إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 29 أكتوبر 2020

الحرية بين المفهوم والواقع

 ( الحرية بين المفهوم والواقع ) 

مظلومة هي كلمة “الحرية” في زماننا أيما ظلم، فهي تحمل الآن -زورًا- تبعة كثير من الموبقات والكبائر وتحمل على عاتقها -ظلمًا- ذنب العديد من الفواحش والمعضلات؛ فقد صار الطعن في الدين حرية! وزعزعة ثوابت المجتمع حرية! والزنا والفجور والفسوق والمجون حرية!… 

ولقد انتهكت الأعراض باسم الحرية، واستشرت المنكرات باسم الحرية، وأُطل الأمر بالمعروف باسم الحرية، وتم التعدي على الحدود باسم الحرية… حتى لقد اشتكت الحرية إلى الله من ظلم الناس لها وتجنيهم عليها!

 والحرية في الغرب -قدوة الليبراليين والعلمانيين- تحمل في طياتها كثيرًا من التناقضات، فبينما ينادون بالمساواة بين الأجناس والألوان والاندماج التام لجميع طوائف المجتمع تجدهم يسيئون معاملة الأقليات الدينية والملونين من أبناء الغرب، فلا تزال النظرة العنصرية سائدة في الغرب إزاء السود أو الآسيويين أو العرب، فضلاً عن التضييق على المسلمين على وجه الخصوص في ممارسة شعائرهم، والتضييقات الأمنية التي تحد من حريتهم في الذهاب والمجيء والسفر والأعمال، لذا فالحرية في الغرب حرية مغلوطة زائفة، تتوافق مع ما يحقق مصالح الطغمة الحاكمة دون نظر إلى حقوق الأقليات أو كرامتهم.

 أما الحرية في الإسلام فهي محدودة بحدود الشريعة، تؤطرها وتسيِّجها بما يتوافق مع الطبيعة الإنسانية التي لا تطيق الحرية المطلقة ولا تطيق الكبت وقهر الحريات، فهي وسط بين نقيضين، وكذلك هو الإسلام وسط بين طرفين مذمومين، فإن الحرية الإسلامية بمعناها السليم تكرِّس للعبودية لله -تعالى- وحده وترفع الإنسان عن العبودية لكل ما سواه.

 فالحرية الإسلامية في الاقتصاد مثلاً تحده بحدود المعاملات الشرعية، فترفع الإنسان عن العبودية للدولار والدوران في فلك المصلحة الاقتصادية بغض النظر عن مساوئها ومضارّها، فالإسلام جعل المال تابعًا لا متبوعًا، ووسيلة لتحقيق منافع الحياة لا غاية تتسابق إليها النفوس وتجهض في سبيلها المبادئ والقيم، وهو ما نراه في النظام الرأسمالي مثلاً الذي يتيح حرية التجارة والقروض الربوية وجميع أشكال المعاملات، في الوقت الذي لا يرى فيه بأسًا في احتلال الدول لبعضها بغرض التوسع الاقتصادي والسيطرة على المقدرات الاقتصادية للدول المحتلة، غاضًا طرفه عن حقوق هذه الدول في الاستقلال والحرية.

 والحرية الإسلامية في الأبضاع والشهوات تضرب كذلك المثال الأسمى في المحافظة على حرمات الآخرين، فكما كفل الإسلام الحرية في الزواج مثنى وثلاث ورباع فإنه حرّم تعدي ذلك الحد، بل جعل كل نظرة أو لمسة تزيد عن ذلك الحد انتهاكًا لحرية الآخرين، وهذا ما يحفظ على الفرد نفسه ودينه وما يحفظ للمجتمع هيبته ونظامه الذي لا يستقيم إلا به.

 أما انتشار الفواحش بحجة رضا الطرفين فإنه مؤذن بهلاك المجتمع قيميًّا وسلوكيًّا، وفتحٌ لباب لا يجر على الفرد نفسه سوى الوبال والدمار، فالنفس البشرية مفطورة على التطلع للمزيد، فإن لم توضع لها حدود في هذه المسألة على وجه الخصوص فلن ينتهي بها المطاف عند ممارسةٍ ما، وإنما كلما حققت تطلعها المبدئي ازداد شبقها وشغفها لممارسة المزيد، وهذا ممارس بالغرب بشكل لافت للنظر؛ فعند نشأة السينما في بداية القرن الفائت حظي ظهور النساء والفتيات في الإعلام الغربي بمعارضة الآباء والمفكرين في المجتمع، مؤيدين رؤيتهم بالسنن الفطرية في هذا الكون، ولكن أبى القائمون على هذه الصناعة إلا إقحام النساء فيها، وبالتدريج بدأ صناع السينما في الغرب يتطلعون إلى مزيد من المشاركة النسائية والتكشف والتبذل والانحلال حتى وصل الحال بهن إلى الظهور عاريات بشكل كامل وممارسة الرذيلة صراحةً على شاشات السينما.  

وبعد ما احتل الغرب مركز القيادة للعالم المعاصر بسبب تفوقه المادي والعلمي، أخذ يزعم بصلف وكبرياء أن حضارته هي الحضارة وأن تطوره هو آخر مراحل التقدم البشري، وأخضع الدنيا لفكره ونظمه الاجتماعية عن رغبة وإعجاب حينا وعن رهبة وإرهاب أحيانا أخرى. 

