( عالم الملائكة )
أما بعد:
لقد أمر الله -تعالى- بالإيمان به، وقرن مع الإيمان به، الإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
هذه هي أركان الإيمان الستة التي لا يتم إيمان عبد حتى يؤمن بها كلها.
ومن أركان الإيمان التي قلَّ استشعار كثير من المسلمين له: الإيمان بملائكة الله الكرام البررة.
الإيمان بملائكة الله الذين هم عباد مكرمون: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
الإيمان بملائكة الله الذين: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 20].
الإيمان بملائكة الله الذين عظم الله خلقهم وقدرهم، وهم محيطون بنا في هذا المسجد، يستمعون الذكر، ويحصون على كل عبد الخير والشر؛ فلا يؤمن عبد حتى يستقر في قلبه الإيمان بوجودهم، لا كمن يقولون: إنهم قوى الخير الكامنة في الإنسان، وأن الشياطين قوى الشر الكامنة في النفس البشرية، منكرين بذلك وجودهم وحقيقتهم: (وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) [النور: 47].
أيها الإخوة في الله: للإيمان بالملائكة متضمنات أربعة، هي في مجموعها ركائز ذلك الإيمان:
أولاً: الإيمان بوجودهم، ثم بأسمائهم جملة وتفصيلاً، ثم بأوصافهم، ثم بأعمالهم الموكلة إليهم.
أما وجودهم فلا يجادل في ذلك إلا ملحد مكابر، لتوافر النصوص قال سبحانه (وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) [النساء: 136].
ولنعلم: أن ملائكة الله -عليهم صلوات الله وسلامه- خلق لا يحصون كثرة وعدداً، ها هو صلى الله عليه وسلم يسأل جبريل في حادثة الإسراء والمعراج عن البيت المعمور، عن كعبة السماء، ، فقال جبريل لنبينا -صلى الله عليه وسلم- لما سأله عليه الصلاة والسلام: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا البيت المعمور يصلي فيه.
وفي رواية: يطوف حوله كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم، كل يوم سبعون ألف ملك.
فلا إله إلا الله، كم عدد ملائكة الرحمن؟ (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر: 31].
في صحيح مسلم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى يوم القيامة بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ملك يجرونها!".
أتدرون كم عدد هؤلاء الملائكة الذين يجرون جهنم؟ أربعة آلاف وتسعمائة مليون ملك.
أيها المؤمنون: قال صلى الله عليه وسلم: "أطت السماء وحق لها أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر". وفي رواية: "ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد لله -عز وجل-".
أما عن الإيمان بأسمائهم؛ فمنهم من قص الله علينا، ومنهم من لم يقصص، فمن صح وثبت من أسمائهم: جبريل -عليه أفضل الصلاة والسلام-، وهو أفضل وأعظم وأجل ملائكة الله على الإطلاق.
جبريل الموكل بالوحي، ينزل به من عند الله على من يشاء من عباده وأنبيائه: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) [الشعراء: 193 - 194].
وقد يقوم جبريل بغير ذلك من الأعمال، بغير الوحي، تنفيذاً لأمر من أوامر الله.
وهو أجل الملائكة عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين.
ومن الملائكة العظام: ميكائيل -عليه السلام-، وهو الملك الموكل بإنزال القطر من السماء، وإخراج النبات من الأرض.
ملك عمله ووظيفته: إنزال القطر من السماء، وإنبات الأرض.
وله أعوان من الملائكة يصرفون الريح والسحاب كما يشاء الرب -جل جلاله-.
ومن الملائكة المشهورة أسماؤهم: إسرافيل -عليه الصلاة والسلام-، وهو الملك الموكل بالنفخ في الصور، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا استيقظ من نومه لقيام الليل، قال:"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلي صراط مستقيم.
ومن الملائكة: مالك -عليه السلام-، خازن جهنم: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) [الزخرف: 77].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لما ناداه أهل النار، مكث ألف سنة، ثم قال لهم: (إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) فما أشد البكاء، وما أطول النحيب.
مالك لم يضحك قط منذ أن خلق الله النار، رأه النبي -صلى الله عليه وسلم- على صورة كريهة المرآة، وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها، فقال جبريل وميكائيل لنبينا -صلى الله عليه وسلم- لما سألهما عنه، قالا "إنه مالك خازن جهنم" -أجارنا الله وإياكم-.
ومنهم: منكر ونكير، وهما اللذان يسألان العبد في قبره ويجلسانه.
أما غير هؤلاء ممن سبق ذكرهم من الملائكة بأسمائهم؛ فلم يثبت فيهم إلا آثار متفرقة لا يعتمد عليها؛ كتسمية: ملك الموت بعزرائيل، فهذا لم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهاروت وماروت.
أما رقيب وعتيد؛ فالصحيح أنه وصف للملكين اللذين يسجلان على العبد أعماله: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].
الخطبة الثانية:
فأوصاف الملائكة شي عظيم، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، خلقوا من نور: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم".
وقد أعظم الله خلق الملائكة؛ فهذا جبريل -عليه الصلاة والسلام- قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم "رأيت جبريل في صورته" أي على هيئته الحقيقية؛ لأنه يتشكل رأيته في صورته الحقيقية "له ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل" أي الأشياء المختلفة الألوان من الدرر واليواقيت.
وأخبر المصطفى: أنه رأى جبريل منهبطاً من السماء، ساد عظم خلقه ما بين السماء والأرض.
لك أن تعلم -عبد الله- أنه عليه الصلاة والسلام أخبر أن جبريل أدخل طرف جناح من أجنحته تحت قرى قوم لوط، خمس قرى فرفعها من تخوم الأرض، من قعورها وجذورها، حتى أدناها من السماء بمن فيها، حتى سمع أهل السماء نهيق حميرهم، وصياح ديكتهم ...بطرف جناح من أجنحته عليه الصلاة والسلام.
فكم هي قوة جبريل؟ وكم هي عظم خلقه ووصفه؟
بل أحد حملة العرش، قال عنه صلى الله عليه وسلم: "أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش، رجلاه في الأرض السفلى، وعلى قرنه العرش، وبين شحمة أذنه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة سنة، يقول الملك: سبحانك حيث كنت".
لا إله إلا الله الخالق القادر المقتدر.وعظم المخلوق يدل على عظمة الخالق -سبحانه وتعالى-.
الحياء من ملائكة الرحمن وهي مع الانسان ترقبه وتسجل أعماله وتحصيها بإذن مولاها .. كم يستحي العبد من العبد مثله ولا يستحي من ملائكة ربه ...