إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 21 مايو 2016

الدين المعاملة

( الدين المعاملة ) 
عباد الله : إن دين الإسلام دين كامل ينتظم حياة الأفراد والمجتمعات وما يكون به استقامة حياتهم في الدنيا , ونجاتهم في الآخرة ... كثير من الناس - اليوم – يظنون أو لسان حالهم ينطق بذلك أن الدين صلاة وصيام وزكاة وحج فقط ..وهذا فهم قاصر لدين الإسلام ..
لذلك تجد فصاماً مقيتاً في تطبيقهم للدين في حياتهم... فهم يحافظون على أداء العبادات من صلاة وصيام وحج وغيرها بل ويجتهدون في فعل النوافل كالسنن الرواتب وصلاة الضحى وصيام الأيام التي يستحب صيامها وتكرار الحج والعمرة وهذا كله أمر طيب ... لكنك حين تنظر إلى حالهم في التعامل مع الناس في أسواقهم وفي خصوماتهم وفي جميع شؤون حياتهم .. تجد العجب العجاب غش في البيع والشراء , وفجور في الخصومة , وغيبة وبغي , وكذب وبهتان .. نكران للجميل وغدر بالعهود , وحسد وبغضاء , وأذية للقريب والبعيد , وقطع للأرحام وعقوق للوالدين , وغياب للعدل والإنصاف .. وشح وطمع , وتعاون على الإثم والعدوان .. أين الإسلام ؟ أين الإيمان ؟ أين الإحسان ؟
هل عرف هؤلاء حقيقة الإسلام ؟ كلا والله .. من هذا حاله ما عرف حقيقة دين الإسلام الذي جاء به خير الأنام 
إن المسلم الذي عرف حقيقة الإسلام لا يكذب لأنه يعلم أن الكذب يهدي إلى الفجور وأن الفجور يهدي إلى النار ..
المسلم .. الذي عرف حقيقة الإسلام لا يؤذي جاره ؛ لأنه وعى حديث النبي حين قال : « والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن , قيل : من يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه » [ البخاري ] لا يأمن جاره من شره يقسم الصادق المصدوق أنه لا يؤمن !
وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قيل للنبي : « إن فلانة تقوم الليل  وتصوم النهار ، وتصدق وتفعل ، وتؤذي جيرانها بلسانها. فقال رسول الله  لا خير فيها ، هي من أهل النار. قالوا : وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأثوار يعني : من أقط ) ولا تؤذي أحدا. فقال رسول الله: هي من أهل الجنة » (  الأدب المفرد ] .
المسلم الذي عرف حقيقة الإسلام .. لا يغش ولا يخادع ولا يغدر ؛ لأنه يعلم أن هذا ليس من صفات أهل الإسلام ..
مرّ رسول الله في السوق على صبرة طعام ، فأدخل يده فيها ، فنالت أصابعه بللاً ، فقال: « ما هذا يا صاحب الطعام ؟ » ، قال : يا رسول الله أصابته السماء ( يعني : المطر ) ، قال : « أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ؟ ! » ، وقال : « من غشنا فليس منا » [ مسلم ]
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي  :, قال : « إذا جمع الله عز وجل الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء فيقال : هذه غدرة فلان بن فلان ». [ البخاري ومسلم ] والغادر : كل تارك للوفاء ، ناقض للعهد
المسلم الذي عرف حقيقة الإسلام .. لا يحسد أحدا ولا يبغض أحدا ؛ لأنه رضي بما قسم الله له , ولأنه يعلم أن الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون المتحابون ..
عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - : أن رسول الله قال : « دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء ، وهي الحالقة أما إني لا أقول : تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ، والذي نفسي بيده ، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنون حتى تحابوا ، ألا أدلكم على ما تتحابون به ؟ أفشوا السلام بينكم » [ الترمذي ] . 
المسلم الذي عرف حقيقة الإسلام ..لا يحب الانتقام من أحد و يصفح عن من أساء إليه ؛ لأنه يرجو ما عند الله ! 
قال الله : {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40] , وقال جل وعلا : {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [الشورى: 43]
وعن سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله  قال : « من كظم غيظا - وهو قادر على أن ينفذه - دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور ما شاء ». [سنن أبي داود ] .
المسلم الذي عرف حقيقة الإسلام .. يصون لسانه عن فاحش القول وبذيئه لأن إيمانه بربه وخوفه من غضبه ومقته يمنعه من ذلك .. عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله : « ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله يبغض الفاحش البذيء » [ أبو داود والترمذي ] . والفحش : كل ما قبح من قول أو فعل .
المسلم الذي عرف حقيقة الإسلام ..عدلٌ في حكمه حتى مع من يبغضه , منصف من نفسه قبل غيره لأنه يمتثل قول الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة: 8]
في بيته يعدل بين أولاده .. ويعدل بين زوجاته .. في عمله يعدل بين من هم تحت يده .. ينصف الناس من نفسه قبل أن يُطالب بالعدل والإنصاف ذلك هو المسلم حقا ! المؤمن يقينا وصدقا !
المسلم الذي عرف حقيقة الإسلام .. يجتنب البخل والشح , ويؤثر إخوانه المسلمين على نفسه ولو كان به فقر وفاقة ؛ لأنه يعلم عاقبة الشح والبخل , وعاقبة الإيثار في الآخرة والدنيا ..