وفي ظل هذه الأوضاع انتقل المفهوم الغربي للحرية إلى العالم الإسلامي وقامت على أسسه كثير من حركات التحرر المعاصرة، تحذو حذو الغرب وتتأسى بنماذجه، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه، وفهم هؤلاء أن الحرية هي العلمانية وفصل الدين عن الدولة ونبذ التشريع الإسلامي واستبداله بالقوانين الغربية. 

 وذهب هؤلاء إلى أن الحرية هي الإباحية والسفور. وصارت الحرية سبيلا إلى الإلحاد والطعن في الدين وإثارة الشك والشبهات في مسلماته والسخرية والاستهزاء بمقدساته. -وهو من أسوأ ما عرفه العالم الإسلامي ....فهل يرغب في هذه الحرية مسلم له مسحة من عقل وفي قلبه ذرة من إيمان؟

 والخلاصة أن نماذج الحرية في الغرب فيها من المتناقضات والسوءات -بشهادة الغربيين أنفسهم- ما يجعلها غير صالحة للتأسي والاقتداء بها… فهل يعي المنبهرون بالغرب من المسلمين ذلك؟! هل يفيقون فيدركون أن الحرية بمعناها الغربي هي كائن خبيث غريب مهلك لا يلائم مجتمعنا ولا يناسبه؟! هل يعود المسلمون إلى دينهم وحريتهم المنضبطة بحدود إسلامهم؟! هل يخلع منحرفو المجتمعات الإسلامية ثوب الوصاية على عموم المسلمين بزعم قيادتهم إلى التحرر؟! هل يفهمون أنه ليس بعد الحرية بمفهومها الإسلامي القويم من حرية؟!… هذا ما نتمناه ونأمله.

الخطبة الثانية : 

الحرية التي تدعوا إليها الحضارة الغربية المعاصرة اليوم حريَّة بهيميةٌ خرقاء تؤصِّل للفحش والمجون وسيطرة الشهوات؛ فللمرأة أن تخرج هناك عارية حمراء بلا لباس حتى يغطي سوأتها ولاحق لأحد أن يعترض عليها؛ لأنها حرة, ومن يعترض على ذلك يجازى باسم الحرية، وللرجال نفس الحق بل أنشئت هناك باسم الحرية أندية رسمية تسمى (أندية العراة), ولهم شواطئ خاصة باسمهم، 

باسم الحرية للمرأة بل حتى للفتاة الصغيرة المراهقة أن تعاشر من تشاء من الرجال وليس لوليها ولا حتى أبوها أن يعترض عليها, تأتي بمن يزني بها على فراش أبيها وليس له إلا أن ينظر ويبارك أو العقوبة و السجن.

باسم الحرية الفردية أصبح من حق الرجل أن ينزو على الرجل بل يقنن ذلك رسميًا وباسم الحرية أصبح اللوطية يتفاخرون بفعلتهم القذرة ويعلنونها على الملأ ولهم حقوق نظامية ولهم مناصب عليا هناك، وفي المقابل هناك اكتفاء النساء بالنساء وأصبح للسحاقيات صوت عالي وحقوق يرعاها النظام.

هناك باسم الحرية يعيش الذكور والإناث كعيشة البهائم ينزو بعضهم على بعض حتى في الحدائق العامة وعلى أرصفة الشوارع 

بل هناك باسم الحرية رجال تنزو على البهائم وبهائم تنزو على النساء وقد يكون ذلك أمام جمع من الناس.

هناك باسم الحرية كانت قنوات العهر والفجور التي تعرض العلاقة بين الرجال والنساء، وبين الرجال مع الرجال والنساء مع النساء وكل فريق منهم مع الحيوانات.

بل لم يسلم من ذلك حتى الأطفال فأصبحت هناك عصابات تتاجر في خطف الأطفال وإجبارهم على ممارسة الرذيلة بل وإعلان ذلك وترويجه بين الناس.

وقائمة مستنقع الرذائل التي غرقوا فيه والظلمات التي يتخبطون فيها طويلة.

أتدرون ما النتيجة؟ النتيجة إيدز وزهري وسيلان وضياع للأنساب وتفكك للأسر ومصائب عدة يدركها كل عاقل.

أولئك القوم يستمدون شريعتهم وحريتهم التي يسعون لترويجها بين المسلمين من عدو البشرية إبليس -أجارنا الله وإياكم من مكره- أخبرنا عن ذلك ربنا وحبيبنا وخالقنا جل جلاله بقوله (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:27].

فالله أكبر متى يدرك فئامٌ من بني قومي ممن يدعون زورًا وبهتانًا لتحرير المرأة أنهم إنما يدعون لنبذ شريعة الرحيم الرحمان واتباع شريعة الشيطان.

نتيجة تلك الحرية الشيطانية نشرته منظمة اليونسكو ومنظمات حقوق المرأة في تقارير أخيرة لها حيث قالت "إن مافيا البغاء مجندةٌ أكثر من تسعة ملايين امرأة للدعارة والبغاء خمس وتسعون بالمئة منهن يعملن في ذلك مكرهات".

