إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 11 يونيو 2020

ثق بتدبير الله

( ثق بتدبير الله ) 
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:
بَعْدَ عَنَاءٍ مِنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ، تَرَكَ نَبِيُّ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، زَوْجَتَهُ وَابْنَهُ الرَّضِيعَ إِسْمَاعِيلَ، فِي أَرْضٍ لَا ثَمَرَ فِيهَا وَلَا مَاءَ، فِي بُقْعَةٍ حَارَّةٍ جَرْدَاءَ، لَا حَيَاةَ فِيهَا إِلَّا صَوْتُ حَفِيفِ الْهَوَاءِ، ثُمَّ قَفَلَ رَاجِعًا مُيَمِّمًا نَحْوَ الشَّامِ، فَلَحِقَتْهُ زَوْجَتُهُ هَاجَرُ تَسْأَلُهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْإِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا اللَّهُ.
مَا أَجْمَلَ الثِّقَةَ بِتَدْبِيرِ اللَّهِ، وَمَا أَرْوَعَ التَّسْلِيمَ لِمَا قَضَى اللَّهُ، وَمَا أَحْوَجَنَا فِي زَمَنِ الْأَوْبِئَةِ أَنْ نُعَزِّزَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الْإِيمَانِيَّةَ، الَّتِي غَابَتْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ.
فعَقِيدَتُنَا تُعَلِّمُنَا أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْتُبُ شَرًّا مَحْضًا، وَيَقِينُنَا بِرَبِّنَا أَنَّ الْخَيْرَ فِيمَا اخْتَارَهُ اللَّهُ، وَنَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أرْشَدَنا أَنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.
الثِّقَةُ بِتَدْبِيرِ اللَّهِ تَزِيدُ النَّفْسَ صَفَاءً، وَالرُّوحَ نَقَاءً، وَالْإِيمَانَ رُسُوخًا وَبَقَاءً.
إِذَا امْتَلَأَ قَلْبُ الْعَبْدِ رِضًا بِتَدْبِيرِ اللَّهِ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سَكِينَةُ الطُّمَأْنِينَةِ، فَهَدَأَتْ نَفْسُهُ، وَاطْمَأَنَّ فُؤَادُهُ، وَتَيَقَّنَ حِينَهَا وَبَعْدَهَا أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.
إِذَا قَنِعَ الْعَبْدُ بِتَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كَوْنِهِ وَخَلْقِهِ، عَلِمَ أَنَّ حِكَمَ اللَّهِ تَعَالَى تَأْتِي مَعَ الْبَلَاءِ، وَأَنَّ كُلَّ ألم وعَنَاءٍ لَا يَدُومُ وَلَنْ يَكُونَ لَهُ الْبَقَاءُ، فَمَا بَعْدَ الْعُسْرِ إِلَّا التَّيْسِيرُ، وَكُلُّ أَمْرٍ لَهُ وَقْتٌ وَتَدْبِيرٌ.
دَعِ الْمَقَادِيرَ تَجْرِي فِي أَعِنَّتِهَا *** وَلَا تَبِيتَنَّ إِلَّا خَالِيَ الْبَالِ
مَا بَيْنَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وَانْتِبَاهَتِهَا *** يُغَيِّرُ اللَّهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ
حَسَدَ إِخْوَةُ يُوسُفَ أَخَاهُمْ وَأَلْقَوْهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ، وَحَرَمُوهُ مِنْ حَنَانِ الْأُمِّ وَالْأَبِ، وَابْتُلِيَ بِالرَّمْيِ فِي الْبِئْرِ، وَابْتُلِيَ بِالْإِغْرَاءِ فِي الْقَصْرِ، ثُمَّ ابْتُلِيَ بِالسَّجْنِ وَالْقَهْرِ، وَبَعْدَ سِنِينَ مِنَ الْآلَامِ قَالَ الْمَلِكُ: ائْتُونِي بِهِ، فَجَعَلَهُ عَلَى خَزَائِنِ مِصْرَ، وَأَصْبَحَتْ عُيُونُ النَّاسِ تَرْمُقُ يُوسُفَ وَتَطْلُبُ وُدَّهُ.
