خطبة عن فيروس الكارونا )
الخطبة الاولى : لاشيء يطمئن القلب في الملمات والفواجع افضل من التعلق بالله عزوجل واللجوء اليه ..
قال تعالى( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[الحديد: 22].
وفي قوله سبحانه ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن: 11].
يهدي قلبه للسكينة والرضا دون الفزع والسخط. قال عكرمة ( وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) أي يسكن ويطمئن قلبه لقضاء الله وحكمه".
فالأمور كلها بيد الله، وطوع تدبيره وتسخيره، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا عاصم إلا الله( قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً)[الأحزاب: 17].
يقول سبحانه( قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)[الزمر: 38].
وقال أيضا سبحانه( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر: 2].
وكما علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: في سنن الترمذي، قال: "كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما، فقال: "يَا غُلَامُ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ".
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-: قال صلى الله عليه وسلم " كتب الله -تعالى- مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة".
وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك".
هذه النصوص تعنى بضبط القلب، حين الخوف والفزع، وتجعله يلجأ إلى خالقه، ويطمئن إلى قضاءه.
معاشر الإخوة: "كورونا" كلمة لاتينية تعني التاج (Crown) سمي الفيروس بهذا الاسم؛ لأن هذا الفيروس، يأخذ شكل التاج.
هكذا يظهر في المجهر الالكتروني، وهو فيروس أحدث ضجة كبيرة في البلاد، وجلت منه القلوب، وطارت بأخباره الركبان، وتناقلها الناس في المجالس، في وسائل التواصل الاجتماعي.
أثيرت حوله الشائعات، حتى أحدثت تلك الشائعات في نفوس كثير من الناس الوساوس، حتى شكا الأطباء من كثرة المراجعين للعيادات لأتفه الأسباب؛ خوفا من فيروس "كورونا". وتبين أن الكثير من أفراد الأمة يعانون من هاجس الهلع،
ولن تنزل السكينة على القلب، حتى يدع المبالغات، ويذكر الله الخالق البارئ
فنحن -أيها الإخوة-: عندما نتعامل مع أي أزمة صحية وبائية، أو أزمة مالية، ينبغي أن يكون تعاملنا معها إيمانيا في المقام الأول، وتقنيا في المقام الثاني.
أما الأول، فينبغي -كما تقدم- الثقة بقضاء الله، والتوكل عليه، والاعتصام به، والتزام الاستغفار، والدعاء بالحفظ، وزوال السوء.
وينبغي أن يفوض المسلم أمره إلى ربه، راضيا طامعا معتمدا متوكلا، لا يرجو العافيةوالشفاء والسلامه إلا من ربه -تبارك وتعالى-، فلا تزيده الأحداث، ولا يزيده حلول المصائب إلا التجاءً واعتصاما بالله –سبحانه( وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[آل عمران: 101].
ومن مكملات الدعاء واللجوء إلى الله، حين الظروف الصعبة: التزام طاعته في أوامره ونواهيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس -رضي الله عنهما- في الحديث الأنف "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ..".
الحفظ مقابل الحفظ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن: 60].
المحافظة، وحفظ الله له في دنياه وآخرته، فإن قضى الله -تعالى- لأمر ما؛ فأصيب بمصيبة، أو نزلت به ضرة، فلن تكون إلا رفعة له عند ربه.
ولهذا يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-؛ كما في صحيح مسلم من حديث صهيب -رضي الله عنه "عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ؛ فكانتْ خَيرًا لهُ".
فالمؤمن في سرائه وضرائه، وفي شدته ورخائه، من خير إلى خير، ميزة عظيمة خص بهاالمؤمن دون غيره: "وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ"
نسأل الله من فضله، وأن يحفظنا من كل سوء وشر.
الخطبة الثانية :
أيها الإخوة: المقام الثاني من مقامات التعامل مع هذا الحدث وأمثاله: بذل الأسباب الموصى بها من قبل المتخصصين، والتي تعين على الوقاية من المرض. إن شريعة الإسلام جاءت ببذل الأسباب، والدعوة إلى التداوي.
والتداوي والاستشفاء لا يتنافى مع التوكل على الله -تعالى-، بل إن بذل الأسباب من التوكل؛ لأن الله أمرنا باتخاذ الأسباب، وكل ما أمرنا الله به؛ امتثالا لأمره؛ توكلا عليه.
قال تعالى لمريم( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)[مريم: 25].
وقال لنوح( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)[هود: 37]. وقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ)[التوبة: 105]. وأمثالها من الآيات كثير.
وفي المسند والسنن من حديث أبي خزامة قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: "هي من قدر الله".
هذه هي أسباب، غير أن القلب مأمور بالارتباط بالله، لا بالسبب، فالله -تعالى- خالق كل سبب، الأسباب والمسببات، فوجب أن يكون التوكل عليه وحده؛ محل انعقاد القلب.
ومن قرأ في نصوص الشرع تعرف على هذه الأصول؛ ففي مجال الطب الوقائي في صحيح البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: "من اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر".
وفي سنن الترمذي من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم"ما من عبد يقول صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضره شيء".
وفي صحيح البخاري من حديث عقبة بن عمرو بن ثعلبة -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم "مَنْ قرأَ الآيتيْنِ من آخِرِ سُورةِ البقرَةِ في ليلةٍ كَفَتَاهُ". كفتاه من كل آفة وسوء وشر.
وجاء في سنن الترمذي من حديث عبد الله بن خبيب -رضي الله عنه- قال: خرجنا في ليلةٍ مطيرةٍ، وظٌلْمةٍ شديدةٍ، نطلبُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- يصلي لنا فأدركته، فقال"قل" فلم أقل شيئا، فقال "قل" فلم أقل شيئا، قال "قل" قلت: ما أقول؟ قال: "قلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، والمعوذتينِ، حين تُمسي ويُصبِحُ ثلاثَ مراتٍ، تكفيك من كلِّ شيء".
وجاء عنه عليه السلام في مسند الإمام أحمد وغيره من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أنه كان لا يدعو هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي".
هذه الدعوة تحصين تام، وحفظ كامل للعبد -بإذن الله تعالى- لكن من يعتني؟ من يحافظ؟ من يعلم أولاده؟ من يعلم زوجته؟
إنها روعة أذكار المساء والصباح، التي يغفل عنها الملايين من المسلمين.
قد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء".
وفي صحيح مسلم من حديث جابر –رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: "لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ -بإذن الله عز وجل-".
وفي المسند من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- عنه صلى الله عليه وسلم "إن الله –عز وجل- لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله".
أسأل الله -تعالى- أن يصرف عنها، وعن المسلمين الأدواء والأحزان.
فكل مصاب يهون في مقابل مصاب الدين، الذي هو أعظم مصائب الدنيا والآخرة، وهو نهاية الخسران الذي لا ربح بعده ولا معه.