إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 29 أبريل 2017

الغفلة عن شهر شعبان

( الغفلة عن شهر شعبان )
عبـاد الله : - إن من أعظم نعم الله تعالى على العباد أن يمدّ الله في عمر الانسان، فكل يوم يبقى في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لآخرته، ويحرث فيه ما استطاع ويبذر فيه من الأعمال ما يرفع درجته ومكانته عند الله، فالدنيا دار عمل ولا حساب والآخرة دار حساب ولا عمل قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان:62].. وطول العمر في الإسلام مع حسن العمل فيه خيرية الدنيا والآخرة عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخيركم؟» قالوا: نعم، يا رسول الله قال: «خياركم أطولكم أعمارًا، وأحسنكم أعمالاً» (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني /صحيح الترغيب/ 3361 )..
وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ ثَلَاثَةً أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَكْفِينِيهِمْ؟» قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. فَكَانُوا عِنْدَهُ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا، فَخَرَجَ فِيهِ أَحَدُهُمْ، فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْثًا فَخَرَجَ فِيهِ الْآخَرُ، فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَأَيْتُ الْمَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَمَامَهُمْ وَالَّذِي اسْتُشْهِدَ آخِرًا يَلِيهِ، وَأَوَّلَهُمْ يَلِيهِ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ؟! لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ; لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ» [قال أحمد شاكر في مسند أحمد: "إسناده صحيح"(2/367)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة(654)].
وإن من أعظم الغفلة أن يعلم الإنسان أنه يسير في هذه الحياة إلى أجله، ينقص عمره، وتدنو نهايته، وهو مع ذلك لا يحتسب ليوم الحساب، ولا يتجهز ليوم المعاد، بأعمال صالحة تبلّغه رضوان الله وجنته فتجده مفرطًا في العبادات والطاعات، فإذا ما جاءت مواسم العبادات والمنح الربانية التي بها تغفر الذنوب والزلات وجدته مقصرًا ومضيعًا لأيامه وسنوات فأين العمل الصالح؟ وأين بركة العمر؟ وأين اغتنام فرصة العمر والصحة والشباب والغنى والقدرة والقوة؟!!
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (صححه الألباني في صحيح الجامع 1077).
عبـاد الله : - ها هي أعمارنا وآجالنا تطوى يومًا بعد يوم وها هو شهر شعبان يحل ضيفًا علينا وهو شهر غفل الناس عن فضائله ومنحه وجوائزه الربانية، فقد شرع فيه جميع أعمال البر من الصدقة وقراءة القرآن والذكر والصيام، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر أيامه وعندما سُئل عن ذلك أخبر عليه الصلاة والسلام أنه شهر تُرفع في الأعمال إلى الله، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شعبان بين رجب وشهر رمضان، شهر يغفل الناس عنه، تُرْفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يُرفع عملي إلا وأنا صائم» (صحيح الجامع:3711)..
فأعمال العباد ترفع كل يوم، وترفع يوم الاثنين والخميس، وترفع أعمال السنة جميعها في شهر شعبان... وهو شهر يستعد فيه العباد لاستقبال شهر رمضان بتهيئة النفوس بالطاعات والعبادات..
أيها المسلمون: ألا ترون هذه الأيام غفلة الناس عن شهر شعبان؟! يغفلون فيه عن الطاعات والقربات، ويغرقون في الشهوات والملذات، ويشتغلون بغير شعبان عن شعبان، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعمره بالطاعة والصيام، ويقول لأسامة: "ذاك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان"، فشهر شعبان يغفل الناس عنه بسبب أنه بين شهرين عظيمين، وهما شهر رجب الحرام وشهر رمضان الصيام، فاشتغل الناس بهما، فصار مغفولاً عنه، بل وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان؛ لأن رجب شهر محرم، وليس هذا بصحيح، فصيام شعبان أفضل من صيام رجب؛ إذ يقول عنه -صلى الله عليه وسلم-: "ترفع فيه الأعمال، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم"، ولقد قال العلماء -رحمهم الله-: في هذا الحديث أيضًا دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله -عز وجل.
