إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 18 أكتوبر 2018

حل مشكلات الطلاق

( علاجات مشكلة الطلاق ) 
اولاً: اختيار الشريك المناسب : إنّ كثيراً من الشباب لا يكترثون لمعايير اختيار الزوج أوالزوجة، فتلهيهم المظاهر الشكليّة أحياناً، كالمظهر الجميل للشخص، أو غنى أهل الزوج أو الزوجة، ولا يراعون بذلك الشكل الذي سترسى عليه حياتهم في المُستقبل، لذا يجب معرفة كيفيّة الاختيار السليم للشريك المناسب، والتأني والتفكيرالمنطقي من أجل ذلك. ( فاظفر بذات الدين ) و ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) الدين والخلق ، فأحياناً يكون الرجل ذو دين لكن فيه خلق غير مقبول كالبخل الشديد مثلاً او الغضب الذي لا يُحتمل فلابد من الانتباه الى مثل هذا الامر ، والزوجة قد تكون جميلة لكنها مهملة في حياتها ..فلابد من الاهتمام باختيار الطرف الاخر وأن يكون هناك تناسب بين الطرفين ، ولا تغرنكم المظاهر الخادعة وبهرجة الدنيا 
ثانياً : رؤية الخاطب لمخطوبته : أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة أن يرى الخاطب مخطوبته وكذا المخطوبة ترى خاطبها وهذا يؤدي إلى قناعة كل منهما بالآخر ومن ثم تؤدي هذه القناعة بدرجة كبيرة بالإضافة إلى ما سبق إلى نجاح الزواج واستمراره، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعلرواه أبو داود والحاكم بسند حسن.
ثالثاً: عدم الاجبار الى الزواج ، لا هذا يتزوج هذه لانها ابنة خالته ، ولا هذه تتزوج هذا لانهابن عمها ،او لان الام مقتنعة بالبنت او الاب صديق للاب... ولا لاي سبب فيه اجبار للطرفين ، فإن النتيجة ستكون في الغالب وخيمة وعاقبتها أليمة 
ثالثاً التثقف حول معاملة الزوجين : إنّ الجهل بكيفيّة التعامل بين الأزواج، غالباً ما يُفضي إلى العديد من المشكلات أبرزها عدم فهم متطلبات الزوجة أو الزوج ، أقامة دورات تثقيفية للطرفين في التعامل الزوجي والحياة الزوجية وطريقة تسييرها ، ولو قلنا بإلزام الزوجين بحضور مثل هذه الدورات  كإلزامهم بالفحص الطبي -  لكان في ذلك مصلحة كبيرة 
رابعاً : فيستحب تقليل المهور وعدم المغالاة فيها ، لما لها من أثر سلبي على الحياة الزوجية ، فزيادة الديون وما يترتب عليها من شقاق وخلاف بين الزوجين له أثر كبير في الطلاق ، فالرجل يتحمل احياناً ديون تثقل كاهله وتنكد حياته وتضيق عليه وقد تودي به الى مشاكل اكبر واكبر ، والنتيجة ان يقع الطلاق ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة ) رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح.
خامساً : التعامل فيما بين الزوجين وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم سواء بقيام كل من الزوج والزوجة بما عليه من حقوق وواجبات أو بحسن التعامل بين الزوجين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) رواه الطبراني بسند حسن.

وقد نهى النبي عن كل الأساليب التي تؤدي إلى تنافر الزوجين كالضرب المبرح أو في غير وقت النشوز أو قبل الوعظ والهجر الشرعي أو الضرب الذي لا يفيد أي من الزوجين بل لقد نهى عن ما هو دون ذلك وهو سب الزوج لزوجته وتقبيحها ونحو ذلك فقال (ولا يقبح) أي لا يقبح زوج زوجته بان يقول أنت قبيحة. كما أن على الزوجين أن يحرصا على إدخال الرفق على بيتهما فإن الرفق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه)، وقال صلى الله عليه وسلم (إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق).
كما أن على كل من الزوج والزوجة أن يبتعدا عن الغضب، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً عندما قال له أوصني قال (لا تغضب)، فكررها الرجل ثلاثاً وفي كل مرة يقول له النبي صلى الله عليه وسلم (لا تغضب). 

