إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 28 فبراير 2019

تعظيم السلف للنبي -صلى الله عليه وسلم-

تعظيم السلف للنبي صلى الله عليه وسلم
من أخبار الصحابة رضي الله عنهم
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله عز وجل ؛ فإنها وصية الله تعالى للأولين والآخرين  {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً }النساء131
أيها الناس: فضل الله تعالى الرسل على بعض ، وفاوت بينهم في كثرة أتباعهم وقلتهم ، وقوة هؤلاء الأتباع وضعفهم ، وقد  عرضت الأمم على النبي صلى الله عليه وسلم   فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط ، والنبي ليس معه أحد قال - عليه الصلاة والسلام - :(حتى رفع لي سواد عظيم قلت: ما هذا ؟ أمتي هذه ؟ قيل: هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق ثم قيل لي: انظر ها هنا وها هنا في آفاق السماء فإذا سواد قد ملأ الأفق قيل: هذه أمتك) رواه الشيخان
ولذلك غبط موسى - عليه السلام- نبينا محمدا - عليه الصلاة والسلام- على كثرة أتباعه
وأفضل الناس في كل أمة من الأمم هم من صحبوا رسولهم مؤمنين به ، مدافعين عنه ، داعين إلى دينه0ومن جاء بعدهم ممن لم يدركوا الرسول فآمنوا به أُلحقوا بهم في الفلاح والفوز العظيم بدليل كلام الله تعالى  {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة100 وقالت الأنصار- رضي الله عنهم - :   ( يا رسول الله لكل نبي أتباع وإنا قد اتبعناك فادع الله أن يجعل أتباعنا منا فدعا به ) رواه البخاري
ولما كان الصحابة - رضي الله عنهم - أصحاب أفضل نبي - عليه الصلاة والسلام - ؛ كانوا أفضل الأصحاب ، وخير هذه الأمة ، فهم السابقون إلى الإيمان والهجرة ، والجهاد والنصرة0صدّقوا حين كثر المكذبون ، واتبعوا إذ قل المتبعون ، وتحملوا في سبيل ذلك هجر الأوطان ، ومفارقة الأهل والولدان ، ومعاداة العشيرة والخلان ، ومهما عمل من بعدهم فلن يبلغوا مبلغهم ، ولن يحوزوا فضلهم ، أو يدركوا سبقهم ؛ ولكنهم يلحقون بهم في الفوز والجنة ، لا في الفضل والدرجة .. وفي هذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:( لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) رواه الشيخان ،
إنهم - رضي الله عنهم - أعظم هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم إيمانا ويقينا ، وأكثرهم تضحية وبذلا ، فاستحقوا ما نالوا بفضل الله تعالى عليهم ، ورحمته بهم ، واصطفائه لهم ؛ ليكونوا أحباب خاتم رسله  -عليه الصلاة والسلام - ، وأخبارهم  -رضي الله عنهم - غزيرة في تصديقهم ومحبتهم ، ووفائهم وفدائهم له- عليه الصلاة والسلام- ، ودفاعهم عنه ، وتقديمه على كل محبوب سوى الله تعالى.
وفي باب محبته صلى الله عليه وسلم  يقدم الصديق أبو بكر -رضي الله عنه- قرابة النبي صلى الله عليه وسلم  على قرابته ، وما ذاك إلا لمحبته الصادقة ، والفاروق عمر- رضي الله عنه- يخبر النبي صلى الله عليه وسلم  بأنه يحبه أكثر من كل شيء حتى من نفسه ، وبناء على هذه المحبة العظيمة أحب عمر إسلام العباس - رضي الله عنهما- أكثر من محبته لإسلام الخطاب لو أسلم مع أنه والده ؛ لمكان العباس من النبي  صلى الله عليه وسلم  ، وسئل علي -رضي الله عنه- ( كيف كان حبّكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ؟ فقال: ( كان والله أحبّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ)
 وقال عمرو بن العاص -رضي الله عنه- : (ما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ) رواه مسلم
إنهم - رضي الله عنهم - قدموه  -عليه الصلاة والسلام - على آبائهم وأمهاتهم وأزواجهم وأولادهم حتى هم عبد الله بن عبد الله بن سلول أن يقتل أباه لما بلغه أنه يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، ولما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم  نساءه وبلغ ذلك عمر- رضي الله عنه- دخل على ابنته حفصة -رضي الله عنها- مغضبا فقال ( لقد بلغ من شأنك أن تؤذي الله ورسوله ، ولقد علمت أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  لا يحبك ولولا أنا لطلقك ، فبكت أشد البكاء ، فاستأذن عمر في الدخول عليه، فلم يجب بشيء فقال عمر للبواب: يا رباح استأذن لي على رسول الله  فإني أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم   ظن أني جئت من أجل حفصة ، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم  بضرب عنقها لأضربن عنقها )
لم تكن هذه المحبة العظيمة منهم زعما كاذبا ، أو ظنا مشكوكا فيه ، أو مجرد دعوى ليس عليها برهان ؛ إذ لما جدَّ الجد ، ودارت رحى الحرب ، وحضرت المنايا ميدان المعركة تخطف من أمرت به كانت أجساد الصحابة - رضي الله عنهم- فداء لنبيهم - عليه الصلاة والسلام - ، وسيوفهم أسبق إلى المشركين من أن يصل الأذى للنبي صلى الله   ، وفي المغازي من بدر الى احد ومن الاحزاب الى فتح خيبر  ومن حنين الى تبوك مواقف مشهورة ، وبطولات مشهودة ، تبرهن أن القوم صدقوا في محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم0
وليست تلك المحبة ، والتضحيات في سبيلها موقوفة على مواطن العز والانتصار ؛ بل ظهرت حتى في حال الهزيمة والانكسار ، واسألوا أُحُدا ينبئكم عن ذلك ، ويخبركم أن سبعة من الأنصار استماتوا في الدفاع عن النبي  صلى الله عليه وسلم  لما أحاط به المشركون حتى قتلوا عن آخرهم ، ولهم الجنة بقول النبي  صلى الله عليه وسلم  ( من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة ) فكان هؤلاء السبعة هم ممن ردوا المشركين عنه حتى جادوا بأرواحهم فداء له - عليه الصلاة والسلام -0وشُلَّت يد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في أحد من شدة صموده دفاعا عن النبي 0صلى الله عليه وسلم  وكان أبو طلحة الأنصاري- رضي الله عنه- رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل فيقول النبي صلى الله عليه وسلم  : انثرها لأبي طلحة ، ويشرف النبي  صلى الله عليه وسلم  ينظر إلى القوم وأبو طلحة يحميه ويدرأ عنه المشركين بالنبال ، فيقول أبو طلحة: ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك)                                                                                    