خَافَتْ أُمُّ مُوسَى عَلَى وَلِيدِهَا مِنْ بَطْشِ الطُّغْيَانِ، الَّذِي يَقْتُلُ الْأَبْنَاءَ وَالصِّبْيَانَ، فَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ، فَسَاقَهُ الْيَمُّ إِلَى بَيْتِ مَنْ خَافَتْ مِنْهُ عَلَيْهِ، لِيَكُونَ هَذَا الْوَلِيدُ سَبَبًا لِزَوَالِ فِرْعَوْنَ، وَلِيَرَى هُوَ وَهَامَانُ وَقَارُونُ وَجُنُودُهُمَا مِنْهُ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ.
زَفَرَتْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ كَلِمَاتِهَا وَهِيَ تُعَالِجُ أَلَمَ الْمَخَاضِ: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا، وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ فِي بَطْنِهَا رَسُولًا نَبِيًّا.
فَقَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ وَزَوْجَهُ فِي عَامٍ، وَرُمِيَ بِسَلَا الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَمَا قَامَ، وَأُخْرِجَ بَعْدَهَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَآوَى إِلَى الْغَارِ، تُلَاحِقُهُ عَدَاوَةُ وَمَطَامِعُ الْمُعْتَدِينَ وَالْكُفَّارِ، لِيَعُودَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ سَنَوَاتٍ فَاتِحًا عَزِيزًا، وَمُمْتَنًّا عَلَيْهِمْ وَكَرِيمًا.
ضَاقَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَجعل عُمَرُ يُجَادِلُ وَيُرَاجِعُ: لِمَ نُعْطِ الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟! حَتَّى كَادَ النَّاسُ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لَمَّا حَلَقُوا رُؤُوسَهُمْ حُزْنًا وَغَمًّا، فَنَزَلَت البِشَارةُ من الرُّوحُ الْأَمِينُ، بِقَوْلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا).
فَثِقْ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَنَّ كُلَّ مَا قَدَّرَ اللَّهُ فَهُوَ حَتْمٌ حَاصِلٌ، لَا يَرُدُّهُ قَلَقٌ، وَلَا يَجْلِبُهُ حِرْصٌ، فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ حَسَرَاتٍ عَلَى رِزْقِكَ، وَلَا يَمْتَلِئْ وِجْدَانُكَ كَدَرًا خَوْفًا عَلَى أَجَلِكَ.
ثِقْ أَنَّ الرَّزَايَا وَالْبَلَايَا تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا الْعَطَايَا، وَأَنَّ الْأُمْنِيَاتِ تَأْتِي بَعْدَ الْمَشَاقِّ وَالْمَتَاعِبِ، وَإِنْ طَالَ أَمَدُهَا سَتَأْتِي فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ.
ثِقْ بِتَدْبِيرِ اللَّهِ لَكَ، وَتَيَقَّنْ أَنَّ كُلَّ قَدَرٍ مَكْتُوبٌ، فَهُوَ خَيْرٌ وَإِنْ خَالَفَ مَا هُوَ مَحْبُوبٌ، فَقَدْ يَكُونُ مَوْتُ الصَّدِيقِ أو الْقَرِيبِ، وَاعِظًا لِتَرْجِعَ وتصحح مسارك قبل أن تفارق كل حبيب.
قَدْ يَكُونُ الدَّخْلُ الْقَلِيلُ فِي مَالِكَ، جَامِحًا لِشَهَوَاتِكَ وَأَهْوَائِكَ.
قَدْ يَأْتِي الْمَرَضُ فِي بَدَنِكَ، لِيُبَلِّغَكَ اللَّهُ دَرَجَاتٍ فِي الْجَنَّةِ لَا يَبْلُغُهَا عَمَلُكَ.
وَقَدْ يَكُونُ الْمَنْعُ خَيْرًا لَكَ مِنَ الْعَطَاءِ، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ).
فَلَا تَعْترضْ شَيْئًا مِنْ قَدَرٍ اللهِ، وَوَطِّنْ نَفْسَكَ، وَرَطِّبْ لِسَانَكَ بِالشُّكْرِ وَالتَّحْمِيدِ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ مُؤْلِمٍ وَشَدِيدٍ.
فَلَوْلَا الشَّدَائِدُ لَمَا عَرَفَ النَّاسُ قِيمَةَ الرَّخَاءِ.