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : خطب رسول الله  فقال : « إياكم والشح ، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح ، أمرهم بالبخل فبخلوا , وأمرهم بالقطيعة فقطعوا , وأمرهم بالفجور ففجروا ». [ أبو داود ] 
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله  قال « اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة , واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم »[ مسلم ] .
ولقد مدح الله الأنصار رضي الله عنهم فقال : { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]
المسلم الذي عرف حقيقة الإسلام .. لا يؤذي مسلما ولا يقطع رحما ولا يسعى بين الناس بالنميمة بل يسعى بالإصلاح بين الناس ..
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن : من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ». [ الترمذي والنسائي ]. وأوله في الصحيحين .
وعن ابن عباس قال: « مرّ النبي  بقبرين ، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول , وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة »
وإنما نهي عن النميمة ؛ لأنها توغر الصدور وتفرق القلوب وتحمل الأنفس على العداوة والبغضاء والتنازع والاختلاف وكفى بذلك شرا , وكفى به إثما عظيما فالمسلم حقا يسعى لجمع الكلمة وتآلف القلوب بالإصلاح بين الناس قال تعالى : { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114]
أيها المسلمون : المسلم الذي عرف حقيقة الإسلام وآمن بما جاء عن الله وعن رسول الله يقينا من قلبه يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه , يعامل الناس أن بالذي يحب أن يعاملوه به .. عن عبد الله بن عمرو قال : : « من أحب يزحزح عن النار ، ويدخل الجنة ، فلتأته منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه » [ مسلم ] .
دين الإسلام دين الرحمة والرفق والسلام والأخوة والتعاون على الخير .. دين السماحة والصدق والمحبة والاجتماع .. دين الرحمة بالصغير وتوقير الكبير و العطف على الأيتام والمساكين .. قال النبي عليه الصلاة والسلام  : « ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقر كبيرنا ». [ الترمذي ] .
الخطبة الثانية : 
عَن أَبِي هُرَيْرَة -رَضِي الْلَّه عَنْه-، أَن رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم قَال: «أَتَدْرُوْن مَا الْمُفْلِس؟»قَالُوْا: الْمُفْلِس فِيْنَا مَن لا دِرْهَم لَه وَلا مَتَاع، فَقَال: «الْمُفْلِس مِن أُمَّتِي يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِصَلاة، وَصِيَام، وَزَكَاة، وَيَأْتِي قَد شَتَم هَذَا، وَقَذَف هَذَا، وَأَكَل مَال هَذَا، وَسَفَك دَم هَذَا، وَضَرَب هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِه، وَهَذَا مِن حَسَنَاتِه فَإِن فَنِيَت حَسَنَاتُه قَبْل أَن يُقْضَى مَا عَلَيْه، أُخِذ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيْه ثُم طُرِح فِي الْنَّار» أَخْرَجَه مُسْلِم.
فَهَذَا الْمُفْلِس جَاء بِالإِسْلَام الْظَّاهِر مِن صَلاة وَصِيَام وَزَكَاة وَلَكِن سَقَط فِي مُعَامَلَة الْخَلْق فَدَل عَلَى ضَعْف إِيْمَان وَقِلَّة دِيْن فَرَسَب فِي امْتِحَان يَوْم الْقِيَامَة
قال عليه الصلاة والسلام :  ألا أخبركم بمن يحرم على النار ؟ يحرم كل قريب هين لين سهل » [ الترمذي ] والمعنى : سهل الخلق كريم الشمائل طلق حليم لين الجانب هين من الهون وهو السكون والوقار . فلله ما أعظم الجزاء , وما أيسر الثمن ! 
وقال عليه الصلاة والسلام : ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر ». [ البخاري ومسلم ] والعتل : الغليظ الجافي الذي لا ينقاد إلى الخير , والجواظ : المنوع المختال في مشيته . نعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل !
عباد الله : إن السماحة والسهولة والتواضع ولين الجانب من أعظم صفات أهل الجنة , وإن الغلظة وجفاء الطبع والكبر والقسوة من صفات أهل النار ..
فكن سمحا هينا لينا سهلا قريبا لتكون من أهل الجنة .. عن عائشة رضي الله عنها قالتقال عليه الصلاة والسلام : ( إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: من تركه الناس اتقاء شره ». [ البخاري ومسلم ] , وفي رواية : « اتقاء فحشه »
عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ ، قَالَتْ : بَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْلَةً يُصَلِّي ، فَجَعَلَ يَبْكِي وَهُوَ ، يَقُولُ : " اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي ، حَتَّى أَصْبَحَ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ ، فَقَالَ : يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ الْخُلُقِ الْجَنَّةَ ، وَيُسِيءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ ، ) شعب الايمان للبيهقي
دين عظيم .. تؤجر فيه على السلام والزيارة والهدية والابتسامة والكلمة الطيبة ..كم دخل في الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين بحسن المعاملة من مسلم عرف حقيقة الإسلام .. 
وكم صُد عن الدخول في الإسلام بسوء المعاملة من رجل مسلم لكن ما عرف حقيقة الإسلام... 
حقاً : إن الدين المعاملة !! وهذا ليس بحديث عن النبي ولكنه قول صحيح
2

