إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 30 مايو 2019

زكاة الفطر ( درس)

زكاة الفطر
تعريفها : 
زكاة الفطر هي صدقة تجب بالفطر في رمضان ، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنها سبب وجوبها . 
حكمتها ومشروعيتها :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ . " رواه أبو داود 1371 قال النووي : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ . 
قوله : ( طهرة ) : أي تطهيرا لنفس من صام رمضان ، وقوله  ( والرفث ) قال ابن الأثير : الرفث هنا هو الفحش من كلام ، قوله ( وطعمة ) : بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل . قوله :  ( من أداها قبل الصلاة ) : أي قبل صلاة العيد ، قوله ( فهي زكاة مقبولة ) : المراد بالزكاة صدقة الفطر ، قوله ( صدقة من الصدقات ) : يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات . عون المعبود شرح أبي داود 
وقيل هي المقصودة بقوله تعالى في سورة الأعْلَى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } ; رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ قَالا : " أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلاةِ " أي صلاة العيد . أحكام القرآن للجصاص ج3 : سورة الأعلى 
حكمها :
الصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضٌ ; لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ : { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ } . وَلإجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ . المغني ج2 باب صدقة الفطر 
وقت وجوبها :
فَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَهُوَ وَقْتُ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ، فَإِنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ . فَمَنْ تَزَوَّجَ ، أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، فَعَلَيْهِ الْفِطْرَةُ . وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغُرُوبِ ، لَمْ تَلْزَمْهُ .. وَمِنْ مَاتَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ ، فَعَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ  المغني ج2 : فصل وقت وجوب زكاة الفطر . 
على من تجب 
- زكاة الفطر تجب على المسلمين : عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . البخاري 1407 
-  تجب على المستطيع ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُيَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ . الأم ج2 باب زكاة الفطر 

شروط وجوب صدقة الفطر 
-  يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن ينفق عليهم من الزوجات والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم ، لأنهم المخاطبون بها أصلاً . 
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ . صحيح البخاري 1407 
يخرج الإنسان عن نفسه وزوجته - وإن كان لها مال - وأولاده الفقراء ووالديه الفقيرين ، والبنت التي لم يدخل بها زوجها . فإن كان ولده غنياً لم يجب عليه أن يخرج عنه ، 
ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا إن يتطوع بها فلا بأس . 
وَإِنْ مَاتَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ قَبْلَ أَدَائِهَا ، أُخْرِجَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ .. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَمُونُهُ ، بَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ ، لَمْ تَسْقُطْ . المغني ج2. 
والخادم إذا كان له أجرة مقدرة كل يوم أو كل شهر لا يُخرج عنه الصدقة لأنه أجير والأجير لا يُنفق عليه .  الموسوعة 23/339 
- وفِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ الْيَتِيمِ : قَالَ مَالِكٌ رحمه الله : يُؤَدِّي الْوَصِيُّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الْيَتَامَى الَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا . المدونة ج1 . 
مقدار الزكاة :
مقدارها صاع من طعام بصاع النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم 
لحديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ .. " رواه البخاري 1412 
والوزن يختلف باختلاف ما يملأ به الصاع ، فعند إخراج الوزن لابد من التأكد أنه يعادل ملئ الصاع من النوع المخرَج منه ... وهو مثل 3 كيلو من الرز تقريباً   
الأصناف التي تؤدى منها :
الجنس الذي تُخرج منه هو طعام الآدميين ، من تمر أو بر أو رز أو غيرها من طعام بني آدم . 
ففي الصحيحين من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ  ( وكان الشعير يومذاك من طعامهم ) البخاري 1408 
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُوَالتَّمْرُ  . رواه البخاري 1414 . 
فتخرج من غالب قوت البلد الذي يستعمله الناس وينتفعون به سواء كان قمحا أو رزاً أو تمراً أو عدسا ... 
وأما إخراجها مالا فلا يجوز على الصحيح من اقوال العلماء
وقت الإخراج :
- تؤدى قبل صلاة العيد كما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم " أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ . البخاري 1407 
ووقت الدفع له وقت استحباب ووقت جواز . 
فأما وقت الاستحباب فهو صباح يوم العيد للحديث السابق ، ولهذا يسن تأخير صلاة العيد يوم الفطر ليتسع الوقت لمن عليه إخراجها ، ويفطر قبل الخروج . 
كما يسن تعجيل صلاة العيد يوم الأضحى ليذهب الناس لذبح أضاحيهم ويأكلوا منها . 
أما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو يومين . ففي صحيح البخاري عن نافع قال : كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير حتى أنه كان يعطي عن بنيّ وكان يعطيها الذين يقبلونها وكان يُعطون قبل الفطر بيوم أو بيومين . 
لمن تعطى :
تصرف زكاة الفطر إلى الأصناف الثمانية التي تصرف فيها زكاة المال وهذا هو قول الجمهور . 
إخراجها وتفريقها :
-  الأفضل أن يتولى الإنسان قسْمها بنفسه : ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) : وَأَخْتَارُ قَسْمَ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنَفْسِي عَلَى طَرْحِهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ . 
- ويجوز أن يوكّل ثقة بإيصالها إلى مستحقيها وأما إن كان غير ثقة فلا ، 
ويجوز للفقير إذا أخذ الفطرة من شخص وزادت عن حاجته أن يدفعها هو عن نفسه أو أحد ممن يعولهم إذا علم أنها تامة مجزئة 
مكان الإخراج :
قال ابن قدامة رحمه الله : فَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُهَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ ، سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ

ختام رمضان

( في ختام شهر رمضان )

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ رَمَضَانَ إِلَّا أياماً معدودة , فَسُبْحَانَ اللهِ مَا أَسْرَعَ مُرُورَه وَمَا أَعْجَلَ تَصَرُّمَه !
أَخِي الْمُسْلِمُ : انْتَهَى رَمَضَانُ وَسَوْفَ يَرْحَلُ بِمَا أَوْدَعْتَهُ مِنْ عَمَلٍ ! سَوْفَ يَرْحَلُ وَيَنْتَهِي إِمَّا شَاهِدٌ لَكَ أَوْ شَاهِدٌ عَلَيْكَ ، وَسَوْف َتَجِدُ أَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهِ وَمَا عَمِلْتَ بِهَا مِنْ أَعْمَالٍ ، مَحْفُوظَةً فِي كِتَابٍ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا 
فَاجْتَهِدْ يَا عَبْدَ اللهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ ، وَاغْتَنِمْ هَذِهِ اللَّحَظَاتِ ، وَتِلْكَ السَّاعَاتِ الْقَلِيلَةَ ،التِي سْوَفَ تَمُرُّ وَتَنْتَهِي وَلَنْ تَعُودَ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ : اعْلَمُوا رَحِمَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ ، أَنَّهُ يُشْرَعُ لَنَا فِيخِتَامِ شَهْرِنَا ثَلاثَةُ أُمُورٍ : هِيَ (زَكَاةُ الْفِطْرِ , وَالتَّكْبِيرُ , وَصَلَاةُ الْعِيدِ
فَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ : فَهِيَ الصَّدَقَةُ التِي يُخْرِجُهَا الْمُسْلِمُونَ بِمُنَاسَبَةِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَان .
وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ , صَغِيرَاً كَانَ أَمْ كَبِيرَاً , ذَكَرَاً كَانَ أَمْ أُنْثَى , عَبْدَاً كَانَ أَمْ حُرَّاً . فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ , صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ , وَالذَّكَرِ وَالأنْثَى , وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَتَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ , فَيُشْرَعُ إِخْرَاجُهَا حِينَئِذٍ , وَالأَفْضَلُ أَنْ تُخْرَجَ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعِيدِ , وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ . وَلا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إِلَى مَا بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ
وَأَمَّا الْحِكْمَةُ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ : فَهِيَ التَّعَبُّدُ للهِ , وَالاتِّبَاعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَطُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ , وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَدٌّ لِجَوْعَتِهِمْ , فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ , طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ .رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا مِقْدَارُهَا ! وَمِنْ أَيِّ الأَشْيَاءِ تُخْرَجْ ؟ فَاسْتَمِعُوا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , حَيْثُ قَالَ : كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ .مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ 
وَعَلَى هَذَا فَتُخْرَجُ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ الذِي يَأْكُلُونَهُ عَادَةً , وَالْغَالِبُ عِنْدَنَا أَنَّ النَّاسَ يَأْكُلُونَ الأُرُزَّ أَوِ الْبُرَّ . فَيُخْرَجُ صَاعٌ مِنَ الأُرُزِّ أَوِ الْبُرِّ او التمر عَنْ كُلِّ شَخْصٍ . وَمِقْدَارُهُ بِالْوَزْنِ مِنَ الْبُرِّ الْجَيِّدِ : كِيلُوَّانِ وَأَرْبَعُونَ غرَامَاً , وَأَمَّا الأُرُزُّ فَهُوَ كِيلُوَّانِ وَنِصْفٌ تَقْرِيبَاً .
وَلا يُجْزِئُ إِخْراجُهَا فُلُوسَاً وَلا ثِيَابَاً وَلا سِوىَ ذَلِكَ , لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا السَّابِق
وَالأَصْلُ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ فِي الْبَلَدِ الذِي أَدْرَكَهُ الْعِيدُ فِيهِ , سَوَاءً أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الأَصْلِيِّيْنَ أَوْ مِنَ الْمُقِيمِينَ , لَكِنْ لَوْ أَخْرَجَهَا فِي بَلَدِهِ الأَصْلِيِّ جَازَ , لَكِنْ هَذَا خَلافُ الأَفْضَلِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْفَقِيرُ أَكْثَرَ مِنْ فِطْرَةٍ , وَيَجُوزُ تَقْسِيمُ الْفِطْرَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ فَقِيرٍ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : أَدُّوا زَكَاتَكُمْ طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ , تَتَعَبَّدُونَ بِهَا لِرَبِّكُمْ , وَتَتَّبِعُونَ نَبِيَّكُمْ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتُطَهِّرُونَ بِهَا أَنْفُسَكُمْ مِمَّا قَدْ لَحِقَ صِيَامَكُمْ مِنَ الْخَلَلِ .