والشاعر منهم كان يدافع عنه - عليه الصلاة والسلام - بالشعر كما كان حسان -رضي الله عنه- يفعل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم    يقول له : ( اهجهم وجبريل معك )
ولم تكن محبته -عليه الصلاة والسلام- حكرا على الرجال من الصحابة-رضي الله عنهم- ، بل كان لنسائهم- رضي الله عنهن- حظ أوفى من تلك المحبة ؛ ابتداء بأمهات المؤمنين -رضي الله عنهن -حين خيرهن الله تعالى بين البقاء معه -عليه الصلاة والسلام- والصبر على شظف العيش ، وقلة المئونة ، وشدة الحال ، وبين الفراق والتمتع بطيبات الدنيا ، فاخترنه -عليه الصلاة والسلام - على متاع الدنيا ،
قالت عائشة- رضي الله عنها-: فبدأ بي أول امرأة فقال: إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ، قالت -رضي الله عنها-: قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك ثم قال- عليه الصلاة والسلام- إن الله تعالى قال ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) قالت عائشة - رضي الله عنها- :أفي هذا أستأمر أبوي ؟! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة ) رواه الشيخان
 ورضي الله عن أمهات المؤمنين وأرضاهن ، اخترنه -عليه الصلاة والسلام- على الدنيا وزينتها ، فلا عجب حينئذ أن يمر شهران كاملان لا توقد النار للطبخ في بيوتهن وما يجدن إلا التمر والماء ، وما شبعن من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض النبي - عليه الصلاة والسلام - ، وما ضجرن ولا اشتكين لأنه الأمر الذي اخترنه ، ونعم الاختيار اختيارهن!!
 وللصحابيات الأخريات- رضي الله عنهن -حظهن من محبة النبي صلى الله عليه وسلم  ، وتقديمه على الآباء والأزواج والأبناء والإخوان ؛ كما فعلت إحدى الأنصاريات لما قتل أقرب الناس إليها في أحد فما سألت إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم    ، قال أنس - رضي الله عنه -:( لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة قالوا: قتل محمد حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة فخرجت امرأة من الأنصار متحزمة فاستقبلت بابنها وأبيها وزوجها وأخيها لا أدري أيهم استقبلت به أول ، فلما مرت على آخرهم قالت: من هذا ؟ قالوا: أبوك أخوك زوجك ابنك ، وهي تقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم   ؟ فيقولون: أمامك ، حتى دفعت إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم    فأخذت بناحية ثوبه ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذ سلمت من عطب )
وهم -رضي الله عنهم- ما أحبوه هذه المحبة الصادقة إلا لأنهم آمنوا به وصدقوه ، وأيقنوا أنه رسول الله تعالى إليهم ، ولو أخبرهم بما لم يعتادوا وقوعه لصدقوا خبره ، وأولهم تصديقا أبو بكر- رضي الله عنه- حتى نعت بالصديق على إثر حادثة الإسراء والمعراج ؛ إذ كذب المشركون ذلك واستعظموه ، واستهزءوا بالنبي صلى الله عليه وسلم    ، وقالوا لأبي بكر- رضي الله عنه -  ( هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، قال أبو بكر- رضي الله عنه- : أو قال ذلك؟ قالوا:نعم ، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق ،قالوا: أَو َتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة )رواه الحاكم وصححه
وكانوا - رضي الله عنهم- أسرع الناس امتثالا لما يقول ، روى نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم    : (لو تركنا هذا الباب للنساء ، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات) رواه أبو داود
و كان من توقير الصحابة- رضي الله عنهم- للنبي  صلى الله عليه وسلم    وتعظيمهم له : أنهم يلتزمون الأدب بحضرته ، ولا يتكلمون أو يفعلون الفعل إلا بإذنه0
وبلغ من أدبهم معه - عليه الصلاة والسلام -أن الراوي يُشبِّه هدوءهم وسكينتهم بمن على رؤوسهم الطير قال البراء  بن عازب - رضي الله عنه - يصف حضورهم جنازة يجهز لحدها :   ( فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله  صلى الله عليه وسلم    وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير)
ولم تكن سكينتهم تلك حال حضور الجنازة فحسب ، أو لمكان القبر من القلب ؛ إذ كان ذلك حالهم حتى في مجلسهم معه أثناء تحديثهم وتعليمهم أمور دينهم قال أسامة بن شريك - رضي الله عنه -  ( كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم    كأن على رؤوسنا الرَخَم ، ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه ناس من الأعراب فقالوا: يا رسول الله أفتنا في كذا،أفتنا في كذا )
وإذا حدث الواحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم    أخذته هيبة عظيمة ، حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم    إجلالا لحديثه ، كما روى عمرو بن ميمون فقال: ما أخطأني عشية خميس إلا آتي عبد الله بن مسعود فيها ، فما سمعته بشيء قط يقول: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم    حتى إذا كان ذات عشية قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم    ثم نكس فرفع رأسه ، فرأيته محلول أزرار قميصه ، قد انتفخت أوداجه ، واغرورقت عيناه ، فقال: أو فوق ذلك أو دون ذلك أو قريبا من ذلك أو شبه ذلك) رواه الطبراني