هل رأيتم -معاشر الأحبة في الله- كيف أن تلك الحرية هي حرية الفحش والزنا والخناوالموبقات, فالرجل والمرأة لهم مطلق الحرية لأن يتفننوا في ذلكولكن بمجرد أن تظهر بوادر ولو بسيطة للاتجاه نحو الطهر والعفاف إذا بالمجتمع ترتعد فرائصه خوفًا ويتدخل قمة الهرم السياسي لمنع الطهر والعفاف أو بوادره، عند العودة للطهر والعفاف تنتهي الحرية ويبرز تصحرها ووجهها الكالح، أما حرية الإسلام فهي تدع للرجل والمرأة الحرية في أن يبدع في نشر الخير والطهر والعفاف ولكن تنتهي حدودها بمجرد أن تظهر بوادر للفجور, ويضع الإسلام الحواجز المنيعة دون انتشار ذلك في المجتمع.

وإني أحذر من هذا المكان أمة الإسلام بأن أعداء الدين والفضيلة باتوا أكثر حرصًا من ذي قبل على جرنا لمستنقع رذيلتهم, وإنهم يحرصون على هذه البلاد -حرسها الله- على جهة الخصوص؛ لأنها البلد الإسلامي الوحيد الذي بقي ثابتًا وسيظل بإذن الله أمام تيارات الفحش والرذيلة, فتنبهوا لما يراد بكم وابنوا في بناتكم ونسائكم جُدرًا منيعة أمام طوفان الفجور العاتي، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور:19].

فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا رحمني الله وإياكم أنه لا يمكن لعدو الملة والدين أن يبغي الخير لأمة الإسلام، والأمثلة العملية شاهدة على ذلك, فكم من دولة دخلوها بحجة رفع الضيم والجور عن أهلها وبشروهم بالسعادة والأمن و الرفاهية، فماذا كانت النتيجة؟ جعلوا أعزة أهلها أذلة، ونهبوا خيراتها، وانتشر الفقر والخوف والقتل في جنباتهاوأسوأ من ذلك أن الفتنة الطائفية بدأت تطل برأسها بعد أن كانت خامدة لسنين طويلة.

أيها الأحبة في الله: لنربي أنفسنا وبناتنا ونسائنا على الفطنة واليقظة وعدم الانخداع بالشعارات الجوفاء، لنغرس فينا وفيهم عقيدة راسخة كالجبال لا تتزعزع, وهي أن السعادة والأمن والرخاء هو في التقيد بشريعة الله, وأن الشقاء والضنك والذل والتخلف هو في البعد عنها، يوم أن تمسك بشريعة الله سلفنا الصالح رجالاً ونساء قادوا البشرية فأسعدوها ويوم بدأ التفلُّت من شريعة الله والتمرد عليها أصاب الأمة ما أصابها، وقد حذَّر الله الأمة من ذلك في كتابه يوم أن قال: (… فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طـه:123-124

ولا يعني ذلك -أيها الأحبة في الله- التقوقعَ على النفس وعدم الاستفادة مما عند الآخرين، لا بل نأخذ ما عندهم من علم وتقنية وفوائد أخرى دون التخلي عن ديننا وقيمنا وأخلاقنا.

 

الجمعة، 23 أكتوبر 2020

انصر نبيك عليه الصلاة والسلام

 انصر نبيك عليه الصلاة والسلام ) 

فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم }، { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً}، قرن أسمه باسمه في الآذان وجعل شأنه عالياً، وتفضل عليه بالوحي والرسالة، واصطفاه من بين خلقه ليكون خاتم النبيين، وكان فضل الله عليه عظيماً، وجعل له لواء الحمد والمقام المحمود، هذا نبينا عليه الصلاة والسلام أفضل الأنبياء، إمامهم يوم القيامة وقائد الغر المحجلين يوم الدين، ويوم يرجع الأنبياء إليه للشفاعة ليقضى بين الخلائق، فيقوموا هؤلاء الكفرة اليوم بشن الغارات على شخص محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، 

 

صحيفة فرنسية بالرسومات الساخرة التي تستهزئ بأعظم رجل وطئت قدماه الثرى، صورة آثمة وقحة وقاحة الكفر وأهله ..فيا لله ماذا بقي في الحياة من لذة عندما ينال من مقام محمد صلى الله عليه وسلم ثم لا ينتصر له؟، وماذا نقول تجاه هذا العداء السافر والتهكم المكشوف؟، هل نغمض أعيننا؟، أو نصم أذاننا؟، أو نطبق أفواهنا وفي القلب عرق ينبض؟، والذي كرم محمد وأعلى مكانته صلى الله عليه وسلم لبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق وندافع عن نبينا صلى الله عليه وسلم، آلا جفت أقلام وشلت سواعد قد امتنعت عن تسطير الأحرف، والنطق بالكلمات للذود عن النبي صلى الله عليه وسلم .

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم فداء

وهكذا يا عباد الله، يسفر هؤلاء أعداء الدين من أهل الكتاب وغيرهم عن وجوههم القبيحة مرات كثيرة، بصور مختلفة وتعاد الصورة مرة أخرى والتاريخ يعيده الله عزوجل، { إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وأنحر إن شانئك هو الأبتر }، الشانئ العدو المبغض الساب الشاتم هذا منقطع الذكر، قليل الأثر، هذا هو الذي لا عقب له ولا يبقى له نسل ولا حسن ذكر، أما أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم فتبقى ذريتك، وصيتك الحسن بين العباد، وآثار فضلك إلى يوم القيامة، ولك في الآخرة نهر الكوثر والخير الكثير .