فتعرضوا لنفحات الله عباد الله، وتلمسوا مرضاته، فإن الأجور المترتبة على الاشتغال بالطاعات وقت غفلة الناس أكبر، وإن فوائد إحيائها بالطاعات أعظم، فمن تلكم الفوائد أن الطاعات فيها تكون في سرٍّ وخفاء، وإخفاء الطاعة وإسرارها من أعظم أسباب قبولها، فإنها تكون خالصة لله تعالى، بعيدة عن السمعة والرياء، وإن الطاعات وقت غفلة الناس شاقة على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس ما دامت موافقة لسنة النبي –صلى الله عليه وسلم-، يقول –صلى الله عليه وسلم-: "الأجر على قدر النصب".
أيها المؤمنون: ولما كان شهر شعبان كالمقدمة لرمضان -ولا بد في المقدمة من التهيئة- شرع فيه من الصيام وغيره من القربات ما يهيئ القلوب لرمضان؛ ليحصل التأهب وترويض النفوس على طاعة الرحمن؛ ولهذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يكثر فيه من الصيام، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من هو، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم-، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك فإن السلف كانوا يجدّون في شعبان، ويتهيأون فيه لرمضان.
تقول عائشة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان" [أخرجه البخاري ومسلم].
 شهادات أم المؤمنين متضافرة متتابعة: أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يفوت شعبان إلا وهو يقضيه بالصيام، هذه أم سلمة تقول: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان".
 لقد خفي عليها: أنه ربما فطر في بعض شعبان من كثرة ما كان يصوم صلى الله عليه وسلم... والشهادة خارج محيط حجرات أمهات المؤمنين متضافرة أيضا، فهذا أنس -رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم ولا يفطر، حتى نقول ما في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم، حتى نقول ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان".
ألا وإنَّ مِمَّا جاء الحث من السلف على عَمَلُه في شَعبانَ الإكثارُ من قراءةِ القرآنِ، قال أنسُ بنُ مالكٍ -رضي الله عنه-: "كانَ المُسلِمُون إذا دَخَلَ شَعبَانُ أَكَبُّوا على المَصَاحِفِ فَقَرؤوهاوأَخَرجُوا زَكاةَ أَموالِهم؛ تَقوِيَةً لِضَعِفِيهم على الصوم".
وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القرّاء .  وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرّغ لقراءة القرآن.
قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وقال أبو بكر البلخيشهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضًا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!!
الخطبة الثانية : 
عبـاد الله : - في هذا الشهر ليلة عظيمة ينظر الحق سبحانه وتعالى إلى عباده فيمُنَّ عليهم بالغفران وتتنزل عليهم الرحمات روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» (رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144).
إياكم والإشراك بالله، لنتفقد أنفسنا؛ فلعل الواحد منا مبتلى بشيء من هذه الشركيات وهو لا يدري، فالمشرك هو الذي عبد غير الله تعالى بأي نوع من أنواع العبادة؛ من دعاء أو نذر أو ذبح أو نحو ذلك من العبادات، فمن فعل ذلك فقد أشرك واستحق العقوبة، وهي عدم المغفرة والخلود في النار، قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة: 72]، وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا) [النساء: 116].