وعلى الزوجين أن يحتمل كل منهما للآخر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) رواه مسلم
وعلى كل من الزوجين أن يحرص على حل المشاكل والخلافات التي لا يكاد يخلو منها بيت، مع الاهتمام الكامل بحفظ أسرارهما الخاصة بهما وعدم إفشائها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم
لابد من الصبر والصبر والصبر في هذا الزمان ، الصبر من الطرفين ، الزوجة تصبر على زوجها والزوج يصبر على زوجته ، ( ما اعطي احد عطاء خير وأوسع من الصبر ) وعاقبة الصبر حلوة ، ( وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيرا ) التوجيه للطرفين الزوج والزوجة 
سادساً : المرأة العاملة خارج بيتها : بداية لنصحح مفهوم خاطئ عند كثير من الناس ، المرأة التي تقرّ في بيتها وتقوم على شؤون بيتها وزوجها وعيالها ليست امرأة عاطلة كما يدرجونها في الاحصائيات ، لا ، بل هذه تقوم بأعظم دور واكبر مهمة واخطر عمل ، تربية الابناء والحفاظ على الحياة الزوجية ، فلا يتفلسف متفلسف ويقول عن هذه المرأة انها عاطلة ونصف معطل وعالة على المجتمع ، بل هي على أعظم ثغر في المجتمع ..
نرجع الى حديثنا حول المرأة التي تعمل خارج بيتها ، لابد اولاً للمجتمع وانظمته وقوانينه أن يراعي مثل هذه المرأة ويضع القوانين وأوقات الدوام التي تحافظ على حياة هذه المرأة الزوجية ، فلا تضيع زوجها وأبناءها وقد تكون العاقبة الطلاق ، الدوام الطويل المرهق والذي يتعارض مع حياة الزوجة ومسؤولياتها قد يكون سبب من اسباب الطلاق ، العقلاء من الامةلابد أن يضعوا هذا في حسبانهم ، والمرأة إن ابتليت بعمل مثل هذا فلابد أن توازن وتحاول ان تسدد وتقرب وتفهم نفسية زوجها ، والزوج يراعي ذلك من زوجته ، هذا اذا كان العمل خارج المنزل ضرورة واحتياج لا يمكن التنازل عنه ..
سابعاً : ان لا يسمح كل من الزوجين بتدخل أحد في حياتهما سواء من قبل الأهل، أو الأصدقاء، أو الأقرباء. وقد تكلمنا عن هذا في الخطبة السابقة ، واشرنا الى نقطة مهمة وهي أنه واذا كان لا بد من تدخل الاهل ، فليتدخل الحكماء من الطرفين او من طرف واحد ، ولتكن مصلحة الحياة الزوجية والبيت والابناء هي الاصل ، وأن يكون العدل العدل هو سيد الموقف ..
ثامناً: من الحلول الوقائية أن الزوج يُبعد كلمة الطلاق عن لسانه ، وأن يجعلها ثقيلة عليه ، ولا يستسهلها  ، ولا يكثر الحلف بالطلاق على صغير الامور وكبيرها او التهديد به ، ولا يجعل المرأة تعيش جحيم
تاسعاً : التربية والتربية والتربية ، تربية الابناء منذ الصغر على معاني الرجولة وتحمل المسؤولية ، على مخافة الله والعدل والانصاف ، على العلم والفهم والمعرفة والاطلاع ، على امور كثيرة ، والبنات مثل ذلك ، التربية على تحمل المسؤولية واعمال البيت ومعرفة حق الزوج والام والاب في ذلك قدوة ، فالابناء يتشربون ما يرون في بيوتهم ويتربون عليه ، والاّجيل ( طيجني وصامولي وبنات الانستغرام ) كيف سيتحملون مسؤولية البيوت
الخطبة الثانية : انشاء هيئات حكومية واهلية ، بالاجر او بالتطوع للاصلاح الاسريوالتعامل مع مشاكل الاسرة وايجاد الحلول الناجحة
تاسعاً: كشفت دراسة سعودية حديثة عن وجود تأثير لوسائل التقنية الحديثة «جوالات، فضائيات، انترنت» على طبيعة العلاقة العاطفية بين الزوجين، مبينة أن هنالك اتفاقاً تاماً من قبل مفردات عينة الدراسة على أنه يمكن للزوجة تقليل الآثار السالبة للاستخدام المفرط لوسائل الحداثة على العلاقات الزوجية. كما اتضح أن من آثار الانترنت السلبية على علاقاتهن الزوجية انتشار ظاهرة كذب الزوجات على أزواجهن، واعتقادهن أنهن يلاقيناهتماماً أكبر من أصدقاء الإنترنت مما يحصلن عليه من أزواجهن