الخطبة الثانية
وبلغ من أدبهم معه أنهم  يقرعون بابه إن أرادوه بالأظافير ، وما كانوا يرفعون أصواتهم بحضرته - عليه الصلاة والسلام - ، ومن كان جهوري الصوت منهم جاهد نفسه على خفض صوته بعد نزول آية الحجرات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }الحجرات2 قال ابن الزبير - رضي الله عنهما- ( فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم     بعد هذه الآية حتى يستفهمه خشية حبوط العمل) رواه البخاري
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- أن النبي  صلى الله عليه وسلم     افتقد ثابت بن قيس فقال رجل: (يا رسول الله أنا أعلم لك علمه ، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه فقال له: ما شأنك ؟ فقال: شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي  صلى الله عليه وسلم    فقد حبط عمله وهو من أهل النار ، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم     فأخبره أنه قال كذا وكذا ، فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال: اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة) رواه البخاري
وكانوا  -رضي الله عنهم- يتفقدون أحوال النبي صلى الله عليه وسلم    ، ويتألمون لآلامه ، ويبذلون الغالي والنفيس لأجله ، وفي غزوة الخندق رأى جابر- رضي الله عنه - بالنبي  صلى الله عليه وسلم  الجوع فانكفأ إلى امرأته وقال ( هل عندك شيء فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم    خمصا شديدا ) رواه الشيخان

وإذ ذاك كان النبي صلى الله عليه وسلم    قد عصب بطنه بالحجارة ، ولم يذق طعاما ثلاثة أيام مما جعل جابرا يقول لامرأته  ( رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم    شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء ) ثم ضيفه جابر فضيف النبي صلى الله عليه وسلم    أهل الخندق كلهم على وليمة جابر وطرح الله تعالى البركة في طعامهم فشبعوا..

