إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 27 فبراير 2020

فايروس الكارونا

 خطبة عن فيروس الكارونا ) 
الخطبة الاولى : لاشيء يطمئن القلب في الملمات والفواجع افضل من التعلق بالله عزوجل واللجوء اليه .. 
قال تعالىمَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[الحديد: 22].
 وفي قوله سبحانه ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن: 11].
 يهدي قلبه للسكينة والرضا دون الفزع والسخطقال عكرمة ( وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) أي يسكن ويطمئن قلبه لقضاء الله وحكمه".
 فالأمور كلها بيد الله، وطوع تدبيره وتسخيره، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا عاصم إلا اللهقُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً)[الأحزاب: 17].
 يقول سبحانهقُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)[الزمر: 38].
 وقال أيضا سبحانهمَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر: 2].
 وكما علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: في سنن الترمذي، قال: "كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلميوما، فقال: "يَا غُلَامُ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ".
 وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-:  قال صلى الله عليه وسلم " كتب الله -تعالى- مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة".
وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-:  عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك".
 هذه النصوص تعنى بضبط القلب، حين الخوف والفزع، وتجعله يلجأ إلى خالقه، ويطمئن إلى قضاءه.
 معاشر الإخوة: "كورونا" كلمة لاتينية تعني التاج (Crown) سمي الفيروس بهذا الاسم؛ لأن هذا الفيروس، يأخذ شكل التاج.
 هكذا يظهر في المجهر الالكتروني، وهو فيروس أحدث ضجة كبيرة في البلاد، وجلت منه القلوب، وطارت بأخباره الركبان، وتناقلها الناس في المجالس، في وسائل التواصل الاجتماعي.
أثيرت حوله الشائعات، حتى أحدثت تلك الشائعات في نفوس كثير من الناس الوساوس، حتى شكا الأطباء من كثرة المراجعين للعيادات لأتفه الأسباب؛ خوفا من فيروس "كورونا". وتبين أن الكثير من أفراد الأمة يعانون من هاجس الهلع،
 ولن تنزل السكينة على القلب، حتى يدع المبالغات، ويذكر الله الخالق البارئ
 فنحن -أيها الإخوة-: عندما نتعامل مع أي أزمة صحية وبائية، أو أزمة مالية، ينبغي أن يكون تعاملنا معها إيمانيا في المقام الأول، وتقنيا في المقام الثاني.
 أما الأول، فينبغي -كما تقدم- الثقة بقضاء الله، والتوكل عليه، والاعتصام به، والتزام الاستغفار، والدعاء بالحفظ، وزوال السوء.
 وينبغي أن يفوض المسلم أمره إلى ربه، راضيا طامعا معتمدا متوكلا، لا يرجو العافيةوالشفاء والسلامه إلا من ربه -تبارك وتعالى-، فلا تزيده الأحداث، ولا يزيده حلول المصائب إلا التجاءً واعتصاما بالله سبحانهوَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[آل عمران: 101].
 ومن مكملات الدعاء واللجوء إلى الله، حين الظروف الصعبة: التزام طاعته في أوامره ونواهيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس -رضي الله عنهما- في الحديث الأنف "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ..".
 الحفظ مقابل الحفظهَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن: 60].
 المحافظة، وحفظ الله له في دنياه وآخرته، فإن قضى الله -تعالى- لأمر ما؛ فأصيب بمصيبة، أو نزلت به ضرة، فلن تكون إلا رفعة له عند ربه.
 ولهذا يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-؛ كما في صحيح مسلم من حديث صهيب -رضي الله عنه "عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ؛ فكانتْ خَيرًا لهُ".
 فالمؤمن في سرائه وضرائه، وفي شدته ورخائه، من خير إلى خير، ميزة عظيمة خص بهاالمؤمن دون غيره: "وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ"
 نسأل الله من فضله، وأن يحفظنا من كل سوء وشر.
الخطبة الثانية : 
 أيها الإخوة: المقام الثاني من مقامات التعامل مع هذا الحدث وأمثالهبذل الأسباب الموصى بها من قبل المتخصصين، والتي تعين على الوقاية من المرض. إن شريعة الإسلام جاءت ببذل الأسباب، والدعوة إلى التداوي.
 والتداوي والاستشفاء لا يتنافى مع التوكل على الله -تعالى-، بل إن بذل الأسباب من التوكل؛ لأن الله أمرنا باتخاذ الأسباب، وكل ما أمرنا الله به؛ امتثالا لأمره؛ توكلا عليه.