هروب الزوجات إلى الانترنت عند حدوث خلافات، وانتشار ظاهرة غرف الدردشة قد يؤدي إلى الخلل في العواطف، ، وإنفاق الأسرة مالا أكثر مما يجب بسبب الاستعمال الزائد للإنترنت.
من جانبها قالت يو كون ـ وهي طبيبة نفسانية من بكين ـ  : "إنه من بين جميع حالات الخيانة بين موكليها، نصفها تقريباً بدأ عن طريق شبكة الإنترنت"
ويقول قاضي القضاة في الأراضي الفلسطينية يوسف ادعيس أن حالات العام الماضي أظهرت أسبابا جديدة لارتفاع معدلات الطلاق تتعلق بالخلافات بين الأزواج بسبب الاستخدام "المضر والسيئلمواقع التواصل الاجتماعي . 
 ويشرح ادعيس، أن الإقبال المرتفع على هذه المواقع يتسبب بتنامي الخلافات بين الزوجين بسبب الشعور بالغيرة وفقدان الثقة بينهما، الأمر الذي يتطور لاحقا إلى حد الطلاق خصوصا بين الشبان.
 ويمتد الهوس في التكنولوجيا الحديثة لدى بعض الأزواج حد إبلاغهم زوجاتهم بقرار الطلاق عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو برسائل نصية على الهواتف المحمولة.
دراسه نشرتها صحيفة الإندبندنت نقلًا عن جمعية المحامين الإيطالية. ويأتي موقع «فيسبوك» في صدارة كافة المواقع، إذ يعد المتهم الأول المسؤول عن ارتفاع نسب الطلاق العالمية، وتشير الإحصائيات إلى أن 20% من حالات الطلاق في الولايات المتحدة الأمريكيةوبريطانيا سببها المباشر هو «فيسبوك». وفي المرتبة الثانية يأتي تطبيق «واتساب»، فبحسب جمعية المحامين فإنه تسبب في 40% من حالات الطلاق في إيطاليا، وذلك لسهولة الاتصال بين الرجال والنساء وارتفاع نسب خيانة الأزواج..
ولست هنا لتخوين كل رجل وامرأة يدخلون لعالم التقنية ، ولكن هنا للتحذير والتنبيه والعلاج لمثل هذه المشكلة ، فالتقنية سلاح ذو حدين ، وينبغي للمسلم أن يستخدمه فيما يرضي الله وينفعه في دينه ودنياه
الطلاق ليس نهاية الحياة ، الإيمان والرضا بما كتب الله لهما، والتسليم بقضاء الله وقدره، وأن المؤمن أمره كله خير: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. فيكون هذا الرضا عن قناعة وثقة بأن الله تعالى عادلٌ في أمره، وأن ما كتبه عليهما هو خير لهما، وحل يناسب كل منهما، فعندئذ يعيش كلاهما في راحة نفسية وسط المجتمع، محاولاً إعادة التجربة مرة أخرى بنجاح.
يحاول المطلقان ألا يعيشا تحت حزن ووطأة الطلاق السلبية، ويبدأ كل منهما حياة جديدة إيجابية يتفاءلان بخير المستقبل، ولا يجعلان الطلاق نهاية حياتهما، وأن يعتبرا الطلاق تجربة حقيقية مرَّا بها، ولا بد من الاستفادة من هذه التجربة للمستقبل.
ثم ، لا يكن الاطفال ضحية لهذا الطلاق ، وهم في الغالب سيكونون الضحية ، لكن على الاقل لنخفف هذا الاثر عليهم ، فلا مشاكل في في الحضانة ولا النفقة والسكن ، ولا ندخلهم المحاكم ، ولا ندخلهم دوامة المشاكل التي بين الزوج وطليقته ، لنتقي الله فيهم ، فليس لهم ذنب والله سيحاسب الاب والام عن هؤلاء الابناء  ولنتذكر هذا الحديث : قال النبي صلى الله عليه وسلمإن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئاً، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نعم أنترواه مسلم.

