إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

عيدا الميلاد ورأس السنة النصرانيْيَن أصلهما، وشعائرهما، وحكمهما

عيدا الميلاد ورأس السنة النصرانيين
أصلهما، وشعائرهما، وحكمهما
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروه على ما هداكم؛ فأكثر الناس قد ضلوا عن دينه، وحادوا عن شريعته، واستوجبوه سخطه ونقمته جل في علاه، وقليل من هداهم إلى ما يحبه ويرضاه من الدين، وكنتم من هذا القليل بفضل الله تعالى عليكم، وهدايته لكم (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) [البقرة:198] .
أيها الناس: تقع هذه الجمعة المباركة بين عيدين كبيرين من أعياد الأمة الضالة، التي ضلت عن دين المسيح عليه السلام، وجرى عليها ما جرى على الأمم التي حادت عن طريق الله تعالى ورسله عليهم السلام ضلالا وإضلالا، ووقع في دينها التحريف والتبديل والإحداث، والتقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه ولا يرضاه من الأقوال والأعمال والعبادات والشعائر.
كانت أيام عيد المسلمين الكبير: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق التي شرعها الله تعالى لهم، وارتضاها من دينهم، وهداهم إليها، وجعلها ظرفا للتقرب إليه بأمهات الأعمال الصالحة من الذكر والدعاء والصيام والحج والأضاحي والهدايا، فما أبعد ما بين أعيادنا أهل الإسلام، وما بين أعياد الأمم الضالة من أهل الكتاب وعباد الأوثان!! فنحمد الله الذي لا إله إلا هو إذ هدانا لذلك، ونسأله أن يثبتنا على ما يرضيه إلى أن نلقاه.
أيها الإخوة: إن الأمة النصرانية أمة دخلت عليهم الوثنية مبكرا؛ فاستقوا من اليونان والرومان كثيرا من شعائرهم الوثنية، وجعلوها من أصل دينهم، ونسبوا بعضها للمسيح عليه السلام أو لحوارييه وهم مما أحدثوا بُرءاء.
ومن أعظم شعائرهم الباطلة ما يحتفلون به كل عام من الأعياد المحدثة التي ليست من دين المسيح عليه السلام، والاحتفال بما يزعمونه عيد ميلاد المسيح عليه السلام المسمى(الكريسمس) وبعده يحتفلون بعيد رأس السنة الميلادية، ولهم في هذين العيدين الكبيرين عندهم جملة من الشعائر والأعمال المملوءة بالشرك والبدعة، والمشتملة على أنواع من الشبهات المضلة، والشهوات المحرمة، والاعتقادات الفاسدة.
وهذه الأعياد الشركية تصل احتفالاتها وشعائرها إلى بيوت المسلمين في كل مكان عبر البث الفضائي، وأضحى كثير من المذيعين ومقدمي البرامج في أكثر الفضائيات والإذاعات يفتتحون برامجهم هذه الأيام بتهنئة جمهورهم بهذه الأعياد المحرمة؛ مما يحتم الحديث عنها، والتحذير منها؛ لعموم البلوى بها، وكثرة الواقعين في إثمها، المغترين بزخرفها؛ نصحا للأمة، وحماية لجناب الشريعة الربانية، وإلا فإن الشعائر الباطلة لا يكاد يحيط بها أحد من كثرتها، وليس من مهمات المسلم معرفتها إلا ما يُخشى على المسلمين وقوعهم فيه تحذيرا وتنفيرا، وذلك من معرفة الشر لاتقائه؛ كما قال حُذَيْفَةَ بنُ الْيَمَانِ رضي الله عنهما: " كان الناس يَسْأَلُونَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عن الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِيمتفق عليه.
إن عيد الميلاد عند النصارى قد أحدثوه لما يزعمونه تجديدا لذكرى مولد المسيح عليه السلام، مع أنه لم يثبت لدى مؤرخي النصارى يوم مولده عليه السلام، والخلاف بينهم في عامه كبير جدا!! فكيف بشهره ويومه؟!
وهذا العيد من أقدم أعيادهم؛ ، ومن شعائرهم فيه أنهم يذهبون إلى الكنائس، يقيمون الصلاة، ويرتلون الترانيم، وينشدون الأناشيد، ويقرءون قصة المولد من إنجيلي مَتَّى ولوقا، ويتبادلون الهدايا والتهاني به، وخصوا الأطفال بهدايا البابا نويل، وهو راهب يزعمون أنه يعيش في القطب الشمالي، ويحضر ليلة هذا العيد ليضع لعبا للأطفال النصارى وهم نائمون. وبعض النصارى يحرق كتلة من جذع شجرة عيد ميلاد المسيح، ثم يحتفظون بالـجـــزء غير المحروق، ويعتقدون أن ذلك الحرق يجلب الحظ.