 قال تعالى لمريموَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)[مريم: 25].
 وقال لنوحوَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)[هود: 37]. وقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ)[التوبة: 105]. وأمثالها من الآيات كثير.
 وفي المسند والسنن من حديث أبي خزامة قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: "هي من قدر الله".
 هذه هي أسباب، غير أن القلب مأمور بالارتباط بالله، لا بالسبب، فالله -تعالى- خالق كل سبب، الأسباب والمسببات، فوجب أن يكون التوكل عليه وحده؛ محل انعقاد القلب.
 ومن قرأ في نصوص الشرع تعرف على هذه الأصول؛ ففي مجال الطب الوقائي في صحيح البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: "من ‏اصطبح ‏بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر".
 وفي سنن الترمذي من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم"ما من عبد يقول صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضره شيء".
 وفي صحيح البخاري من حديث عقبة بن عمرو بن ثعلبة -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم "مَنْ قرأَ الآيتيْنِ من آخِرِ سُورةِ البقرَةِ في ليلةٍ كَفَتَاهُ". كفتاه من كل آفة وسوء وشر.
 وجاء في سنن الترمذي من حديث عبد الله بن خبيب -رضي الله عنه- قالخرجنا في ليلةٍ مطيرةٍ، وظٌلْمةٍ شديدةٍ، نطلبُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- يصلي لنا فأدركته، فقال"قلفلم أقل شيئا، فقال "قلفلم أقل شيئا، قال "قلقلت: ما أقول؟ قال: "قلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، والمعوذتينِ، حين تُمسي ويُصبِحُ ثلاثَ مراتٍ، تكفيك من كلِّ شيء".
 وجاء عنه عليه السلام في مسند الإمام أحمد وغيره من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أنه كان لا يدعو هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي".
 هذه الدعوة تحصين تام، وحفظ كامل للعبد -بإذن الله تعالى- لكن من يعتني؟ من يحافظ؟ من يعلم أولاده؟ من يعلم زوجته؟
 إنها روعة أذكار المساء والصباح، التي يغفل عنها الملايين من المسلمين.
 قد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء".
 وفي صحيح مسلم من حديث جابر –رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: "لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ -بإذن الله عز وجل-".
 وفي المسند من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- عنه صلى الله عليه وسلم "إن الله –عز وجل- لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله".
 أسأل الله -تعالى- أن يصرف عنها، وعن المسلمين الأدواء والأحزان.
   فكل مصاب يهون في مقابل مصاب الدين، الذي هو أعظم مصائب الدنيا والآخرة، وهو نهاية الخسران الذي لا ربح بعده ولا معه.

الخميس، 20 فبراير 2020

وقفات إرشاد باحكام الجراد

وقفات إرشاد بأحكام الجراد  
فحديثنا في هذه الخطبة عن شيءٍ انتشر في هذه الأيام، فاستبشر به كثير من الناس، واستاء منه بعض الناس، وقد خلقه الله نعمة ونقمة، فينعم على أناس فيكون أكلهم، ويعاقب آخرين فيأكل أكلهم، وسبحان الله!
مخلوقٌ بديعٌ من خلق الله، ذكره الله في الكتاب وذكره رسولنا صلى الله عليه وسلم في صحيح السنة؛ لنقف وقرائنا على عظيم خلق الله، ثم نقف على بديع أحكام شرع الله، ثم نقف وقفة عظةٍ وعبرةٍ في يومٍ نساق فيه إلى الله.