وأما المشاحن فهو المباغض والمخاصم والمقاطع والمدابر والحاقد والحاسد، فكل هذه أوصاف للمشاحن، وهي سبب لعدم المغفرة، فعن أبى هريرة -رضي الله عنهمرفوعًا: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". رواه مسلم. 
وعن أبي ثعلبة الخشني عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله ليطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه". رواه الطبراني، وهو في السلسلة الصحيحة (1144). وهي مقطِّعة للصلة والرحم، ومفسدة لذات البين، قال –صلى الله عليه وسلم : "دبّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تتحابون به؟! أفشوا السلام بينكم".

فالجامع بين الشرك والشحناء أن كليهما يحلق الدين ويفسده، والفرق أن الشرك يبطل الدين فلا يبقي منه شيئًا، أما الشحناء فتهتكه وتتركه بلا روح، وإن لم تجتث أصله. فالشحناء مفسدة للدين، تحلقه، وما دخل الحسد والحقد في القلوب إلا وكان سببًا في ضعف الإيمان، وربما انتفائه بالكلية، كما حصل لإبليس لما حسد وحقد على أبينا آدم -عليه السلام-، ولذا أكّد الله تعالى في التحذير من الشحناء، وذكرها في سياق التحذير من أعظم الذنوب وهو الشرك؛ لأن الشرك مفسد لعلاقة الإنسان بربه، والمشاحن مفسد لعلاقته بإخوانه المؤمنين، وإذا فسدت علاقة الإنسان بربه وبإخوانه لم يبق له من دينه شيء، فكيف يغفر الله له؟لذلك حُرِم من فضل تلك الليلة المباركة.
ألا واعلموا -رحمكم الله- أن بعض الناس يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام، وليلتها بالقيام وببعض الأدعية والأذكار وإنشاد بعض الأشعار وما يسمى بصلاة الرغائب في ليلة النصف من شعبان او الالفيه وغيرها، ولم يثبت ذلك كله في حديث عن النبي المختار –صلى الله عليه وسلم-، إنما جاء في أحاديث ضعيفة أو موضوعة مكذوبة على رسول الله كما قال ابن رجب وغيره، وكل هذا لا تقوم به حجة ولا يعمل به في الأحكام.
نعم، من كان من عادته قيام الليل فلا يترك قيام الليل في تلك الليلة، ومن كان من عادته صيام النوافل فوافق ذلك ليلة النصف من شعبان فليصم ولا يترك الصيام، وكذلك من كان من عادته أن يصوم في شعبان فليصمه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم-، فسيروا على هدي نبيكم الموصل إلى طريق الجنان، واجتنبوا طرق الغواية والبدع والضلال الموصلة إلى دار البوار.
فيا أيها الأبرار والأخيار: استقبلوا هذا الشهر بالتوبة النصوح من الإشراك بالله ومن البدع، واستقبلوه بالاستغفار من جميع المعاصي والآثام، استقبلوه بالفرح والغبطة وانشراح الصدر والعكوف على الطاعات من قراءة قرآن وصيام وصدقة وزكاة
فرمضان عما قريب سيحل، فيا أيها المسلم: ماذا أعددت لرمضان؟! وبماذا هيأت نفسك؟فلقد مات أقوام وولد آخرون، وسعد أقوام وشقي آخرون،
واهتدى أقوام وضل آخرون، فقدِّر نعمة الله عليك، واسأله أن يبلغك رمضان، وخذ أمورَك بالجد. والاجتهاد ، فالامر والله عظيم والرحلة طويلة غداً والزاد قليل ولكن رحمة الله واسعة وهي قريبة من المحسنين ..

شهر شعبان

الخطبة الأولى 
أما بعد:
إن المؤمن ليتقلب في هذا الزمان، ويمد الله له في الأجل، وكل يوم يبقاه في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لأخرته، ويحرث فيه ما استطاع ويبذر فيه من الأعمال ما استطاعته نفسه وتحملته. 
وها قد مضى أيها الأحبة شهر رجب، ودخل شعبان، وفاز من فاز بالتقرب والاستعداد في رجب لرمضان، ودخل شعبان والناس عنه غافلة. ولنا مع هذا الشهر المبارك وقفات ننظر فيها حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال سلف الأمة، الذين أمرنا بالاقتداء بهم، مع ذكر بعض فضائله وأحكامه. 

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: ( لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال ( ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم )) [رواه النسائي]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان، [رواه الإمام أحمد]. 

ومن شدة محافظته صلى الله عليه وسلم على الصوم في شعبان أن أزواجه رضي الله عنهن، كن يقلن أنه يصوم شعبان كله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شهر غير رمضان، فهذه عائشة رضي الله عنها وعن أبيها تقول: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان. [رواه البخاري ومسلم]. وفي رواية عن النسائي والترمذي قالت: ( ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلا، بل كان يصومه كله ) وفي رواية لأبى داود قالت: ( كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان. ) 

وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول: (( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان )). ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان، قال بعض أهل العلم: إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور، وإن كان قد ورد النص أن شهر الله المحرم هو أفضل الصيام بعد رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل )) [رواه مسلم].

وعند النسائي بسند صحيح عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم)). وذكر أهل العلم حكما في تفضيل التطوع بالصيام في شعبان على غيره من الشهور: منها: أن أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان، لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالنسبة للصلاة، فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه، ولذلك فإنك تجد رمضان يسبق بالصيام من شعبان والاستكثار منه ثم بعد انقضاء رمضان يسن صيام ست من شوال، فهي كالسنن الرواتب التي قبل وبعد الصلاة المفروضة. 