والذي عليه المحققون من مؤرخي النصارى أن عيد الميلاد عيد وثني أحدثه عباد الشمس لما يزعمونه مولدا للشمس التي لا تقهر، فلما تنصر الرومان في القرن الرابع الميلادي، نقله رهبان النصارى من كونه عيدا لمولد الشمس إلى عيدٍ لميلاد المسيح عليه السلام؛ مسايرة للرومان الوثنيين الذين اعتنقوا النصرانية المحرفة، وموافقة لهم في عيدهم؛ ولذا جعلوه في موعده.
وشجرة الميلاد التي هي من رموز عيدهم هذا مأخوذة من الوثنيين؛ إذ يعتقد الفراعنة والصينيون أن الشجرة رمز للحياة السرمدية، وأخذها عنهم الرومان الوثنيون، فلما اعتنقوا النصرانية اخترع الرهبان لها أصلا في دينهم على عادتهم في التحريف والتبديل، وتطويع الدين والشريعة لأهواء الناس ومتطلباتهم.
أما عيد رأس السنة الميلادية فهو يوافق عيدا يسمى عيد (البسترينة) وهي آلهة اتخذها اليونان والرومان الوثنيون رمزا للقوة، فلما اعتنق الرومان النصرانية أقرَّ الرهبان كثيرا من شعائرهم وأعيادهم، وأحدثوا لها أصولا دينية عندهم، فسموا هذا العيد الوثني (عيد الختانة) وزعموا أن المسيح عليه السلام خُتِنَ فيه.
وكثير من الباحثين من نصارى الغرب يقرون بالجذور الوثنية لشعائرهم وأعيادهم وتعبداتهم، وألف مجموعة من باحثيهم كتابا بعنوان(الأصول الوثنية للمسيحيةقالوا فيه: " دارس تاريخ الأديان الوثنية والمسيحية لا بد أن يلاحظ أن الأعياد المسيحية قد وُقتت بذكاء من قبل الكنيسة، وصار يُحتفل بها في أيام الأعياد الوثنية نفسها....لا بد من الملاحظة أن الشعوب الوثنية أحبطت جهود الكنيسة لانتزاع الطابع الوثني عن بعض الأديان، وجعلت ذلك مستحيلا مما أدى بالكنيسة نفسها إلى أن تتبنى التقاليد والشعائر الوثنية، وتخلع عليها ألقابا مسيحية"( والصور والتماثيل دليل ) .اهـ
وللاحتفال بهذين العيدين في هذا الزمن شأن عظيم عند الأمة النصرانية، وانتقل إلى الأمم الأخرى بسبب التقليد والمحاكاة، والتزيين الإعلامي لهما، ولا سيما عيد رأس السنة الميلادية التي تكاد مظاهر الاحتفال به تشمل الأرض كلها بسبب اعتماد التاريخ الميلادي تقويما لأكثر دول العالم، حتى إن المسلمين في أكثر دول أهل الإسلام يحفظون التاريخ الميلادي النصراني، ولا يحفظون التاريخ الهجري الإسلامي الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
وأضحى الاحتفال برأس السنة الميلادية يتصدر نشرات الأخبار، والصفحات الأولى من الصحف والمجلات، وتنقل بالبث المباشر في شتى بقاع العالم احتفالات لحظة انتهاء العام الميلادي من منتصف آخر ليلة منه، وما يصاحبها من أنواع المحرمات والموبقات.
ويُنفق على هذا العيد وشعاراته واحتفالاته من النفقات ما يكفي لإطعام ملايين الجائعين، وإيواء مئات الألوف من اللاجئين والمشردين، ومعالجة المرضى، وتعليم الأميين، وفي إحصاءٍ قبل ست سنوات للدولة النصرانية الأولى في العالم بلغت نفقات هذين العيدين فيها خمسين مليار دولار!! فكيف ببقية دول أوربة والعالم أجمع؟
وكلها نفقات غير مخلوفة، ولا أجر لأصحابها فيها؛ لأنها على أعيادٍ وثنية أدخلها الرهبان في دين النصارى، لا يحبها الله تعالى ولا يرضاها، ومن شارك من المسلمين فيها باحتفال أو حضور أو إهداء أو تهنئة، أو أظهر شيئا من الفرح بها فليعلم أن في ذلك إقرارا لشعائر لا يرضاها الله تعالى لعباده، ولا يحبها منهم، ولا تزيد أصحابها من الله تعالى إلا بعدا، وتستوجب سخط الله عز وجل ونقمته، والله تعالى قد شرع لنا من الأعياد والشعائر التي تقربنا إليه، ويرضى بها عنا ما يغنينا عن تقليد الأمم الضالة في أعيادها الوثنية المحدثة ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ) [الجاثية:20].