 

تقوم الرسومات الكاريكاتورية الساخرة اليوم بالاستهزاء بنبينا عليه الصلاة والسلام في رسمها ورمزها ولكن ليس نبينا بالصورة التي رسموها ولا بالخلق الذي وصفوه، فوجهه عليه الصلاة والسلام هو الضياء والطهر والقداسة والبهاء، أعظم استنارةً وضياءاً من القمر ليلة البدر، يفيض سماحة وبشراً وسروراً، طلعته آسرة تأخذ بالألباب، وكل من رآه عرف صدقه في وجهه، ، وما كان عليه الصلاة والسلام عابساً ولا مكشراً، إنه صلى الله عليه وسلم كان أشد حياءًا من العذراء في خدرها، إذا سر استنار وجه كأنه قطعة قمر، أهدب الأشفار، أكحل العينين كأنه سبيكة فضة، مليح الوجه، يقول أنس رضي الله عنهما: " ما مسست حريراً ألين من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم "، كان عليه الصلاة والسلام يعرف بريح الطيب إذا أقبل،

 

كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً، وأكرمهم، وأتقاهم، كان عليه الصلاة والسلام لا يستكبر أن يمشي مع المساكين، تأخذ الجارية الصغيرة بيده فينطلق لقضاء حاجتها، كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم، ويأتي ضعفائهم ويزورهم ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، كان عليه الصلاة والسلام يجلس على الأرض ويأكل على الأرض، ويعتقل الشاة فيحلبها كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، كان يبيت الليالي طاوياً لا يجد عشاءاً، وكان لا يجد ما يملئ بطنه من الدقل وهو التمر الرديء، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع مرات،

 

يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، كان أشجع الناس إذا أشتد البأس اتقوا به في القتال، تمر به الهرة فيُسقي لها الإناء لتشرب منه، كان عليه الصلاة والسلام عفواً يغفر ويصفح حتى عفا عن ذلك المشرك الذي أخترط سيفه ورفعه عليه صلتاً، قال: من يمنعك مني؟، قال: الله، فشلت يد المشرك وسقط السيف من يديه، كان سخياً كريماً أجود الناس، كان عليه الصلاة والسلام عظيماً في أخلاقه وآدابه وخلقته. 

ألم ترى أن الله خلد ذكـره إذ قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من أسمه ليجـله فذو العرش محمود وهذا محمد

أوفر الناس عقلاً، وأسدهم رأياً، وأصحهم فكرة، وأسخاهم يداً، وأنداهم راحة، وأجودهم نفساً، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، يجود ويقول: " أنفق يا بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالا "، أرحب الناس صدراً، وأوسعهم حلماً، لا يزيده جهل الجاهلين عليه إلا عفواً، أعظم الناس تواضعاً لا يتميز عن أصحابه بمظهر، ألين الناس عريكة، وأسهلهم طبعاً، ما خير بين أمرين إلا أختار أيسرهما، لا يغضب لنفسه فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء، ولا يستطيع أن يقف أحد في طريقه، كأنما يفقأ في وجه حب الرمان تعظيماً لحرمات الله وغضباً لها، أشجع الناس قلباً، وأقواهم إرادة، يخوض الغمار قائلاً: " أنا النبي لا كذب أنا أبن عبد المطلب "، 

أعف الناس لساناً، وأوضحهم بياناً، يسوق الألفاظ مفصلة كالدرر مشرقة، كالنور هو طاهر كالفضيلة، إنه صاحب العفة يقيم الحدود، ويقسم بالعدل بين الناس، هو أسمح الخليقة روحاً، وأعلاها نفساً، وأزكاها وأعرفها بالله، أشد الناس في أمر الله، أخشى الناس لله، يؤتي كل ذي حق حقه، قضى زهرة شبابه مع امرأة من قريش تكبره بخمس عشرة سنة، قد تزوجت من قبل وما تزوج بعدها لاستمتاع مجرد، بل كان في زواجه عليه الصلاة والسلام مصالح عظيمة، أرفق الناس بالضعفاء، وأعظمهم رحمة بالمساكين، شملت رحمته حتى البهيمة، فهو ينهى أن يحد شفرته أي الجزار بحضرة الشاة وهي تلحظ إليه، وأن تذبح شاة في حضرة أخرى وهكذا،، أخبر أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، إنه أمين الله على وحيه ومصطفاه من خلقه، أختاره الله وبعثه رحمة للعالمين، وحمل هداية رب السماء إلى أهل الأرض، نور النبوة مشكاتها وشعاعها ينطلق من لسانه. 

خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء

عباد الله، لقد أنصف بعض الكفار نبينا عليه الصلاة والسلام لما قرءوا سيرته من عظم أخلاقه، ومن عظم هذه الحياة التي تركت وراءه مسطرة، فرضوان الله عن أصحاب ما فوتوا صغيرة ولا كبيرة إلا ونقلوها من شأنه عليه الصلاة والسلام، ولا يوجد رجل في العالم لا في القديم، ولا في الحديث، لا من المسلمين، ولا من الكفار، سيرته منقولة بهذه الدقة، فهل رأيت في العالم من نقيت صفته وسيرته وأحداث حياته كمحمد عليه الصلاة والسلام؟، ولذلك يقول:

