إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 26 ديسمبر 2019

العزة في زمن الإنكسار

( العزة في زمن الانكسار ) :
إن من الصفات التي وصف الله تعالى بها نفسه الكريمه جل في علاه أنه وصف نفسهسبحانه وتعالى بـ"العزيز" وتكرر هذا الوصف في كتابه في تسعين موضعا من القرآن الكريم  
ووصف الله تعالى المؤمنين بالأعزة وأمر الله تعالى المؤمنين أن يتصفوا بها كما قال الله جل وعلا [ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يفقهون ] وبين الله جل في علاه أن الإتصاف بالعزة ينبغي أن يكون ملازما للمؤمنين مهما كثرت عليهم الخطوب أو تكاثر عليهم الأعداء كما بين الله تعالى ذلك لما ذكر أخبار الأولين فقال سبحانه وتعالى  )  ولقد كذِّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا و أوذوا حتى أتاهم نصرنا ( 
ولقد كان النبي صلوات ربي وسلامه عليه يغرس العزة في قلوب أصحابه، يغرسها وهو يراهم قلة في عددهم، ضعفاء في عدتهم، يرى الكفار يتألبون عليهم من كل موطنويحيطون بهم في كل مكان ويعذبونهم في كل مقعد ومع ذلك يغرس في نفوسهم العزة، يأتي إليه خباب رضي الله تعالى عنه وقد اشتد عليه العذاب يقوليا رسول الله ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر لنا ؟فيقول النبي صل الله عليه وسلم لهيا خباب لقد كان من كان قبلكم يوضع المنشار على مفرق رأسه ويشق باثنين ما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حذر موت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون
وكان عليه الصلاة والسلام يُردف عبد الله بن عباس غلاما صغيرا يردفه خلفه ثم يقول له ( ياغلام واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لكوإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رُفعت الأقلام وجفت الصحف (  
وكأنه يقول يا ابن عباس وأنت غلام يجب أن أغرس في قلبك أن لا تستعز إلا بالعزيز وأن لا تستقوي إلا بالقوي وأن لا تستجير إلا بالجبار، أن لا يكون اعتمادك ولا لجئك ولا هروبك إلا إلى العزيز القوي جل في علاه،
لذلك عاش الصحابة رضي الله تعالى عنهم هذه المشاعر، يشعر الواحد أنه عزيز وإن قل ماله ..عزيز وإن ضعفت عدته ..وهذا الذي نحتاج إليه اليوم، نتلفت في أحوال المسلمين اليوم فنرى المكائد في كل مكان، ولا تزال هذه المكائد تدور على المسلمين في كل موطن فإذالازَمنا في قلوبنا الشعور بالعزة وأن هذا الدين هو العزيز وأن  نصرك انما من الله تعالى [ إن ينصركم الله فلا غالب لكم ] إذا كان هذا الشعور معنا نُصِرنا كما نُصر الأولون.
ألم تر إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما حاصرهم الكفار في معركة الأحزاب واجتمعوا لهم من كل موطن وبلغت القلوب الحناجر وظن بعض الناس بالله الظنونا فإذابالنبي صل الله عليه وسلم يحاول أن يقلل عدد الكفار الذين يرابطون وكانوا عشرة آلاف،يحاول أن يقلل عددهم وأن يصرف بعضهم فإذا به عليه الصلاة والسلام يدعوا رأسا منرؤوس الكفار قد جاء قومه بثلث الجيش ثلاثة آلاف مقاتل تحت يده فيقول له )  أريدك أن ترجع بقومك على أن أعطيك ثلث ثمر المدينه  ) ، رجاءا منه عليه الصلاة والسلام أن يخفف الوطأة عن المدينه، فلما كاد أن يمضي الكتاب بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام
قال النبي عليه الصلاة والسلام { إني أستشير السعدين }سعد بن معاذ وسعد بن عباده فدعاهما صلى الله عليه وسلم وأخبرهما قال نعطيهم ثلث ثمار المدينه على أن يرجع بقومه فقال له السعدان وهما يشعران بما يشعر به النبي صل الله عليه وسلم من وطأت الكفار عليهم قالوايا رسول الله أهو أمر أمرك الله تعالى به فنسمع ونطيع...}دون اعتراض { أم أنه أمر تفعله لنا فلنا فيه الرأي والمشوره؟؟؟}، فقال النبي صل الله عليه وسلم:{ بل هو أمر أفعله لكم }
فقال سعد بن معاذ يا رسول الله إنا كنا نحن وأولئك في الجاهليه لا يؤمل أحد أن يأكل تمرة من تمر المدينه إلا بشراء أو قرى... } إما أن يشتري بماله أو أن يدخل ضيفا عندنا ثمنقريه إطعاما وكرما وجودا وسخاءا من أنفسنا برضانا لا بإكراهنا {...أفلما أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا الله بالإسلام ننزل عن ثمارنا رغما عنا لا والله يا رسول الله لا نعطيهم إلاالسيف } ثم أخذ سعد الصحيفة وهو ينظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام هل يمنعه أم لا ومزقها بين يدي ذلك الكافر الذي كان شاهدا للمكان وقالاذهب فاجهد علينا}اذهب واجمع جهدك وقوتك وعتادك وعدتك { اذهب فاجهد علينا } حتى رابط الصحابة الكرام ونصرهم العزيز الحكيم جل في علاه،  
كانوا يشعرون أنهم بتمسكهم بالإسلام وأن زيادة عبوديتهم لله وأن إقبالهم على الله وأن ثقتهم التامة بنصرة الله تعالى لدينه وإن النصر للإسلام وإن طال الأمد كانوا يشعرون بهذه المشاعر حتى اضطر أعداءهم إلى أن ينزلوا إلى أقدامهم.