ومن الحكم كذلك في الإكثار من صيام شعبان: ما تضمنه حديث أسامة بن زيد المتقدم ذكره وفيه قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فبين له صلى الله عليه وسلم سبب ذلك فقال له: ((ذاك شهر يغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان)) وماذا أيضا؟ قال: ((وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)). 

إن هذا الحديث تضمن معنيين مهمين: 
أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان. 

وثانيهما: أن الأعمال ترفع وتعرض على رب العالمين، فأما كون شعبان تغفل الناس فيه عنه، فإن ذلك بسبب أنه بين شهرين عظيمين، وهما الشهر الحرام رجب، وشهر الصيام رمضان، فاشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر محرم، وهذا ليس بصحيح، فإن صيام شعبان أفضل من صيام رجب للأحاديث المتقدمة. 

وفي قوله: ((يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان)) إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو حتى الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه إما مطلقا أو الخصوصية فيه، لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عندهم عنه، ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم، ولما كان الناس يشتغلون بغير شعبان عن شعبان فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعمره بالطاعة وبالصيام، ويقول لأسامه لما رآه مستفهما عن سبب الإكثار من الصيام في شعبان، ذاك شهر يغفل الناس فيه عنه بين رجب ورمضان، ولذلك قال أهل العلم: وهذه لفتة فتنبه لها يا عبد الله قالوا: هذا فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، ولذا كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم فضل القيام في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر كما قال: ((إن افضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل)) ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤخر العشاء لنصف الليل، وإنما علل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شغله في أهل، أو غير ذلك؟ فقال حين خرج: ((انكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة)) [رواه مسلم]. وفي رواية: (( ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم )) وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بالذكر في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر ولاستيلاء الغفلة على الناس، ولهذا لو نظرت إلى الفضائل والدرجات التي منحت للذاكرين في وقت غفلة الناس تجد شيئا عجبا، فهذا الرجل الذي يدخل السوق فيذكر الله، له أجر عظيم لأنه ذكر الله في مكان غفلة الناس، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((من دخل السوق فقال: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبني له بيتا في الجنة)) 
ومما يؤكد هذا المعنى ما دار بين طارق بن شهاب وسلمان الفارسي رضي الله عنه عندما بات طارق عند سلمان لينظر اجتهاده، قال: فقام يصلي من آخر الليل، فكأنه لم ير الذي كان يظن، فذكر ذلك له، فقال سلمان: حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تصب المقتلة، فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث منازل، منهم من عليه ولا له، ومنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه، فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس، فركب فرسه في المعاصي فذلك عليه ولا له [ هؤلاء الذي يغتنمون غفلات الناس عنهم فيعبون من الفواحش عبا ] ومن له ولا عليه: فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلي، فذلك له ولا عليه، ومن لا له ولا عليه: فرجل صلى ثم نام فذلك لا له ولا عليه، إياك والحقحقة، وعليك بالقصد وداوم " والحقحقة: هو أن يجتهد في السير ويلح فيه حتى تعطب راحلته أو تقف. 

والأجور المترتبة على الاشتغال بالطاعات وقت غفلة الناس كثيرة ومتنوعة، فتعرضوا لنفحات الله، أيها الأحبة، وتلمسوا مرضاته. 
ثم اعلم يا عبد الله أن إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فيه فوائد: 

إن فعلك لهذه الطاعة يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل لاسيما الصيام، فإنه سر بين العبد وربه، ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء، وقد صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان، فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما في سوقه، ويظن أهل سوقه أنه أكلها في بيته.  

الفائدة الثانية في إحياء وقت غفلة الناس بالطاعات أنه أشق على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس إن كان على السنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الأجر على قدر النصب)). 
 