وفي غزاة أخرى أمرهم النبي  صلى الله عليه وسلم  بالمسير كل الليل ، قال أبو قتادة - رضي الله عنه -  ( فبينما رسول الله   صلى الله عليه وسلم  يسير حتى إبهار الليل وأنا إلى جنبه قال: فنعس رسول الله  صلى الله عليه وسلم    فمال عن راحلته ، فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته ، قال: ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته قال: فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته ، قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين الأوليين حتى كاد ينجفل فأتيته فدعمته ، فرفع رأسه فقال: من هذا ؟ قلت: أبو قتادة ، قال: متى كان هذا مسيرك مني ؟ قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة ، قال: حفظك الله بما حفظت به نبيه ) رواه مسلم
وربما بكى أحدهم لحال النبي صلى الله عليه وسلم    كما وقع من عمر- رضي الله عنه- ؛يقول  -رضي الله عنه- ( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير قال: فجلست فإذا عليه إزار ليس عليه غيره ، وإذا الحصير قد أثر في جنبه فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم    فإذا بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظ في ناحية الغرفة وإذا أفيق - وهو الإهاب الذي قد ذهب شعره ولم يدبغ - فابتدرت عيناي فقال: ما يبكيك يا ابن الخطاب ، قلت: يا نبي الله ، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك ولا أرى فيها إلا ما أرى ، وذلك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله وصفوته وهذه خزانتك قال: يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا ؟ قلت: بلى) رواه ابن حبان
وقال مصعب بن عبد الله: "كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يومًا في ذلك، فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليَّ ما ترون، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر، وكان سيد القراء، لا نكاد نسأله عن حديث أبدًا إلا يبكي حتى نرحمه، ولقد كنت أرى جعفر بن محمد، وكان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفرَّ، وما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة، ولقد اختلفت إليه زمانًا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليًا وإما صامتًا وإما يقرأ القرآن، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله عز وجل، ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيُنظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم، وقد جف لسانه في فمه هيبة منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينية دموع، ولقد رأيت الزهري وكان من أهنأ الناس وأقربهم فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرفك ولا عرفته، ولقد كنت آتي صفوان بن سليم وكان من المتعبدين المجتهدين فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه" ( الشفا 2-27 )
هكذا كانت سيرة القوم مع نبينا -عليه الصلاة والسلام- ورضي الله عنهم وأرضاهم ؛ ولذا شرفوا بصحبته ، وعسى أن نأخذ العبر من سيرتهم ، ونستن بسنتهم ، ونقتفي أثرهم ، ونبرأ إلى الله تعالى ممن تبرأ منهم0
ونقول في الاخير : آلا ان المحبة الاتباع ، آلا ان المحبة الاتباع ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) ( كل الناس يدخلون الجنة ، الاّ من أبى ، قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى )

الجمعة، 22 فبراير 2019

الدعاء وموانع الإجابة

( الدعاء وموانع الاجابة ) 
مِن أعظم ما نستعينُ به في جلب ما تصبو إليه نُفُوسنا من الخير، أو دفع ما نجد ونُحاذر من الشرِّالدُّعاء، فمتى ما توفرت الشُّروط وانتفت الموانع وتأدَّب الداعي بآداب الدُّعاء، استجاب الله الدعاء.
 فلْنَخترِ الأوقاتَ التي هي مظنَّة الإجابة، وهي الثُّلث الأخير من اللَّيل؛ حيثُ ينزل ربُّنا في الثُّلث الأخير من اللَّيل إلى السماء الدُّنيا، نزولاً يليقُ بجلاله، فيقول: ((مَن يدعوني، فأستجيبَ له، مَن يسألني، فأعطيه، مَن يستغفرني، فأغفر له))، فما لنا في هذا الوقت الفاضل من الغافلين؟!
 ومن مظنة إجابة الدُّعاءعند الأذان، وبين الأذان والإقامة؛ فعن أنس قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الدُّعاء لا يردُّ بين الأذان والإقامة؛ فادعوا))؛ رواه الإمام أحمد، (12174)، بإسناد حسن، 
فلْندعُ في صلاتِنا في سجودنا، وقبل السَّلام نسألُ ربَّنا مِن خَيْرَيِ الدُّنيا والآخرة، فأقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجد.
دبر الصلوات المكتوبات وفي حديث أبي أمامة " قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال جوف الليل الآخر ، ودبر الصلوات المكتوبات" رواه الترمذي (3499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ... والمقصود قبل السلام من الصلاة 
 ولْنَدعُ خارجَ الصَّلاة قبل إقامة الصلاة،، حينما لا تحضر إلاَّ بعد الإقامة، فقد حرمت نفسك هذا الوقت الفاضل، وفوَّتَ عليك الشيطانُ خيرًا كثيرًا.
عند الدعاء بـ" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له " رواه الترمذي وصححه في صحيح الجامع (3383)
الدعاء عند المريض : فقد أخرج مسلم (919) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : قال صلى الله عليه وسلم : " إذا حضرتم المريض فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون .. قالت : فلما مات أبو سلمة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أبا سلمة قد مات، فقال لي : قولي : اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة " قالت : فقلت فأعقبني الله من هو خير لي منه ، محمداً صلى الله عليه وسلم ".
دعوة المظلوم وفي الحديث : " واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " رواه البخاري (469) ومسلم (19) وقال عليه الصلاة والسلام : " دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ؛ ففجوره على نفسه " رواه أحمد وانظر صحيح الجامع (3382).
دعاء الوالد لولده – أي : لنفعه - ودعاء الصائم في يوم صيامه ودعوة المسافر فقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاث دعوات لا ترد : دعوة الوالد لولده ، ودعوة الصائم ودعوة المسافر " رواه البيهقي وهو في صحيح الجامع (2032) وفي الصحيحة (1797).
دعوة الوالد على ولده – أي : لضرره - ففي الحديث الصحيح : " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده " رواه الترمذي (1905) وانظر صحيح الأدب المفرد (372)
 لنجتهدْ في الدُّعاء يومَ الجمعة، ففيه ساعة الإجابة؛ فعن أبي هريرة: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذكر يوم الجمعة، فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو يُصلي، يسأل الله شيئًا؛ إلاَّ أعطاه إيَّاه))، وأشار بيده يقلِّلها؛ رواه البخاري (935)، ومسلم (852).
 وهذه الساعة آخر النَّهار من يوم الجمعة؛ ففي حديث أبي هريرة قال: "قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خير يوم طلعت فيه الشمس، وفيه ساعة لا يُصادفها عبدٌ مسلم وهو يصلي، يسأل الله حاجةً؛ إلاَّ أعطاه إيَّاها))، فقال عبدالله بن سلام لأبي هريرة: هي آخر ساعة من يوم الجمعة؟ فقال: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة، وقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يُصادفها عبدٌ مُسلم وهو يُصلي))، وتلك الساعةُ لا يُصلَّى فيها؟فقال عبدالله بن سلام: ألم يقُلْ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن جلس مجلسًا ينتظر الصلاة، فهو في صلاة حتَّى يصلي))، قال: فقلت: بلى، قال: هو ذاك"؛ رواه أبو داود (1046)، ورواته ثقات.
ولْنحرصْ على رَفْع اليدين أثناءَ الدُّعاء فيما لم يردْ فيه نَهي؛ فعن سَلْمان الفارسي، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ اللهَ حييٌّ كريم، يستحيي إذا رَفَعَ الرجلُ إليه يديه أنْ يردَّهما صفرًا خائبتين))؛ رواه الترمذي (3556)، 
 ولنفتتح دعاءنا بحمد الله والثَّناء عليه وسؤاله بأسمائه الحسنى، لا سيَّما ما دلَّ الدليلُ أنَّه مظنة الإجابة؛ فعن بريدة قال: سمع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً يدعو، وهو يقولاللهم إنِّي أسألك بأنِّي أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، قال: فقال: ((والذي نفسي بيده، لقد سأل اللهَ باسمه الأعظم، الذي إذا دُعِيَ به، أجاب، وإذا سُئل به، أعطى))؛ رواه الترمذي (3475) بإسناد حسن.
 ومِن أسبابِ الإجابة: البر بالوالدين؛ فعن أُسَيْر بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمدادُ أهل اليمن، سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتَّى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: مِن مراد، ثُمَّ من قَرَن؟ قال: نعم، قال: فكان بكَ برص، فبَرَأْتَ منه إلاَّ موضعَ دِرْهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة، قال: نعم، قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((يأتي عليكم أُوَيْسُ بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قَرَن، كان به برصٌ فَبَرَأَ منه إلاَّ موضع دِرْهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسمَ على الله، لأَبَرَّه، فإنِ استطعتَ أن يستغفر لك، فافعل))؛ فاستغفرْ لي فاستغفرَ له"؛ رواه مسلم (2542).
 فإذا اجتمعَ مع الدُّعاء حُضُورُ القلبِ وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة، وصادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الربِّ، وذُلاًّ له، وتضرُّعًا بين يديه ورقَّة، واستقبل الدَّاعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله - تعالى - وبدأ بحمدِ الله والثَّناء عليه، ثُمَّ ثنَّى بالصلاة على محمد عبده، ثم قدم بين يدي حاجته التَّوبة والاستغفار، ثُمَّ دَخَل على الله وألَحَّ عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبةً ورهبةً، وتوسَّل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، فإنَّ هذا الدُّعاء لا يكاد يردُّ أبدًا، لا سيَّما إنْ صادف الأدعية، التي أخبر النبي أنَّها مظنة الإجابة، أو أنَّها متضمنة للاسم الأعظم.
الخطبة الثانية : 
 يقول ربُّنا﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، ويقول سبحانه وتعالى﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، فهذا وعدٌ من اللهِ، والله لا يُخلفُ وعدَه، فإذا دعوناه، ولم يستجب لنا، فلنفتشْ في أنفسنا، ولْنعلمْ علمَ اليقين أنَّنا أوتينا من قِبَل أنفسنا، فلم يُستجب دعاؤنا؛ لخلل فينا.
 فقد يتخلف أثر الدُّعاء، ولا يُجاب السُّؤال، فلا يحصل المأمول، ولا يندفع المحذور؛ إمَّا لضعف القلب وعدم إقباله على الله، واجتماعه عليه وقتَ الدُّعاء، فيكون الدعاء باللِّسان والقلبُ لاهٍ غافلٌ حينَ الدُّعاء، كحال بعض المسلمين منَّا في دُعائنا في الصَّلاة وخارجها؛ فعن عبدالله بن عمرو: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة؛ واعلموا ان الله لا يستجيبُ دعاء من قلبٍ غافلٍ لاه ))صحيح الترغيب
 وإمَّا لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم )) ايُّها الناس، إنَّ اللهَ طيبٌ، لا يقبل إلاَّ طيبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثُمَّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يَمدُّ يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام وَغُذيَ بالحرام، فأنَّى يُستجابُ لذلك؟!))؛ رواه مسلم (1015).
 وإمَّا للاستعجال في طلب الإجابة، فلْيُلحَّ الواحد منَّا بحوائجه على ربِّه ولا يستبطئ الإجابةَ، فرُبَّما تأخرت الإجابة فترة، فيترك الداعي الدُّعاء؛ فعن أبي هريرة: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقولدعوت فلم يستجب لي))؛ رواه البخاري (6340).
 وإمَّا لضَعفه في نفسه، بأنْ يكونَ الدُّعاء مِمَّا لا يُحبه الله؛ لما فيه من العدوان والظلم.
 ومن موانع الدُّعاء: الاستثناء في الدعاء، فتجد البعض اعتاد قولَ: إنْ شاء الله في الدُّعاء، فما يدعو لنفسه أو لغيره إلاَّ ويختم دعاءه بقول: إن شاء الله، وقد نُهينا عن ذلك؛ فعن أبي هريرة: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا دعا أحدُكم، فلا يقل: اللَّهم اغفرْ لي إن شئت؛ ولكن ليعزمِ المسألة، وليعظم الرغبة، فإنَّ الله لا يتعاظمه شيء أعطاه))؛ رواه البخاري (6339)، ومسلم (2679)
واعلموا  ان للدعاء أرباحاُ قد تكون غير مرئية ..
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا " قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ الالباني صحيح  