ثَانِيَاً : مِمَّا يُشْرَعَ لَنَا فِي آخِرِ هَذَا الشَّهْرِ : التَّكْبِيرُ !
قَالَ اللهُ تَعَالَىوَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) وَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّكْبِيرِ : التَّعْظِيمُ للهِ وَالتَّمْجِيدُ لَهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ وَيَسَّرَ مِنْ إِكْمَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ . وَهَذَا التَّكْبِيرُ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ مُقَيَّدَاً بِالصَّلَوَاتِ !
فَـأَظْهِرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ هَذِهِ الشَّعِيرَةَ الْعَظِيمَةَ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ وَالأَسْوَاقِ . وَارْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ قَائِلِينَ : اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , اللهُ أَكْبَرُ , وَاللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد .
وُيُشْرَعُ التَّكْبِيرُ حَتَّى لِلنِّسَاءِ , وَيَمْتَدُّ وَقْتُهُ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إِلَى صَلاةِ الْعِيدِ , وَلا يُشْرَعُ بَعْدَهَا !
فَإِنَّ ثَالِثَ مَا يُشْرَعُ لَنَا فِي نِهَايَةِ الشَّهْرِ : صَلاةُ العِيدِ !
وَهِيَ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ , يَخْرُجُ الْمُسْلِمُونَ أَجْمَعُونَ إِلَى مُصَلَّى الْعِيدِ , مُكَبِّرِينَ مُهَلِّلِينَ تَعَبُّدَاً للهِ وَاتِّبَاعَاً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَحُكْمُ صَلاةِ الْعِيدِ : وَاجِبَةٌ وُجُوبَاً عَيْنِيَّاً عَلَى الرِّجَالِ , وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ , فَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ , وَالْحُيِّضَ فِي الْعِيدَيْنِ , يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ , وَيَعْتَزِلُ الْحُيِّضُ اَلْمُصَلَّى .مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ ابْنُ بَازٍ وَابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُمَا اللهُ بِوُجُوبِهَا عَلَى الرِّجَالِ , وَعَلَى هَذَا فَلْيَحْذَرْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ صَلاةِ الْعِيدِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ !
لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ النِّسَاءُ , بَلْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ بَلْ وَالْحُيِّضُ مَأْمُورَاتٍ بِالْخُرُوجِ ! فَكَيْفَ بِالرِّجَالِ الأَشِدِّاءِ ؟ فَلا يَحِلُّ لَهُمُ التَّخَلُّفُ عَنْهَا إِلَّا لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ .
وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ غَيْرَ مُتَطَيِّبَةٍ وَلَا مُتَزَيِّنَةٍ , وَعَلَى وَلِيِّ أَمْرِهَا مَسْؤُولِيِّةٌ فِي ذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنْ سُنَنِ الْعِيدِ أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ خُرُوجِهِ تَمْرَاتٍ وَلْيَكُنَّ أَفْرَاداً , بِمَعْنَى : يَأْكُلُ ثَلاثَاً أَوْ خَمْسَاً أَوْ سَبْعَاً , لِأَنَّ هَكَذَا جَاءَتِ السُّنَّةُ عَنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ . وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ : وَيَأْكُلُهُنَّ أَفْرَادًا .
وَمِنْ سُنَنِ الْعِيدِ : أَنْ يَلْبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابَهُ , وَأَنْ يَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ , وَأَنْ يُخَالِفَ الطَّرِيقَ : فَيَذْهَبَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ مِنْ آخَرَ . 
وَمِنَ السُّنَّةِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ : الاغْتِسَالُ, لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ عَنِ الصَّحَابِيِّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلَ إِذَا خَرَجَ لِلْعِيد .
الخطبة الثانية :
أيها المؤمنون ، نعم الله على عباده تترا، وفضله على عباده لا يحصى، ومن كرم الله وفضله ومنته أن يوفق عبده للإقبال عليه في أيام فاضلةٍ ميزها بمضاعفة الحسنات، وكثرة مغفرة السيئات، ورفعة الدرجات، والفوز بالجنات.. فما أعظم الفضل وما أوفر المنن، من ربنا الكريم الأكرم .. 
إلا أن كثيرا من الناس مع تعدد المشاغل، وكثرة الصوارف؛ تمضي عليه الأيام والليالي ولا يشعر بها، حتى تنقضي الأعمار، وتفوت مواسم الرحمة، ولمَّا تنته أعماله، ولا قضيت كل حاجاته.. فيضيع على نفسه شرف الزمان، و يخسر فضل رمضان.. أعاذنا الله وإياكم من حسرة التفريط والخسران .
تأملوا في شهركم كيف مضت ايامه لكأنها والله في غمضة عين وانتباهتها.. فيا ضيعة الأعمار تمضي هكذا ..!
ولذا كان لابد مع قرب عشر الأواخر من الانتهاء.. من وقفات محاسبة صادقة ، لعل قلبًا ينتبه من غفلته، وجسدًا يفيق من رقدته، فيتدارك ما مضى، ويدرك ما بقي .
فأما الوقفة الأولى: فمع الصيام، والشهر شهر الصيام .. سل نفسك يا عبدالله .. هل صمت حقًا وصدقًا على الوجه الذي أراده منك الله ..؟
هل نشدت تقوى الله في صيامك .. وتمثلت قول الله تعالى في آية الصيام {لعلكم تتقون}.
أفــقد صام سمعك وبصرك وقلبك عن الحرام، أم تلطخت بشيء من الآثام !
أم هل قدّمتَ بين يدي صيامك أعمالًا وحسنات، وباقيات صالحات .. تشفع بها صيامك، وتدنيك من رحمة الرحيم الرحمن، { إن رحمت الله قريب من المحسنين} .
ثم إياك أن يزين الشيطان لك بعض عملك فتقول: عملت وقرأت وتصدقت..! فمهما عملت ففي الناس من يعمل خيرًا من عملك، ولكن سل الله الرضى والقبول، فإن الشأن كل الشأن في أن يقبل الله منك، و{ إنما يتقبل الله من المتقين} .

