أهمية النصيحة وآدابها )
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين، أرْسَلَ رُسُلَه مُبَشِّرينَ وَمُنذِرين، وَهُدَاةً نَاصِحين، سُبْحَانَه ضَمِنَ الفَوزَ وَالفَلاحَ للمُتَوَاصِينَ بالحقِّ وَالصَبْرِ بُغيَةَ الإصلاحِ، أَحْمَدُه تَعالى بِمَا هو لَه أهلٌ مِنَ الحَمدِ وأُثنِي عليه، وَأُومِنُ بِه وَأَتَوكَلُ عليه، مَنْ يَهدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه وَمَنْ يُضْللْ فَلا هَادِيَ له.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيرُ مَنْ نَصَحَ وَوَجّه، وَأرشَدَ وَنَبَّه؛ فَهدى اللهُُ بِه الخَلقَ إلى الحَقِّ وَإِلى صِرَاطٍ مُستَقيمٍ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : كُلُّ قَولٍ فِيه حَثٌّ عَلى صَلاحٍ ونَهْيٌ عَنْ فَسادٍ هو قَولٌ طَيِّبٌ سَدِيدٌ، وَكَلِمٌ نَافِعٌ مُفِيدٌ، وَكَلُّ مَا كَانَ كَذلِكَ فَهو نَصِيحَة؛ لأنَّ فِيه سَدّاً لِلخَلَلِ، وَعِلاجاً للأدْواءِ والعِلَلِ، كَمَا أَنَّ فِيه تَنْقِيةً لِلشَوَائِبِ، وَدَرْءاً لِلعُيوبِ وَالمَثَالِبِ، فَالنَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، مَعْنَاهَا حِيَازَةُ الخَيرِ لِلمَنْصُوحِ، وَقَدْ قِيلَ : لَيْسَ فِي كَلامِ العَرَبِ كَلِمَةٌ أَجْمَعُ للخَيرِ فِي الدَّارَينِ مِنَ النَّصِيحَةِ، فَلا عَجَبَ إِذَا حَصَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الدِّينَ فِي النَّصِيحةِ فَقالَ) : “ الدِّينُ النَّصيحَة“. )
فَفِي هَذا الحَصْرِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَبُرهَانٌ سَاطِعٌ عَلى أَنَّ النَّصِيحَةَ تَشْمَلُ خِصَالَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ وَالإِحْسَانِ، نَفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ جِبْريلَ عَليهِ السَّلامُ، حَيْثُ سَألَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ هَذِه الثَّلاثَةِ فَأَجَابَه الرَّسُولُ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-، ثُمَّ قَالَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- لأَصْحَابِه: “هَذَا جِبْرِيلُ أتَاكُم يُعَلِّمُكُم دِينَكُم“.
عِبَادَ اللهِ : حُقَّ للنَّصِيحَةِ أنْ تَتَبَوَّأَ هَذهِ المَنْزِلَةَ الرَفِيعَةَ وَالمَكَانَةَ الرَّاقِيَةَ المَنِيعَةَ، ولِمَ لاَ؟ وهيَ مُهِمَّةُ رُسُلِ اللهِ؟ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقَومِه ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [سورة الأعراف: 62].
وَيَقُولُ سُبْحَانَه عَلى لِسَانِ هُودٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقومِه ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) [سورة الأعراف : 68]، وَيَقُولُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ صَالحٍ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقَوْمِهِ ( لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [سورة الأعراف : 79]، وَيَقولُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَى لِسَانِ شُعَيبٍ-عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقَوْمِهِ( َقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) [سورة الأعراف : 93].
إِنَّ النَّصِيحَةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ المُؤمِنِ عَلَى أَخِيهِ، فإِذَا طَلَبَها مِنْهُ ازْدَادَ هَذَا الحَقُّ تَحقِيقاً وتَأَكِيداً وَتَوثِيقاً، يَقُولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم “حَقُّ المُؤمِنِ عَلى المُؤمِنِ سِتٌ، وَذَكَرَ مِنْها: وَإِذَا استََنْصَحَكَ فِانْصَحْ لَه“، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ “إِذَا استَنْصَحَ أَحَدُكُم أَخَاه فَلْيَنْصَحْ لَه“.