وَلَوْلَا الْجَدْبُ لَمَا اسْتَبْشَرَ الْبَشَرُ بِالْمَاءِ.
وَلَوْلَا الظَّلَامُ مَا فَرِحَ النَّاسُ بِالضِّيَاءِ.
وَلَوْلَا الْمَخَاوِفُ لَمَا عُرِفَتْ لَذَّةُ الْأَمَانِ.
وَلَوْلَا الْمصائِبُ لَوَرَدَ النَّاسُ لِرَبِّهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَفَالِيسَ.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ

الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعْدُ فيا أيها الكرام: كُلُّ مَخْلُوقٍ مُعَرَّضٌ لِلْمُكَدِّرَاتِ وَالْمُنَغِّصَاتِ، وَلَنْ تَسْلَمَ نَفْسٌ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالِابْتِلَاءَاتِ، قَلَّ ذَلِكَ، أَمْ كَثُرَ، صَغُرَ أَمْ كَبُرَ، وَبِحَسْبِ مَا فِي الْقُلُوبِ وَالْجَنَانِ، يَكُونُ الِابْتِلَاءُ وَالِامْتِحَانُ، وَإِذَا سَلِمَ الدِّينُ وَالْإِيمَانُ، فَكُلُّ مَفْقُودٍ قَدْ صَغُرَ وَهَانَ.
فَيَا عَبْدَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِكَ، مِنْ أَجْلِ رَاحَتِكَ، مِنْ أَجَلْ سَعَادَتِكَ فِي مُسْتَقْبَلِكَ ثِقْ بِتَدْبِيرِ اللَّهِ، وَكُنْ مَعَ اللَّهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، حَتَّى وَإِنْ ضَاعَتْ مِنْكَ الدُّنْيَا كُلُّهَا وَأَنْتَ تَتَلَمَّسُ رِضَا اللَّهِ فَمَا ضِعْتَ، وَإِنْ حُزْتَ الدُّنْيَا بِزُخْرُفِهَا وَأَنْتَ تَتَلَمَّسُ سُخْطَ اللَّهِ فَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ وَمَا رَبِحْتَ.
وَإِذَا أُصِبْتَ بِأَيِّ بَلِيَّةٍ أَوْ لَفَّكَ الْهَمُّ قَلَقًا مِنْ حُصُولِهَا، فَهَوِّنْهَا بِثَلَاثٍ: أَنَّهَا لَمْ تَكُنْفِي دِينِكَ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَعْظَمَ مِمَّا كَانَتْ، وَأَنَّ اللَّهَ يَجْزِي عَلَيْهَا الْجَزَاءَ الْكَبِيرَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عَنَاءَكَ وَدَعَوَاتِكَ، وَنَصَبَكَ وَأَزَمَاتِكَ لَنْ تَضِيعَ، وَإِنَّمَا سَتَأْتِي فِي الْيَوْمِ الْجَمِيلِ، أَوْ سَيَدَّخِرُهَا لَكَ رَبُّكَ بَعْدَ يَوْمِ الرَّحِيلِ (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).
لِلَّهِ فِي الْخَلْقِ مَا اخْتَارَتْ مَشِيئَتُهُ *** مَا الْخَيْرُ إِلَّا الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ
إِذَا قَضَى اللَّهُ فَاسْتَسْلِمْ لِقُدْرَتِهِ *** مَا لِامْرِئٍ حِيلَةٌ فِيمَا قَضَى اللَّهُ
تَجْرِي الْأُمُورُ بِأَسْبَابٍ لَهَا عِلَلٌ  *** تَجْرِي الْأُمُورُ عَلَى مَا قَدَّرَ اللَّهُ
إِنَّ الْأُمُورَ وَإِنْ ضَاقَتْ لَهَا فَرَجٌ *** كَمْ مِنْ أُمُورٍ شِدَادٍ فَرَّجَ اللَّهُ
إِذَا ابْتُلِيتَ فَثِقْ بِاللَّهِ وَارْضَ بِهِ *** إِنَّ الَّذِي يَكْشِفُ الْبَلْوَى هُوَ اللَّهُ
صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ….

الجمعة، 5 يونيو 2020

العودة للمساجد

( العودة للمساجد ) 
الحَمْدُ للهِ الذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، الحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ الأَرْضَ والسَّمَوَاتِ، الحَمْدُ للهِ الذِي يَبتَلِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ يَكْشِفُ الكُرُبَاتِ، فَلَهُ الحَمْدُ مِلءَ خَزَائِنِ البَرَكَاتِ، وَلَهُ الحَمْدُ مَا تَتَابَعَتْ بِالقَلْبِ النَبَضَاتُ، وَلَهُ الحَمْدُ مَا تَعَاقَبَتْ الخُطُوَاتُ.
الحَمْدُ لِلْعَدْلِ الحَكِيمِ البَارِي *** المُسْتَعَانِ الوَاحِدِ القَهَّارِ....
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ..
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلى نَهْجِهِ وَاِسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ, وَسَلَّم تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. يَا أَهْلَ المَسَاجِدِ.. يَا عُمَّارَ بُيُوتِ اللهِ
فالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.. طِبْتُمْ وَطَابَ مَمْشَاكُمْ.. وَتَبَوَأْتُمْ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً.
عُدْتُمْ لِبَيْتِ اللهِ والعَوْدُ أَحْمَدُ *** مِنْ بَعْدَ مَا فَارَقْتُمُوهَا فَاسْعَدُوا
هَذِي بُيُوتُ اللهِ أَيُّ مَنَازِلٍ *** تَهْفُو عَلَى قَلْبِ المُحِبِّ وَتُنْجِدُ
أَحَدَ عَشَرَ جُمُعَةً فَارَقْتُمْ مِثْلَ هَذَا المَجْلِسِ العَظِيْمِ..
فَلِلَهِ الحَمْدُ رَبِّ العَالَمِيْنَ.. وَأَبْشِرُوَا بِالفَضْلِ الوَارِدِ فِي الحَدِيْثِ الذِي أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشَعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيْمًا صَحِيْحًا )
فَمَنْ كَانَ مُواظِبًا عَلَى الجُمَعِ وَالجَمَاعَاتِ فَقَدْ ثَبَتَ أَجْرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ.. وَكُتِبَتْ لَهُ صَلَوَاتُهُ مُنْفَرِدًا كَأَنَّمَا صَلَاهَا فِي المَسْجِدِ مَعَ الجَمَاعَةِ.
وَبِشَارَةٌ أُخْرَى لِكْلِّ مَنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بَبُيُوتِ اللهِ.. أَبْشِرِ بظِلِّ اللهِ الوَارَفِ فِي يَوْمٍ شَدِيْدِ الحَرِّ تَدْنُو فِيْهِ الشَمْسُ مِنَ الخَلَائِقِ
أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشَأَ بعِبادَةِ اللهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَساجِدِ) وفي رواية: (ورَجُلٌ مُعَلَّقٌ بالمَسْجِدِ، إذا خَرَجَ منه حتَّى يَعُودَ إلَيْهِ
نَعَمْ.. هَذِهِ القُلُوبُ الحَيَّةُ.. تَتَنَعَمُ فِي الدُّنْيَا بِرَاحَةِ البَالِ وَالأُنْسِ بِاللهِ.. وَتَتَنَعَمُ فِي الآخِرَةِ بِالأَمْنِ وَالنَّعِيْمِ المُقَيْمِ..
كَيْفَ لَا وَقَدْ أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ المَسَاجِدِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِالصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.
أَهْلُ المَسَاجِدِ خَافُوا مِنْ ذَلِكَ اليَومِ فَأمَنَّهُمُ اللهُ فِيْهِ.. فَاللَّهُمَ إِنَّا نَسْأَلُكَ الأَمْنَ فِي الدُّنْيَا والآَخِرَةِ.
