( فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام )
الخطبة الاولى :
فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) سورة الأحزاب
والمقصود من هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه صلى الله عليه وسلم عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجمع الثناء عليه من أهل العالمَين العلوي والسفلي جميعاً، كما قال ذلك ابن كثير رحمه الله.
قال العلماء: الصلاة على النبي من الله رحمته ورضوانه، وثناؤه عليه عند الملائكة، ومن الملائكة الدعاء له والاستغفار، ومن الأمة الدعاء له والاستغفار والتعظيم لأمره.
وفضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عظيمة، ( أتاني جبريل فقال: يا محمد أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول: إنه لا يصلي عليك من أمتك أحد صلاةً إلا صليت عليه بها عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك تسليمة إلا سلمت عليه عشراً؟ فقلت: بلى، أي ربي ). حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره.
قال الصحابي: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً طيب النفس يرى في وجهه البشر، قالوا: يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يُرى في وجهك البشر؟ قال: ( أجل، أتاني آت من ربي فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها ). وهذا الحديث له طرق يرتقي بها.
وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام سجد شكراً لله تعالى لما أوحي له بذلك، (وما من عبد يصلي عليَّ إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي عليَّ فليقلَّ العبد من ذلك أو يكثر). حديث حسن.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام ).
روى الطبراني عن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ( من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا وحين يُمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة ) حديث حسن: صحيح الجامع للألباني حديث 6357]
وعن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لله تعالى ملك أعطاه سمع العباد فليس من أحد يصلي عليَّ إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي أن لا يصلي عليَّ عبد صلاة إلا صلى عليه عشر أمثالها).
فإذن دعوة من النبي عليه الصلاة والسلام من أجلنا نحن استجيبت، فكل من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم تبلغ صلاته لنبينا عن طريق ملك مخصوص، ويصلي عليه الله عشر أمثالها، (أكثروا الصلاة علي فإن الله وكل بي ملكاً عند قبري فإذا صلى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد إن فلان ابن فلان) بالاسم (إن فلان ابن فلان صلى عليك الساعة). حديث حسن.
وفي الحديث : (ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام). رواه أبو داود وهو حديث حسن.
وفي الحديث : (حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني). حديث صحيح.
لقد مات النبي عليه الصلاة والسلام وخرج من هذه الدنيا، والمؤمن يريد صلة بنبيه عليه الصلاة والسلام مباشرة فجعل الله لنا هذه الوسيلة المباشرة، فنصلي على نبينا صلى الله عليه وسلم فيبلغ بالاسم أن فلاناً صلى عليه، ثم يرد علينا السلام أيضاً
وهذه من الاستثناءات في عالم البرزخ الذي الأصل فيه أن الأموات لا يسمعون كلام الأحياء، ولكن هذا الاستثناء في هذه العبادة العظيمة بيننا وبين نبينا عليه الصلاة والسلام، أقل القليل في حقه أن نكثر من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، هذه الصلاة التي تتضمن ذكر الله وذكر رسوله واعترافاً بحق هذا الرسول العظيم ومنزلته، واعترافاً بما فعله من المعروف لنا، فإننا نصلي عليه صلى الله عليه وسلم صلاة تنبئ عن تصديقنا بما جاء به، واعترافنا بالحق الذي جاء به، وتدفع المؤمن إلى العمل بما جاء به صلى الله عليه وسلم، فكيف يصلي عليه وهو يخالف أمره؟ وكيف يصلي عليه وهو يعصيه؟ وكيف يصلي عليه وهو لا يتبع سنته؟ وكيف يصلي عليه وهو لا يهتدي بهديه؟ فهذه الصلاة النبوية تذكر المسلم بأهمية اتباع النبي عليه الصلاة والسلام في الصغير والكبير دائماً في الحياة،
ومواضعها كثيرة، وآكدها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد في الصلاة، تلك الصلاة التي عدها بعض العلماء ركناً، وقال بعضهم: بأنها واجبة، فقال عليه الصلاة والسلام: (صلوا عليَّ واجتهدوا في الدعاء وقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). هذه الصلاة التي هي برهان حبنا له، وليس الغلو، والموالد، والشرك الذي يفعله أهل الأهواء والبدع، إنما هي تعبير شرعي وطريق إلهي صحيح نعبر به عن حبنا للنبي عليه الصلاة والسلام، فلا بدع، ولا غلو، ولا خرافات، ولا موالد، ولا غير ذلك، وإنما هي أدعيةنقولها دائماً يومياً، ليس مرة في السنة، ليس احتفال سنوي، وإنما هو دعاء يومي.
ومن المواطن العظيمة: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة، قال سعيد بن المسيب رحمه الله: إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يخلص الدعاء للميت.
ومن المواطن بعد إجابة المؤذن: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة).
ومن المواطن: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله تعالى) يعني: إذا دعا، (والثناء عليه، ثم ليصل على النبي ثم ليدع بما شاء). وقد قال عليه الصلاة والسلام: (كل دعاء محجوب حتى يصليَّ على النبي صلى الله عليه وسلم). السلسلة الصحيحة
قال ابن القيم رحمه الله: وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها أمام الدعاء، فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن مفتاح الصلاة الطهور،
فقد روى فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَجَّل هذا)، ثم دعاه فقال له أو لغيره: ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدع بعد بما شاء )
وكذلك أيضاً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد وعند الخروج منه، كما ورد في حديث أبي حميد وأبي أسيد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك).