فليس الخير دائما كما نظن , في إجابة سؤالنا وتحقيق طلبنا

فربما..لم يجبنا لأننا لا نعلم ما رده الدعاء عنا من بلاء , وما جرى من تصارع بين البلاء النازل والدعاء الدافع , الذي إنتهي بنجاتنا ودفع الشر عنا ,فحمدا لله على سلامتنا جميعا..

وربما..لم يجبنا لأنه سبق في علمه أن كفة حسناتنا لن ترجح يوم القيامة , إلا أن يوزن فيها أجر الدعاء المؤجل..
فإذا رأينا يوم القيامة أن ما أجابه الله لنا من دعاء ذهب أجره ,وما لم يجبنا فيه قد بقي ثوابه ..تمنى العبد ان لم تجب له دعوة قط ..!!

وربما..لم يجبنا لسابق علمه أن الخير في صرف هذا المطلوب عنك ,فهو وحده المطلع على الغيب , ولذا فهو الأدرى بما ينفعنا ويصلحنا ,فإذا كان المطلوب مالا فلربما أطغانا وأفسدنا,و إن كان ولدا فلربما كبر عاقا فأعيانا وأجهدنا , وإن كان عملا أو وظيفة فلربمافتحت لنا بابا للحرام أردانا وضيعنا ,فكم من محبوب في مكروه , ومكروه في محبوب ولا يعلم ذلك إلا الله ..

وربما..لم يجبنا لأنه أراد أن يصل حبالا قطعناها ووشائج هجرناها , فألجأنا إليه حتى يسمع همساتنا في الأسحار , ويرى دمعاتنا المدرار , فيغسل ذنوبا لا يغسلها سوى دموع الأسى على ما فات ,والندم على ما إنقضى ..

وهو ما تم إيجازه في قول إبن عطاء في قوله :" لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك ,فهو قد ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك , لا فيما تختاره لنفسك , وفي الوقت الذي يريد , لا الوقت الذي تريد "..