إِنَّ نَصِيحَةَ الإِنْسَانِ لأَخِيهِ الإِنْسَانِ حِمَايَةٌ، وَحِفْظٌ وَوِقَايَةٌ، لأَنَّهَا قَدْ تُنْقِذُ المَنْصُوحَ مِنْ أَخْطَارٍ مُحْدِقَةٍ، وَكَوَارِثَ تَكَادُ تَكُونُ مُحَقَّقَة، وَقَدْ ذَكَرَ القُرْآنُ الكَرِيمُ نَصِيحَةَ رَجُلٍ لِمُوسى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَكانَتِ النَّصِيحَةُ سَبباً فِي إِنْقَاذِ حَياةِ مُوسى مِمَّا أُرِيدَ لَه مِنْ قَتْلٍ، ثُمَ أُكِرمَ بِالرِّسَالةِ بَعْدَ ذَلِكَ، يَقُولُ اللهُ تَعالى ( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) [سورة القصص: 20]، فَكمْ لِلنَّصِيحَةِ مِنْ ثَمَرَاتٍ، وَكمْ لَها مِنْ خَيْرَاتٍ وَمُعْطَيَات؟ فلا تعجب حين نقول : أن النصيحة قد تكون سبباً للنجاة في الدنيا والاخرة ، وقد تكون نصيحة سوء تكون سبباً للهلاك في الدنيا والاخرة ..
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ النَّصِيحَةَ حَقٌّ مِنَ الحُقُوقِ المُتَبَادَلَةِ بَيْنَ الإِنْسَانِ وأَخِيهِ الإِنْسَانِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا لأَخِيهِ نَاصِحٌ مُوَجِّهٌ، مُرْشِدٌ مُنَبِّهٌ، والنَّصِيحَةُ تُوَجَّهُ مِنَ الكَبِيرِ إِلى الصَّغِيرِ ومِنَ الصَّغِيرِ إِلى الكَبِيرِ، يَنْصَحُ الأَبُ وَلَدَهُ ويَنْصَحُ الوَلَدُ أَبَاهُ، وعَلَى المَنْصُوحِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّصِيحَةَ بِتِرْحَابٍ لاَ تَشُوبُهُ مَضَاضَة، حَيْث لاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ ولاَ غَضَاضَةَ، ولَقَدِ احتَضَنَ القُرْآنُ الكَرِيمُ نَمَاذِجَ مِنَ النَّصَائِحِ، مِنْهَا مَا كَانَ مِنَ الأَبِ لِوَلَدِه كَنَصَائِحِ لُقْمَانَ لابْنِهِ، وفِيهَا يَقولُ اللهُ تَعَالَى ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [سورة لقمان : 13].
وكَنَصِيحَةِ يَعقُوبَ لِوَلَدِه يُوسفَ -عَلَيْهِما السَّلاَمُ- حِيِنَ قَصَّ عَلَيْه رَؤْيَا رَآهَا فَقَالَ يَعْقُوبُ -كَمَا حَكَاهُ القُرْآنُ الكَرِيمُ ) قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [سورة يوسف: 5]، ومِمَّا جَاءَ ذِكْرُه فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ نَصِيحَةُ إِبْرَاهيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لأَبِيهِ، وقَدْ جَاءَ فِيِها قَوْلُ اللهِ تَعَالَى ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً، إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) [سورة مريم : 41-42].
ومِنَ النَّصِيحَةِ مَا كَانَ مِنَ الصَّاحِبِ لِصَاحِبِهِ، كَنَصِيحَةِ يوسفَ-عليه السلام- لِصَاحِبَيْهِ فِي السِّجْنِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ يُوسفَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [سورة يوسف : 39].