والسبب في أن الطاعات في وقت غفلة الناس شاقة وشديدة على النفوس، هو أن النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم، كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين لهم، فسهلت الطاعات، وتأمل كيف أن كثيراً من الناس يشق عليهم الصيام في غير رمضان: فإذا جاء رمضان سهل عليهم الصيام ولم يجدوا مشقة في صيامه، وذلك لأن الناس من حولهم يؤدون هذه العبارة الجليلة، والناس كأسراب القطا يتبع بعضهم بعضا، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( الناس أشبه بأهل زمانهم منهم بآبائهم. )

وأما إذا أكثرت غفلة الناس تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المتيقظين والطالبين لمهر الجنة تشق عليهم طاعاتهم ، لقلة من يقتدون بهم في هذه الأوقات المغفول عنها، ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم في حال الغرباء في آخر الزمان: ((للعامل منهم أجر خمسين منكم – أي من الصحابة – إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون)) [وفي مسلم] ((فطوبى للغرباء)) ولهذا جاء في صحيح مسلم أيضا من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العبادة في الهرج كالهجرة إلي)) وعند الإمام أحمد بلفظ: ((العبادة في الفتنة كالهجرة إلي)) وسبب ذلك أن الناس في وقت الفتن تستولي عليهم الغفلة، ويتبعون أهوائهم ولا يرجعون إلى دين، وينشغلون عن عبادة ربهم بهذه المحدثات والمضلات من الفتن، ويكون حالهم شبيها بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، متبعاً لأوامره مجتنبا لنواهيه، محافظا على سنته وهديه وطريقته صلى الله عليه وسلم، في كل زمان ومكان، والفوائد في هذا الباب والمعنى كثيرة لمن تأملها ووقف معها واستزاد منها. 

ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك فإن السلف كان يجدّون في شعبان، ويتهيأون فيه لرمضان قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القران، قال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدرجات: 

مضى رجب وما أحسنت فيـه وهذا شهر شـعبان المبـارك 
فيـا من ضيع الأوقـات جهلا بحرمتها أفق واحـذر بوارك
فسـوف تفـارق اللذات قهـرا ...ويخلى الموت قهرا منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا بتوبة مخلص واجعل مـدارك 
على طلب السـلامة من جحيم فخير ذوي الجرائم من تدارك
أقول قولي هذا واستغفر الله. .







الخطبة الثانية 
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) [رواه الطبراني وابن حبان وهو حديث صحيح]. 
ولنا مع هذا الحديث الذي يتعلق بالنصف من شعبان أربع وقفات مهمة: 

الأولى: أن الله يغفر فيها لكل عباده إلا المشرك فتفقد نفسك يا عبد الله، وفتش باطنها، فلعلك أن تكون مبتلى بشيء من هذه الشركيات المنتشرة في الأمة، ولا تظنن بنفسك خيرا بل فاتهمها في جانب الله وفي تقصيرها، ولا تقل أني بريء من الشركيات، ولا يمكن أن أقع فيها، ويكفى أنني أعيش في بلد التوحيد، فإن هذا غرور وجهل منك، إذا كان أبو الأنبياء وإمام الحنفاء خليل الرحمن يخشى على نفسه الشرك، بل يخشى على نفسه وعلى بنيه عبادة الأصنام، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام) وقد بين إبراهيم ما يوجب الخوف من ذلك فقال: ( رب انهن أضللن كثيراً من الناس. ) 

قال إبراهيم التيمي: من يأمن البلاء بعد إبراهيم؟ فلا يأمن الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به، وبما يخلصه منه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه؟ فقال: الرياء)) ومن عظيم فقه الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في كتابه التوحيد أن جعل بابا بعنوان: باب الخوف من الشرك ثم ساق الآيات والأحاديث في هذا المعنى، والله عز وجل قد حذر نبيه بل وكل الأنبياء من الشرك، وأوصي إليهم بأن أعمالهم تحبط إن أشركوا، وهم الصفوة من الخلق فقال تعالى: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين   )  ثم يقول له: ( بل الله فاعبد وكن من الشاكرين

الوقفة الثانية: خطورة الشحناء والبغضاء بين الناس، وأن الله لا يغفر للمتشاحنين، والشحناء هي: حقد المسلم على أخيه المسلم بغضا له لهوى في نفسه، لا لغرض شرعي ومندوحة دينية، فهذه تمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، كما في صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: انظروا هذين حتى يصطلحا ))، وقد وصف الله المؤمنين عموما بأنهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.(  قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، فأقِل يا عبد الله حتى تُقال. 