الوقفة الثانية: مع الوقت .. تأمل يا عبدالله في هذه الأيام كيف تمضي سراعًا، وتذهب تباعًا .. والغفلة هي الغفلة .! ارجع إلى نفسك فحاسبها .. كم قد ضيعت من الأوقات المباركات.. فخسرت من الحسنات المضاعفات ..؟ إنه شهر لا يُضِيع لحظاتِه، ولا يغفل عن بركاتِه إلا محروم
صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: "آمين آمين آمين" قيل: يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت: "آمين آمين آمين؟ فقال: "إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين. أخرجه ابن حبان.

ألا صدقًا مع النفس يا عبدالله.. كم سرق الجوال وبرامج التواصل والمحادثة من شريف وقتك، وأذهب من صفاء روحك وقلبك ! أما زلت لهفًا بالتغريد والقيل والقال.. والناس حولك ما بين تالٍ لكتاب الله، وقائم به ! أما صبر عنها ..! فإنما هي أيام وليال قليلة .. قللها رب العزة في كتابه ليستحثك على اغتنامها فقال: {لعلكم تتقون .. أيامًا معدودات}.. 
من فاته الزرع في وقت البدار فما ** تراه يحصد إلا الهم والندمـــــــــــــا
طوبى لمن كانت التقوى بضاعتَه ** في شهره، وبحبل الله معتصِــــــــــما

الوقفة الثالثة: مع القلب والروح. فكم نحتاج إلى الالتفات لقلوبنا، نجدد ما خلِقَ فيها من إيماننا، وفي الحديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ".

تأمل.. كم زادت أيام رمضان ولياليه في إيمانك، وكم أقصى من عصيانك ..! ما أثرُ آيات كتاب الله في روحك وقلبك .. وأنت تتلوها وتسمعها مرتلة في نهارك وليلك .. أم كم هي الدمعات التي ترقرقت من عينيك، خشيةً لله تعالى.. وخوفًا من عقابه.. ورجاءً في فضله وثوابه.. {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون .. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون .. أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} .

وإنك إن لم تجد لذة للعبادة، ولا أثرًا لها في إيمانك وقلبك وجوارحك.. فاتهم إخلاصك وصدقك، واعلم أنها عبادة مدخولة، لأن الله شكور، يشكر من أقبل عليه صادقًا فيورثه لذة في قلبه، وأثرًا في جوارحه، و{لا يضيع أجر من أحسن عملا} .

ألا وإن من أعظم ما يعينك على صفاء قلبك وروحك الخلوة بالله تعالى، والاعتكاف في مساجد الله .. فإنها أنيس الصالحين، وسلوة العابدين، وسنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين، وقال:"من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد أريت هذه الليلة يعني ليلة القدر- ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر" متفق عليه.

وكم في هذا الانقطاع عن الدنيا في ليال معدوداتٍ من إصلاح للقلوب، وتزكية للنفوس، ورياضة لها على طاعة الله -عزَّ وجلَّ-، والاجتهاد فيما يرضيه، والأُنس به دون خلقه ؟! وهو مظنة إدراك ليلة القدر وخيرها وفضلها، فإنها ليلة المنة العظمى .. {ليلة القدر خير من ألف شهر}، و" من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" والموفق من وفقه الله تعالى .
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ..
3