أسأل الله تعالى أن يثبتنا والمسلمين على الحق المبين، وأن يرزقنا التمسك بأهداب الدين الحنيف، وأن يجنبنا صراط المغضوب عليهم والضالين، إنه سميع مجيب.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما أمر، ونشكره على نعمه وآلائه فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281] .

أيها المسلمون: في هذا الزمن عمت البلوى بالأعياد الوثنية النصرانية، وصار الاحتفال بها ظاهرا معلنا، وتساهل كثير من المسلمين في حضورها والمشاركة فيها، والإعانة عليها، والتهادي بمناسبتها، والتهاني بها، وهذا من التساهل في شعائر الكفر الظاهرة، ولا يحل لمسلم أن يستهين بذلك.

وواجب على من يؤمن بالله تعالى ويعظم شريعته أن يجتنب حضورها أو المشاركة فيها، أو الإعانة عليها ببيع أدوات العيد وشعائره ورموزه، أو إعارتها أو إجارتها أو هبتها، أو التهادي بمناسبتها، أو قبول هداياها، أو تهنئة الغير بها، أو الرد على تهنئتهم بمثلها، بل الواجب رحمتهم إذ ضلوا عن الهدى، وتمني الهداية لهم، وحمد الله تعالى على نعمته.

وقد أجمع الصحابة والأئمة بعدهم على إنكار أعياد الكفار؛ فإن اليهود كانوا في المدينة وخيبر وما نقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم مشاركتهم في أعيادهم، أو حضورها، أو إعانتهم عليها، أو التهادي بمناسبتها، أو تهنئتهم بها.

ولما فتحت كثير من بلدان النصارى في مصر والشام وغيرها -وكان فيها نصارى بقوا على دينهم ودخلوا في ذمة المسلمين بالجزية- لم ينقل عن أحد من الصحابة وكبار التابعين المشاركة للنصارى في شيء من ذلك، بل إن عمر رضي الله عنه لما صالح نصارى الشام وكتب شروطه عليهم كان منها أن لا يُظهروا الاحتفال بأعيادهم أمام المسلمين، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على هذه الشروط، ولو ساغ مشاركتهم في شيء منها أو تهنئتهم بها لما منعهم من إظهارها.