الجزاء من جنس العمل

الجزاء من جنس العمل   

الخطبة الأولى :

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، للهِ – تَعَالى – في خَلقِهِ وَفي الكَونِ سُنَنٌ ثَابِتَةٌ ، لا تَتَغَيَّرُ وَلا تَتَبَدَّلُ ، وَلا تَزُولُ وَلا تَحُولُ ، وَمِن تِلكَ السُّنَنِ العَظِيمَةِ المُحكَمَةِ ، أَنَّهُ – تَعَالى – قَد َقَدَّرَ لِكُلِّ عَمَلٍ نَتِيجَةً ، وَبِحَسَبِ مَا يَزرَعُ كُلُّ امرِئٍ يَحصُدُ وَلا بُدَّ ، وَمِن جِنسِ مَا يَعمَلُ يَلقَى جَزَاءَهُ أَمَامَهُ . 

وَمِن تَمَامِ عَقلِ الإِنسَانِ وَعَمِيقِ فَهمِهِ ، أَنَّهُ لا يَنتَظِرُ ثَمَرًا لِغَيرِ مَا بَذَرَ ، وَلا يَتَوَقَّعُ أَن يَحصُدَ إِلاَّ مَا زَرَعَ ، وَقَد وَرَدَت في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ وَأَحَادِيثُ وَاضِحَاتٌ ، تَذكُرُ جَزَاءَ المُحسِنِينَ وَعَاقِبَةَ المُسِيئِينَ ، حَيثُ يَرَى المُحسِنُونَ الجَزَاءَ طَيِّبًا مِن جِنسِ أَعمَالِهِمُ الطَّيِّبَةِ ، وَيَجِدُ المُسِيئُونَ العَاقِبَةَ سَيِّئَةً بِحَسبِ مَا قَدَّمُوه مِن سُوءٍ ، 

وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ المَولى – سُبحَانَهُ – تَرغِيبًا لِعِبَادِهِ في الأَعمَالِ الطَّيِّبَةِ الصَّالِحَةِ وَحَثًّا لَهُم عَلَيهَا ، وَتَرهِيبًا لَهُم مِنَ الأَعمَالِ الخَبِيثَةِ السَّيِّئَةِ وَتَقبِيحًا لَهَا عِندَهُم ، قَالَ – تَعَالى هَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانُ ) وَقَالَ – سُبحَانَهُ وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَني أَعمَى وَقَد كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَومَ تُنسَى ) وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ زِدنَاهُم عَذَابًا فَوقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفسِدُونَ 

أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ النَّتَائِجَ الَّتي يَرَاهَا الإِنسَانُ وَيَجِدُهَا بَينَ يَدَيهِ حَتَّى في دُنيَاهُ قَبلَ أُخرَاهُ ، إِنَّمَا هِيَ ثَمَرَةُ مَا عَمِلَ وَقَدَّمَ ، فَمَن حَفِظَ اللهَ وَأَوفَى بِعَهدِهِ ، حَفِظَهُ اللهُ وَأَوفَى لَهُ بِعَهدِهِ ، وَمَن ضَيَّعَ ذَلِكَ ضَيَّعَهُ اللهُ جَزَاءً وِفَاقًا ، وَمَن أَحسَنَ وَجَدَ جَزَاءَهُ حُسنًا ، وَمَن أَسَاءَ عُوقِبَ بِسَيِّئَةٍ يَجِدُهَا وَيَرَاهَا ” وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ ” قَالَ – سُبحَانَهُ وَأَوفُوا بِعَهدِي أُوفِ بِعَهدِكُم وَقَالَ – تَعَالى وَمَن يَقتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ 

وَمِن رَحمَتِهِ – تَعَالى – بِعِبَادِهِ وَحُبِّهِ لأَن يَفعَلُوا الخَيرَ وَيُدِيمُوهُ ، أَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ أَحَدُهُم في الطَّاعَةِ ازدَادَ المَولَى مِنهُ قُربًا ، وَكُلَّمَا أَكثَرَ مِن ذِكرِهِ سَوَاءً بِلِسَانِهِ أَو بِعَمَلِهِ ، فَإِنَّهُ – تَعَالى – يَذكُرُهُ وَهُوَ غَنيٌّ عَنهُ ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ – في الحَدِيثِ القُدُسيِّ أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني ، فَإِن ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي ، وَإِن ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم ، وَإِن تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبرًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا ، وَإِن تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا ، وَإِن أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . 

بَل إِنَّهُ – جَلَّ وَعَلا – مِن تَمَامِ عَدلِهِ مَعَ عِبَادِهِ وَعَدَمِ ظُلمِهِ لأَحَدٍ وَلا هَضمِهِ مُحسِنًا مَا قَدَّمَهُ مِن إِحسَانٍ ، فَإِنَّهُ يَجزِي الكَافِرَ بِالحَسَنَةِ حَسَنَةً في الدُّنيَا ، وَأَمَّا الآخِرَةُ فَلا يَنَالُ مَا فِيهَا مِنَ الجَزَاءِ الطَّيِّبِ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ إِلاَّ المُؤمِنُونَ المُخلِصُونَ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إِنَّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطعِمَ بِهَا طُعمَةً مِنَ الدُّنيَا ، وَأَمَّا المُؤمِنُ فَإِنَّ اللهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ ، وَيُعقِبُهُ رِزقًا في الدُّنيَا عَلَى طَاعَتِهِ رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَفي رِوَايَةٍ إِنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مُؤمِنًا حَسَنَةً يُعطَى بِهَا في الدُّنيَا وَيُجزَى بِهَا في الآخِرَةِ ، وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطعَمُ بِحَسَنَاتٍ مَا عَمِلَ بِهَا للهِ في الدُّنيَا ، حَتَّى إِذَا أَفضَى إِلى الآخِرَةِ لم تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجزَى بِهَا 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِن تَمَامِ هَذِهِ السُّنَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ المُحكَمَةِ في أَنَّ الجَزَاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ ، أَنَّهَا تَتَحَقَّقُ حَتَّى فِيمَا يَفعَلُهُ النَّاسُ بِبَعضِهِم وَمَا يَتَصَرَّفُ بِهِ كُلٌّ مِنهُم حِيَالَ الآخَرِ ، رَوَى مُسلِمٌ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ – رضي اللهُ عنهما – أَنَّ النَّبيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ مَن كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ 

وَرَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ في مُسنَدِهِ مِن حَدِيثِ أَبي الدَّردَاءِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّ النَّبيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ مَن رَدَّ عَن عِرضِ أَخِيهِ ، رَدَّ اللهُ عَن وَجهِهِ النَّارَ يَومَ القِيَامَةِ )   
وَرَوَى مُسلِمٌ مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهَا – أَنَّ النَّبيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمرِ أُمَّتي شَيئًا فَشَقَّ عَلَيهِم فَاشقُقْ عَلَيهِ ، وَمَن وَلِيَ مِن أَمرِ أُمَّتي شَيئًا فَرَفَقَ بِهِم فَارفُقْ بِهِ )   
وَرَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ مِن حَدِيثِ عَمرِو بنِ مُرَّةَ أَنَّهُ قَالَ : يَا مُعَاوِيَةُ ، إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ مَا مِن إِمَامٍ يُغلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الحَاجَةِ وَالخَلَّةِ وَالمَسكَنَةِ ، إِلاَّ أَغلَقَ اللهُ أَبوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسكَنَتِهِ 
وَرَوَى مُسلِمٌ مِن حَدِيثِ هِشَامِ بنِ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : سَمِعتُ النَّبيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ : ” إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ في الدُّنيَا 
وَرَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ مِن حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّ النَّبيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ قَالَ اللهُ – تَبَارَكَ وَتَعَالى – : يَا ابنَ آدَمَ أَنفِقْ أُنفِقْ عَلَيكَ 
وَفي الصَّحِيحَينِ أَيضًا مِن حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّ النَّبيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ مَا مِن يَومٍ يُصبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنزِلانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعطِ مُنفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعطِ مُمسِكًا تَلَفًا 
وَرَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ مِن حَدِيثِ أَبي بَرزَةَ الأَسلَمِيِّ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّ النَّبيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ يَا مَعشَرَ مَن آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلم يَدخُلِ الإِيمَانُ قَلبَهُ ، لا تَغتَابُوا المُسلِمِينَ ، وَلا تَتَّبِعُوا عَورَاتِهِم ؛ فَإِنَّهُ مَن يَتَّبِعْ عَورَاتِهِم يَتَّبِعِ اللهُ عَورَتَهُ ، وَمَن يَتَّبِعِ اللهُ عَورَتَهُ يَفضَحْهُ في بَيتِهِ 

قَالَ بَعضُ السَّلَفِ : أَدرَكتُ أَقوَامًا لم تَكُنْ لَهُم عُيُوبٌ ، فَذَكَرُوا عُيُوبَ النَّاسِ ، فَذَكَرَ النَّاسُ لَهُم عُيُوبًا ، وَأَدرَكتُ أَقوَامًا كَانَت لَهُم عُيُوبٌ ، فَكَفُّوا عَن عُيُوبِ النَّاسِ ، فَنُسِيَت عُيُوبُهُم . 
وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الجَزَاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ ، مَا بَشَّرَ بِهِ النَّبيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أُمَّ المُؤمِنِينَ خَدِيجَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهَا  – فَقَد رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ مِن حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : أَتَى جِبرِيلُ النَّبيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَد أَتَت ، مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَو طَعَامٌ أَو شَرَابٌ ، فَإِذَا هِيَ أَتَتكَ فَاقرَأْ عَلَيهَا السَّلامَ مِن رَبِّهَا وَمِنِّي ، وَبَشِّرْهَا بِبَيتٍ في الجَنَّةِ مِن قَصَبٍ ، لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ ” وَالصَّخَبُ هو ارتِفَاعُ الأَصوَاتِ ، وَالنَّصَبُ هُوَ التَّعَبُ ، قَالَ الإِمَامُ السُّهَيلِيُّ – رَحِمَهُ اللهُ – : مُنَاسَبَةُ نَفيِ هَاتَينِ الصِّفَتَينِ ، أَعني المُنَازَعَةَ وَالتَّعَبَ ، أَنَّهُ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – لَمَّا دَعَا إِلى الإِسلامِ أَجَابَت خَدِيجَةُ طَوعًا ، فَلَم تُحوِجْهُ إِلى رَفعِ صَوتٍ وَلا مُنَازَعَةٍ وَلا تَعَبٍ في ذَلِكَ ، بَل أَزَالَت عَنهُ كُلَّ نَصَبٍ ، وَآنَسَتهُ مِن كُلِّ وَحشَةٍ ، وَهَوَّنَت عَلَيهِ كُلَّ عَسِيرٍ ، فَنَاسَبَ أَن يَكُونَ مَنزِلُهَا الَّذِي بَشَّرَهَا بِهِ رَبُّهَا بِالصِّفَةِ المُقَابِلَةِ لِفِعلِهَا . انتَهَى كَلامُهُ –
وهاهو جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه  لما قطعت يداه في سبيل الله إنَّ الله قد جعل لجعفرٍ جَناحَينِ مُضرَّجَينِ بالدمِ ، يطيرُ بهما مع الملائكةِ ) 