الوقفة الثالثة: إحياء بعض الناس لليلة النصف من شعبان، وبعضهم يصليها في جماعة ويحتفلون بأشياء وربما زينوا بيوتهم، وكل هذا من البدع المحدثة التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحبه ولا تابعوهم، وهم الحجة لمن أراد سواء السبيل وما ثبت في هذه الليلة من فضل هو ما قدمناه من أنك يجب عليك أن تحقق التوحيد الواجب، وتنأى بنفسك عن الشرك، وأن تصفح وتعفوا عمن بينك وبينه عداوة وشحناء ، أما إحداث البدع في هذه الليلة فإن أهلها هم أولى الناس بالبعد عن رحمة الله، وأن ينظروا هم حتى يتوبوا من بدعتهم. 
الوقف الرابعة: أن لا يصوم الإنسان بعد منتصف شعبان بنية استقبال رمضان وحتى يحتاط لشهر رمضان بزعمه فإن هذا من التنطع والغلو في الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان)) فهذا الحديث وما في معناه للمتنطعين والمتشددين الذين يستقبلون رمضان بالصيام بنية الاحتياط لرمضان، فهذا منهي عنه، ولا يدخل في هذا أن يصوم الإنسان ما كان معتادا له من صيام الاثنين والخميس مثلا، أو ثلاثة أيام من كل شهر، أو القضاء، أو النذر. 

وما له تعلق بهذا أيضا، حرمة صيام يوم الشك قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم. ويوم الشك هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أو من شعبان و هو يوم الثلاثين، فيحرم صومه بنية الاحتياط قال: صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه)) فهذا في الرجل الذي له عادة ويصومه بنية التطوع لا بنية الفرض، وأنه من رمضان أو بنية الاحتياط، فالنية هي الفيصل هنا، ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)). 

السبت، 1 أبريل 2017

أم سليم بنت ملحان الأنصارية رضي الله عنها

ام سليم بنت ملحان الانصارية رضي الله عنها 
نسبها : أم سليم الغميصاء 

ويقال : الرميصاء . ويقال : سهلة . ويقال : أنيفة . ويقال : رميثة . 

بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ; الأنصارية الخزرجية . 

أم خادم النبي ، صلى الله عليه وسلم : أنس بن مالك .
فمات زوجها مالك بن النضر ، ثم تزوجها أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ، فولدت لهأبا عمير ، وعبد الله . 

اسلامها : 

همام بن يحيى ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن جدته أم سليم أنها آمنت برسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالت : فجاء أبو أنس ، وكان غائبا ، فقال : أصبوت ؟ فقالت : ما صبوت ، ولكني آمنت . 

وجعلت تلقن أنسا قل : لا إله إلا الله ، قل : أشهد أن محمدا رسول الله . ففعل . فيقول لها أبوه : لا تفسدي علي ابني . فتقول : إني لا أفسده . 

فخرج مالك ، فلقيه عدو له ، فقتله  وقيل انه خرج الى الشام فمات هناك - . فقالت : لا جرم ، لا أفطم أنسا حتى يدع الثدي ; ولا أتزوج حتى يأمرني أنس 

زواجها من أبي طلحه ، وأعظم مهر في الاسلام : امرأة عاقله 

فخطبها أبو طلحة ، وهو يومئذ مشرك ، فأبت . 

سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت ، عن أنس ، قال : خطب أبو طلحة أم سليم ، فقالت : إنه لا ينبغي أن أتزوج مشركا ، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان ، وأنكم لو أشعلتم فيها نارا لاحترقت ؟ قال : فانصرف وفي قلبه ذلك ، ثم أتاها وقال : الذي عرضت علي قد قبلت . قال : فما كان لها مهر إلا الإسلام .

