( عام جديد )
وانتهى عام ، إنها قنطرة عبرناها لتستقر أقدامنا على قنطرة أخرى، فخطوة نودع بها، وأخرى نستقبل بها، ونقف بين قنطرتين مودعين ومستقبلين، مودعين موسماً كاملاً أودعنا فيه ماشاء الله أن نودع، فخزائن بعضنا ملأى بما هو له، وخزائن بعضنا ملأى بما هو عليه، فلا إله إلا الله، يخلق ما يشاء ويختار، وما ربك بظلام للعبيد .
أيها المسلمون:
وهذا السير الحثيث يباعد عن الدنيا ويقرب إلى الآخرة، يباعد من دار العمل ويقرب من دار الجزاء. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولاتكونوا من أبناء الدنيا. فإن اليوم عمل و لاحساب، وغداً حساب ولا عمل ) أخرجه البخاري
نسير إلى الآجال في كل لحظة.. وأعمارنا تطوى وهنَّ مراحل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى ..فعمرك أيـام وهن قلائــل
معاشر المسلمين: هذا العام، فها هو يطوي بساطه، ويقوض خيامه، ويشد رحاله ((وكل الناس يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها)) ،عام كامل، تصرمت أيامه وتفرقت أوصاله، وقد حوى بين جنبيه حِكماً وعبراً، وأحداثاً وعظات، فلا إله إلا الله، كم شقي فيه من أناس، ولا إله إلا الله كم سعد فيه من آخرين؟ لا إله إلا الله كم من طفل قد تيتم، وكم من امرأة قد ترملت، وكم من متأهل قد تأيم؟ لا إله إلا الله كم من مريض قوم قد تعافى، وسليم قوم في التراب قد توارى، لا إله إلا الله كم من أهل بيت يشيعون ميتهم، وآخرون يزفون عروسهم، لا إله إلا الله دار تفرح بمولود، وأخرى تعزى بمفقود، لا إله إلا الله عناق وعبرات من شوق اللقاء، وعبرات تهلّ من لوعة الفراق، لا إله إلا الله آلام تنقلب أفراحاً، وأفراح تنقلب أتراحاً، أيام تمر على أصحابها كالأعوام، وأعوام تمر على أصحابها كالأيام.
أيها المسلمون: لقد انتهى عام ، بماذا انتهى؟ حضر فلان وغاب فلان، مرض فلان، ودفن فلان، وهكذا دواليك، تغيَّر أحوال، وتبدل أشخاص، فسبحان الله ما أحكم تدبيره، يعز من يشاء ويذل من يشاء، يعطي من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله، وربك يخلق ما يشاء ويختار، أمور تترى، تزيد العاقل عظة وعبرة، وتنبه الجاهل من سبات الغفلة، ومن لم يعتبر بما يجري حوله، فقد غبن نفسه.
معاشر المسلمين: تختلف رغبات الناس ويتغاير شعورهم عند انسلاخ العام، فمنهم من يفرح، ومنهم من يحزن، ومنهم من يكون بين ذلك سبيلاً. فالسجين يفرح بانسلاخ عامه؛ لأن ذلك مما يقرّب موعد خروجه وفرجه، فهو يعد الليالي والأيام على أحر من الجمر، وقبلها تمر عليه الشهور والأعوام دون أن يشعر بها فكأنه يحاكي قول القائل:
أعد الليالي ليلة بعد ليلة …وقد عشت دهراً لا أعد اللياليا
وآخر يفرح بانقضاء العام، ليقبض أجرة مساكن وممتلكات أجّرها حتى يستثمر ريعها وأرباحها. وآخر يفرح بانقضاء عامه من أجل ترقية وظيفية: إلى غير ذلك من المقاصد التي تفتقر إلى المقصد الأسمى وهو المقصد الأخروي، فالفرح بقطع الأيام والأعوام دون اعتبار وحساب لما كان فيها ويكون بعدها هو من البيع المغبون.
إنا لنفرح بالأيام نقطعهــــا ...وكل يوم مضـى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً ...فإنما الربح والخسران في العمـل
فالعاقل من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده.
