إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

حياة موقوفة لله

( حياة موقوفه لله ) 
إن رسالاتِ اللهِ إلى أهلِ الأرض، والدينَ الذي اختاره اللهُ لهم هو أثمنُ هبةٍ للبشرِ واعظمُ منةٍ عليهم، ، وطريقَه الموصلَ إلى جنته، هو النعمةُ التامةُ والفضلُ المبين.
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً )(المائدة)
أي نعمةٍ أعظمُ و أتمُ من أن تتنزلَ ملائكةُ الله بكلمات الله على رسول الله لتقول للإنسان هذا طريقُك إلى الله.
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(الأنعام: 
 إن هذا العطاءَ الإلهيَ والهبةَ الربانيةَ منةٌ تستشعرُ نفوسُ المؤمنين كِبرَ نعمةِ الله بها عليهم، فتتضاءلُ النفسُ أن تكونَ ثمناً لهذه النعمة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان –فذكر منهن- وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار).
ولذا حفلت مسيرة المؤمنين في التاريخ بصور من عطاء الحياة بسخاوة نفس ثمنا لهذا الدين.
 ثمنا لعطاء الله من الهداية. ..ثمنا لنعمة الله بالنور المبين.
 أعطيت الحياة بسخاوة نفس يوم كان ثمنها هذه العقيدة وهذه الرسالة وهذه المنة الإلهية، يوم كان ثمنها الجنة ورضاء الله.
أستمع إلى سحرة فرعون يتقبلون وعيد فرعون وهو يقول:
 ( فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى)(طـه:71)
فماذا كان الجواب على هذا التهديد ؟  بل كيف استقبل هذا الوعيد وقد وصل فيه فرعون إلى كل ما يستطيعه من تنكيل ؟
 أستمع إلى ثبات المؤمن المستشعر عظم المنة بالهداية المنتظر من الله فضلا تًحتقر له الحياة كلها. وهم يقدمون أرواحهم : 
(قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) (طـه:72) 
نعم ما أصغر الحياة وما أهون الحياة الدنيا حين تكون ثمنا للإيمان بالله عز وجل، وإن عذابها مهما اشتد ونكالها مهما كاد أيسر من أن يخشاه قلب موصول بالله عز وجل ينتظر ثوابه وينتظر مغفرته وينتظر رضاه وجنته:
(إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طـه:73) 
أيها الأحباب  إنه الإيمان، إنه الإيمان إذا خالطت بشاشتُه القلوب، استحكَم الولاءُ له، وكان العطاءُ للدينِ سخياً، كان العطاءُ للدينِ سخيا غايةَ السخاء، لأنه معاملةٌ مع كريمٍ، وتلقٍِ لمننٍ من إله عظيم..
 آيها المؤمنون بالله رب وبمحمد (صلى الله عليه وسلم) نبيا، وبرسالته الإسلام دينا.
 إذا كانت الحياةُ تقدمُ فداءً للدين، وثمناً للدين فهيَ كذلك تسخرُ لخدمةِ الدين، تسخرُ للعطاءِ للدين، إذ كلُ ما فيها لله، وإذا هيَ حياةُ أوقفت كلٌها لله. 
يقول نوح وهو يخاطب ربه:(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً) (نوح:5) 
إنه الجهدُ الدائمُ الذي لا ينقطعُ ولا يمَلُ، ولا يفترُ ولا ييئسُ أمامَ الإعراضِ، ألفَ سنةٍ إلا خمسين عاما.
ثم يقولُ: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً) (نوح:9) 
 ماذا بقيَ من حياةِ نبيَ اللهِ نوح لم يسخَر لدعوته ولم يبذَل لرسالتِه ؟  الليلُ والنهار، الجهر والإسرار كلُها لله، حياةُ أوقِفَت كلُها لله.
 ثم سرح طرفك في مسيرة أنبياء الله ورسله :
لتقف أمام نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام السجين الغريب الطريد الشريد الذي يعاني ألم الغربة وقهر السجن وشجى الفراق وعذاب الظلم، في هذا كله وبين هذا كله في زنزانة السجن   يسأله صاحبا السجن عن تعبير الرؤيا .
 فلا يدع نبي الله يوسف الفرصة تفلت منه. لا تنسيه مرارة المعاناة القاسية واجب العمل لله والعطاء لدينه فإذا به يحول السجن إلى مدرسة للدعوة.
 ويرى أن كونه سجينا لا يعفيه أبدا من تصحيح الأوضاع الفاسدة والعقائد الفاسدة فإذا به ينادي في السجن:
(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف:39) 
عذاب السجن وألم الغربة وقهر الظلم كل ذلك لم يذهله ولم ينسه واجب الدعوة. لأن العمل للدين رسالة في الحياة لا يمكن التحلل منها بحال.
 وهكذا تسير ركاب المؤمنين برسالات الله، لا تدع  فرصة للعمل للدين تفلت ولا فرصة للعطاء للدين تضيع.
كل عطاء يقدم مهما كان قليل. وكل جهد يبذل مهما كان يسيرا. وكل فرصة تلوح للعمل للدين لا يمكن أن تفلت من يدي مؤمن بالعمل لهذا الدين.
 هذه أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ رضي اللهُ عنهما ...لما جهزت رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) و أبا بكرٍ جهازهما للهجرة.
 جمعت سفرةَ رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) التي فيها طعامُه، والسقاءَ الذي فيه شرابُه، ثم جاءت لتحملَهما فلم تجد ما تربطُ به السفرةَ والسقاء، فعمدَت إلى نطاقِها فشقته نصفين فربطت بأحدهما السفرةَ وبالأخرِ السقاء.