• مايكل هارت في الخالدين المائة وقد جعل على رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: لقد أخترت محمداً صلى الله عليه وسلم في أول هذه القائمة، لأنه هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على مستوى الديني والدنيوي، قد دعا إلى الإسلام وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً وبعد ثلاث عشرة سنة من وفاته، فإن أثر محمد عليه السلام ما يزال قوياً متجدداً، وقال: ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم قوة جبارة لا يستهان بها، فيمكن أن يقال أيضاً: إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ.
• أما برناردشو الإنكليزي وله مؤلف أسمه محمد قد أحرقته سلطات بلاده يقول فيه: إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد صلى الله عليه وسلم، وإن رجال الدين في القرون الوسطى ونتيجة للجهل أو التعصب، قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة، لقد كانوا يعتبرونه عدوا للمسيحية، لكنني أطلعت على أمر هذا الرجل فوجدته أعجوبة خارقة، وتوصلت إلى أنه لم يكن عدوا للمسيحية بل يجب أن يسمى منقذ البشرية، وفي رأيي أنه لو تولى أمر العالم اليوم لوفق في حل مشكلاتنا بما يأمن السعادة والسلام التي يرنوا إليها البشر.
• ويقول آن بيزيت: من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم، ويعرف كيف عاش، وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، هل تقصد أن تخبرني أن رجلاً في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل وفياً لها طيلة ستة وعشرين عاماً، ثم عندما بلغ الخمسين من عمره السن التي تخبوا فيها شهوات الجسد، تزوج لإشباع رغباته وشهواته؟، ليس هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص.
• وقال الإنجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل في كتابه الأبطال: لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث في هذا العصر، أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمد خادع مزور، وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ، صادق العزم، كريماً براً رءوفاً، تقياً، فاضلاً، حراً، رجلاً شديد الجد، مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب، لين العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، كان عادلاً، صادق النية، ذكي اللب، شهم الفؤاد كأنما ما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم ممتلئاً نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك.
• أما جوتة الألماني فيقول: إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد صلى الله عليه وسلم، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان فوجدته في النبي محمد، وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلوا كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد.

وهكذا،، وهكذا تتوالى الشهادات من الأعداء ومن مخالفيه عليه الصلاة والسلام في الدين، ومهما كان من الملاحظات على بعضها، لأن الذين أطلقوها من غير المسلمين وبضعهم يجهل حقيقة الوحي، ولا يقر بختم النبوة ولا بأن دين محمد صلى الله عليه وسلم يجب الدخول فيه، فإن هذه الشهادات كافية في أن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام قد أخضعت أقلام أولئك الكتاب، وأنهم لما أطلعوا على شيء من حياته ذلوا ولم يملكوا أنفسهم من تسطير هذه الكلمات، فيأتي هؤلاء اليوم من الكفرة الذين لا يعترفون حتى بما سطره أدبائهم، وبعض كتابهم، ومنصفيهم، لا يرونه شيئاً.. ليقوموا بالاعتداء على شخص محمد صلى الله عليه وسلم.

عباد الله، إنا نبينا عليه الصلاة والسلام صادق ،كل من رآه عرف من وجه أنه صادق، وما من أحد أدعى النبوة من الكذابين إلا وظهر عليه من الجهل، والكذب، والفجور، واستحواذ الشياطين ما فضحه، وما من أحد أدعى النبوة من الصادقين إلا وقد ظهر عليه من العلم، والصدق، والبر، وأنواع الخيرات ما يميزه، وهكذا قال تعالى: { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون 

أيها المسلمون، نبينا عندنا في مقام عظيم، وفي نفوسنا له منزلة كبيرة، ونحن نعلم أن من سبه عليه الصلاة والسلام إن كان مسلماً فإنه يصبح مرتداً بهذا السب، ولا تمنع توبته من قتله على القول الراجح، لأن حق الله يسقط بالتوبة، أما حق محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فكيف يتم التنازل عنه؟، وصاحب الحق قد مات، ولذلك يبقى الأمر في إقامة الحد عليه بالموت، وإذا صدق في التوبة تنفع عند الله هذا قول عدد من أهل العلم، كما نصر ذلك شيخ الإسلام وبينه في كتابه العظيم الصارم المسلول على شاتم الرسول، 

.

اللهم أنصر سنة محمد بن عبد الله في العالمين، اللهم زد ذكره رفعة وأعلي، وزد في دينه علوا، اللهم إنا نسألك أن تكبت عدوه، وأن تنشر سنته في العالمين، وأن تعلي دينه فوق سائر أهل الأرض يا أرحم الراحمين، اللهم أرنا فيمن سبه مصيراً أسود، اللهم أنتقم لنبيك، اللهم أنتقم لنبيك، اللهم أنتقم لنبيك، إنك عزيز ذو انتقام. 

 

الخطبة الثانية : .

 

عباد الله، لعله جس نبض، ويريد هؤلاء اليهود والنصارى أن يعلموا، ماذا في الأمة من حس؟، وماذا بقي فيها من غيرة؟، وكذلك فإن عداوتهم لأهل الإسلام ولنبيه باقية إلى قيام الساعة حتى ينزل عيسى عليه السلام فيقضي عليهم، ولاشك أن من عداوتهم أن يسبوا نبينا ونحن نتوقع هذا منهم، وأن يهاجموه في وسائل إعلامهم، وأن يسيروا سيرة كفار قريش الذين كانوا يشوهون سمعة نبينا في محافل الحجاج ولكن الله لهم بالمرصاد، فنصر الله نبيه عليهم وهكذا ينصر الله نبيه في هذا الزمان وفي كل زمان، وكل من تعرض لذاته الكريمة بالبذاءة والسخرية والاستهزاء، 

ويرفضون الاعتذار، ويقولون: ( حرية الرأي حرية الكفر ) فإذا سبت ملكتهم، وسب نظامهم ودولتهم، فماذا عساهم يقولون؟، يسنون القوانين في عقوبة من سب نظامهم ودولتهم ، ولكن عندما تأتي القضية إلى نبينا ، تصبح المسألة تصبح القضية حرية رأي، حرية الكفر، حرية الهجوم على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. 