ومن أعظم الحكم في تعاقب السنين وتغيّر الأحوال والأشخاص أن ذلك دليل على كمال عظمة الله تعالى وقيوميته. فهو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء ( كل من عليها فإن ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. )
عباد الله: إن تعاقب الشهور والأعوام على العبد، قد يكون نعمة له أو نقمة عليه، فطول العمر ليس نعمة بحد ذاته، فإذا طال عمر العبد ولم يعمره بالخير فإنما هو يستكثر من حجج الله تعالى عليه، أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله عليه السلام: ((خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله ))
معاشر المسلمين: إن هذا العام الذي ولى مدبراً قد ذهب ظرفه وبقي مظروفه بما أودع فيه العباد من الأعمال، وسيرى كل عامل عمله ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً. )
أيها المسلمون:
- إن من أعظم دروس الهجرة وأجل عبراتها (صناعة الأمل) نعم. إن الهجرة تعلم المؤمنين فن صناعة الأمل. الأمل في موعود الله. الأمل في نصر الله. الأمل في مستقبل مشرق للا إله إلا الله. الأمل في الفرج بعد الشدة، والعزة بعد الذلة، والنصر بعد الهزيمة.
لقد صنع ستة نفر من يثرب أمل النصر والتمكين عندما بايعوا النبي عليه الصلاة والسلام البيعة الاولى . وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع الأمل مرة أخرى حين عزمت قريش على قتله.
قال ابن إسحاق: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى نام فيثبون عليه.
وعلى أن كل حساب مادي يقطع بهلاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهو في الدار والقوم محيطون بها إحاطة السوار بالمعصم. مع ذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمل، وأوكل أمره إلى ربه وخرج يتلو قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَـاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ [يس:9]. خرج الأسير المحصور يذر التراب على الرؤوس المستكبرة التي أرادت قتله! وكان هذا التراب المذرور رمز الفشل والخيبة اللذين لزما المشركين فيما استقبلوا من أمرهم. فانظر كيف انبلج فجر الأمل من قلب ظلمة سوداء.
ويمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه يحث الخطى حتى انتهى وصاحبه إلى جبل ثور، وهو جبل شامخ وعر الطريق صعب المرتقى، فحفيت قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرتقيه فحمله أبو بكر وبلغ به غار ثور ومكثا هناك ثلاثة أيام.
ومرة أخرى يصنع الأمل في قلب المحنة، وتتغشى القلوب سكينة من الله وهي في أتون القلق والتوجس والخوف .. يصل المطاردون إلى باب الغار، ويسمع الرجلان وقع أقدامهم، ويهمس أبو بكر: يا رسول الله لو أن بعضهم طأطأ بصره لرآنا! فيقول صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا بكر. ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟)).
وكان ما كان، ورجع المشركون بعد أن لم يكن بينهم وبين مطلوبهم إلا خطوات! فانظر مرة أخرى كيف تنقشع عتمة الليل عن صباح جميل. وكيف تتغشى عناية الله عباده المؤمنين ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءامَنُواْ [الحج:38].
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمانُ
ويسير الصاحبان في طريق طويل موحش غير مأهول لا خفارة لهما من بشر، ولا سلاح عندهما يقيهما:
لا دروع سابغات لا قنـا مشرعـات لا سيوف منتضاه
قوة الإيمان تغنـي ربها عن غرار السيف أو سن القناة
ومن الإيمان أمن وارف ومن التقوى حصـون للتقـاة
يسير الصاحبان حتى إذا كانا في طريق الساحل لحق بهما سراقة بن مالك طامعاً في جائزة قريش مؤملاً أن ينال منهما ما عجزت عنه قريش كلها، فطفق يشتد حتى دنا منهما وسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرة ثالثة، وهذا الفارس على وشك أن يقبض عليهما ليقودهما أسيرين إلى قريش تذيقهما النكال، مرة ثالثة يصنع الأمل، ولا يلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سراقة ولا يبالي به وكأن شيئاً لم يكن يقول له أبو بكر: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا، فيقول له مقالته الأولى: ( لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].
لقد اصطنع الأمل في الله ونصره فنصره الله وساخت قدما فرس سراقة، فلما استوت قائمة إذ بينه وبينهما غبار ساطع في السماء كالدخان، فأدرك سراقة أنهم ممنوعون منه. ومرة ثالثة جاء النصر للرسول صلى الله عليه وسلم من حيث لا يحتسب. وعاد سراقة يقول لكل من قابله في طريقه ذاك: ارجع فقد كفيتكم ماههنا، فكان أول النهار جاهداً عليهما وآخره حارساً لهما !