والنصح للكبار والصغار، قال النبي صلى الله عليه وسلم ناصحًا لابن عباس وهو صغير: «يا غلام، احفَظِ الله يحفظك» بل هذا له الاثر العظيم
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ نَصِيحَةَ الإِنْسَانِ لأَخِيهِ الإِنْسَانِ يَجِبُ أَنْ تَتَّسِمَ باللُّطْفِ والإِحْسَانِ، وإرْشَادِهِ إِلى مَا فِيهِ صَلاَحُهُ، وظَفْرُهُ ونَجَاحُهُ، ودَفْعُ الأَذَى والمَكْروهِ عَنْهُ مَا استَطَاعَ النَّاصِحُ إِلى ذَلِكَ سَبِيلا، ويَجِبُ أَنْ يَقْصِدَ مِنْ وَرَاءِ نَصِيحَتِهِ الحِفْظَ والصَّوْنَ، وتَقْدِيمَ العَوْنِ، وسَدَّ الخَلَلِ وَرَدَّ المَنْصُوحِ إِلى الحَقِّ إِنْ ضَلَّ، واسْتِنْهَاضَهُ مِنْ عَثْرَتِهِ إِنْ زَلَّ، كُلُّ ذَلِكَ بِلِينٍ ويُسْرٍ، لاَ عُنْفَ فِيه ولاَ عُسْرَ، فإِنْ كَانَتِ النَّصيحَةُ عَامَّةً فَيَجِبُ تَوَخِّي الحِيطَةِ والحَذَرِ فِي تَقْدِيمِها، بِحَيْثُ لاَ يَذْكُرُ فِيهَا اسْمَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فإِنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّشْهِيرِ، الذي ضَرَرُه أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ بِكَثِيرٍ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ نَصِيحَةَ الإِنْسَانِ لأَخِيهِ الإِنْسَانِ يَجِبُ أَنْ تَتَّسِمَ باللُّطْفِ والإِحْسَانِ، وإرْشَادِهِ إِلى مَا فِيهِ صَلاَحُهُ، وظَفْرُهُ ونَجَاحُهُ، ودَفْعُ الأَذَى والمَكْروهِ عَنْهُ مَا استَطَاعَ النَّاصِحُ إِلى ذَلِكَ سَبِيلا، ويَجِبُ أَنْ يَقْصِدَ مِنْ وَرَاءِ نَصِيحَتِهِ الحِفْظَ والصَّوْنَ، وتَقْدِيمَ العَوْنِ، وسَدَّ الخَلَلِ وَرَدَّ المَنْصُوحِ إِلى الحَقِّ إِنْ ضَلَّ، واسْتِنْهَاضَهُ مِنْ عَثْرَتِهِ إِنْ زَلَّ، كُلُّ ذَلِكَ بِلِينٍ ويُسْرٍ، لاَ عُنْفَ فِيه ولاَ عُسْرَ، فإِنْ كَانَتِ النَّصيحَةُ عَامَّةً فَيَجِبُ تَوَخِّي الحِيطَةِ والحَذَرِ فِي تَقْدِيمِها، بِحَيْثُ لاَ يَذْكُرُ فِيهَا اسْمَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فإِنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّشْهِيرِ، الذي ضَرَرُه أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ بِكَثِيرٍ.
ولَقَدْ كَانَ مِنْ هَدْيِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَرَادَ نُصْحَ إِنْسَانٍ أَخْطَأَ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَولِه “ما بَالُ أقوامٍ يَفعلُونَ كَذَا وكَذا“، رَغْمَ عِلْمِهِ التَّامِّ بِهَؤلاءِ الأَقْوَامِ، وإِنْ كَانتِ النَّصِيحَةُ خَاصَّةً فَمِنَ الأُمُورِ الضَّرُوريَّةِ الهَامَّةِ أَنْ تَكونَ فِي سِرِّيَّةٍ تَامَّةٍ، وقَدْ قِيلَ “مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرَّاً فَقَدْ نَصَحَهُ وزَانَهُ، ومَنْ نَصَحَهُ عَلاَنِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وشَانَهُ“. ... وقال الفضيل بن عياض: "المؤمن يَستر وينصح، والفاجرُ يَهتِك ويُعَيِّر"
قال الامام الشافعي :
قال الامام الشافعي :
تعمدني بنصحك في انفرداي ... وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع .... من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري .. فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
فاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ -، والتَزِمُوا بِآدَابِ النَّصِيحَةِ، خَشْيَةَ أَنْ تَنْقَلِبَ إِلى فَضِيحَةٍ.