الجمعة، 20 مايو 2016

الغفلة عن شهر شعبان

( الغفلة عن شهر شعبان )
عبـاد الله : - إن من أعظم نعم الله تعالى على العباد أن يمدّ الله في عمر أحدهم، فكل يوم يبقى في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لآخرته، ويحرث فيه ما استطاع ويبذر فيه من الأعمال ما يرفع درجته ومكانته عند الله، فالدنيا دار عمل ولا حساب والآخرة دار حساب ولا عمل قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان:62].. وطول العمر في الإسلام مع حسن العمل فيه خيرية الدنيا والآخرة عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخيركم؟» قالوا: نعم، يا رسول الله قال: «خياركم أطولكم أعمارًا، وأحسنكم أعمالاً» (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني /صحيح الترغيب/ 3361 )..

وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ ثَلَاثَةً أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَكْفِينِيهِمْ؟» قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. فَكَانُوا عِنْدَهُ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا، فَخَرَجَ فِيهِ أَحَدُهُمْ، فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْثًا فَخَرَجَ فِيهِ الْآخَرُ، فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَأَيْتُ الْمَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَمَامَهُمْ وَالَّذِي اسْتُشْهِدَ آخِرًا يَلِيهِ، وَأَوَّلَهُمْ يَلِيهِ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ؟! لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ; لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ» [قال أحمد شاكر في مسند أحمد: "إسناده صحيح"(2/367)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة(654)].
وإن من أعظم الغفلة أن يعلم الإنسان أنه يسير في هذه الحياة إلى أجله، ينقص عمره، وتدنو نهايته، وهو مع ذلك لا يحتسب ليوم الحساب، ولا يتجهز ليوم المعاد، بأعمال صالحة تبلّغه رضوان الله وجنته فتجده مفرطًا في العبادات والطاعات، فإذا ما جاءت مواسم العبادات والمنح الربانية التي بها تغفر الذنوب والزلات وجدته مقصرًا ومضيعًا لأيامه وسنوات فأين العمل الصالح؟ وأين بركة العمر؟ وأين اغتنام فرصة العمر والصحة والشباب والغنى والقدرة والقوة؟!!
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (صححه الألباني في صحيح الجامع 1077).
عبـاد الله : - ها هي أعمارنا وآجالنا تطوى يومًا بعد يوم وها هو شهر شعبان يحل ضيفًا علينا وهو شهر غفل الناس عن فضائله ومنحه وجوائزه الربانية، فقد شرع فيه جميع أعمال البر من الصدقة وقراءة القرآن والذكر والصيام، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر أيامه وعندما سُئل عن ذلك أخبر عليه الصلاة والسلام أنه شهر تُرفع في الأعمال إلى الله، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شعبان بين رجب وشهر رمضان، شهر يغفل الناس عنه، تُرْفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يُرفع عملي إلا وأنا صائم» (صحيح الجامع:3711)..

فأعمال العباد ترفع كل يوم، وترفع يوم الاثنين والخميس، وترفع أعمال السنة جميعها في شهر شعبان... وهو شهر يستعد فيه العباد لاستقبال شهر رمضان بتهيئة النفوس بالطاعات والعبادات..
أيها المسلمون: ألا ترون هذه الأيام غفلة الناس عن شهر شعبان؟! يغفلون فيه عن الطاعات والقربات، ويغرقون في الشهوات والملذات، ويشتغلون بغير شعبان عن شعبان، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعمره بالطاعة والصيام، ويقول لأسامة: "ذاك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان"، فشهر شعبان يغفل الناس عنه بسبب أنه بين شهرين عظيمين، وهما شهر رجب الحرام وشهر رمضان الصيام، فاشتغل الناس بهما، فصار مغفولاً عنه، بل وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان؛ لأن رجب شهر محرم، وليس هذا بصحيح، فصيام شعبان أفضل من صيام رجب؛ إذ يقول عنه -صلى الله عليه وسلم-: "ترفع فيه الأعمال، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم"، ولقد قال العلماء -رحمهم الله-: في هذا الحديث أيضًا دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله -عز وجل.

فتعرضوا لنفحات الله عباد الله، وتلمسوا مرضاته، فإن الأجور المترتبة على الاشتغال بالطاعات وقت غفلة الناس أكبر، وإن فوائد إحيائها بالطاعات أعظم، فمن تلكم الفوائد أن الطاعات فيها تكون في سرٍّ وخفاء، وإخفاء الطاعة وإسرارها من أعظم أسباب قبولها، فإنها تكون خالصة لله تعالى، بعيدة عن السمعة والرياء، وإن الطاعات وقت غفلة الناس شاقة على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس ما دامت موافقة لسنة النبي –صلى الله عليه وسلم-، يقول –صلى الله عليه وسلم-: "الأجر على قدر النصب".
أيها المؤمنون: ولما كان شهر شعبان كالمقدمة لرمضان -ولا بد في المقدمة من التهيئة- شرع فيه من الصيام وغيره من القربات ما يهيئ القلوب لرمضان؛ ليحصل التأهب وترويض النفوس على طاعة الرحمن؛ ولهذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يكثر فيه من الصيام، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من هو، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم-، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك فإن السلف كانوا يجدّون في شعبان، ويتهيأون فيه لرمضان.
تقول عائشة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان" [أخرجه البخاري ومسلم].
 شهادات أم المؤمنين متضافرة متتابعة: أن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يفوت شعبان إلا وهو يقضيه بالصيام، هذه أم سلمة تقول: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان".
 لقد خفي عليها: أنه ربما فطر في بعض شعبان من كثرة ما كان يصوم صلى الله عليه وسلم الشهادة خارج محيط حجرات أمهات المؤمنين متضافرة أيضا، فهذا أنس -رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم ولا يفطر، حتى نقول ما في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم، حتى نقول ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان".
قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وقال أبو بكر البلخيشهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضًا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!!
ألا وإنَّ مِمَّا يُسنُّ عَمَلُه في شَعبانَ الإكثارُ من قراءةِ القرآنِ، قال أنسُ بنُ مالكٍ -رضي الله عنه-: "كانَ المُسلِمُون إذا دَخَلَ شَعبَانُ أَكَبُّوا على المَصَاحِفِ فَقَرؤوهاوأَخَرجُوا زَكاةَ أَموالِهم؛ تَقوِيَةً لِضَعِفِيهم على الصوم".
الخطبة الثانية : 
عبـاد الله : - في هذا الشهر ليلة عظيمة ينظر الحق سبحانه وتعالى إلى عباده فيمُنَّ عليهم بالغفران وتتنزل عليهم الرحمات روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» (رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144). 
إياكم والإشراك بالله، لنتفقد أنفسنا؛ فلعل الواحد منا مبتلى بشيء من هذه الشركيات وهو لا يدري، فالمشرك هو الذي عبد غير الله تعالى بأي نوع من أنواع العبادة؛ من دعاء أو نذر أو ذبح أو نحو ذلك من العبادات، فمن فعل ذلك فقد أشرك واستحق العقوبة، وهي عدم المغفرة والخلود في النار، قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة: 72]، وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا) [النساء: 116].