ويبلغ أهل المدينة خبر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، الرجل الذي قدم لهم الحياة وصنع لهم الأمل. الرجل الذي أنقذهم من أن يكونوا حطباً لجهنم. يبلغهم الخبر فيخرجون كل غداة لاستقباله حتى تردهم الظهيرة. كيف لا وقد اقتربت اللحظة التي كانوا يحصون لها الأيام ويعدون الساعات؟ قال الزبير: فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظاره فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود أطماً من آطامهم لينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا صاحبكم الذي تنتظرون.
فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظاهر الحرة. تلقوه بقلوب تفيض سعادة وفرحاً … وتأمل مظاهر الفرحة الغامرة:
ـ قال أنس: (شهدت يوم دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فلم أر يوماً أحسن منه ولا أضوأ منه) [الحاكم].
ـ قال أبو بكر: (ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة وخرج الناس حتى دخلنا في الطريق وصاح النساء والخدام والغلمان: جاء رسول الله، الله أكبر، جاء محمد، جاء رسول الله) [الحاكم].
ـ وصدق من قال:
أقبل فتلـك ديـار يثرب تقبل …يكفيك من أشواقها ما تحمل
القوم مـذ فارقت مكـة أعين… تأبى الكرى وجوانح تتململ
يتطلعون إلى الفجاج وقولهـم… أفما يطالعنا النبي المرسـل
رفت نضارتها وطاب أريجها… وتدفقت أنفاسـها تتسلسـل
وهكذا أيها الإخوة الكرام تعلمنا الهجرة في كل فصل من فصولها كيف نصنع الأمل، ونترقب ولادة النور من رحم الظلمة، وخروج الخير من قلب الشر، وانبثاق الفرج من كبد الأزمات .
عباد الله: ما أحوجنا ونحن في هذا الزمن، زمن الهزائم والانكسارات والجراحات إلى تعلم فن صناعة الأمل.
فمن يدري؟ ربما كانت هذه المصائب باباً إلى خير مجهول، ورب محنة في طيها منحة، أوليس قد قال الله: ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ؟ )[البقرة:216].
لقد ضاقت مكة برسول الله ومكرت به فجعل نصره وتمكينه في المدينة.
وأوجفت قبائل العرب على أبي بكر مرتدة، وظن الظانون أن الإسلام زائل لامحالة، فإذا به يمتد من بعد ليعم أرجاء الأرض.
وهاجت الفتن في الأمة بعد عثمان حتى قيل لاقرار لها ثم عادت المياه إلى مجراها.
وأطبق التتار على أمة الإسلام حتى أبادوا حاضرتها بغداد سرة الدنيا وقتلوا في بغداد وحدها مليوني مسلم وقيل: ذهبت ريح الإسلام فكسر الله أعداءه في عين جالوت وعاد للأمة مجدها.
وتمالأ الصليبيون وجيشوا جيوشهم وخاضت خيولهم في دماء المسلمين إلى ركبها حتى إذا استيأس ضعيف الإيمان نهد صلاح الدين فرجحت الكفة الطائشة وطاشت الراجحة، وابتسم بيت المقدس من جديد.
وقويت شوكة الرافضة حتى سيطر البويهيون على بغداد والفاطميون على مصر وكتبت مسبة الصحابة على المحاريب ثم انقشعت الغمة واستطلق وجه السنة ضاحكاً.
وهكذا يعقب الفرج الشدة، ويتبع الهزيمة النصر، ويؤذن الفجر على أذيال ليل مهزوم … فلم اليأس والقنوط؟
إن اليأس والقنوط ليسا من خلق المسلم، قال سبحانه: (وَلاَ تَايْـئَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَايْـئَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ ) [يوسف:87].
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (أكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله).
فيا أيها الغيورون على أمة الإسلام .. يا من احترقت قلوبهم لآلامها، نعمّا هذا الألم وما أصدقه على إيمانكم وحبكم لدينكم، ولكن لا يبلغن بكم اليأس مبلغه، فإن الذي أهلك فرعون وعاداً وثمود وأصحاب الأيكة والذي رد التتار ودحر الصليبين قادر على أن يمزق شمل النصارى ويبدد غطرسة الصهيونية ويحطم أصنام الوثنية المعاصرة وسيبتسم الاقصى من جديد ، ويعود لبغداد رونق اهل السنة ومنصورها .