يَا أُهَيْلَ المَسَاجِدِ.. هَاقَدْ عُدْتُمْ لِبُيُوتِ اللهِ.. وَلَعَلَّ البَعْضَ قَدْ تَعَوَّدَ لَمَّا كَانَ فِي بَيْتِهِ عَلَى أَنْ يُصَلِيَ مَتَى شَاءَ.. حَيْثَ لَا يَرْتَبِطُ بِجَمَاعَةٍ.. أَوْ أَنَّهُ يَرْتَبِطُ بِبَعْضِ أَهْلِ بَيْتِهِ يُصَلُّونَ مَتَى شَاؤُوا.. أَمَا وَقَدْ عُدْنَا إِلَى المَسَاجِدِ وَقَدْ أَصْبَحْنَا مُرْتَبِطِيْنَ بِوَقْتٍ وَاحِدٍ لِأَهْلِ المَسْجِدِ جَمِيْعًا وَهُوَ عَشْرُ دَقَائِقَ مِنْ بَعْدِ الأَذَانِ .. فَحَرِيٌّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يُبَادِر إِلَى المَسْجِدِ قَبْلَ سَمَاعِ الأَذَانِ أَوْ فَورَ سَمَاعِ الأَذَانِ.. حَتَى لَا تَفُوتَهُ الجَمَاعَةُ أَوْ شَيءٌ مِنْهَا.. 
وَلْيَسْتَغِلَّ الوَاحِدُ مِنَّا تِلْكَ الدَقَائِقَ النَّفِيْسَةَ بِالذِّكْر وَالدُّعَاءِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوودَ وَالتِرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ). وَتَذَكَّرْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى اِمْتَدَحَ الأَنْبِيَاءَ فَقَال: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.
وَلَا تُبْقِ فِعْلَ الصَّالِحَاتِ إِلَى غَدٍ *** لَعَلَّ غَداً يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ, وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ, قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
 الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. إِنَّ مِنْ بَرَكَةِ الحَسَنَةِ الحَسَنَةُ بَعْدَهَا، وَلَقَدْ شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لَنَا بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ عِبَادَاتٍ, فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَالٍ كَانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ).
وَلَكْن يَنْبَغِي عَلَى المَرْءِ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيهِ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ يَصُومُ السِّتَّ مِنْ شَوَالٍ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَالٍفَاشْتَرَطَ إِتْمَامَ صِيَامِ أَيَّامِ رَمَضَانَ ثُمَّ إِتْبَاعَهَا بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ. وهو الاولى ، وان زاحمه الوقت له ان يصوم الست اولاًثم يقضي 
أَيُّهَا الإِخْوَةُ.. مَا أَحْوَجَنَا فِيْ كُلِّ وَقْتٍ لِلْتَوْبَةٍ وَالرُّجُوعِ إِلَى اللهِ تَعَالَى.. وَيَزْدَادُ هَذَا الأَمْرُ تَأْكِيْدًا فِي أَزْمِنَةِ البَلَاءِ.. وَالغَفْلَةُ عَنِ التَّوبَةِ فِيْ مِثْلِ هَذَا الوَقْتِ مِنْ عَلَامَاتِ قَسْوَةِ القَلْبِ.. وِمِنْ أَسْبَابِ وُقُوعِ العَذَابِ عَلَى الأُمَمِ.. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
فَاللهَ اللهَ بِالتَّوْبَةِ .. والرُّجوُعِ إِلَى اللهِ والأَوْبَةِ.. بَادِرْ بِالتَّوبَةِ مِنْ هَفَوَاتِكَ قَبْلَ فَوَاتِكَ.. فَالمَنَايَا بِالنُّفُوسِ فَوَاتِكْ.. عَقْلُكَ يَحُثُّكَ عَلَى التَّوبَةِ .. وَهَوَاكَ يَمْنَعُ.. وَالحَرْبُ بَيْنَهُمَا.. فَلَوْ جَهَّزْتَ جَيْشَ عَزْمٍ فَرَّ العَدُوُّ..
يَا سَاهِيًا لَاهِيًا عَمَّا يُرَادُ بِهِ *** آَنَ الرَّحِيْلُ وَمَا قَدَّمْتَ مِنْ زَادِ
تَرْجُو البَقَاءَ صَحِيْحًا سَالِمًا أَبَدًا *** هَيْهَاتَ أَنْتَ غَدًا فِيمَنْ غَدَا غَادِ
فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ, وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ, وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاء َوَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. اِعْلِمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ, وَجَعَلَ لِلْصَلَاةِ عَلَيهِ فِي هَذَا اليَوْمِ وَالإِكْثَارِ مِنْهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَيَّامِ, فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى, وَيَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِيَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ, فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ, وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْوَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ, وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.