الجمعة، 24 مايو 2019

فضل العشر الأخيرة من رمضان

فضل العشر الاخيرة من رمضان ) 
أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ومراقبته في السر والعلانية، والغيب والشهادة، ثم اعلموا - رحمكم الله - أن الله تعالى هو المتفرد بالخلق والاختيار؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص: 68].
 والمراد بالاختيار هنا: هو الاصطفاء والاجتباء، فالله جلّ وعلا لكمال حِكْمته وقُدرته، ولتمام علمه وإحاطته - يختار من خلقه ما يشاء، ما يشاء من الأوقات والأمكنة والأشخاص، فيخصهم سبحانه وتعالى بمزيد فضله وجزيل عنايته، ووافر إنعامه وإكرامه، وهذا - بلا ريب - من أعظم آيات ربوبيته، وأكبر شواهد وحدانيته، وصفات كماله، وهو من أبين الأدلة على كمال قدرته وحِكْمته، وأنه جلّ وعلا يخلق ما يشاء ويختار، وأن أزمّة الأمور بيده، فلله الأمر من قبل ومن بعد، يقضي في خلقه بما يشاء، ويحكم فيهم بما يريد؛ ﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الجاثية: 36 - 37].
 عباد الله: وإن مما خصَّ الله عزّ وجل من الأوقات بمزيد تفضيله، ووافر تكريمه شهر رمضان المبارك؛ حيث فضله - سبحانه وتعالى - على سائر الشهور، والعشر الأواخر من لياليه؛ حيث فضَّلها على سائر الليالي، وليلة القدر؛ حيث جعلها لمزيد فضلها عنده وعظيم مكانتها لديه خيرًا من ألف شهر، وفخَّم أمرها وأعلى شأنها، ورفع مكانتها عندما أنزل فيها وحيه المبين وكلامه الكريم، وتنزيله الحكيم هدًى للمتقين، وفُرْقانًا للمؤمنين، وضياءً ونورًا ورحمة؛ ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الدخان: 3 - 8]، 
 فما أعظمها من ليلة، وما أجلها وما أكرمها، وما أوفر بركتها، ليلة واحدة خير من ألف شهر، وألف شهر - عباد الله - تزيد على ثلاثة وثمانين عامًا، فهي عمر طويل لو قضاه المسلم كله في طاعة الله - عزّ وجل - فليلة القدر وهي ليلة واحدة خير منه، وهذا فضل عظيم وإنعام كريم
 عباد الله: وفي هذه الليلة الكريمة المباركة يكثر تنزل الملائكة؛ لكثرة بركتها وعِظم خيرها، فالملائكة يتنزَّلون مع تنزل البركة والخير والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، وفي حِلَق الذكر، 
وهي سلام حتى مطلع الفجر؛ يعني: أنها خير كلّها، ليس فيها شر إلى مطلع الفجر، وفي هذه الليلة الكريمة المباركة ﴿ يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]؛ أي: يقدر فيها ما يكون في تلك السنة بإذن الله العزيز الحكيم، والمراد بالتقدير؛ أي: التقدير السنوي، وأما التقدير العام في اللوح المحفوظ، فهو متقدم على خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما صحت بذلك الأحاديث، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل ليلة القدر أنه قال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)).
 عباد الله: وليلة القدر هي قَطْعًا في شهر رمضان المبارك؛ لقول الله تعالى:﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وهي أرجى ما تكون فيه في العشر الأواخر منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان)).
 وطلبها - عباد الله - في أوتار الشهر آكد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث يبقين أو سبع يبقين أو تسع يبقين))، وأرجى ليلة من تلك الليالي هي ليلة سبع وعشرين؛ لقول كثير من الصحابة: إنها ليلة سبع وعشرين؛ منهم: ابن عباس، وأُبَيّ بن كعب، وغيرهما.
أن الله تعالى يغفر لمن قامها إيماناً واحتساباً ما تقدم من ذنبه ، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه . وقوله : ( إيماناً واحتساباً ) أي تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه وطلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه . فتح الباري 4/251 .