- الخطبة الثانية :
- بالأمس القريب ودعنـا عاما كاملا من أعوام العمر، فما أسرع ما مضى وانقضى ، وما أعظم ما حوى ، فكم من حبيب فيه فارقنا ، وكم من اختبار وبلاء فيه واجهنا، خيراً كان أو شراً.
وكم من سيئات فيه اجترحنا ، وكم من عزيز أمسى فيه ذليلاً، وكم من غني أضحى فيه فقيراً وكم من حوادث عظام مرت بنا ولكن أين المعتبرون المبصرون ، وأين الناظرون إلى قول النبي : ) نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ )) ومعنى هذا الحديث أن هاتين نعمتان عظيمتان، ولكن قلة من الناس من يدرك ذلك ويعيه فيخسر لعدم إدراكه ووعيه ، إن كثيرا من الأصحاء لا يستفيدون من زمان صحتهم فيتقربون إلى ربهم ومولاهم سبحانه وتعالى، وإن كثيرا من الفارغين كذلك لا يشغلون أنفسهم بما يرضيه سبحانه وتعالى .
وقد قال الحبيب ( اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ))
وقال : (( بادروا بالأعمال سبعاً )) أي أسرعوا إلى فعل الخيرات والقربات قبل أن تأتيكم سبع، يقول المصطفى : (( بادروا بالأعمال سبعاً هل تنظرون إلا إلى فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرما مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أوالساعة، فالساعة أدهى وأمر ))
إن الذي يقضي الساعات لاهيا ولاعباً ويسهر الليالي غافلاً مفرطاً فإن أهل الجنة ما يتحسرون على شيء كتحسرهم على ساعة مرت بهم في الدنيا لم يذكروا الله فيها – جعلني الله وإياكم من أهلها – يقول أحد الصالحين : "إنما أنت أيام، فكلما ذهب يوم ذهب بعضك" ويقول: إنك تفرحين كل يوم بزيادة مالك ولا تحزنين على نقصان عمرك، وما نفع مال يزيد وعمر ينقص، ويلك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك، فكم من مستقبل يومه لا يستكمله ، وكم من مؤمل في الخير لا يبلغه "
فلنأخذ أنفسنا بالجد وأعيذكم بالله ونفسي من حال الظالمين الذين لا ينتفعون بأعمارهم وأوقاتهم يحكي القرآن قصتهم وحالهم فيقول: ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ) .
اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا، وغدنا خيراً من حاضرنا ،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
اعلموا رحمني الله وإياكم أن الليل والنهار مطيتان يباعدانك من الدنيا ويقربانك من الآخرة، فطوبى لعبد انتفع بعمره. ( يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ( تتجدد الأعوام فنقول: إن أمامنا عاماً جديداً نراه طويلاً لكن سرعان ما ينقضي.
قال عبد الله بن عمر: أخذ رسول الله بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))،فلا يركن المؤمن إلى الدنيا ولا يطمئن إليها، فهو على جناح سفر يهيئ نفسه للرحيل.
أيها الأحبة: إن مضي الليل والنهار يباعدان من الدنيا ويقربان من الآخرة، فطوبى لعبد انتفع بعمره فاستقبل عامه الجديد بمحاسبة نفسه على ما مضى وتاب إلى الله عز وجل، وعزم على ألا يضيع ساعات عمره إلا في خير، لأنه يذكر دائماً قول نبيه ) خيركم من طال عمره وحسن عمله))، وهو يلهج دائما بدعاء النبي ) اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر))
- وسأل أحد السلف رجلاً عن عمره فقال : ستون
- فقال : ستون عاماً وانت تمضي الى الله ، يوشك ان تصل
- فعمّ الحزن على وجه الرجل ، وسأله : ما الحل يا امام ؟
- قال : هين ، تُحسن فيما بقى يغفر لك ما قد مضى
انه لابد للمؤمن أن يحاسب نفسه ويجـلــس معها هذه الجلسة المطوّلة وبعد ذلك ينتقل إلى الثمرة والنتيجة ألا وهي العمل على تكفير تـلـك الغفلة، فيتدارك نفسه بالتوبة النصوح وبالاستغفار والحسنات الماحيةِ والمذهبة للسيئات. قال ـ سبحانه ـ: ( إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ )