( خطر المنافقين على المجتمع الاسلامي )
- الخطبة الاولى :
أيها الناس: من رحمة الله تعالى بنا، وإحسانه إلينا، وتعليمه إيانا أن بين لنا حقيقة أعدائنا من إخواننا، ووضح لنا من يمكر بنا ممن ينصح لنا، وأمرنا بموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، ولم يترك ذلك لعقولنا واجتهاداتنا، وإلا لضللنا وانحرفنا؛ فربنا جل في علاه ذكر في كتابه المنزل أن البشر فريقان: الرسل وأتباعهم، والشياطين وأولياؤهم، ولا فريق غير هذين الفريقين.
وأتباع الرسل عليهم السلام هم من آمنوا بهم وصدقوهم واتبعوا شرائعهم، وهم في هذا الزمن أتباع خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به اعتقادا وقولا وعملا، ولم يخرجوا عن شريعته، ولا كرهوا شيئا من دينه، ولا استدركوا على حكم من أحكامه، بل آمنوا وأذعنوا وسلموا وانقادوا [إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {النور:51}
وأما الفريق الآخر فهم أعداء الرسل عليهم السلام، الذين كذبوهم، أو رفضوا شيئا من شرائعهم، أو استدركوا على ما جاءوا به من أحكام، وهم بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم المشركون، وكفار أهل الكتاب اليهود والنصارى، والمنافقون وهم الزنادقة والمرتدون، وهؤلاء كلهم يدٌ واحدة على المؤمنين، بعضهم أولياء بعض، ومن تولاهم من المؤمنين فهو منهم كما جاء ذلك صريحا في القرآن الكريم.
المتأمل للتاريخ يدرك أن أعظم المصائب التي حلت بالمسلمين أفراداً ومجتمعات ودولاً، إنما حلّت بهم عن طريق النفاق والمنافقين.
أيها المسلمون، لقد افتتح ابن سلول طريق النفاق ثم سارت فيه من بعده أفواج المنافقين عبر التاريخ، وفي عصرنا الراهن لا تخطئ العين ملامح العلمنة والنفاق الظاهر المتظاهر مع الكفار في القضايا الكبرى من قضايا المسلمين،
ولايزال المسلمون يرون صوراً من النفاق في أماكن شتى سلخها المنافقون لصالح الكافرين عن هويتها الإسلامية وبنيتها الاعتقادية ، فيخطئ من يظن أن النفاق الذي أفاض القرآن في الحديث عنه وأسهب في التحذير منه كان يمثل مرحلة تاريخية انقضت بدخول الناس في دين الله أفواجاً.
إن القرآن الكريم الذي أُمر النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه بجهاد المنافقين سيظل يُتلى إلى يوم الدين بقول الله تعالى: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ جَـاهِدِ الْكُفَّـارَ وَالْمُنَـافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73]، والآية تدل على أن النفاق سيظل موجوداً وسيظل محسوساً ملموساً من أشخاص وهيئات ودول تُرى فيهم آيات النفاق.
قال ابن القيم رحمه الله: "فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه، وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه، وكم من عَلم له قد طمسوه، وكم من لواءٍ له مرفوع قد وضعوه، وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها ، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية، ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون".
أيها المسلمون، لقد كان للنفاق دور بارز في إسقاط الخلافة العباسية في حادثة من أبشع حوادث التاريخ ذكرها بتفاصيلها وآلامها الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ( قصة الوزير ابن العلقمي )
هكذا النفاق، يقوض أركان الدول إذا لم يُنتبه له، وهذه أحد حيل المنافقين في التخريب والإفساد وهو إدخال العدو إلى داخل الدولة المسلمة، والتمكين له بالعبث داخل المجتمع المسلم، حتى ينهار ذلك المجتمع أو تسقط تلك الدولة.
وإدخال العدو للبلد قد يكون حسياً، كما فعل ابن العلقمي وذلك بإدخاله مباشرة بقضّه وقضيضه ليمارس هو الإفساد والقتل مباشرة، والقضاء على المسلمين بسرعة. أو يكون معنوياً فيكون القتل بطيئاً وذلك بإدخال فكره وثقافته وترويجها بين الناس ونشرها عن طريق الطابور الخامس، وهم المنافقون والشهوانيون والعلمانيون، فيقومون هؤلاء بتهيئة الجو وخلخلة الثوابت والأسس حتى يتحلل المجتمع تدريجياً ويتمكن العدو مما يريد بطريقة غير مباشرة، لعب فيها النفاق دوراً بارزاً وكبيراً.
إن بلية الإسلام بالمنافقين شديدة جدّاً، لأنهم منسوبون إليه، وهم أعداؤه في الحقيقة، يُخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وصلاح، وهو غاية الجهل والإفساد.
المنافقون هم أولياء الكافرين، أعداء المؤمنين، يمكرون بهم، ويدلون على عوراتهم، ويطعنون في دينهم، ويتصلون بأعدائهم، وقد جاء في القرآن ما يدل على أنهم لا يريدون الخير بالمؤمنين، ويتربصون بهم الدوائر، ويفرحون بمصابهم، ويحزنون لنصرهم، ويريدون الكفر لهم، قال الله تعالى في المنافقين [إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا] {آل عمران:120} وتتلخص حقيقة المنافقين في قول الله تعالى [هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ] {المنافقون:4}.
إن منافقي زماننا هذا لا يخرجون عن أوصاف المنافقين المذكورين في القرآن؛ فهم يكرهون شريعة الله تعالى وينفرون من التحاكم إليها [وَإِذَا دُعُوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ] {النور:48} .
لقد حذّر القرآن الكريم من النفاق وصفات المنافقين في آيات كثيرة، فكان الحديث عن النفاق والمنافقين في القرآن في سبع عشرة سورة مدنية من ثلاثين سورة، واستغرق ذلك قرابة ثلاثمائة وأربعين آية، حتى قال ابن القيم رحمه الله: "كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم".
ومما يوجب مزيد الحذر من المنافقين أنهم كثيرون منتشرون في بقاع الأرض، كما قال ابن القيم رحمه الله: "كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم، لكثرتهم على ظهر الأرض، ،
انه لا فارق بين نفاق الأمس ونفاق اليوم من حيث الجوهر، أما الظروف فقد اختلفت، فالنفاق بالأمس البعيد أيام تمكين الدين كان ذُلاً يستخفي، وضعفاً يتوارى ، وخضوعاً مقموعاً يمثله عمالقة أقزام ، حيات وعقارب موطوءة تكاد ألاّ تنفث السم إلاّ وهي تلفظ الحياة.
كان تمكين الدين وقتها يمكّن المؤمنين من جهاد أولئك الأسافل باليد واللسان والقلب وبإقامة الحدود، فلا يُرى أحدهم إلاّ وهو محاصر مكدود، أو محدود مجلود.
أما اليوم، فالنفاق صرح ممرد، وقواعد تتحرك، وقلاع تُشيّد، إنه اليوم دولة بل دول ذات هيئات وأركان، إنه أحلاف وتكتلات وكيانات، بل معسكرات ذات قوة وسلطان، سلطان سياسي واقتصادي وإعلامي وثقافي، يمارس الضرار في كل مضمار
وأخيراً ما هو الموقف الشرعي تجاه المنافقين ؟ يتمثل ذلك في أمور:
أولاً: النهي عن موالاتُهم والرُكون إليهم
ثانياً: زجرُهم ووعظُهم:
ثالثاً: عدم المجادلة أو الدفاع عنهم
رابعاً: جهادُهم والغلظةُ عليهم
خامساً: تحقيرُهم وعدم تسويدُهم: فعن بريدة مرفوعاً: ((لا تقولوا للمنافق سيّد، فإنه إنّ يك سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل)).
سادساً: عدم الصلاة عليهم
- الخطبة الثانية :
فإذا كان واقع المسلمين اليوم في أكثر الأحوال لا يسمح بجهاد المنافقين بإقامة الحدود أو الإغلاظ عليهم لكف شرهم، فلا أقل من تعويض ذلك بجهادهم باللسان وما يقوم مقامه من كل وسيلة ترُدُّ ما يستطاع من كيدهم للدين، وإلا فإن ذلك النفاق سيظل يتوحش ويطغى حتى يهدد بهدم معالم الإيمان والدين في كل بلاد المسلمين.
إن الحرب بين المسلمين والغرب حرب مستمرة منذ عقود طويلة، واليوم ناب عنهم فيها منافقون علمانيون أصبحوا يحاربون الدين وأهله تارة باسم الحرب على الرجعية، وتارة على أعداء التقدمية، وتارة ضد المتطرفين والظلاميين والأصوليين، وأخيراً استقر اصطلاح المجرمين على تسمية الحرب ضد الإسلام بالحرب على الإرهاب موافقة لأسيادهم، وإلا فأين الغرب وحلفاؤهم من التحدث عن الإرهاب اليهودي في فلسطين، والإرهاب الهندوسي في كشمير، والإرهاب البوذي في مينمار، بل الإرهاب النصراني الغربي في االعراق وسوريا وغيرها من بلدان المسلمين.
هل كان بإمكان الغرب أن يقوم بهذه الحرب لوحده لولا وجود مخلصين له في الداخل؟ هل يستطيع الغرب وأمريكا أن تعلن وتنفذ بهذه الجرأة والشراسة والشمول لولا استنادها إلى مواقف أكثر جراءة وشراسة وشمولاً من المنافقين. وإلا فمن للغرب بالتدخل المباشر في الأحوال الداخلية لكثير من الدول في صوغ مناهجها والتحكم في إعلامها وتوجيه الرأي العام بها ومحاصرة الدعوة والإصلاح فيها ؟ ومن للغرب أن يجعل البلدان الإسلامية أرضاً مستباحة للأغراض العسكرية والاقتصادية والثقافية والمخابراتية وغيرها. إنهم المنافقون..الذين يتكلمون بألسنتنا ويتسمون بأسماءنا ولكنهم يهاجمون ديننا وعقديتنا وثوابتنا ..
بين موقفين : تسهيل افتتاح فصول لمدارس تحفيظ القرآن الكريم في المدارس العامة ، وهدم آخر مصلى لاهل السنة في طهران
وقد انتصر الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم- إمام وخطيب المسجد الحرام- للوزير واصفاً مَن عارضوه بسبب فتح فصول لتحفيظ القرآن الكريم بمدارس التعليم العام، بأن خصومتهم مع دين الله، لا مع مَن أقرها.
وقال الشيخ الشريم : الذين كرهوا إقرار تحفيظ القرآن بالمدارس إنما خصومتهم مع دين الله، لا مع مَن أقرها؛ فقد قال سلفهم (… لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).
فيما نفى الشيخ عبد الرحمن السديس عن الوزير تخبطه، قائلًا: "لم يكن عزام يتخبط في تيسير حفظ القرآن وتعميمه؛ بل هو من خير ما فعل. وقد جعل الله في فعله كشفًا لأستار بعض المنافقين ممن لم يطق السكوت".