وأما المشاحن فهو المباغض والمخاصم والمقاطع والمدابر والحاقد والحاسد، فكل هذه أوصاف للمشاحن، وهي سبب لعدم المغفرة، فعن أبى هريرة -رضي الله عنهمرفوعًا: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". رواه مسلم. 
وعن أبي ثعلبة الخشني عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله ليطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه". رواه الطبراني، وهو في السلسلة الصحيحة (1144). وهي مقطِّعة للصلة والرحم، ومفسدة لذات البين، قال –صلى الله عليه وسلم : "دبّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تتحابون به؟! أفشوا السلام بينكم".

فالجامع بين الشرك والشحناء أن كليهما يحلق الدين ويفسده، والفرق أن الشرك يبطل الدين فلا يبقي منه شيئًا، أما الشحناء فتهتكه وتتركه بلا روح، وإن لم تجتث أصله. فالشحناء مفسدة للدين، تحلقه، وما دخل الحسد والحقد في القلوب إلا وكان سببًا في ضعف الإيمان، وربما انتفائه بالكلية، كما حصل لإبليس لما حسد وحقد على آدم -عليه السلام-، ولذا أكّد الله تعالى في التحذير من الشحناء، وذكرها في سياق التحذير من أعظم الذنوب وهو الشرك؛ لأن الشرك مفسد لعلاقة الإنسان بربه، والمشاحن مفسد لعلاقته بإخوانه المؤمنين، وإذا فسدت علاقة الإنسان بربه وبإخوانه لم يبق له من دينه شيء، فكيف يغفر الله له؟لذلك حُرِم من فضل تلك الليلة المباركة.

ألا واعلموا -رحمكم الله- أن بعض الناس يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام، وليلتها بالقيام وببعض الأدعية والأذكار وإنشاد بعض الأشعار، ولم يثبت ذلك كله في حديث عن النبي المختار –صلى الله عليه وسلم-، إنما جاء في أحاديث ضعيفة أو موضوعة مكذوبة على رسول الله كما قال ابن رجب وغيره، وكل هذا لا تقوم به حجة ولا يعمل به في الأحكام.

نعم، من كان من عادته قيام الليل فلا يترك قيام الليل في تلك الليلة، ومن كان من عادته صيام النوافل فوافق ذلك ليلة النصف من شعبان فليصم ولا يترك الصيام، وكذلك من كان من عادته أن يصوم في شعبان فليصمه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم-، فسيروا على هدي نبيكم الموصل إلى طريق الجنان، واجتنبوا طرق الغواية والبدع والضلال الموصلة إلى دار البوار.

فيا أيها الأبرار والأخيار: استقبلوا هذا الشهر بالتوبة النصوح من الإشراك بالله ومن البدع، واستقبلوه بالاستغفار من جميع المعاصي والآثام، فرمضان عما قريب سيحل، فيا أيها المسلم: ماذا أعددت لرمضان؟! وبماذا هيأت نفسك؟فلقد مات أقوام وولد آخرون، وسعد أقوام وشقي آخرون، واهتدى أقوام وضل آخرون، فقدِّر نعمة الله عليك، واسأله أن يبلغك رمضان، وخذ أمورَك بالجد.