ولِكَيْ تُؤْتِيَ النَّصِيحَةُ ثِمَارَهَا المَرْجُوَّةَ وفَوَائِدَهَا المَأْمُولَةَ يَجِبُ أَنْ تَتَّسِمَ بِالإِخْلاَصِ، لأَنَّهُ فِي كُلِّ شيءٍ قَاعِدَةٌ وأَسَاسٌ، وإِذَا خَلَتِ النَّصِيحَةُ مِنَ الإِخْلاَصِ كَانَتْ نَصِيحَةً شَيْطَانِيَّةً، فَالشَّيْطَانُ أَوَّلُ مَنْ نَصَحَ وَغَشَّ فِي نَصِيحَتِهِ، لَقَدْ قَالَ لآدَم وزَوْجِهِ ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [سورة الأعراف : 20-21].
فالبعض يحمل في قلبه حقد وغل وحسد وشماته ورغبة في الفضيحة ، فيلبس ذلك كله لباس النصيحة وهو كاذب والله يعلم ما يخفي وما يعلن
ومع الاخلاص ، يجب أن يكون هناك علم بما ينصح فلا ينصح بمنكر او بدعة او أمر شركي او بما يضر أخاه ، وكل ذلك بسبب الجهل وقلة العلم
وأن يختار الوقت المناسب والاسلوب المناسب و الله الله باللين والرفق والكلمة الطيبة ولا يشترط أن يكون الناصح كاملاُ في دينه ، فمن ذا الكامل منا ، فالعبد وإن كان مقصرا فلا يمنعه ذلك من النصيحة ، ولو لم ينصح الناس الاّ الكمّل ، فمن ذا ينصح الناس بعد محمد عليه الصلاة والسلام
الخطبة الثانية :
وقد يقول البعض : ( أن من حسن اسلام المرء تركه ما لايعنيه ) ونرد اختصاراً : ( لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لاخيه ما يحب لنفسه ) ، تركك ما لا يعينك لا يشمل أن ترى مسلم يتقحمالنار وتتركه في عمايته وضلاله دون نصحه ، وهل أنا وأنت نفهم هذا الحديث أكثر من أنبياء الله ورسله ؟ وهاهم نصحوا قومهم وأرشدوهم ولم يقولوا : ( من حسن اسلام المرء .. ) فلا يدخل عليك الشيطان من هذا الباب
إِنَّ مِنْ أَهَمِّ بَوَاعِثِ النَّصِِيحَةِ ودَوَاعِيها حُبَّ النَّاصِحِ لِلمَنْصُوحِ، ورَغْبَتَهُ فِي إِصْلاَحِ حَالِهِ، وسَلاَمَةِ مُسْتَقبَلِه ومَآلِهِ، ومِنْ هُنَا وَجَبَ عَلَى المَنْصُوحِ أَنْ يَسْتَقَبِلَ نَصِيحَةَ النَّاصِحِ الحَبِيبِ، بِصَدْرٍ مُنْشَرِحٍ رَحِيبٍ، بَلْ ولِسَانٍ شَاكِرٍ وثَنَاءٍ عَاطِرٍ، فَأَصْحَابُ القُلُوبِ السَّلِيمَةِ الفَسِيحَةِ لاَ يَتَبَرَّمُونَ ولاَ يَسْخَطُونَ مِنَ النَّصِيحَةِ، تقبل النصيحة ولو كانت مرّة واعذر صاحبها وإن قسى عليك – اذا كان مخلصاً مشفقا - واشكر له نصحه وان كانت عبارته ليست على ما يهواه قلبك ... النصيحة مرّة – في الغالب - ولو خلطناها بكل عسل الدنيا ، الاّ عند اصحاب القلوب النقية
ولأَهَمِّيَّةِ النَّصِيحَةِ ومَوقِعِها مِنَ الدِّينِ كَانَ أَصْحَابُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- يُبَايِعُونَ الرَّسُولَ عَلَيْهَا تَمَاماً كَمَا يُبَايِعُونَهُ عَلَى إِقَامَةِ أَركَانِ الدِّينِ، يَقُولُ جَرِيرُ بنُ عبدالله -رَضِيَ اللهُ عَنْه “بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى إِقَامَةِ الصَّلاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ“.