إن حديثنا عن جند من جنود الله، عن الجراد بديع خلقته ودقيق أحكامه
إذا رأيت جرادة، فتأمل ...الجراد مشتق من الجرد؛ لأنه إذا مر بمحلة جردها، وهو صنفان: صنف طيار وآخر وثاب، وكلها تجري بسرعة هائلة لا يعلمها الله، وإذا تأملت في خلقه، وجدت عظيم صنع الله، فقد ذكر أهل العلم أن في الجراد صنعة عشرة مخلوقات، فتأمل، مقدمتا نسر، وعين فيل، وعنق ثور، وقرنا إيل، وذنب حية، وساقاه ساقا نعامة، ورأسه رأس حصان، وبطنه بطن ثعبان، فسبحان الخالق الديان
للجراد أصناف كثيرة وأنواع متعددة فبعضه كبير الجثة، وبعضه صغيرها، وبعضه أحمر، وآخر أصفر، وبعضه أبيض، والجراد إذا خرج من بيضه يقال له الدبى، فإذا طلعت أجنحته وكبرت فهو الغوغاء، فإذا بدت فيه الألوان واصفرت الذكور، واسوَدَّت الإناث سمي جراداً حينئذ،
لذا اختلف أهل العلم: هل هو من صيد البر أو البحر؛ فذهب كثير من السلف إلى أنه بالسمك أشبه، وهو نثرة حوت، وفيه حديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب جمع من الفقهاء أنه من صيد البر؛ لذا يحرم على المحرم بالحج والعمرة صيده، وهو قول جماهير الفقهاء رحمهم الله
إذا رأيت جرادة، فتذكر• إذا أمسكت جرادة ووضعتها على كفك، ثم تأملت عينيها، فتذكر قوم يأجوج ومأجوج، قومٌ ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدريعند أحمد بسند صحيح، فقال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا صغار الأعين عراضالوجوه؛ كأن أعينهم حدق الجراد.."، ( السلسلة الصحيحة ، الالباني ) تذكر قومًا يخرجون آخر الزمان كأنهم الجراد، لا يمرون على أحد إلا قتلوه
• وإذا قلبت رجل جرادة فتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم في شر ماء على وجه الأرض، قال صلى الله عليه وسلم  : " خير مـاء على وجـه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقبة حضرموت؛ كرجل الجراد من الهوام، تصبح تتدفق، وتمسي لا بلال بها" ( حسن ، السلسلة الصحيحة ) ، 
• وإذا نظرت إلى دبى الجراد - وهو الجراد الصغير الذي لا يطير- فتذكر أحوال الناس آخر الزمان، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "يا عائشة؛ قومك أسرع أمتي بي لحاقًا"، قالت: فلما جلس، قلت: يا رسول الله، جعلني الله فداك، لقد دخلت وأنت تقول كلامًا ذعرني، قال: "وما هو ؟"، قالت: تقول إن قومي أسرع أمتك بك لحاقًا، قال:"نعم"، قالت: ومم ذاك ؟ قال: "تستحليهم المنايا، وتنفس عليهم أمتهم"، قالت: فقلت: فكيف الناس بعد ذلك أو عند ذلك؟ قال: "دبى؛ تأكل شداده ضعافه حتى تقوم الساعة"، ( السلسلة الصحيحة ، الالباني ) فاللهم سلم !! 
حكم طهارته: الجراد من الحشرات، والحشرات على قسمينالأول: له دم سائل له، والثاني: لا دم سائل له، وأما الذي له دم يسيل فينجس بموته، وتتنجس به المائعات القليلة، وأما الذي لا دم له سائل؛ كالجراد، فهو طاهر حيًا وميتًا، ولا يُنجس شيء
حكم صيده وبيعه: والجراد من صيد البر، وينبني على ذلك حكمان:
الأولمن صاده؛ فيحل له أن يأكله وأن يبيعه.
والثانيأنه يحرم على المحرم بالحج والعمرة أو من دخل حدود الحرم أن يصيده، قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: 95]، فليتنبه إخواننا الذين عزموا على العمرة هذه الأيام؛ فإنه يحرم على المحرم أن يصيد الجراد؛ فإن صاده وجب عليه جزاء الصيد، ولا يحل للمحرم ولا لغيره أن يصيد الجراد أو ينفره في الحرم؛ فمن مشى في طريقه فنفر الجراد دون تعمد ذلك فلا حرج عليه، وأما من تعمد تنفيره فهو آثم مخالف لنهي النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال عن الحرم: "لا ينفر صيده". 
وماذا عن حكم أكله:
أجمع أهل العلم على حل أكل الجراد، بل روى البخاري ومسلم عن ابن أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل معه الجراد، وعن ابن عمر قال: ذكر لعمر جراد بالربذة، فقال: لوددت أن عندنا منه قفعة أو قفعتين، وعند ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كن أمهات المؤمنين يتهادين الجراد.

بل جاءت الرخصة في أكبر من ذلك، في حل أكله ميتًا، فيجوز أكله ولو بدون تذكية؛ كما هو قول جماهير أهل العلم، وهو الصحيح لما روى أحمد وابن ماجه عن ابن عمر بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال"، ومن أحكام أكل الجراد:
• صرح أهل العلم بجواز قليه ميتاً دون إخراج ما في جوفه، ولا يتنجّس به الدّهن؛ لطهارته كما سبق.