وكل النصوص الواردة في النهي عن التشبه بالكفار تتناول النهي عن التشبه بهم في أعيادهم أو مشاركتهم فيها، نحو قول الله تعالىوَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16] وقول النبي عليه الصلاة والسلام "َمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ منهمرواه أبو داود.
وقد اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم من الفقهاء على ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم من وجوب اجتناب الكفار في أعيادهم.

وقد يعجب بعض الناس من هذا التشديد في أعياد الكفار، وليس ذلك بعجيب عند من يفهم شريعة الله تعالى، ويعلم أن حمايتها لا تكون إلا بمنع شعائر الآخرين من الدخول فيها وذلك بتحريم التشبه بالكفار، ومنع الابتداع في دين الله تعالى، فيبقى الدين على صفائه ونقائه، لا يدخل في شريعته ما ليس منها، ولا يخرج عنها ما هو منها، وهذا هو حفظ الدين الذي تكفل الله تعالى به قَدَرَا في قوله سبحانه إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9] وجعل من الأسباب الشرعية لذلك: المنع من التشبه والابتداع.

وقد عَلِمنا آنفا كيف أن الشعائر والأعياد الوثنية اليونانية والرومانية أُدخلت في دين النصارى، وابتدع الرهبان فيه ما ابتدعوا، فكان دينهم بعيدا عن شريعة عيسى عليه السلام بسبب التشبه والابتداع.

وأما المنع من تهنئتهم بأعيادهم فلأن أعيادهم من أعظم شعائرهم سواء كانت مبتدعة أم محرفة، والصحيح منها -إن كان موجودا- منسوخ بأعيادنا، فأعيادهم من دين الشيطان الذي لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه لعباده دينا ولا عيدا، والواجب على المسلم إنكار ذلك، وليس من الإنكار في شيء التهنئة بها؛ بل هي مشعرة بقبولها والرضا بها.

ولو أن وثنيا سجد لصنم، أو نصرانيا سجد لقسيس أو صليب فهنأه مسلم على سجوده لاستعظم الناس منه ذلك؛ لما في تهنئته من إقرار السجود لغير الله تعالى، ويرون أن الواجب الإنكار عليه ودعوته إلى التوحيد، فإذا كان كذلك فكيف يعجبون من تحريم تهنئة الكفار بأعيادهم، وأعيادهم من أظهر شعائرهم وأبينها؟!

وأين التهنئة بشعيرة فردية خاصة سجد صاحبها لغير الله تعالى من التهنئة بشعائر ظاهرة معلنة هي من صميم الوثنية التي أُدخلت على النصرانية المحرفة؟!

ولكن الناس يستعظمون السجود لغير الله تعالى لقلة مشاهدتهم له، ولا يستعظمون شعائر الكفر الظاهرة المعلنة التي منها الأعياد ومظاهرها وهي تبلغ الآفاق لإلفهم لها، وكثرة الواقعين منهم فيها، وقد قيل: كثرة الإمساس تقلل الإحساس.

والله تعالى قد أمرنا بتعظيم شعائره، وأخبر سبحانه أن ذلك من التقوى ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ) [الحج:32] وليس من تعظيم شعائر الله تعالى الاستهانة بشعائر الكفر التي من أظهرها وأعظمها الأعياد، فمن عَظَّم شعائر الله تعالى قام في قلبه إنكار شعائر الكفر الظاهرة والباطنة، فلا يداهن ولا يجامل أحدا فيها، ولو كثر الزائغون، وارتفعت أصوات المطبلين لها، المحتفين بها؛ فإن أهل الضلال أكثر من أهل الحق، وأصحاب النار أكثر من أصحاب الجنة وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام:116].

فاحذروا -عباد الله- مشاركة الأمة الضالة في أعيادها وشعائرها، أو إعانتهم عليها، أو التهادي بمناسبتها، أو تهنئة أحد بها؛ لأن في ذلك رضا بشعائر الكفر ومناسكه، والمؤمن لا يرضى أن يُكفر بالله تعالى شيئا، بل ينكر ذلك ويأباه، ويحذر الناس منه، ويدعوهم إلى الحق الذي هداه الله تعالى إليه، وهذا من الاعتزاز بالإسلام والفخر به، والدعوة إليه.