عباد الله، من سخر بالنبي عليه الصلاة والسلام ما حكمه؟، { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }.

روى أبو داوود عن علي رضي الله عنه أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها.

قال شيخ الإسلام: ( وهذا الحديث جيد وله شاهد من حديث ابن عباس وفي قصة الأعمى المعروفة المشهورة الذي كانت له أم ولد ترعاه له منها أبنان كاللؤلؤتين فوضع ذلك الرمح القصير في بطنها وأتكأ عليها حتى ماتت لأنها كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه )، ولما أغلظ رجل لأبي بكر الصديق، قال أبو برز الأسلمي للصديق: أقتله؟ فانتهرني، يقول أبو برزه، وقال: ليس هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

أيها المسلمون، يا عباد الله، إن سب النبي عليه الصلاة والسلام من أعظم المحرمات، وكفر وردة عن الإسلام، بإجماع العلماء سواء فعل ذلك القائل جاداً أم هازلاً، وفاعله يقتل ولو تاب، كما تقدم مسلماً كان أو كافراً، وإن عقوبة من سب النبي عليه الصلاة والسلام في الدنيا أن الله يذيقه من العذاب المهين، فالله يدافع عن الذين آمنوا، والنبي عليه الصلاة والسلام رأس المؤمنين، وقال: { والله يعصمك من الناس }، وقال: { إن كفيناك المستهزءين }، وقال: { أليس الله بكاف عبده }، قال الشيخ السعدي - رحمه الله - : ( وقد فعل تعالى فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتله ).

عندما تكون الأمة في عافية والدين في قوة في نفوس المسلمين، ترى النموذج العظيم من ذلك الفتيين الصغيرين بينهما عبد الرحمن بن عوف، كل منهما يسأل عن أبي جهل أين هو؟، أين هو؟، ما هذا الحماس؟، ولماذا السؤال؟، إني أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لأن رأيته لا يفارق سوادي سواده، حتى يموت الأعجل منا.. 

يا عباد الله، الله عزوجل قال لنا: { فالذين أمنوا به وعزروه }، أي: قاموا في نصرته عليه الصلاة والسلام، 
{ ونصروه وأتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون }، فوجب القيام بنصرة نبي الإسلام بجميع الوسائل الممكنة في هذا الزمان، 

.

اللهم أعز دينه، وأعلي شأنه، وأعلي ذكره، اللهم أجعلنا من أتباعه حقاً، ومن أهل سنته صدقاً، اللهم أرزقنا شفاعته يوم الدين، اللهم أجعلنا القائمين بحق نبينا يا عظيم، اللهم إنا نسألك وأنت العظيم القوي الجبار أن تهلك هؤلاء الذين وقعوا في نبينا، أرينا فيهم آية، اللهم إنا نسألك أن تسلط عليهم جنداً من عندك، اللهم أرنا فيهم هلاكاً وبيلا وخذهم أخذاً شديداً، وأجعلهم عبرة للمعتبرين. 

 

 

1

الخميس، 15 أكتوبر 2020

انتشار الإسلام

 الخطبة الأولى:

 الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي أرسلَ رسولَه بالهُدى للناس كافَّة، أحمدُه – سبحانَه – وأشكرُه على نعمةِ المُبشِّرات السارَّة، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له يحفَظُ عبادَه المُؤمنين ويُنجِّيهم إذا جاءَت الصاخَّة، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه سلكَ بالأمةِ طريقَ الجادَّة، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه الذين رزقَهم الله نفوسًا عن كل شرٍّ صادَّة.

 أما بعد: فأُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله؛ فهي النجاةُ والأمنُ من كل سُوءٍ، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 الاستِبشارُ والتفاؤُلُ من مبادِئ الإسلام، وسِماتِ المُسلمين في كل الأحوال، قال الله تعالى على لسانِ نبيِّه إبراهيم – عليه السلام -: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر: 56].

هذا الاستِبشار يُولِّدُ الطاقةَ، ويُحفِّزُ الهِمَم، ويدفعُ إلى العمل، ويصنعُ المُستقبَل.

 وكلَّما تأجَّجَت مآسِي المُسلمين في بعضِ بِقاع الأرض تأكَّدت الحاجةُ لاستِحضار البشائِر، وهذا هديُ رسولِ الأمة محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، فكم قلَبَ بتفاؤُلِه المِحنَةَ مِنحَة، وأيقظَ الأمَلَ في جوفِ الألَم.

 ومن أعظَم دواعِي الفرح وأسبابِ البِشارة في حياةِ المُؤمن: انتِشارُ دينُ ربِّ العالمين، واهتِداءُ غيرِ المُسلمين بالإسلام.

الانتشارُ السريع من خصائصِ الإسلامِ الثابِتة، التي تنبُعُ من ذاتِه على مرِّ العصورِ والأزمان، مهما قلَّ أتباعُه، أو تساهَلَ أنصارُه، أو قسَا أعداؤُه.

