أثار الذنوب والمعاصي
الخطبة الأولى :
أما بعد :
عباد الله إن الذنوب والمعاصي تضر القلب والبدن وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي ؟ ، فالذنوب والمعاصي ما حلت في ديار إلا أهلكتها ولا في قلوب إلا أعمتها ولا في أجساد إلا عذبتها ولا في أمة إلا أذلتها ولا في نفوس إلا أفسدتها.
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم إلى دار الأحزان والمصائب ؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء ؟ وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال ؟ وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى كأنهم أعجاز نخل خاوية ؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم ؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم فجعل عاليها سافلها ؟وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظل فما صار فوق رؤوسهم ؟ أمطر عليهم نارا تلظى ؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله ؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميرا ؟ كل ذلك بسبب ذنوبهم وعصيانهم ربهم قال صلى الله علية وسلم : ( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) رواه ابن حبان.
قال تعالى :( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) سورة الشورى آية (30)
قال تعالى : (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة الأنفال آية (63)
إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة )
وقال بشر الحافي : لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل
ومن أثار الذنوب والمعاصي حرمان العلم فإن العلم نور يقذه الله في القلوب .
قال الشافعي رحمه الله :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال أعلم بأن العلم نور ونور الله لا يعطاه عاصي
ومن شؤم المعصية أنه بلغ البر والبحر قال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) سورة الروم آية (41)
ومن شؤم المعاصي أنها تمنع القطر من السماء وتسلط السلطان قال صلى الله عليه وسلم : ( لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤن وجور السلطان ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ) صحيح ابن ماجه .
وقال مجاهد في قوله تعالى : (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) البقرة آية ( 159)
قال : دواب الأرض تلعنهم ، يقولون : يمنع عنا القطر بخطاياهم .
ومن عقوبات المعاصي أنها تورث الذل وتفسد العقل وتورث الهم وأعظم من ذلك كله تأثيرها على القلب .
كما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : [ إن العبد إذا أذنب ذنبا نكتت في قلبه نكته سوداء ،فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ،وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الران الذي ذكر الله في القران ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) ] رواه الترمذي.
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وأفضل من هذا قول الله تعالى : (أوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما ( إن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القبر، ووهنا في البدن، ونقصا ًفي الرزق، وبغضة في قلوب الخلق ).
اتقوا الله عباد الله ولا تقترفوا الذنوب ولا تتساهلوا بها قالت عائشة رضي الله عنها: (أقلوا الذنوب فإنكم لن تلقوا الله عز وجل بشيء أفضل من قلة الذنوب )
خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
واعلموا أن الذنب دين في ذمة فاعله لابد من أدائه .
قال أبو الدر داء : البر لا يبلى و الأثم لا ينسى .
وقال الفضيل بن عياض : ما عملت ذنبا إلا وجدته في خلق زوجتي ودابتي
ومن أضرار الذنوب أنها تثخن صاحبها عن العبادة .
قال الحسن : إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل .
وقال أبو سلمان الداراني : (لا تفوت أحد صلاة الجماعة إلا بذنب )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ،
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
أما بعد: عباد الله فكما أن الذنوب والمعاصي تمحق بركة العمر والرزق والعلم فكذلك التقوى والاستقامة تجلب البركة والخير على البلاد والعباد.
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)سورة الأعراف
وقال تعالى : (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) سورة الجن آية (16).
قال الحسن: لو استقاموا على طاعة الله وما أمروا به لكثر الله لهم الأموال حتى يغتنوا بها.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يقوم ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غفر الله له )صحيح الجامع.
ومن مكفرات الذنوب كثرة الخطى إلى المساجد فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ) ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ( إسباغ الوضوء على المكارة وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط )صحيح ابن حبان.
قال صلى الله عليه وسلم: (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر )رواه البخاري.
ومن مكفرات الذنوب إتباع السيئة الحسنة قال تعالى: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ). وقال صلى الله عليه وسلم: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحوها ) رواه البيهقي.
فيجب علينا معاشر المسلمين الإكثار من الأعمال الصالحة والمداومة عليها كي نزيد رصيدنا من الأعمال الصالحة وتنغمس ذنوبنا في بحر حسناتنا
تبقى مسألتان :
الاولى : أنه قد تنزل المصيبة والابتلاء بالعبد وهو مؤمن قائم بأمر الله عزوجل ، فهي لتكفير السيئات ورفع الدرجات
كما حصل مع الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وكما حصل مع اولياء الله الصالحين
الثانية : أنك قد ترى الكافر والفاجر على كفرهم وفجورهم ينعمون في الحياة الدنيا وتوسع لهم الارزاق والاموال والمراكب الفارهة
وفي كل يوم فجور ومعاصي وكفر وانحلال ، فأعلم أنه ليزدادوا إثما فوق اثمهم وخطايا فوق خطاياهم وأوزاراُ فوق اوزارهم
كما قال تعالى : (وَلَا يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوٓاْ إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ )
وفي قوله عزوجل : ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ (
مثلا ً: لو كان معه الف ريال فعصى الله الف معصية ، فأعطاه الله 10الالاف ريال ، فتجده يعصي الله 10 الالاف معصية ، هل ما اعطاه الله من المال نقمة أم نعمة ؟ لاشك أنه نقمة من حيث لا يشعر
لو عاش سنة فعصى الله الف معصية ومد الله له في عمره عشر سنوات فعصى الله عشرة الاف معصية ، العمر هنا أصبح مصيبة عليه ونقمة لا نعمه .. وفيه عبرة للمعتبرين