1

 

السبت، 22 ديسمبر 2018

عالم الملائكة الأبرار

( عالم الملائكة الابرار ) 
فهذا موضوع غيبي يزيد الإيمان، والصلة بالرحمن، والتعلق بقوم كرام، خلقهم الله سبحانه وتعالى من نور قبل خلق آدم عليه السلام، خلقتهم عظيمة، رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل قد سد الأفق، له ستمائة جناح، يسقط من جناحه التهاويل من الدر والياقوت كما جاء ذلك في الحديث الصحيح.
وأخبرنا صلى الله عليه وسلم عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقة مسيرة سبعمائة عام تخفق الطير، والملائكة ذوو أجنحة مثنى وثلاث ورباع وأكثر من ذلك، وملائكة النار غلاظ شداد، وصورة الملائكة في العموم جميلة، وجبريل عليه السلام ذُو مِرَّةٍ ) سورة النجم6. كما وصفه الله أي: منظر حسن، وخلقهم ومنازلهم تتفاوت بأمر الله تعالى، وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ) سورة الصافات164
والذين شهدوا بدراً من الملائكة هم أفضلهم، لا يأكلون ولا يشربون، ولا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، ولذلك لما جاؤوا لإبراهيم عليه السلام رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام،. هؤلاء الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يسأمون، أعدادهم غفيرة، يصلي في البيت المعمور في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ولجهنم سبعون ألف زمام على كل زمام سبعون ألف ملك، والملائكة في الأرض في ليلة القدر أكثر من عدد الحصى، وكل إنسان له ملكان يكتبان إعماله، وملائكة تحفظه من الأمام والخلف من أمر الله، فإذا جاء أمر الله تخلت الملائكة فوقع المقدور.
إنهم ملائكة كرام بررة، من أعظم صفاتهم الحياء وسرعتهم عظيمة، فلا تنقضي القضية في الأرض إلاّ وجبريل حاضر من السماوات إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالجواب، من رب العزة سبحانه وتعالى.
إنهم ملائكة منظمون في غاية الانتظام، يصفون عند ربهم، يتمون الصفوف، ويتراصون في الصف، ويأتون يوم القيامة صفاً صفاً وهم في غاية الدقة في تنفيذ الأوامر، وهذا ملك الموت كم يقبض في اليوم والليلة من أرواح الناس، بأمر الله تعالى، لا يخطئ في قبض إنسان أبداً.
وأولئك الملائكة يفتحون الأبواب بالأوامر كما جاء في ليلة المعراج، وعند دخول الجنة يقول: (من؟ فيقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك).
إنهم قدوتنا في العبادة، لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم ) ْسورة التحريم6. يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِم ) ْسورة النحل50.  وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) سورة الأنبياء28.أصحاب تسبيح مستمر، يحجون إلى البيت المعمور، ويضربون بأجنحتهم خضعاناً لقول الله تعالى، ، أسجدهم لأبينا آدم ، وعلموه السلام، وغسلوه عند موته، وألحدوا له في قبره، غسلوه بالماء وتراً كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، وعلمونا تلك السنة.
وللنطفة ملك، ويحرسون ابن آدم، وكذلك يسجلون أعمالنا، وينزعون أرواحنا عليهم سلام الله.
علاقة الملائكة بالبشر.هؤلاء الملائكة لهم علاقة وطيدة بنا، فهم يحركون بواعث الخير في نفوس العباد، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة). أما قرينه من الشياطين فيأمر بالشر، والقرين من الملائكة يأمر بالخير،

