إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 24 مارس 2022

لا تغضب

 لا تغضب .. لا تغضب .. لا تغضب )

الخطبة الأولى:

أمَّا بعد: فإنَّ جِماعَ الشرِّ في الغضب، وهو مصدر كلِّ بليّة، كم مُزِّقت به من صِلات!، وقُطِّعت به من أرحام!، وتفكَّكَتْ بسببه شراكات!, وأُشعلت به عداوات!، وارتُكبت بسببه تصرفات وحماقات يندم عليها صاحِبُها ساعة لا ينفع الندم.

وحقيقة الغضب: غليان في القلب، وهيجان في المشاعر، يسري في النفس، فترى صاحِبَه مُحْمَرَّ الوجه، تقدح في عينيه الشَّرَر، فبَعْدَ أنْ كان هادئاً مُتَّزناً، إذا به يتحوَّل إلى بُركانٍ ثائر يقذف حمَمَه في كلِّ اتِّجاه؛ لذا جاءت وصية النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بترك الغضب؛ 

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَوْصِنِي, قَالَ "لاَ تَغْضَبْ"؛ فَرَدَّدَ مِرَارًا, قَالَ: "لاَ تَغْضَبْ"(رواه البخاري).

وعَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أَخْبِرْنِي بِكَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ, وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَى, قَالَ: "اجْتَنِبِ الْغَضَبَ"، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "اجْتَنِبِ الْغَضَبَ" (رواه أحمد). صحيح الجامع

وفي رواية: قال رجلٌ: يا رسول الله! أوْصِنِي. قال: "لا تَغْضَبْ"، قال: فَفَكَّرْتُ حينَ قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ما قالَهُ، فإذا الغَضَبُ يجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّه. (رواه أحمد).

عباد الله: إنَّ الغضبَ مِفتاحُ كلِّ شر. قيل لابن المبارك: اجمعْ لنا الخُلُقَ في كلمة؟ قال: "تَرْكُ الغضب".

ولو اجتنب الناسُ الغضبَ وأسبابَه -عملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلملَمَا وقعوا في المحذور؛ فكم من سجينٍ بسبب غضب!, وكم من طلاقٍ وَقَعَ بسبب غضب!, وكم من قطيعةِ رَحِمٍ سببها الغضب!, وكم أُزْهِقَتْ أرواح, ووقعت مصائب وكوارث بسبب الغضب!

فينبغي على المرء أنْ يُجاهِد نفسَه على ترك الغضب؛ فإنَّ الغضبَ إذا مَلَكَ ابنَ آدمَ كان الآمِرَ والناهِيَ له, وساقه الى مهاوي الردى.. 

قال -تعالى (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)[الشورى: 37], وقال -سبحانه-: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 134]. فمَنْ جاهَدَ نفسَه اندفَعَ عنه شرُّ الغَضَب.

ومِمَّا يدفع الغضبَ ويُسكِّنه: التَّعوذُ بالله -تعالى- من الشيطان الرجيم, 

فعن سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا, قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ, فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ, لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ", فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ (رواه البخاري 

والسُّكوتُ عِلاجٌ ناجِعٌ للغضب؛ فعن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-؛ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ"، قالها ثلاثاً (رواه أحمد)؛ 

لأنَّ الغضبان يصدر منه في حال غضبه -من السِّباب وغيره- ما يندم عليه بعد زوال الغضب. قال مورِّقٌ العجلي -رحمه الله-: "ما امتلأتُ غيظاً قطُّ, ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ, بما أندمُ عليه إذا رضيتُ".

وكَبْحُ الغضبِ يحتاج إلى جهادٍ وقوةٍ, وتَحَكُّمٍ في الذَّات؛

يقول النبيُّ -صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ"(رواه البخاري ومسلم)؛ فالشديد القوي هو الذي يَصْرَع نفسَه إذا صارعته وغَضِب, مَلَكَها وتَحَكَّم فيها، فهذه هي القوة الحقيقة؛ قوةٌ داخليةٌ معنوية يتغلب بها الإنسان على نفسِه وهواه, ووساوس الشيطان

والأفضلُ لِمَنْ كان غاضباً أنْ يجلس, فإنْ ذَهَبَ عنه الغضب؛ وإلاَّ فليضجع. 