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَاعمَلُوا صَالِحًا تَجِدُوُا غِبَّهُ في الدُّنيَا حَيَاةً طَيِّبَةً وَسَعَادَةً في قُلُوبِكُم ، وَمَحَبَّةً مِنَ النَّاسِ وَثَنَاءً حَسَنًا وَدُعَاءً صَالِحًا ، وَتَلقَوا ثَمَرَتَهُ في الآخِرَةِ ثَوَابًا جَزِيلاً وَأَجرًا عَظِيمًا ، وَكَمَا تُحِبُّونَ أَن يَكُونَ اللهُ لَكُم فَكُونُوا ، فَإِنَّ مَن أَقبَلَ عَلَى اللهِ بِكُلِّيَّتِهِ أَقبَلَ اللهُ عَلَيهِ جُملَةً ، وَمَن أَعرَضَ عَنِ اللهِ بِكُلِّيَّتِهِ أَعرَضَ اللهُ عَنهُ جُملَةً ، وَمَن كَانَ مَعَ اللهِ حِينًا وَحِينًا كَانَ اللهُ لَهُ كَذَلِكَ ، وَمَن طَلَبَ لَذَّةَ العَيشِ وَطِيبَهُ بِمَا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيهِ ، عَاقَبَهُ رَبُّهُ بِنَقِيضِ قَصدِهِ ؛ فَإِنَّ مَا عِندَ اللهِ لا يُنَالُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ ، وَلم يَجعَلِ اللهُ – تَعَالى – مَعصِيَتَهُ سَبَبًا إِلى خَيرٍ قَطُّ ” مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُمأَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ “


 الخطبة الثانية : َامَّا بَعدُ ، 
عن ابن عمر رضي الله عنهم ) عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار , لا هي أطعمتها وسقتها اذا هي حبستها, ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)وفي رواية أخرى (ولمّا رَحِمت المرأةُ البغيُ الكلبَ وسقته ، رحمها الله وغفر لها آثامها برحمتها لذلك الحيوان ؛ فكيف بأجر من رحِم الضعفاء واليتامى وسائرالإنسان ؛ فمن رَحِم رُحِم ، كما أن من لا يرْحَم لا يُرْحم
وأيضا أن مَن وَصَل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله ، ومن أعرض عن الله أعرض الله عنه ، ومن تقرّب إلى الله تقرب الله منه أكثر، من بنى لله بيتاُ في الدنيا بنى الله له بيتاً في الجنة، ومن نصر أخاه المسلم نصره الله ، ومن خذله خذله الله ، ، ومن ردَّ عن عِرض أخيه ، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة ، ومن يستعفف يعفُّه الله ، ومن يستغن يُغنِه الله ، ومن يتصبر يُصبِّره الله ، ومَن أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة .
وأن من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّاها الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ، ومن ظلم قيد شبر من الأرض طُوِّقَهُ من سبع أرضين يوم القيامة ، ومن فرَّق بين والدة وولدها ظلماً وعدواناً فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ،قال بعض السلف: إنَّ من ثواب الحسنةِ الحسنةَ بعدها، وإن من عقوبة السيئةِ السيئةَ بعدها.
قوله عليه الصلاة والسلام إن رجلا كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه، ، فقيل له : هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له : انظر، قال ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم فأنظر الموسر، "أأخر المطالبة "، ، وأتجاوز عن المعسر، ، قال عليه الصلاة والسلام فأدخله الله الجنة [رواه البخاري: 3451، ومسلم: 2934، 2935].
وفي الحديث : ( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع، ، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد، [رواه الترمذي: 1021، وهو حديث حسن، وقال الألباني: "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 3491].
ها هو أبو الطيب الطبري أحد علماء الإسلام بلغ من العمر سبعين سنة وبينما هو على سفينة وصلت إلى الشاطئ لكن اليابسة بعيدها تحتاج إلى قفز وقوة فما استطاع الشباب فإذا بهذا العالم الجليل يشمر عن ساقيه ويقفز إلى اليابسة . فاستغرب الشباب وقالوا ما هذه القوة يا شيخ ، قال هذه جوارح حفظناها وقت الصغر فحفظها الله لنا وقت الكبر .
َيُّهَا المُسلِمُونَ ، الحَيَاةُ  يَتَلَقَّى الإِنسَانُ فِيهَا دُرُوسًا كَثِيرَةً ، وَيَتَعَرَّضُ لامتِحَانَاتٍ عَدِيدَةٍ ، وَيَدخُلُ في اختِبَارَاتٍ يَومًا بَعدَ يَومٍ وَمَوقِفًا بَعدَ مَوقِفٍ ، وَالعَاقِلُ الفَطِنُ هُوَ مَن يَستَفِيدُ مِن هذِه الابتلاءات والدروس 