قال صلى الله عليه وسلم: (وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد من ذلك شيئاً فليعلم أنه من الله، وليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم). ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً ) سورة البقرة268. ، 
فكل عمل صالح يخطر ببالك يا أيها المسلم فاعلم أنه خطر ببالك من إلقاء الملك إياه في روعك وما دلك عليه وأرشدك إليه، فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة، (وإذا أوى الإنسان إلى فراشه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك: اختم بخير، ويقول الشيطان: اختم بشر، فإذا ذكر الله حتى يغلبه أي النوم، طرد الملك الشيطان وبات يكلؤه، فإذا استيقظ العبد ابتدره ملك وشيطان، فيقول الملك: افتح بخير، ويقول الشيطان: افتح بشر، فإن قال الحمد لله الذي أحيا نفسي بعدما أماتها ولم يمتها في منامها، الحمد لله الذي يمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى). الحديث: (طرد الملك الشيطان وظل يكلؤه). رواه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي على تصحيحه، وقال في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح، غير إبراهيم الشامي وهو ثقة.
فإذا استجبت لداعي الملك يا عبد الله، استجبت لمخلوق أمرك بخير، وإذا بت على طهارة في فراشك بات معك ملك في فراشك، فهنيئاً لمن طبق السنة.
أيها الإخوة المؤمنون:
إن هؤلاء الملائكة لهم محبة لنا إذا كنا من أهل الإيمان ينادي الله عز وجل جبريل: إن الله يحب فلاناً، (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض).
إنهم يسددون المؤمنين وكانت الملائكة تؤيد المؤمنين في المعارك، وجبريل يؤيد حسان بن ثابت، 
وصلاة الملائكة على المؤمنين معلومة، كما قال الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) سورة الأحزاب56. ، وقال الله:  هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِسورة الأحزاب43. فعجباً لهؤلاء العصاة الفسقة المتمردين على أمر الله، هذه الملائكة تصلي وتدعو لكي يهتدي الناس، وهؤلاء مصرون على المعاصي، حرموا أنفسهم من الخير، ولم يكونوا في عداد الذين ذكروا في دعاء هؤلاء الملائكة ممن استجاب الله لهم.
وصلاة الملائكة الدعاء بالاستغفار والرحمة، وهم يصلون على معلمي الناس الخير، ويصلون على منتظري الجماعة في المسجد يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وهو في مجلسه ما دام لم يؤذ فيه، وهم يصلون بالذات ويدعون بالمغفرة والرحمة للذين في الصف الأول، كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول). وفي سنن النسائي: (على الصفوف المتقدمة). وفي سنن ابن ماجه: (على الصف الأول). فهنيئاً لأصحاب الصف الأول والصفوف المتقدمة، 
ومما جاء في الأحاديث الصحيحة أيضاً: أنهم يصلون على الذين يصلون الصفوف، فمن تقدم إلى فرجة فسدها، ووصل صفاً، فالملائكة تدعو له بالذات من بين الناس؛ لأنه وصل صفاً، 
وكذلك المتسحرون، الملائكة تصلي عليهم، وتدعو لهم، (وما من عبد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي علي فليقل العبد من ذلك أو ليكثر). كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، 
واذا خرجت يا عبد الله لعيادة مريض ابتغاء وجه الله صلى عليك سبعون ألف ملك يستغفرون لك من الصباح إلى المساء، ومن المساء إلى الصباح بحسب الوقت الذي وقعت فيه زيارتك.
وهؤلاء الملائكة يؤمنون على دعاء المؤمنين، وإذا مات الإنسان فمن حوله لا يدعو إلا بالخير؛ لأن الملائكة يؤمنون على ما يقول الناس حينئذٍ، وهنيئاً لمن يتذكر أخاه المسلم بدعوة في ظهر الغيب؛ لأن هناك ملك موكل خاص يقول: ولك، فيدعو له بمثل ما دعا لأخيه المسلم.