روي عن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم "إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ,فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ؛ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ"(رواه أحمد).  ضعيف الترغيب 

والوضوء علاج للغضب لان الغضب من الشيطان والشيطان من النار والماء يطفئه ،

والخروج من المكان حتى تهدأ النفس من العلاج وحتى لا يتصرف تصرفاُ يندم عليه ..

ومِمَّا يُكافأ به مَنْ كَظَمَ غيظَه وغضبَه: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ"(رواه أبو داود). 

 قال ميمون بن مِهران: "جاء رجلٌ إلى سلمان، فقال: يا أبا عبدِ الله! أوصني، قال: لا تغضبْ، قال: أمرتني أنْ لا أغضب, وإنَّه ليغشاني ما لا أملِكُ، قال: فإنْ غضبتَ، فامْلِكْ لِسانَك ويَدَك".

 ومن صِفات المؤمن: أنه إذا ذُكِّرَ بالله عند الغضب تذكَّر, وعاد إلى الحقولم يتجاوزه. وإذا صدر منه قول أو فعل حال غضبه؛ فَلْيَعُدْ إلى الصواب, وإذا كان مُغضباً فوقع الخطأ منه تِجاه الآخرين؛ فَلْيُبادِرْ إلى الاعتذار, أو لِيَدْعُو لهم بظهر الغيب؛ 

قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ, أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ, وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ, فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ؛ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا, وَزَكَاةً, وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه مسلم).

والتَّغافل من الأمور المُهمة في دفع الغَضَب, وتفويتِ الفرصة على الشيطان؛ عن محمَّد بن عبدالله الخزاعي قال: "سمعتُ عثمانَ بن زائدة يقولُ: العافيةُ عَشَرةُ أَجزاءٍ؛ تسعةٌ منها في التَّغافُل، قال: فَحدَّثتُ به أحمدَ بنَ حنبلٍ، فقال: العافِيةُ عَشَرةُ أَجزاءٍ؛ كُلُّها في التَّغافُل".

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون: يجب على الإنسان ألاَّ يُخرجه الغضبُ عن حَدِّ الاعتدال في القول والفعل؛ ومن دعاء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم "أَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا" (رواه أحمد). 

قال ابن رجب -رحمه الله-: "وهذا عزيزٌ جدًّا، وهو أنَّ الإنسان لا يقول سِوَى الحقِّ؛ سواء غَضِبَ أو رَضِي، فإنَّ أكثر الناس إذا غَضِبَ لا يتوقَّف فيما يقول".

واللائق بالمؤمن أن يقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغضب؛ حيث كان لا يغضب لنفسِه, ولا يُقابل السيئةَ بالسيئة, ولكن يتجاوز, ويعفو, ويصفح, وكان لا ينتقم لنفسه, ولكنه كان أشدَّ الناسِ غضباً إذا انتُهِكتْ حُرماتُ الله, فإذا انتهكت حرماتُ الله؛ لم ينتقم لنفسه شيء

والعاقل يَتَّقِي الغضبَ؛ لأنه يؤدِّي إلى المهالك: 

فعَنْ جُنْدَبٍ -رضي الله عنه-؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمحَدَّثَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلاَنٍ, وَإِنَّ اللَّهَ –تَعَالَى- قَالَ: "مَنْ ذَا الَّذِى يَتَأَلَّىعَلَيَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ"(رواه مسلم). 

قال ابن رجب -رحمه الله-: "فهذا غَضِبَ لله، ثم تكلَّم في حالِ غضبِه لله بما لا يَجوزُ، وحتَّمَ على الله بما لا يَعلم، فأحبطَ اللهُ عملَه، فكيف بِمَنْ تكلَّم في غضبِه لنفسِه، ومُتابعةِ هَواهُ بما لا يجوز؟".

وهناك أحوالٌ يُعذر فيها الإنسانُ حالَ غضبِه: كأنْ يكون مريضاً, أو كبيراً في السِّن, أو مُسافراً بعيداً عن أهله, أو صائماً اشتدَّ جوعُه وأُرهِقفمِثْلُ هذه الأحوال تؤثر على طبيعة الإنسان -ولو كان بأصله ساكناً غيرَ غضوب- لكنْ تعرُّضُه لهذه الأحوال يُؤثر على تَصرُّفاته, ولكن يجب عليه أن يكبح جماح غضبه ويحتسب الاجر عند الله ، وان وقعت منه هفوة وزلة وقت غضبه تداركها بعد سكونه

الجمعة، 18 مارس 2022

تطبيق حدود الله

  ( تطبيق حدود الله ) 

لقد شرع الله الشرائع ، وأرسل الرسل ، وبين المحجة للناس ، التي لا يزيغ عنها إلا هالك ، 

وقد جعل الله شرعه متينا ، ينبي بعضه على بعض ، فليس للناس أن يتشهوا من الدين ما يعجبهم فيأخذوه ، ويتركوا ما سواه ، فقد عاب الله على الكفار ذلك فقال سبحانه ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) وقال سبحانه للمؤمنين : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )

عباد الله : من طبق شرع الله كما أمر الله ، وسن نبيه صلى الله عليه وسلم ، فستكون له السيادة والتمكين في الأرض ، وعد الله لا يخلف الله الميعاد ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ )

وإن الناظر للمسلمين في عصرنا هذا يرى بعدهم عن التمكين في الأرض ،وذلك لبعدهم عن تطبيق شرع الله تعالى ، 

وكلما ابتعدوا عن الدين كلما نقص التمكين لهم ، وهم للأسف غافلون عن الطريق الصحيح للتمكين ، فتراهم يبحثون عنه في طرق أخرى بعيدة عن الدين .

معاشر المسلمين : لقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم الشرع في كل حياته ، فرسم للناس الطريق المستقيم الذي أراد من الخلق السير عليه ، وهو صراط الله الذي لا صراط غيره يدل الناس إلى رضوان الله والجنة والفلاح في الدارين.

فكان صلى الله عليه وسلم يطبق شرع الله على نفسه أولا ثم على أهله وذويه ثم الأقربين فالأقربين ، فلا استثناءات ولا شفاعات في شرع الله ، فالكل أمام شرع الله سواسية ، 

وإن من أهم ما حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تطبيقه ، وحث الناس على إقامته على كل أحد ، تنفيذ الحدود الشرعية التي حدها الله تعالى للناس ، والتي بها قوام حياتهم ، وبها يرسو الأمن ، ويأمن الناس على أعراضهم وأموالهم ، 

فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ» ؟!، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». 

هكذا أكد النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة جمعاء أن تطبيق الحدود فرض على الأمة ولو كان الذي يقام عليه الحد أشرف الناس ، فشرع الله فوق كل أحد ، وبهذا قامت السموات والأرض .

معاشر المسلمين : يقول سبحانه ( ولكم في القصاص حياة ) فتطبيق الشرع في القصاص بين الناس سواء في النفس أو في الجوارح والبدن ، حياة للناس ، لأن القتل ينفي القتل ، ومتى علم الجاني أنه سيقتص منه ، ارتدع عن جريمته ، وهاب الشرع 

ولهذا كان الناس في الجاهلية كالرعاع ، لا يردهم شيء ، القوي يأكل الضعيف ، لا عدل ولا نصرة لمظلوم ، فكانت حياتهم بهيمية ، يسودها الخوف والرعب والجوع ، 

ولقد من الله على هذه الأمة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما بعثه به من الشرع القويم ، الذي من طبقه نجى وأفلح ، ومن عارضه ونابذه خاب وخسر .

إن من شرع الله القصاص في الأرواح كما قال سبحانه يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

وكذلك شرع القصاص فيما دون ذلك في الجوارح فقال سبحانه (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)

وشرع الله الديات ، والأحكام الأسرية والأنكحة ، فلم يترك لمتطفل على الشرع طريقا ، ثم قال سبحانه ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)

فلا شرع تصلح معه الحياة غير شرع الله ، ومن نظر إلى الأمم المتخبطة يمنة ويسرة ، ممن يطبقون الأنظمة والقوانين الوضعية ، رأى كيف فقدوا الأمن ، وتعطلت المصالح ، وضاعت الحقوق ، وإن هذا من اتباع خطوات الشيطان ، كما قال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين )

الخطبة الثانية :

أما بعد أيها الإخوة اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.. واعلموا أن خطرَ الفكرِ الضال واعتناقِ المناهج والمعتقدات المنحرفة، وتقديمِ الولاء لجهات خارجية لا يقتصر على معتنقيه، وإنما يعم الأمة بضرره وخطره؛ فيزعزع أمنها ويبث الفوضى فيها، ويسهل ويغري معتنقيه بالخروج على ولاة أمر بلادهم.

وهذا الانتساب يؤدي لا محالة بمعتنقيه لتنفيذ جريمة القتل العمد بأنفسٍ معصومة من رجال الأمن الذين يقومون بحراسة أمن هذا البلد وربما تعدى لغيرهم..

وتناسوا في غمرة ضلالهم أَنَّ قتلَ الأَنفسِ من كبائر الذنوب بعد الشرك بالله وأنه مِنْ السَّبْعِ الـمُوبِقَاتِ، وهو حرامٌ بكتاب اللهِ حرامٌ بسنةِ رسولِ الله وبإجماع الأمة، وقد توعد اللهُ ورسولُه مقترفه بأعظمِ وعيد فقال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93] 

وقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ «لَنْ يَزَالَ الـمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»  وَقَالَ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ» رواه البخاري [فِي فُسْحَةٍ] أي سَعَةٍ من دينه يرتجى رحمة الله ولطفه، ولو باشر الكبائر سوى القتل، فإذا قتل ضاقت عليه ودخل في زمرة الآيسين من رحمة الله تعالى

وقَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً». رواه أبو داود عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ وصححه الألباني. 

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الكَبَائِرَ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ فَقَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ..» رواه البخاري.

واستحلال جريمة القتل سبب لبث الخوف والذعر والفرقة بين المواطنين، ويَسُرُ كلَ عدوٍ ويُفْرِحُهُ.. ثم إن أمن هذا البلد ليس أمناً للمواطنين والمقيمين فيها، بل هو أمن لأمة الإسلام قاطبة التي تؤم هذه البلاد للحج والعمرة والزيارة..

عباد الله : الكل سمع بتطبيق الحدود على الجناة الذي خالفوا شرع الله ، وإن هذا لمن رحمة الله بالعباد ، أن يسر لولاة الأمر إقامة شرع الله وتطبيق الحدود على المخالفين للشرع ، وعدم الالتفات لمن نعق وصاح منددا بذلك ، فلا هوادة في تطبيق الحدود ، فبها قوام الحياة .

2

 

 

الخميس، 10 مارس 2022

فَضْلُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِيْ الصَّلَاةِ وتراص الصفوف

 خطبة فَضْلُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِيْ الصَّلَاةِ وتراص الصفوف :


الْخُطْبَةُ الْأُولَى:


عِبَادَ اللهِ؛ لَا يَخْفَى عَلَى مُسْلِمٍ فَضْلُ المُسَابَقَةَ لِلْمَسَاجِدِ؛ وَفَضْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِيْهَا.

قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَصْحَابِهِ لَمَّا رَأَى فِيْهُمْ تَأَخُّرَاً (تَقَدَّمُوا، فَأَتِمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-"، وَفِي لَفْظٍ: "حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.


وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ". حديث صَحِيحُ .


وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أوَّلُهَا". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.


وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِينَا إِذَا قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، فَيَمْسَحُ صُدُورَنَا وَعَوَاتِقَنَا، وَيَقُولُ: "لَا تَخْتَلِفْ صُفُوفُكُمْ فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ"، وَكَانَ يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلَّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ". حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ .

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا الصُّبْحَ، فَقَالَ: أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ، وَإِنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لَابْتَدَرْتُمُوهُ، وَإِنَّ صَلاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَكُلُّ مَا كَثُرَ فَهَوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاودُ، وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ. صححه الالباني 


وكانَ ﷺ (يستغفِرُ للصَّفِّ المقدَّمِ ثلاثًا وللثَّاني مرَّةً) حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ .


عِبَادَ الله؛ لَقَدْ كَانَ حَظُّ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ وَافِرًا، وَمِنْ ذَلِكَ عِنَايتُهُمْ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَحِرْصُهُمْ عَلَيْهِ.


وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رِيَاحِ بْنِ عَبِيدَةَ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)، قَالَ: "التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى، وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ".


قال ابْنُ الْمُسَيِّبِ: "مَا نَظَرْتُ فِي قَفَا رَجُلٍ فِي الصَّلَاةِ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً". يَعْنِي: أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً.


وَقَالَ وَكَيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: "كَانَ الْأَعْمَشُ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ يَتَكَلَّمُ لَمْ تَفُتْهُ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى".


وَكَانَ يَحْيىَ الْقَطَّانُ إِذَا ذُكِرَ الْأَعْمَشُ، قَاَل: "كَانَ مِنَ النُّسَّاكِ، وَكَانَ مُحَافِظًا عَلَى الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَعَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ".


وَقَالَ قَاضِي بَغْدَادَ ابْنُ سَمَاعَةَ: "مَكَثْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ تَفُتْنِي التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى إَلَّا يَوْمَ مَاتَتْ أُمِّي".


قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي "فَتْحِ الْبَارِي": "قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَضِّ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ: الْمُسَارَعَةُ إِلَى خَلَاصِ الذِّمَّةِ، وَالسَّبْقُ لِدِخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالْقُرْبُ مِنَ الْإِمَامِ، وَاسْتِمَاعُ قِرَاءَتِه، وَالتَّعَلُّمُ مِنْهُ، وَالْفَتْحُ عَلَيْهِ، وَالتَّبْلِيغُ عَنْهُ، وَالسَّلَامَةُ مِنَ اخْتِرَاقِ الْمَارَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَلَامَةُ الْبَالِ مِنْ رُؤْيَةِ مَنْ يَكُونُ قُدَّامَهُ، وَسَلَامَةُ مَوْضِعِ سُجُودِهِ مِنْ أَذْيَالِ الْمُصَلِّينَ".


عبادالله : وأَفْضَلُ مَوْقِفٍ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَكُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ مُبَاشَرَةً، ثُمَّ مَيْمَنَةَ الصَّفِّ الْقَرِيبَةَ مِنَ الْإِمَامِ.


وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي "الصَّحِيحِ" بِقَوْلِهِ: "بَابُ مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وقال ابْنُ رَجَبٍ: وَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ جِهَةَ يَمِينِ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِينَ، الَّذِينَ يَقُومُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ؛ أَشْرَفُ وَأَفْضَلُ مِنْ جِهَةِ يَسَارِهِ".


وَلِذَا؛ كَانَ الصَّحَابَةُ -رِضْوَانُ اللهُ عَلَيْهِم- يَحْرِصُونَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ، كَمَا قَالَ الْبَرَاءُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ الْإمَامِ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ مَيْمَنِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ". صَحِيحُ مُسْلِمٍ.


الخطبة الثانية :

 
عباد الله :أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوْعِيَّةِ تَعْدِيْلِ الصُّفُوْف، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبرِّ: (وأَمَّا تَسْوِيَّةُ الصُّفُوْفُ فِيْ الصَّلَاةِ فَالْآثَارُ فِيهَا مُتَوَاتِرَةَ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى صِحَاح، كُلَّهُ ثَابِتَةٌ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَعَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِذَلِكَ بَعْدَهُ وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيمَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ".‏وَاخْتَلَفُوا فِيْ وُجُوْبِهِ.

وَاخْتِيَارُ البُخَارِيُّ، ؛ الْوُجُوبُ حَيْثُ تَرْجَمَ لَهُ فِيْ صَحِيْحِهِ بِقَوْلِهِ: بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يَتُمُّ الصُّفُوْف ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شيخ الإِسْلَامِ ابنِ تَيْمِية رَحِمَه الله ، وَبَعْضُ المُتَأخِرِيْن ؛  وَقَالَ ابنُ حَزْم رَحِمَنَا اللهُ وإِيَّاه: « فُرِضَ عَلَى الْمَأْمُوْمِيْن تَعْدِيْل الصُّفُوْفِ ،الأَوَّل فَالأَوَّل، وَالتَّرَاصّ ،وَالْمُحَاذَاة بِالْمَنَاكِبِ وَالْأَرْجُلِ".

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيُّ ﷺ، أنه قال: .... وَأَقِيْمُوا الْصَّفَ فِيْ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الْصَّفِ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

عن النُّعْمَانَ بنُ بَشِيْر، يَقُولُ: قال النَّبيُّ ﷺ:".لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بيْنَ وُجُوهِكُمْ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومسلم.

وعنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ  قال:" سَوُّوا صُفوفَكم؛ فإنَّ تسويةَ الصَّفِّ مِن تمامِ الصَّلاة". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا في الصَّلَاةِ، ويقولُ: اسْتَوُوا، ولَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنكُم أُولو الأحْلَامِ والنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قالَ أبو مَسْعُودٍ: فأنْتُمُ اليومَ أشَدُّ اخْتِلَافًا". صحيح مسلم.

وعن عَمْرُو بنُ مَيْمُوْنٍ، قَالَ: (شَهِدْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ - رضِي اللهُ عنه - غَداةَ طُعِنَ، فكنتُ في الصَّفِّ الثاني، وما يَمنَعُني أنْ أَكُونَ في الصَّفِّ الأوَّلِ إلَّا هَيْبَتُه، كان يَستَقْبِلُ الصَّفَّ إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فإنْ رأى إنسانًا مُتقدِّمًا أو مُتأخِّرًا أصابَه بالدِّرَّةِ، فذلك الَّذي مَنَعَني أنْ أَكُونَ في الصَّفِّ الأَوَّلِ، فكنتُ في الصَّفِّ الثاني) رَوَاهُ ابنُ سَعدٍ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ. 

عَن سُوَيْدِ بن غَفَلَةَ قَالَ؛ كَانَ بِلَالُ يَضْرِبُ أَقْدَامَنَا فِيْ الصَّلاةِ، وَيُسَوِّي مَنَاكِبَنَا". رَوَاهُ ابنُ عَبْدُالْرَزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ. 

وعنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أن النَّبيُّ ﷺ قَالَ:" رُصُّوا صفوفَكمْ وقارِبوا بينَها وحاذوا بالأعناقِ ، فوالذِي نفْسي بيدِهِ إني لأَرى الشيطانَ يدخلُ مِنْ خَللِ الصفِّ كأنَّها الحَذَفُ".رَوَاهُ أَحْمَد بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ.

فَاحْرِصُوا عِبَادَ اللهِ عَلَى التَّرَاصِّ في الصُّفُوفِ، وَعَلَى مُحَاذَاةِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ قْرُبَةً للهِ، وَطَاعَةً للهِ، 

وَلَقَدْ جَاءَتِ الْجَائِحَةُ وَكَانَ النَّاسُ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ لِأَنْ يَتَبَاعَدُوا لِلضَّرَرِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَحْدُثُ مِنَ التَّرَاصِّ،

أَمَا وَقَدْ زَالتِ الْجَائِحَةُ -وللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ- فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى التَّرَاصِّ، وَعَدَمِ التَّبَاعُدِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مُشَاقَّةً للهِ، وَلِرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.