 بدأ الإسلامُ في مكة من فئة ٍقليلةٍ مُستضعَفَة عانَت ألوانَ البطشِ والإيذاء، وفي غضُونِ سنواتٍ دخلَ الإسلامُ جزيرةَ العربِ كلَّها، وتشكَّل جيلٌ حملَ رسالةَ الإسلام، ونشرها في السهولِ والمِهاد، والجبالِ والوِهاد، فانتشر صدَاه، واتَّسَع مدَاه، ودخَلَت فيه الأممُ أفواجًا بسرعةٍ لم يُعرف لها نظيرٌ في التاريخ، وهذا من أعظم المعجزات، وتصديقٌ لوَعدِ الله بأن المُستقبَلَ لهذا الدين ينتشرُ الإسلام؛ لأنه الدينُ الذي ارتضَاه الله تعالى للناس ِكافَّة، وتكفَّلَ – سبحانه – بحفظهِ ونشرِه.

 قال – صلى الله عليه وسلم -: «ليبلُغنَّ هذا الأمرُ مبلغَ الليل والنهار، ولا يترك اللهُ بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أدخلَه الله هذا الدينَ، بعزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، يُعِزُّ بعزِّ الله في الإسلام، ويُذِلُّ بهفي الكفر».

 أحبَّ الناسُ الإسلام؛ لأنه ظاهرُ المعالم، وحقٌ أبلَج مِلائِمٌ للفِطَرِ السليمة، والعقولِ المُستقيمة، أنارَ الظلمات، أسعدَ النفوس، شرحَ الصدُور، (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله) [الروم: 30].

 ينتشرُ الإسلام؛ لأنه عقيدةٌ إيمانية تُشبِعُ فراغَ القلوب، وتُهذِّبُ حَيرةَ الأرواح، وتملأ خَواء الفِكر، وتُلبِّي حاجات النفوس، وتمنَحُه الأمن، وتُروِي ظمأَه.

 يدخلُ الناسُ في دينِ الله أفواجًا؛ لأنه الدين الذي حقَّقَ للإنسانِ كرامَته، وسمَا به روحًا وجسدًا، عقلاً وقلبًا، فتحَ له الآفاق، سخَّرَ له الكون، ولم يُحرِّم عليه طيبًا.

 المُستقبلُ لهذا الدين؛ لما يُرَى من أثَرهِ البديع الذي لا يُوصَف، وفعلِه العظيم الذي لا يُحدُّ؛ فقد نقَلَ الإنسانَ من ذُلِّ المعصيةِ إلى عزِّ الطاعةِ، ومن حدودِ الدنيا إلى سَعةِ الخلود، ومن قسوَةِ القلوب إلى رحابِ الحبِّ وفيُوضِ الرحمة.

 ينتشرُ الإسلامُ؛ لأنه يُمجِّدُ العلمَ، ويُكرِمُ العلماء، ويُثنِي على العقلِ والفِكر، وكلما وصلَ الإسلامُ بلدًا من البلدان جلَّلها بالعلم وأضاءَها بالمعرفة، فأسهَمَت الأمةُ في بناءِ الحضارةِ الإنسانية، وغدَت الحضارةُ الإنسانية نواةً ومعبرًا للحضارات المُتعاقبة.

 اطمأنَ الناسُ إلى الإسلام؛ لأنه يُحقِّقُ للبشرية العدالةَ الاجتماعية في جميعِ مظاهر الحياة، قوَّى وشائجَ الأخوَّة، أحيَا مبادئ التعاون، أسَّسَ معانِي الخدمة الاجتماعية.

 قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «ولأَن يمشِي أحدُكم مع أخيه في قضاءِ حاجَتِه أفضلُ من أن يعتكِفَ في مسجدِي هذا شهرَين» – وأشارَ بأصبعه -.

 العدلُ في الإسلام مدلولٌ ناصِع، ومفهومٌ راسِخ، لا يتأثَّرُ ميزانُه بالحسَبِ والنَّسَب، ولا بالجاهِ والمال، ويتمتَّعُ بالعدلِ جميعُ المُقيمين على أرضِه من المسلمين وغيرِهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8].

 وتقعُ على المسلمين مسؤوليةُ نشرِ الإسلام، وتبليغِه في كلِّ أصقاع الأرض، ابتداءً من نبيِّها – صلى الله عليه وسلم -، قالَ اللهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة: 67].

وقالَ – صلى الله عليه وسلم -: «بلِّغُوا عنِّي ولو آية».

 وقد بذَلَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – كلَّ الأسبابِ للتوسُّعِ في نشرِ الإسلام؛ فلما أسلمَ أبو ذرٍ الغِفاريُّ – رضي الله عنه – طلَبَ منه الإقامةَ في بني غِفار، ودعوتَهم إلى الإسلام. ولما أسلمَ الطُّفيلُ بن عمرو الدَّوسيُّ، طلَبَ منه الإقامةَ في قبيلته دَوسٍ لنشر الإسلام فيها.

 فالمسلمُ مأمورٌ بالعمل على نشر الإسلام، وليس عليه أَطرُ الناسِ على الدين أَطرًا، وحملُهم عليه قَسرًا، قال الله تعالى: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) [الشورى: 48]، وقال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [البقرة: 272].