هؤلاء الذين يحملون العرش من الملائكة الكرام يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِوَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، ماذا يقولون؟ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ) سورة غافر7-9. هذا دعاء الملائكة فهنيئاً إذاً لمن استجاب لله، وأخلص له وتاب واتبع سبيل الله عز وجل، وتابع محمداً صلى الله عليه وسلم في سلوك طريق الحق.
ثم هنيئاً لمن يحضرون مجالس الذكر والعلم، والدروس والمحاضرات الشرعية؛ لأن لله ملائكة يطوفون في الطرق، ويلتمسون أهل الذكر، فإذا جاؤوا حفوا بهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، هذا الحف تكريم، لا شك أن الملائكة تدعو وتدعو وتدعو لهؤلاء الحاضرين في حلق العلم والذكر، والحاضرون يقتربون من الله؛ لأن الملائكة حفتهم بأجنحتهم، وهذه السكينة تنزل، والرحمة تغشى، فهنيئاً لطلبة العلم وأهل الذكر.
ثم تسجل الملائكة الحاضرين لصلاة الجمعة، الأول فالأول، يكتبونهم في الصحف، الأول فالأول، بالترتيب، يسجلون بالترتيب، (فإذا خرج الإمام طووا صحفهم وجلسوا يستمعون الذكر). حديث متفق عليه. 
وكل كلمة طيبة تخرج من العبد يسجلونها، بل ربما تنافسوا على كلمات عظيمة كما تنافسوا على قول: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. بعد الرفع من الركوع، ابتدرتها الملائكة، بضع وثلاثين ملكاً أيهم يكتبها أولاً.
تعاقب الملائكة في رفع التقارير : هؤلاء الملائكة يتعاقبون فينا بالليل والنهار، وهناك نوبتان تتبادلان في العصر والفجر، بالعصر والفجر تصعد مجموعة وتنزل أخرى، والملك علام الغيوب ترفع إليه تقارير يومية عن أعمال العباد، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل)
وهو أعلم بما في السجلات سبحانه وتعالى.
وتشهد الملائكة صلاة الفجر، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) سورة الإسراء78.
ويتنزلون عندما يقرأ المؤمن القرآن، كما تنزلوا لسماع سورة الكهف من أسيد بن حضيررضي الله تعالى عنه.
وهم يبلغون النبي صلى الله عليه وسلم عن أمته السلام، يسيحون في الأرض فأيما إنسان صلى على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في أي بقعة في العالم بلغته الملائكة سلام هذا الإنسان من أمته.
ويقاتلون مع المؤمنين، ويثبتونهم في حروبهم، فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ )سورة الأنفال12. وهكذا ينزلهم الله تعالى يقاتلون ، ويؤيد الله المؤمنين إذا استوفوا شروط النصر بجنود من عنده سبحانه وتعالى، ويحمون المؤمنين، وينصرون عباد الله الصالحين.
وهكذا أيها الإخوة تقوم هذه الملائكة بالأدوار العظيمة للأحياء، وتشهد جنائز الأموات الصالحين، كما شهد سبعون ألفاً من الملائكة جنازة سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، وأظلوا والد جابر وهو الشهيد بأجنحتهم
في البخاري عن جابر رضي الله عنه قال ( جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مثل به، ووضع بين يديه، فذهبت أكشف عن وجهه، فنهاني قومي، ......فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لمَ تبكي، أو لا تبكي، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها
وهم يحمون مقدساتنا مكة والمدينة من الدجال، فلا يستطيع أن يدخلها؛ لأن هنالك ملائكة أصلتت السيوف استعداداً لمجيئه، فلا يستطيع أن يدخل، وهم باسطوا أجنحتهم على الشام كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ( تلك ملائكة الله باسطواأجنحتها على الشام).
فهم الذين يحمون المسلمين بأمر الله عز وجل، ويكرمونهم أحياءاً وأمواتاً.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المؤمنين به، وبملائكته، وبكتبه ورسله، إنه سميع مجيب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مررت ليلة أسري بي بالملإ الأعلى  وجبريل كالحلس البالي من خشية الله "صحيح الجامع