• وكره جمع من أهل العلم أن يبتلعه حيًا؛ لما فيه من التعذيب. ونرى البعض يصور نفسه وهو يأكل الجراد حياً 
• وأما قليه أو شيه حيًا، فقد اختلف فيه أهل العلم:
فقال بعضهم: بالحرمة؛ لما فيه من تعذيب، ولا يعذب بالنار إلا رب النار، وقال بعضهم: بإباحته؛ لأنه تعذيب للحاجة؛ حيث يطول انتظار موت الجراد، واستدلوا بآثار عن بعض الصحابة في جواز ذلك، وقد سألت العلامة الشيخ علي بكير والمحدث الدكتور سعد الحميد والشيخ الفاضل أحمد المعلم فرخصوا في ذلك، وقالوا هو مستثنى من النهي، والله أعلم
لكن قبل أكل الجراد اسأل عن حاله مراكز الأبحاث الزراعية؛ فكثيرًا من الجراد القادم من الدول المجاورة يكون مرشوشًا بمواد سامة، أو حاملاً لفيروسات ضارة من بلاد موبوءة.
 الخطبة الثانية : 
الجراد عقوبة من الله:
كما أن الجراد نعمة فقد يكون نقمة، هو نعمة على من ليس لهم زروع فيأكلونه كأطيب ما يكون، ونقمة على أصحاب الزروع إذ يأكل زروعهم، 
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ( الجراد جند من جنود الله ضعيف الخلقة، عجيب التركيب، فيه خلق سبع حيوانات، فإذا رأيت عساكره قد أقبلت، أبصرت جندا لا مرد لهم، ولا يحصى منه عدد ولا عدة، فلو جمع الملك خيله، ورجاله ودوابه وسلاحه ليصده عن بلاده لما أمكنه ذلك، وهذا من حكمته سبحانه وتعالى أن يسلط الضعيفَ من خلقه الذي لا مؤنة له على القوي، فينتقم به منه، وينزل به ما كان يحذره منه، حتى لا يستطيع لذلك ردا ولا صرفا ).
• تأكل الجرادة يوميًا مثل وزنها، وقد يخف عليك الأمر إذا علمت أن وزنها لا يزيد على 3 جرامات، لكن تعجب إذا علمت أن 1 كم مربع يحوي 50 مليون جرادة تأكل يوميًا 100 طن من المائة الخضراء؛ أي ما يساوي 50 هكتار من القمح يوميًا؛ فكيف إذا جاءت أسراب الجراد بمساحة 300 كم مربع، اللهم سلم !!
وقد عاقب الله به أقوامًا، عاقب الله به قوم فرعون، قال تعالى﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 133]، أرسل الله عليهم طوفانًا جارفًا فهدم ديارهم، ثم أرسل الجراد فأكل نباتهم، ثم أرسل القمل فقضت على حيواناتهم، ثم أرسل الضفادع فملأت أنيتهم ومضاجعهم، ثم أرسل الدم فأفسد ماء شربهم؛ فأصبحت آبارهم وأنهارهم دمًا، آيات لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسماوت، مفصلات مفرقات؛ لعلهم يرجعون، فعتوا واستكبروا وظلموا، وكانوا قومًا مجرمين.
لذا جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقتلوا الجراد؛ فإنه من جند الله الأعظم"، رواه الطبراني وصححه الألباني، وصحح أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تقتلوا الجراد إلا للأكل أو لدفع ضرر"، فلا يحل قتل الجراد إلا لأمرين:
إما أن يقتل لأكله والانتفاع به، وإما أن يقتل لدفع ضرره عن الناس، فأما أن يقتل لغير جلب نفع أو دفع ضر، ولكن لمجرد العبث فهو محرم، والله أعلى وأعلم.
• وإذا رأيت أسراب الجراد أمامك تتطاير، لا وجهة لها، بعضها يتجه يمينًا والآخر شمالاً؛ يصطدم بعضها في بعض؛ فتذكر يوم يقوم الناس لرب العالمين، تذكر﴿ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ [القمر: 6- 7] تذكر يوم يقوم الناس من قبورهم يتخبطون كالجراد، لا يدرون إلى أين وجهتهم، والملائكة تسوقهم إلى الله، ﴿ الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ﴾ [القارعة: 1- 4].