ومن المواطن: عند اجتماع القوم وقبل تفرقهم لقوله عليه الصلاة والسلام: ( أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله تعالى أو يصلوا على نبيه كانت عليهم ترة من الله). يعني: حسرة (إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم).
ومن المواضع أيضاً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكره إذا ذكر اسمه، إذا سمعت بشأنه، فإنه قد قال: (من ذكرت عنده فخطئ الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة). حديث صحيح،
وقال عليه الصلاة والسلام: ( أتاني جبريل فقال: يا محمد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين ).
والبخيل من هو البخيل؟ ( البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ َ). قالها صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.
وكذلك من المواضع أيضاً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم العظيم وهو يوم الجمعة، وهو أفضل أيام الأسبوع، ( إن أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء )، وذلك لما قالوا له: كيف تبلغك الصلاة وقد أرمت، أي: بلي الجسد، فقال: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء).
وقال عليه الصلاة والسلام: ( أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً ).
وهكذا نعرف إذن بأن أفضلية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست في نهار الجمعة وإنما في الليلة التي قبل اليوم، ليلة الجمعة ويوم الجمعة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيهما مزية مخصوصة وأجر وثواب عظيم.
اللهم صل على نبيك وسلم وبارك وزد يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
هذه الصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم تكون حتى عند الهم والشدائد وطلب المغفرة، فهي سبب لدفع الهموم، وغفران الذنوب، كما جاء في مسند الإمام أحمد، والترمذي، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال: (يا أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه)، قال أبي بن كعب: فقلت: يا رسول الله فإني أكثر الصلاة، أي الدعاء فكم أجعل لك من صلاتي؟ وكان لأبي بن كعب ورد ودعاء يدعو به في كل يوم، فكم أجعل لك في صلاتي؟ قال: (ما شئت)، قلت: الربع؟ قال: (ما شئت، وإن زدت فهو خير لك)، قلت: النصف؟ قال: (ما شئت وإن زدت فهو خير لك)، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: (إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك)قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وفي رواية لأحمد وإسنادها جيد: (إذن يكفيك الله تبارك وتعالى ما همك من دنياك وآخرتك).
ومن المواضع: المرور بآيات فيها ذكر النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا مر المصلي بآية فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان في نفل صلى عليه صلى الله عليه وسلم، في صلاة نافلة كقيام ليل إذا قرأ الآية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من باب التدبر للقرآن في صلاة النافلة وفي قيام الليل، كما كان عليه الصلاة والسلام إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بآية فيها ذكر الجنة سأل، وفيها ذكر النار استعاذ، وهكذا. موضعها في صلاة النافلة وفي قيام الليل.
ومن المواضع أيضاً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند كتابة اسمه، قال سفيان الثوري رحمه الله: لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب.
وقال عباس العنبري وعلي بن المديني: ما تركنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حديث سمعناه، وربما عجلنا فنبيض الكتاب - أي نجعل مكاناً أبيض فارغاً - في كل حديث حتى نرجع إليه، يعني بعد الحول، العودة من درس الحديث ودرس العلم والشيخ يملي عليهم، وهم يكتبون بسرعة ولم يجدوا وقتاً لكتابة عبارة (صلى الله عليه وسلم) يجعلون مكانها فراغاً حتى إذا رجعوا إلى بيوتهم ملئوا الفراغات بكتابة (صلى الله عليه وسلم)، (صلى الله عليه وسلم) لا يملون ولا يكلون.
وقد جاءت عدد من القصص عن بعض السلف أنه رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقيل: بأي شيء؟ فقال: بصلاتي في كتبي على النبي صلى الله عليه وسلم، فهكذا لا يمل من كتابة (صلى الله عليه وسلم) عندما يكتب الإنسان موضوعاً، سطوراً فيها ذكره عليه الصلاة والسلام، ومن هنا نعلم أن كتابة (ص) بين قوسين، أو (ص. ل. ع. م) اختصار، أن هذا سوء أدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولعمري ماذا يريد صاحبه، ماذا يريد صاحب هذا الاختصار؟ أن يختصر الأجر، أن يذهب عليه الأجر؟
ومن المواضع أيضاً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فوق الصفا، كما جاء عن عمر بن الخطاب بإسناد صحيح: إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعة، وصلوا عند المقام ركعتين، ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت فكبروا سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد الله وثناء عليه وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومسألة لنفسك، وعلى المروة مثل ذلك، فإذن بين التكبيرات فوق الصفا والمروة بين التكبيرات هكذا يفعل.
ومن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد خسر، وباء بالهوان، فقال عليه الصلاة والسلام: (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة)أي: لأنه لم يبرهما.
ولا ننسى أيضاً: في ذكر هذا الموضوع الصلاة على بقية الأنبياء والمرسلين، إذا قلنا: موسى، نقول: صلى الله عليه وسلم، يوسف صلى الله عليه وسلم، نوح صلى الله عليه وسلم، وهكذا.