الإنسان إذا شعر بالعزة وعلم أن النصر من عند الله تعالى وأن تطبيقه لشرع الله كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره يقول: " الآيات تدل على أن العبد بمقدار عبوديته لله يزيده الله تعالى عزة " ثم ساق قوله تعالى  )  ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )
إن الناس يذلون أنفسهم، يقبلون الدنية في دينهم ودنياهم لواحد من أمرينإما أن يصابوا في أرزاقهم أو في آجالهم، ولقد قطع الله سلطان البشر على الأرزاق والآجال جميعا، ذلك هو التوحيد الكامل، وذلكم ما يجب أن يستشفي به أولئك الذين يريقون ماء وجوههم في التسكع على الأبواب والتمسح بالثياب، والزلفى على الأعتاب.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يُعزنا بكتابه وأن يرفع شأننا بشريعته وأن يعز الإسلام والمسلمين في كل مكان
الخطبة الثانية : 
أما بعد...إن المؤمن مهما أصابه من المصائب واللأواء ومهما تكاثر عليه من الكربات كلماأصبح عزيزا معتزا بدينه واثقا بنصرة الله تعالى له، واثقا بصحة الطريق الذي هو يسير عليه كتب الله تعالى له التوفيق في النهايه أو كتب له الأجر بعد ذلك في الآخرة 
ذكر ابن كثير رحمة الله وغيره ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث جيشا لحرب الروم وكان من ضمن هذا الجيش  عبدالله بن حذافة رضي اللة عنه طال القتال بين المسلمين والروم وعجب قصير ملك الروم على ثبات المسلمين وجرأتهم على الموت
فامر ملك الروم ان يحضروا له اسير من المسلمين فجاءوا  بعبدالله بن حذافة السهميرضي الله عنه..
فاحضروة رضي الله عنه والاغلال بين يدية والقيود في قدمية واوقفوة امام الملك وتحدث قيصر معه فاعجب بذكائة وفطنتة فقال له:”تنصر واطلقك من الاسر”…
فقال عبدالله:”لآ”….فقال قيصر:”تنصر واعطيك نصف ملكي”..فقال عبدالله:”لآ”….
فقال قيصر:”تنصر واعطيك ملكي واشركك في الحكم معي”….فقال عبدالله:”والله لو اعطيتني ملكك وملك آبائك وملك العرب والعجم على ان ارجع عن ديني طرفة عين مافعلت
انظروا الاغراءات من ملك الروم والثبات من عبدالله رضي الله عنه
فغضب قيصر وقال:”اذن اقتلك”….قال:”اقتلني”….فامر قيصر جنوده…وعلق على الخشبة وجاء قيصر وأمر الرماة ان يرموا السهام من حوله ولا يصيبوه وهو اثناء ذلك يعرض عليه النصرانية وهو يابي وينتظر الموت..
فلما راى قيصر اصراره أمر ان يمضوا به الى السجن ففكوا وثاقة ومضوا به الى السجن وامر ان يمنعوا عنه الاكل والشراب…حتى اذا كاد ان يهلك من الجوع والعطش احضروا له خمرا ولحم الخنزير
فقال عبدالله: واللة اني اعلم اني مضطر وان ذلك يحل لي الان في ديني ولكني لا اريد انيشمت بي الكفار”…فلم يقرب الطعام فاخبروا قيصر فامر له بطعام حسن ثم امر انتدخل عليه امراة حسناء تتعرض له بالفاحشة…فادخلوا عليه اجمل النساء وجعلت تتعرض له وتتزين وهو رضي الله عنه معرض عنها وهي تتمايل امامه…فلما رات المراة ذلك خرجت وهي غاضبة وتقول:”لقد ادخلتموني على رجل لا ادري اهو بشر ام حجر 
فلما يئس منه قيصر امر بقدر من نحاس ثم اغلى فيها الزيت ثم اوقف عبدالله بن حذافةرضي اللة عنه
امامها واحضروا احد اسرى المسلمين موثقا بالقيود حتى ألقوه في هذا الزيت وغاب جسدةفي الزيت.. مات وطفت عظامة تتقلب على الزيت وعبدالله ينظر الى العظام…فالتفت قيصر الى عبدالله ودعاه للنصرانية
فابى رضي الله عنه…………انظروا الثبات على الدين وعلى البلاء………..فغضب قيصر فامر ان يطرح على القدر فلما جروه الى القدر وشعر بحرارة النار بكى رضي الله عنه ودمعت عيناة………ففرح قيصر…….
قال له قيصر:” تنصر واعطيك وامنحك”…فقال لة:”لا”…فقال:”اذا ما الذي يبكيك؟”….
فقال:”ابكي والله لانه ليس لي الا نفس واحدة تلقى في القدر فتموت ولقد وودت والله لي بعدد شعر رأسي نفوس كلها تموت في سبيل الله مثل هذه الموتة…….”الله اكبر يا عبداللهرضوان الله عليك فقال لة قيصر:”قبل راسي واخلي عنك”…فقال:”وعن جميع اسارىالمسلمين عندك”…
قال:”نعم”…فقبل راسة ثم اطلقه مع الاسرى……..
وربعي بن عامر بعزة المسلم  يصرخ في رستم : جئنا جئنا لنخرج من شاء ....
وعمر بن الخطاب يصيح في أبي عبيدة بكلمة الدهر : نحن قوم اعزنا الله بالاسلام ...
المسلم قد يُهزم لكنه لا ينكسر ولا يُعطي الدنية في دينه ، وتبقى العزة هي شعاره ودثاره ، 