الاثنين، 18 فبراير 2019

أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

خديجة بنت خويلد رضي الله عنها : 
خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية 
هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد ، يلتقي نسبها بنسب النبي صلى الله عليه وسلم في الجد الخامس قصي بن كلاب،وكانت أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهن شرفاً، وأكثرهن مالاً، تزوجها صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة كانت قبله عند أبي هالة  التميمي، وبقيت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أكرمه الله برسالته، فآمنت به ونصرته، فكانت له وزير صدق، 
 
فهي ممن كمل من النساء فقد كانت عاقلة جليلة مصونة كريمة من أهل الجنة، وكان صلى الله عليه وسلم يثني عليها ويفضلها على سائر نسائه رضي الله عنهن ويبالغ في تعظيمها، فلم يتزوج امرأة قبلها، وكل أولاده منها إلا إبراهيم رضي الله عنه... كما لم يتزوج صلى الله عليه وسلم عليها امرأة قط، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها رضي الله عنها فكانت وفاتها قبل الهجرة بثلاث سنين

زواجها من النبي عليه الصلاة والسلام :  في الجاهلية وقبل لقاء رسول الله عليه الصلاة والسلام كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- امرأة ذات مال وتجارة رابحة، فكانت تستأجر الرجال لتجارتها وتبعثها إلى الشام، ومرت الأيام ووصل إلى مسامعها ذكر "محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام " كريم الأخلاق، الصادق الأمين، وكان قلَّ أن تسمع في الجاهلية بمثل هذه الصفات، فأرسلت إليه وعرضت عليه الخروج في مالها تاجرًا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار.
وحينها قَبِل ذلك منها عليه الصلاة والسلام ، وخرج في مالها ومعه غلامها "ميسرة" حتى قدم الشام، ثم باع رسول الله عليه الصلاة والسلام سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد، ولما قدم مكة على السيدة خديجة بمالها باعت ما جاء به، فربح المال ضعف ما كان يربح أو أكثر.
وأخبرها ميسرة عن كرم أخلاقه عليه الصلاة والسلام وصفاته المتميزة التي وجدها فيه أثناء الرحلة، فرغبت في الزواج منه، فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، والسيدة خديجة يومئذ بنت أربعين سنة وهو المشهور من الروايات 
.
وظلا معًا إلى أن توفاها الله وهي في الخامسة والستين، وكان عمره عليه الصلاة والسلام في الخمسين، وهي أطول فترة أمضاها النبي مع هذه الزوجة الطاهرة من بين زوجاته جميعًا،  - 
كانت أقرب زوجاته إليه؛ فلم يتزوج عليها غيرها طوال حياتها، وكانت أم ولده الذكور والإناث إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية رضي الله عنها، فكان له منها عليه الصلاة والسلام القاسم وبه كان يُكنَّى، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
 

اسلامها :
كانت خديجة رضي الله عنها أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من النساء والرجال وهذا بإجماع المسلمين .
- قال ابن إسحق كانت خديجة أول من آمنت بالله ورسوله وصدقت ما جاء من عند الله عز وجل وآزرته على أمره فخفف الله بذلك عن رسوله ، فكان لا يسمع شيئاً يكرهه من رد عليه ، وتكذيب له ، فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها ، إذا رجع إليها تثبته وتخفف عليه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت رضي الله عنها .

الموقف الرائع  الحكيمة العاقلة : 

ومن مواقفها العظيمة - رضي الله عنهما -: ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عائشة- رضي الله عنهما – قالت : أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ،.... ثم قال في آخر الحديث: 

فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَقَالَ: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي"، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي" 

فَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَ مَا رَأَى...


           وقفت السيدة خديجة رضي الله عنها بجانب النبي صلى الله عليه وسلم ، وانضمَّت إليه في شعب أبي طالب . 
        بذلت رضي الله عنها مالها لتؤمِّن ما تستطيع من طعام المسلمين ـ السيدة خديجة بذلت مالها لتؤمن ما تستطيع من طعامٍ للمسلمين ـ خلال سنوات مقاطعة ، واستعانت لهذا الأمر بابن أخيها حكيم بن حزام رضي الله عنه ، وكان حينئذٍ لا يزال على شركه ، لم يسلم بعد .
كان يشتري الطعام ، ويرسله إلى عمته السيدة خديجة ليلاً فتدخله على أهل الشعب المحاصرين وتواسيهم به رضي الله عنها

فضائلها : 

ما رواه الحاكم بإسناده إلى عفيف بن عمرو قال ( كنت امرءاً تاجراً، وكنت صديقاً للعباس بن عبد المطلب في الجاهلية فقدمت لتجارة فنزلت على العباس بن عبد المطلب بمنى فجاء رجل فنظر إلى الشمس حين مالت فقام يصلي ثم جاءت امرأة فقامت تصلي ثم جاء غلام حين راهق الحلم فقام يصلي فقلت للعباس من هذا؟ فقال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي يزعم أنه نبي ولم يتابعه على أمره غير هذه المرأة وهذا الغلام، وهذا المرأة خديجة بنت خويلد امرأته وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب. قال عفيف الكندي: وأسلم وحسن إسلامه لوددت أني كنت أسلمت يومئذ فيكون لي ربع الإسلام ) 

في هذا الحديث منقبة عظيمة لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها حيث كانت في السابقين الأولين إلى الإسلام فهي أول من آمن به صلى الله عليه وسلم من النساء.