قال مالكٌ أبو أَنَسٍ لامرأتِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ – وهي أُمُّ أَنَسٍ – إنَّ هذا الرجلَ – يَعْنِي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – يُحَرِّمُ الخمرَ – فانطلق حتى أتى الشامَ فهلَك هناك فجاء أبوطلحةَ ، فخَطَب أُمَّ سُلَيْمٍ ، فكَلَّمَها في ذلك ، فقالت : يا أبا طلحةَ ما مِثْلُكَ يُرَدُّ ، ولكنك امْرُؤٌ كافرٌ ، وأنا امرأةٌ مسلمةٌ لا يَصْلُحُ لِي أن أتزوجَكَ ! فقال : ما ذاك دَهْرُكِ ! قالت : وما دَهْرِي ؟ قال : الصفراءُ والبيضاءُ ! قالت : فإني لا أريدُ صفراءَ ولا بيضاءَ ، أريدُ منك الإسلامَ ، فإن تُسْلِمْ فذاك مَهْرِي ، ولا أسألُك غيرَه ، قال : فمَن لي بذلك ؟ قالت : لك بذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فانطلق أبو طلحةَ يريدُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ في أصحابِه ، فلما رآه قال : جاءكم أبوطلحةَ غُرَّةُ الإسلامِ بين عَيْنَيْهِ ، فأَخْبَرَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما قالت أُمُّ سُلَيْمٍ ، فتَزَوَّجَها على ذلك قال ثابتٌ وهو الْبُنَانِيُّ أَحَدُ رُواةِ القِصَّةِ عن أَنَسٍ : فما بَلَغَنا أنَّ مَهْرًا كان أعظمَ منه أنها رَضِيَتِ الإسلامَ مَهْرًا ... البخاري ومسلم مختصرا

عجب الله من صنيعها : 

أنَّ رجلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إني مَجْهُودٌ - يعني أصابني الجَهْدُ والمشقةُ والجوع -.
 
أراد رسول الله أن يُواسِيَهُ، فبدأ بنفسِه وأهلِ بيته، أرْسََلَ إلى أزواجِه أمهاتِ المؤمنين، فكان الجوابُوالذي بَعَثَكَ بالحقِّ ما عندنا إلا الماء.

فتوجَّه صلى الله عليه وسلم إلى أصحابِه، قال: (مَنْ يُضِيفُ هَذَا.. الليلةَ، يرحمهُ الله). فبادرَ أحدُهم، ليغتنِمَ رحمةَ الله وثوابَه، وقال: أنا يارسول الله.
 
لم يكن هذا المُتكلِّمُ أكثرَ الحاضرين مالًا، ولا أوْفَرَهُم طعامًا وشَرابًا، وما كان هو الوحيد الذي توجَّه له الخِطابُ، فالحاضرون جماعةٌ، لكنَّهُ كان مِنْ أسْرَعِهِم إلى الخير، لقد كان أبا طلحة رضي الله عنه.
 
انطلقَ بالضيفِ إلى بيتِهِ، فقال لأمرأتهأَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تَدَّخِرِيْ عنه شيئا. قَالَتْ: والله مَا عِنْدَنَا.. إِلَّا قُوتُ الصبيان.

نظَرَ أبو طلحة إلى الحال، والرُّجوعُ بالضيفِ وَرَدُّهُ مُحَال، فأخَذ يَضَعُ مع امرأتِهِ خِطَّةً لذلك الموقِف، قال: نَوِّمِي صِبيانَكِ، و إذا أرادوا العَشَاءَ فَعَلِّلِيْهِمْ - يعني اشغليهم بشيء -، فإذا دَخَل ضيفُنا فقرِّبي الطَّعامَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَطْعَمُ مَعَهُ، ثم قُومِي إلى السراجِ فأطفئيهِ، واتْرُكِي الطعامَ لِضَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

بَاتَ الضيفُ هَانِئَا، وباتَ أبو طلحةَ جائِعَا، وامرأتُهُ وصِبيانُه كذلك، ليس في بُطُونهم شيءٌ؛ إكرامًا لضيفٍ وَفَدَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
فَلَمَّا تَنَفَّسَ الصباحُ، وَوُلِدَ الفَجْرُ، وانشَقَّ الضِّياءُ، غدا أبو طلحةَ كَعَادتِهِ، ليُصَلي الفجرَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإذا بالوحيِ قد نزَلَ من السماءِ، وإذا بالعَمَلِ الصالحِ الذي أخفَاهُ أبو طلحةَ في جوفِ بيتِهِ، لا يَعلمُ به ضيفُهُ ولا أحدٌ من الخَلْقِ، يتنزَّلُ به قُرآنٌ يُتلى إلى يوم القيامةوإذا بِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لقد عَجِبَ اللهُ - أَوْ قال: ضحِكَ الله - مِنْ صَنِيْعِكُما بضَيْفِكُما الليلةَ)، وأنزل سبحانه﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].

المرأة المجاهدة : 
شهدت : حنينا ، وأحدا . من أفاضل النساء . 