 عباد الله: والحكمة من إخفائها وعدم تعيينها في النصوص أن يجتهد المسلمون في جميع العشر بطاعة الله جلّ وعلا بالتهجُّد وقراءة القرآن والإحسان، وليتبين بذلك النشيط والمجد في طلب الخيرات من الخامل الكسلان، ولأن الناس لو علموا عينها، لاقتصر أكثرهم على قيامها دون سواها، ولو علموا عينها ما حصل كمال الامتحان.
إن الواجب علينا أن نحرص تمام الحرص على طلب هذه الليلة المباركة؛ لنفوز بثوابها ولنغنم من خيرها، ولنحصل من أجورها، فإن المحروم عباد الله مَن حُرِم الثواب، ومن تمرُّ عليه مواسم المغفرة، ويبقى محمَّلاً بذنوبه؛ بسبب غفلته وإعراضه وعدم مبالاته.
 طوبى لمن نال فيها سبق الفائزين، وسلك فيها بالقيام والعمل الصالح سبيل الصالحين، وويل لمن طرد في هذه الليلة عن الأبواب، وأغلق فيها دونه الحجاب، وانصرفت عنه هذه الليلة وهو مشغول بالمعاصي والآثام، مخدوع بالآمال والأحلام، مضيع لخير الليالي وأفضل الأيام، فيا عظم حسرته ويا شدة ندامته.
 من لم يربح في هذه الليلة الكريمة ففي أي وقت يربح، ومن لم ينب إلى الله في هذا الوقت الشريف، فمتى ينيب، ومن لم يزل متقاعدًا فيها عن الخيرات، ففي أي وقت يعمل.
اجتهدوا - رحمكم الله - في طلب تلك الليلة الشريفة المباركة، وتحروا خيرها وبركتها بالمحافظة على الصلوات المفروضة، وكثرة القيام وأداء الزكاة، وبذل الصدقات وحفظ الصيام، وكثرة الطاعات واجتناب المعاصي والسيئات، والندم والتوبة من الذنوب والخطايا، والإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن، ويستحب للمسلم أن يكثر فيها من الدعاء؛ لأن الدعاء فيها مستجاب، وليتخير من الدّعاء أجمعه؛ روى الترمذي، وابن ماجه بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها، قال: ((قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عنِّي))، فإن هذا الدعاء عظيم المعنى عميق الدلالة، وهو مناسب لهذه الليلة غاية المناسبة، فهي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، ويقدر فيها أعمال العباد لسنة كاملة حتى ليلة القدر الأخرى، فمن أعطي في تلك الليلة العافية، وعفا عنه ربُّه، فقد أفلح غاية الفلاح، ومن أعطي العافية في الدنيا وأعطيها في الآخرة فقد أفلح، والعافية لا يعدلها شيء؛ 
روى الترمذي في سننه عن العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، علمني شيئًا أسأله الله - عزّ وجل - قال: ((سل الله العافية))، فمكثت أياما، ثم جئت، فقلت: يا رسول الله، علمني شيئًا أسأله الله، فقال لي: ((يا عبَّاس، يا عمّ رسول الله، سل الله العافية في الدنيا والآخرة))، 
فأكثروا عباد الله من سؤال الله العفو والعافية، ولا سيَّما في هذه الليالي الشريفة الفاضلة، واعلموا أن الله تبارك وتعالى عفو غفور؛ ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]، فلم يزل سبحانه وتعالى ولا يزال بالعفو معروفًا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفًا، وكل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه.
 اللهم اشملنا بعفوك وأدخلنا في رحمتك، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو العافية في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنَّا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنَّا.
 الخطبة الثانية : عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله - عزّ وجل - والاجتهاد في طاعته والسعي في التقرُّب إليه بما يحب من صالح الأعمال، ولا سيَّما - عباد الله - ونحن نعيش هذه الأيام الفاضلة والليالي الكريمة، نعيش أوقات شريفة، نعيش العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