ومن مناقبها التي انفردت بها دون سائر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج عليها حتى فارقت الحياة الدنيا.
فقد روى مسلم بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت ) لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت

انفردت خديجة بالرسول عليه الصلاة والسلام بخمسة وعشرين عاماً وهي نحو الثلثين من مجموع حياته، ومع طول المدة فصان قلبها فيها من الغيرة ومن نكد الضرائر الذي ربما حصل له هو منه ما يشوش عليه بذلك. وهي فضيلة لم يشاركها فيها غيرها

ومن مناقبها رضي الله عنها التي تدل على شرفها وجلالة قدرها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من ذكرها بعد موتها بالثناء عليها والمدح لها وما يسرها في حياتها حيث يصل من يودها.
فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالتما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد


وروى مسلم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت ) ما غرت للنبي صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما غرت على خديجة لكثرة ذكره إياها
وروى الإمام أحمد بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت فغرت يوماً فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيراً منها قال: ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء ) 

ومن مناقبها ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بأن حبه لها كان رزقاً من الله رزقه إياه : 
فقد روى مسلم في صحيحه بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت ( ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة وإني لم أدركها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة قالت: فأغضبته يوماً فقلت: خديجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد رزقت حبها ) 
قال الإمام النووي عند قوله صلى الله عليه وسلم ( رزقت حبها ) فيه إشارة إلى أن حبها فضيلة حصلت لها

ومما يدل على فضلها وجلالة قدرها أن الله سبحانه وتعالى أرسل إليها السلام مع جبريل وأمر نبيه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
فقد روى الشيخان بإسنادهما إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال( أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب ولا نصب ) 
وفي ذلك منقبتان عظيمتان لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها:
الأولى: إرسال الرب جل وعلا سلامه عليها مع جبريل وإبلاغ النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها .
الثانية: البشرى لها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
قال السهيلي : (لذكر البيت معنى لطيف لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث ثم صارت ربة بيت في الإسلام منفردة به فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم بيت إسلام إلا بيتها وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضاً غيرها،) 
وقوله صلى الله عليه وسلم( من قصب) قال ابن التين: المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف،
قال الحافظ وعند الطبراني في (الأوسط) من حديث فاطمة قالت قلت : ( يا رسول الله أين أمي خديجة؟ قال: في بيت من قصب. قلت: أمن هذا القصب؟ قال: لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت ) قال ابن كثير : غريب له شاهد في الصحيح
 
الخطبة الثانية : 

ومن مناقبها ما حظيت به رضي الله عنها من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتاح لسماع صوت من يشبه صوتها لما وضع الله لها في قلبه من المحبة رضي الله عنها

فقد روى الشيخان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت( استأذنت هالة بنت خويلد – أخت خديجة - على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال: اللهم هالة قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدل الله خيراً منها ) 
وخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في الشعب عن عائشة قالت: جاءت عجوز إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو عندي، فقال لها رسول اللهمن أنت؟ قالت: أنا خثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله) فلما خرجت قلت: يا رسول الله! تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟! فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان.

ومن مناقبها ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنها رضي الله عنها خير نساء هذه الأمة: فقد روى البخاري بإسناده إلى علي رضي الله عنه قالسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولخير نسائها مريم وخير نسائها خديجة
وعند مسلم بلفظ( خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد) قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض
 
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " [ رواه أحمد والطبراني وغيرهما ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1135 ]
 
وفاتها رضي الله عنها : توفيت خديجة قبل الهجرة بثلاث سنين ، وهذا هو الأصح .
وكانت يوم توفيت بنت خمس وستين سنة ، ودفنت في الحجون ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حفرتها ، ولم تكن شرعت الصلاة على الجنائز [ يراجع ذلك في الإصابة والاستيعاب والطبقات وغيرها ] .

وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة بعد موتها : 
قد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ما لم يثن على غيرها ، فتقول عائشة رضي الله عنها : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة ، فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة ، فقلت : هل كانت إلا عجوزاً ، قد أبدلك الله خيراً منها ، فغضب ثم قال : " لا والله ما أبدلني الله خيراً منها ، آمنتْ بي إذْ كفرَ الناس ، وصدَّقتني إذ كذّبَني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمنـي الناس ، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء " قالت عائشة : فقلتْ في نفسي : لا أذكرها بعدها بسبّةٍ أبداً " .
1