قال محمد بن سيرين كانت أم سليم مع النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم أحد ، ومعها خنجر . 

حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين ، فقال أبو طلحة يا رسول الله ، هذه أم سليم معها خنجر! فقالت : يا رسول الله ، إن دنا مني مشرك بقرت به بطنه .( اسناده صحيح  سير اعلام ) 

زيارة النبي عليه الصلاة والسلام لبيت ام سليم : 

أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يزور أم سليم ، فتتحفه بالشيء تصنعه له ، وأخ لي أصغر مني يكنى أبا عمير ، فزارنا يوما ، فقال : ما لي أرى أبا عمير خاثر النفس ؟ قالت : ماتت صعوة له كان يلعب بها . فجعل النبي يمسح رأسه ، ويقول : يا أبا عمير ، ما فعل النغير ؟ ( اسناده صحيح واخرجه البخاري مختصرا ) 

عن أنس ، قال : لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يدخل بيتا غير بيت أم سليم فقيل له . فقال : إني أرحمها ، قتل أخوها معي . ( البخاري ومسلم ) 

قلت : أخوها ، هو حرام بن ملحان ، الشهيد الذي قال يوم بئر معونة فزت ورب الكعبة ، لما طعن من ورائه ، فطلعت الحربة من صدره ، رضي الله عنه 


أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أم سليم ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقيل في بيتي ، وكنت أبسط له نطعا ، فيقيل عليه ، فيعرق ، فكنت آخذ سكا فأعجنه بعرقه . ( السُكّ : نوع من الطيب معروف عند العرب يخلط مع أنواع اخرى ) 

قال محمد ابن سيرين فاستوهبت من أم سليم من ذلك السك ، فوهبت لي منه . 

قال أيوب فاستوهبت من محمد من ذلك السك ، فوهب لي منه ; فإنه عندي الآن . 

قال : ولما مات محمد حنط بذلك السك( اسناده صحيح ) 

ابن جريج ، عن عبد الكريم بن مالك أخبرني البراء ابن بنت أنس ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم- دخل على أم سليم ، وقربة معلقة ، فشرب منها قائما ، فقامت إلى في السقاء ، فقطعته . 

رواه عبيد الله بن عمرو ، فزاد : وأمسكته عندها .



دعاء النبي عليه الصلاة والسلام لها ولاهل بيتها ولابنها أنس :


وروى عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس ، قال : ولدت أمي ، فبعثت بالولد معي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقلت : هذا أخي . فأخذه ، فمضغ له تمرة فحنكه بها 

قال حميد قال أنس ثقل ابن لأم سليم ، فخرج أبو طلحة إلى المسجد ، فتوفي الغلام . فهيأت أم سليم أمره ، وقالت : لا تخبروه . فرجع ، وقد سيرت له عشاءه ، فتعشى ، ثم أصاب من أهله . فلما كان من آخر الليل ، قالت : يا أبا طلحة ، ألم تر إلى آل أبي فلان استعاروا عارية ، فمنعوها ، وطلبت منهم ، فشق عليهم . فقال : ما أنصفوا . قالت : فإن ابنك كان عارية من الله ، فقبضه . فاسترجع ، وحمد الله . 

فلما أصبح غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلما رآه ، قال : بارك الله لكما في ليلتكما . 

فحملت بعبد الله بن أبي طلحة ، فولدت ليلا ، فأرسلت به معي ، وأخذت تمرات عجوة ، فانتهيت به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو يهنأ أباعر له ، ويسمها ، فقلت : يا رسول الله ، ولدت أم سليم الليلة . 

فمضغ بعض التمرات بريقه ، فأوجره إياه ، فتلمظ الصبي ، فقال حب الأنصار التمر . فقلت : سمه يا رسول الله . قال : هو عبد الله 
.

امرأة من أهل الجنة : 

وروى ثابت ، عن أنس ، قال : قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : رأيتني دخلت الجنة ، فإذا أنا بالغميصاء بنت ملحان امرأة ابي طلحة ، فسمعت خشفة فقلت : من هذا ؟. فقال : هذا بلال ) رواه البخاري ومسلم 

وفاة أم سليم الأنصارية: توفيت في حدود الأربعين في خلافة معاوية، فرضي الله عن أم سليم وأرضاها.
2