عن أنس - رضي الله عنه - قالقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل - عليه السلام -: " ما لي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟، قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار "صحيح الترغيب والترهيب
من الملائكة صفوف لا يفترون وقيام لا يجلسون ، وركع وسجود لا يرفعون كما جاء عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ أَطَّتْ السَّمَاءُ ( صوّتت وضجّت ) وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ ( الطّرُق ) تَجْأَرُونَ ( تتضرّعون ) إِلَى اللَّهِ . سنن الترمذي رقم : (2312) . 
إذا كانت هذه أدوار الملائكة وأعمالهم فما هو واجبنا نحن نحوهم؟ ما داموا يقومون بكل هذه الأعمال لنا ومن أجلنا، لا شك أولاً الإيمان بهم، والإيمان بهم ركن من أركان الإيمان، لا يصح الإيمان إلا به، أن تؤمن بالله وملائكته، وهذا الذي يفرق بين المسلم والكافر، فالكفار لا يؤمنون بالغيب، والمؤمنون من أول صفات عباد الله المتقين أنهم يؤمنون بالغيب، الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) سورة البقرة1-3. فهذا من الغيب، ونحن نؤمن به، وبهذا يتميز المؤمن عن غير المؤمن.
وثانياً: أننا نحبهم ولا شك في ذلك، ومن عاداهم فهو معادٍ لله تعالى، فيجب الإيمان بهم، ومحبتهم؛ لأنهم صالحون، ومحبة الصالحين من الدين، ومن عاداهم فقد قال الله تعالى فيه:مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) سورة البقرة98
ومن أسباب كفر اليهود أنهم يكرهون جبريل ، فنحن نحبهم، ونحب جبريل أكثر من حبنا لبقية الملائكة لمكانته عند الله، وهو رئيس الملائكة والمقدم عليهم عليه السلام، الذي نزل بالوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الإيمان والمحبة يقتضي أن لا نؤذي الملائكة، وقد قرر العلماء أن من شتم ملكاً من الملائكة فعليه القتل، ونصوا على ذلك، ومن كفر بهم فليس مسلماً على الإطلاق.
ومن عدم إيذاء الملائكة البعد عن الذنوب والمعاصي، فإن أعظم ما يؤذي الملائكة أيها الإخوة الذنوب والمعاصي والكفر والشرك، لماذا لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلباً ولا صورة؟ لأن اتخاذ صور ذوات الأرواح والكلاب من المعاصي، إلا ما استثناه الشرع الحنيف.
لماذا لا تقرب الملائكة السكران والمتضمخ بالزعفران كما جاء في الحديث الصحيح، لا تقربهم، شارب الخمر، السكران لا تقربه الملائكة، وكذلك من تضمخ وطلا واطلا وادهن بالزعفران من الرجال .
والجنب يندب له ويستحب أن يتوضأ لكي تقترب الملائكة أو يغتسل وهذا أفضل، وجيفة الكافر منبوذة من الملائكة كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوق ) وقد تقدم (والجنب إلا أن يتوضأ).
والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، ولذلك لا يقرب المسجد آكل البصل والثوم والكراث، وأصحاب الروائح الكريهة عموماً، وأمرنا بالاغتسال ليوم الجمعة، وأن نلبس أحسن ثيابناً.
واعلموا ان من الملائكة المُوكّل بحفظ عمل العبد من خير أو شر وهم الكرام الكاتبون وهؤلاء يشملهم قوله تعالىويرسل عليكم حفظة ) سورة الأنعام آية 61 ، وقال تعالى)  : أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) سورة الزخرف آية 80 ، وقال عزّ وجلّ)  : إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد ٌ(18)(  سورة ق ، وقال)  : وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِين َ(11)(  سورة الإنفطار
ونحن أيها الإخوة: لا بد أن نعاهد الله تعالى على البعد عن المعاصي والذنوب، فإنها تؤذينا قبل أن تؤذي الملائكة،