إننا جاهدنا نفوسنا في النهار، فقضينا أوقاتنا فيما يرضي الله تعالى من قراءة قرآن، وذكر، ودعاء، فلماذا لا نفعل ذلك في الليل؟ ولماذا لا نفعل ذلك في غير رمضان؟!
إن مجاهدتنا لأنفسنا وشياطيننا في نهار رمضان تدل على قدرتنا على المجاهدة، وعلىقهر نفوسنا، ودحر شياطيننا، فلماذا لا نستمر على تلك المجاهدة حتى تكتب لنا الهداية، وننال درجة الإحسان التي هي ثمن المجاهدة الصادقة؟!
إن كثيراً من البرامج السمعية والمرئية في الإذاعات والفضائيات العربية هي ميدان لإبليس وجنده من شياطين الجن والإنس، وتحتاج منا إلى مجاهدة قوية لدفع شرها عن أنفسنا؛ وذلك بإنكارها وعدم قبولها، وحفظ أنفسنا وبيوتنا وأولادنا منها
وإذا ضعفنا أمامها وما فيها من زخرف ومؤثرات ومشوقات؛ فإننا بذلك نثبت انهزامنا مع أنفسنا، وانتصار الشيطان والهوى علينا، وهذا هو السبب الرئيس لضعفنا وذلتنا؛ لأن مجموع هزائم كل واحد منا شكلت كماً كبيراً من الهزائم والانتكاسات، حتى صارت أمتنا أعداداً لا قيمة لها، وصدق فينا وصف الغثائية الذي أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، إلا من رحم الله وقليل ما هم.
بعض الناس يلزم نفسه بنظام غذائي خاص (دايت)، ويمتنع عن ما يحب من المأكولات والحلويات لتخفيف الوزن، هل تعرف ماذا يفعل؟ إنها يجاهد نفسه.
ألا فاتقوا الله ربكم، وجاهدوا أنفسكم، وجاهدوا الشيطان وجنده في هذا الشهر العظيم، واحفظوا أنفسكم وبيوتكم مما حرم الله عليكم.