وَأَمَّا المُبطِلُ أَوِ الجَاهِلُ ، فَإِنَّهُ لا يَكَادُ يَستَفِيدُ مِمَّا في حَيَاتِهِ مِن دُرُوسٍ وَعِبَرٍ ، بَل إِنَّ بَعضَ مَن حُرِمَ التَّوفِيقَ لا يَقتَصِرُ خِذلانُهُ عَلَى عَدَمِ الاستِفَادَةِ مِن تَجَارِبِ الحَيَاةِ وَمَوَاقِفِهَا وَمَا يَجرِي فِيهَا مِمَّا يَرَاهُ وَيُعَايِشُهُ ، وَلَكِنَّهُ لا يَزدَادُ بِازدِيَادِ عُمُرِهِ وَنَقصِ أَجَلِهِ ، إِلاَّ تَمَرُّدًا عَلَى القِيَمِ الجَمِيلَةِ ، وَنِسيَانًا لِلأَخلاقِ الفَاضِلَةِ ، ونقضًا لِلمَبَادِئِ الثَّابِتَةِ ، فَيَظلِمُ وَيَبخَسُ ، وَيَفجُرُ وَيَبغِي ، وَيَشِحُّ وَيَبخَلُ ، وَيَشتِمُ وَيَقذِفُ ، وَيَكذِبُ في الشَّكَاوَى وَيُزَوِّرُ الدَّعَاوَى ، وَقَد يَضرِبُ النَّاسَ وَيَعتَدِي عَلَيهِم ، أَو يَسفِكُ دَمًا أَو يَهتِكُ عِرضًا ، 

وَمَا عَلِمَ هَؤُلاءِ الجَاهِلُونَ أَنَّهُم إِنَّمَا يَجمَعُونَ عَلَى أَنفُسِهِم حَطَبًا يُحرِقُونَ بِهِ حَسَنَاتِهِم ، وَيُوقِدُونَ بِهِ نِيرَانَ قُلُوبِهِم وَيُضَيِّقُونَ عَلَى أَنفُسِهِم ، حَتَّى إِذَا لَقِيَ أَحَدُهُم رَبَّهُ لَقِيَهُ مُفلِسًا ، جَزَاءَ تَبدِيدِهِ حَسَنَاتِهِ في أَيَّامِ حَيَاتِهِ . رَوَى مُسلِمٌ عَن أَبي هُرَيرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : ” أَتَدرُونَ مَا المُفلِسُ ؟! ” قَالُوا : المُفلِسُ فِينَا مَن لا دِرهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ . فَقَالَ إِنَّ المُفلِسَ مِن أُمَّتي يَأتِي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأتِي قَد شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَى مَا عَلَيهِ ، أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ 
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ، وَلْنُحسِنْ إِلى أَنفُسِنَا بِالتَّزَوُّدِ مِنَ الصَّالِحَاتِ ، وَإِلى النَّاسِ بِبَذلِ النَّدَى وَكَفِّ الأَذَى ، لِنَنَالَ بِذَلِكَ الحُسنَى ، فَقَد قَالَ رَبُّنَا – جَلَّ وَعَلا – لِلَّذِينَ أَحسَنُوا الحُسنَى وَزِيَادَةٌ )