 عباد الله: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه العشر بالاجتهاد في العمل أكثر من غيرها، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها، وفي الصحيحين عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر، شد مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله.
وقولها : " وأيقظ أهله " أي : أيقظ أزواجه للقيام ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في سائر السنة ، ولكن كان يوقظهم لقيام بعض الليل ، ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال : " سبحان الله ماذا أُنزل الليلة من الفتن ! ماذا أُنزل من الخزائن ! من يوقظ صواحب الحجرات ؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " البخاري (1074) وفيه كذلك أنه كان عليه السلام يوقظ عائشة رضي الله عنها إذا أراد أن يوتر البخاري (952) .  لكن إيقاظه صلى الله عليه وسلم لأهله في العشر الأواخر من رمضان كان أبرز منه في سائر السنة .
وفعله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على اهتمامه بطاعة ربه ، ومبادرته الأوقات ، واغتنامه الأزمنة الفاضلة .
وهذا شامل بالاجتهاد فيها بكل طاعة وكل عبادة تقرِّب إلى الله جلّ وعلا بقراءة القرآن الكريم، والإكثار من ذكر الله تعالى والصلاة والاعتكاف والصدقة، وبذل الخير وصلة الأرحام، والإحسان إلى عباد الله، وغير ذلك من الأعمال الصالحات، والطاعات المقربة إلى الله جلّ وعلا وقد كان صلوات الله وسلامه عليه يتفرَّغ في هذه العشر لتلك الأعمال، فينبغي علينا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، كما ينبغي - عباد الله - العناية بإيقاظ الأهل والأولاد، العناية بإيقاظ الأهل والأولاد وحثهم وتشجيعهم؛ ليشاركوا المسلمين في إظهار هذه الشعيرة، ويشتركوا معهم في الأجر، ويتربوا على طاعة الله وعبادة الله.
 عباد الله: وقد غفل بعض الناس عن هذه الليالي ، لا يحترمون هذه الليالي ولا يعرفون حرمتها ومكانتها عند الله، ولا تكون لها مكانة في نفوسهم، وهذا - عباد الله - من الحِرْمان الواضح والخسران المبين، أن تأتي هذه الليالي المباركة، وتنتهي وبعض الناس في غفلة معرضون، لا يهتمون لها ولا يستفيدون منها، يسهرون الليل كله أو معظمه في مالا فائدة فيه ، ويعطلون هذه الليالي عمّا خصصت له، وبعضهم ربما شغل هذه الليالي الشريفة الفاضلة المباركة بارتكاب الخطايا والآثام، والوقوع في المعاصي والذنوب، بل رُبَّما في الوقوع في الكبائر والإجرام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومن العبادات المشروعة في هذه العشر : الاعتكاف ، والاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله تعالى ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف هذه العشر كما جاء في حديث أبى سعيد أنه اعتكف العشر الأول ثم الوسط ، ثم أخبرهم انه كان يلتمس ليلة القدر ، وانه أريها في العشر الأواخر ، وقال : ( من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ) وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ، ثم اعتكف أزواجه من بعده متفق عليه 
وهاهي أيام العشر تحل لتكون الفرصة الأخيرة لمن فرط في أول الشهر، أو لتكون التاج الخاتم لمن أصلح ووفى فيما مضى، إخوة الإيمان العشر الأخيرة من شهر رمضان سوق عظيم يتنافس فيه العاكفون، وموسم يضيق فيه المفرطون، وامتحان تبتلى فيها الهمم، ويتميز أهل الآخرة من أهل الدنيا.. طالما تحدث الخطباء، وأطنب الوعاظ، وأفاض الناصحون بذكر فضائل هذه الليالي.. ويستجيب لهذا النداء الحاني، والموعظة المشفقة قلوب خالط الإيمان بشاشتها، وآذان أصغت للمنادي واستقر في روعهما انه لا يريد إلا الخير ليس إلا.. فسلكت هذه الفئة المستجيبة طريق المؤمنين، وانضمت إلى قافلة الركع الساجدين، واختلطت دموع أصحابها بدعائهم في جنح الظلام، وربك يسمع ويجيب، ويجزي العاملين المخلصين، وما ربك بظلام للعبيد.