ولعل في قصة غزوة احد لنا اعظم مثال ، لما صرخ ابو سفيان بعد نهاية المعركة التي خسر فيها المسلمون حمزة سيد الشهداء وسبعين من الصحابة ، صرخ ابو سفيان : 
اعل هبل ... الله اعلى واجل
العزى لنا ولا عزى لكم ... الله مولانا ولا مولى لكم 
يوم بيوم بدر .... لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ... لاسواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار 

من غيرنا هدم التماثيل التي كانت.... تقدسها خرافات الورى 

حتى هوت صور المعابد سجداً..... لجلال من خلق الوجود وصورا 

ومن الذين دكوا بعزم أكفهم ..... باب المدينة يوم غزوة خيبرا 

أمن رمى نار المجوس فأطفئت..... وأبان وجه الصبح أبيض نيرا 

ومن الذي باع الحياة رخيصة..... ورأى رضاك أعز شي فاشترى

ليكن دائماُ في يقيننا : ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين... مهما طال الزمان وانتفش الباطل وتكالب الاعداء ، وان العاقبة للمؤمنين والارض لله يورثها لعباده الصالحين .. لكن اين الذين تشربوا العزة منهجا على كتاب الله وهدي محمد صلي الله عليه وسلم ليرفعوا عن هذه الامةما اصابها .إنه لا عز لنا الاّ بالاسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله ، هو الدين الذي أكمله الله لنا وأتم علينا به النعمة ورضيه لنا دينا ..