 وتبلُغُ المسؤولية أوجَها في نشرِ هذا الدين على المسلمِ المُغترِب في بلادِ غيرِ المسلمين، سواءٌ كان سفيرًا، أو مُبتعثًا، أو تاجرًا، أو عامِلاً، فمهمةُ نشرِ الإسلام من أعظمِ الفضائل وأجلِّ المراتب.

قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].

 وقالَ – صلى الله عليه وسلم -: «لأَنْ يهدِيَ الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من أن يكونَ لك حُمْر النَّعَم».

 ونستطيعُ أن نُؤكِّد بأن العُنصر الأبرَزَ في انتشارِ الإسلام على يدِ سلَفِ الأمة سيرتُهم النقيَّة في فتُوحِهم، وعدلُهم في أحكامهم، وسلوكُهم تديُّنًا وورَعًا واستقامةً، وفي مقدمةِ أولئك: قادَةُ الفتحِ الإسلامي وجنودُه، الذين كانوا دُعاةً ولم يكونوا غُزاةً، اتَّصَفَ أولئك الذين نشروا الإسلام بسلامةِ القلب، وطهارةِ النفس، ونُبلِ المشاعر، وكان كلُّ فردٍ منهم ينبوعًا يفيضُ بالخيرِ والرحمة، ويتدفَّقُ بالنفعِ والبركة.

أكثرُ وسائلِ التأثير في نشرِ الإسلام – عباد الله -: إيصالُ القرآن الكريم إلى أسماع البشَر، وفي هذه الآية تأكيدٌ على أهميةِ إسماعِ القرآن الكريم للمُشركين، قالَ اللهُ تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) [التوبة: 6].

 ويعلَمُ المُهتمُّون بنشرِ الإسلام أهميةَ الإعلامِ الحديث، واستِثمار وسائل التقدُّم التقنِيِّ في نشر الدعوة، ورغم تقصيرِنا في نشر الإسلام، إلا أن الله سخَّرَ هذه المنابرَ الإعلامية الفاعِلَة والمُؤثِّرة، إن أحسَنَ المَعنيُّون استخدامَها عالميًّا لإبرازِ سماحةَ الإسلام ويُسْره، والتصدِّي لمن يُحاوِلُ تشويهَ صُورته وتحجِيره.

الخطبة الثانية : 

 عباد الله : تنبأ مركز لأبحاث التغيرات الديموغرافية في الديانات الكبرى أن يُصبح الإسلام أكثر الديانات انتشاراً في العالم بحلول سنة 2070وأكد المركز أن الإسلام هو الديانة الوحيدة في العالم التي تنتشر أسرع من وتيرة نمو سكان العالم.

توقع مركز "بيو" الأمريكي لأبحاث التغيرات الديموغرافية في الديانات الكبرى أن يصبح الإسلام أكثر الديانات انتشار في العالم بحلول سنة 2070، وأضاف أن الإسلام الديانة الوحيدة في العالم التي تنتشر بوتيرة أسرع من وتيرة نمو سكان العالم، وفق ما أشار إليه موقع جريدة "تلغراف" البريطانية.

وأوضح المركز الأمريكي أن عدد السكان المسلمين سينمو بنسبة 73 في المائة بين عامي 2010 و2050، بالمقارنة مع 35 في المائة لدى المسيحيين - ثاني أسرع ديانة نمواً في العالم.

وأضاف "بيو" أن الإسلام يجذب الكثير من الشباب، وهو ما يعني أن لديهم المزيد من سنوات الإنجاب، فيما توقع نفس المركز أن يشهد عدد المسيحيين تراجعاً، إذ يتزايد عدد الأشخاص غير الدينيين أو الذين يُغيرون دينهم، وأردف "بيو" أن من المحتمل أن يدخل حوالي 40 مليون شخص إلى المسيحية، غير أن 106 مليوناً من أتباع المسيحية في العالم سيتركونها، حسب نفس المصدر.

 ولا يخفَى أن الإسلامَ يتعرَّضُ بين الفَينَة والأخرى لتشويهٍ مَقيتٍ، وتزييفٍ ظالمٍ، وإلصاقِ تُهمة العنف والإرهاب به وبأتباعه، عبر صُورٍ كرتونية، ولقطاتٍ إعلامية؛ لتخويفِ الناس من الدين الإسلامي، وأنه منبَعُ الرِّيبة والرجعيَّةِ والتخلُّفِ والسلبيَّة، وكلُّ ذلك لا يُغيِّرُ من حقيقةِ الإسلام، ولا يَفُتُّ في عضُدِ أبنائه، ولا يُطفِئُ نورَه الوضَّاء، وجمالَه المُشرِق، قال الله تعالى(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف: 8]، وقال تعالى: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة: 32].

 زعمُوا زُورًا وبهتانًا أن الإسلامَ انتشرَ بالسيف، والإسلامُ لم يُكرِه أحدًا على تغييرِ عقيدته؛ بل إنَّ التاريخَ يُسجِّلُ ويشهَدُ بمِدادِ الحقِّ والإنصافِ أن الإسلامَ انتشَرَ بالبُرهانِ الساطِع، والدليل الناصِع، والسماحَة والعدلِ، قالَ اللهُ تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة: 256]، وقال تعالى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس: 99].

وهذه الاحصائيات البسيطة التي ذكرناها خير مثال على انتشار الاسلام ، والارقام لها دلالات واضحة لا تخطئ وخاصة ان كانت من مراكز ابحاث اعداء هذا الدين