وذِكْرُ المُسْلِمِ بِاعتِبَارِ الأَعَمِّ الأَغْلَبِ، وإِلاَّ فَالنُّصْحُ مَطْلوبٌ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ جِنْسٍ أَوْ عَقِيدَةٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ لِسَانٍ، وهُو أَيْضاً مَطْلوبٌ فِي شَتَّى المَجَالاتِ ومُخْتَلَفِ الحَالاتِ، ومِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ النُّصْحُ فِي البَيْعِ والشِّرَاءِ، فَمَنْ بَاعَ شَيْئاً مَعِيباً فَمِنَ النُّصْحِ الوَاجِبِ بَيَانُ العَيْبِ ووصْفُهُ، وتَوْضِيحُهُ وكَشْفُهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم “لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ يَبِيعُ شَيْئاً إِلاَّ بَيَّنَ مَا فِيهِ، ولاَ يَحِلُّ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ إِلاَّ بَيَّنَهُ“.
ولَقَدْ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ إِذَا بَاعَ شَيْئَاً أَو اشْتَرَاه قَالَ لِصَاحِبِهِ “اعْلَمْ أَنَّ مَا أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلينَا مِمَّا أَعْطَينَاكَ؛ فَاخْتَرْ” – يُرِيِدُ بِذَلِكَ إِتْمَامَ الصَّفْقَةِ بِالتَّرَاضِي والنُّصْحِ-، ومَنِ اشْتَرَى شَيئاً فَمِنَ النُّصْحِ عَدَمُ ذَمِّهِ دُونَ حَقٍّ، بِقَصْدِ شِرَائِهِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، ومَنْ صَنَعَ شَيئاً فَمِنَ النُّصْحِ إِتْقَانُهُ، ومَنْ أُوكِلَ إِليْهِ أَيُّ عَمَلٍ مِنَ الأَعْمَالِ، فَمِنَ النُّصْحِ أَدَاؤُهُ دُونَ تَقْصِيرٍ وإِهْمَالٍ، ومِنْ أَنْوَاعِ النَّصِيحَةِ المَشُورَةُ، فَمَنِ استَشَارَ أَخَاهُ فِي أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ فَعَلى مَنِ استُشِيرَ أَنْ يَعلَمَ أَنَّهُ حُمَّلَ أَمَانَةً مَِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَاتِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم“المُستَشَارُ مُؤْتَمَنٌ؛ فإِذَا استُشِيرَ فَلْيُشِرْ بِمَا هُوَ صَانِعٌ لِنَفْسِهِ“.
من فضائل النصيحة : أنها أمان من عذاب الله وعقابه؛ لأن ترك النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في جلبه، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» الترمذي وحسنه الالباني
وقال صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ لَمْ يُغَيِّرُوهُ إِلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ ( .مسند الامام احمد وصححه الالباني
فاتّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ -، وأَعطُوا النَّصِيحَةَ وتَقَبّلُوهَا مِنَ الغَيْرِ وان كانت ثقيلة على النفس والقلب ؛ فَهِيَ سَبِيلٌ لِلسَّعَادَةِ والخَيْرِ.