امرأةُ تأبى إلا أن تقدم للدين، وتعطيَ للدين ولو كانت لا تملكُ إلا نطاقها فليكن عطاؤُها هذا النطاق، وإذا لم يكن النطاقُ كافيا فليشقَ النطاقُ نصفين.
وترحلَت الأيامُ تُعطرُ سني التاريخِ بخبرِ أسماء، وتحملُ صفحاتُ التاريخ هذاِ الخبرَ، ومعهُ تشريفُ أسماء وتلقيبُها بذاتِ النطاقين، إن هذا اللقبَ يعبرُ عن العطاء للدين الذي لا يدعُ فرصةً تفلتَ دون أن يقدَم لدين مهما كان هذا العطاءُ قليلاً فهو الجهدُ وهو الطاقة.
ثم سر قليلا لترى الرجل الكفيف الأعمى عبد الله أبن أم مكتوم  رضي الله عنه مؤذن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي عذره الله في قرأنه: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ )(النور 61).
لم ير أنه يسعه أن يدع فيها فرصة يخدم فيها الدين تفلت منه، ولتكن هناك في مواقع القتال وقعقعة السيوف وطعن الرماح وإراقة الدماء، ليكن له موقع هناك . فيصحب كتائب المسلمين ويطلب أن توكل إليه المهمة التي تناسبه وتليق به: (إني رجل أعمى لا أفر، فادفعوا إليالراية أمسك بها ).
يأبى إلا أن يشارك بنفسه على أي صورة كانت هذه المشاركة ممكنة.
 حتى إذا كان يوم القادسية كان هو حامل الراية للمسلمين، الممسك  بها أعمى يرى أن في عماه مؤهل لحمل الراية: (إني رجل أعمى لا أفر).
وتحمل كتب التاريخ- كما ذكر ذلك ابن الاثير - أنباء عبد الله أبن أم مكتوم وأنه كان أحد شهداء القاسية يوم غشيته الرماح فلم تصادف فرارا ولا موليا ولا معطي دبره في قتال.
 إن معنى العطاء لهذا الدين كان أمرا تشربت به نفوس الصحابة مذ أن تبسط أيديهم إلى كف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مبايعة على الإسلام.
هذا ضمام  أبن ثعلبة رضي الله عنه
يأتي إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقف يسأله عن شهادة لا إله إلا الله.وأن محمدا رسول الله.
وأقام الصلاة.وإيتاء الزكاة.وصوم رمضان.وحج بيت الله الحرام. حتى إذا عرفها أمن بها ثم رفع أصابعه الخمس قائلا: ( يا رسول الله والله لا أزيد على هذه ولا أنقص).
فإذا به ينقلب إلى قومه داعيا إلى الله يقول لهم:  (يا قوم بئست اللات، بئست العزى).
فيضل بين ظهرانيهم حتى لا يبقى بيت من بيوتهم إلا دخله الإسلام، فيقول عمر رضي الله عنه:
(ما رأينا قادما على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان أيمن من ضمام أبن ثعلبه).
 إن وضوح هذا المعنى للصحابة هو الذي دفع كتائبهم فانداحت بها الأرض فإذا مائة سنة تشهد أعظم إنجاز يتحقق على الأرض يوم طوي بساط المشرق إلى الصين، وبساط المغرب إلى المحيط الأطلسي تفتحه كتائب الصحابة والتابعين.
ما كان هذا الإنجاز ليتحقق إلا على أيدي الرجال الذين يعلنون في كل موقعة قائلين: (أن الله إبتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد).
لم يكن هذا الإنجاز ليتحقق إلا على أيدي رجال أوقفت حياتهم كلها لله.
الخطبة الثانية : 
 إن هذا المعنى العظيم معنى العطاء للدين والبذل له وتسخير الحياة من أجله حتى إذا الحياةُ كلُها، بليلِها ونهارِها، وإذا النفسُ بمشاعِرها ووجدانها وبكلِ طاقاتِها سخرةُ لهذا الدين. هذا المعنى توارى أو خفتَ في نفوسِ كثيرٍ من المسلمين، بل كاد ان ينعدم من نفوس بعض المسلمين
إنا نقلب الطرفَ فتقرُ العينُ وتبتهجُ النفسُ، برُؤيةِ معالم الاسلام واعداد المسلمين كل يوم في تزايد بدخول الناس في دين الله افواجا
 إذ هيَ جموعُ تضيقُ بها المحافل. وتكتظُ بها المساجد، لكن هل يتناسبُ هذا العدد مع العطاء المنتظر؟
إن عدد المسلمين الدافق المائج لا يتناسب مع ما ينتظر من عطاء. لو أن كل نفس أشربت هذا المعنى وسخرت للدين هذا التسخير.
إن هذا المعنى أمر ينبغي أن يذكى في القلوب ويوقد في النفوس وتشحذ له العزائم وتسخر له الطاقات.
 يبدأ من توجه القلب لهذا الدين، وتوهج العاطفة وبذلها لهذا لدين كما بذل الاوائل من حملته
ويعتصر ألما وحرقة يوم يرى أي صورة من صور حجب الدين أو المضايقة لأهله أو المزاحمة لدعاته أو التضييق على الكلمة الهادفة أو حجب الكلمة الناصحة.
أين العطاءُ للدين في حياتنِا ؟ أين العطاء للدين، هل يعيشُ كلُ منا همَ العطاءِ للدين فإذا به يحاول جهده 
هل يسألُ كلُ منا نفسَهُ إذا غربَت شمسُ كلِ يوم، هل غرَبت وقد قدم لدينه شيئاً في ذلك اليوم ؟
لنتساءل : ماذا قدمت لديني الذي به العزة والكرامة والانسانيه والعدالة 
إن الطاقة موجودة تحتاج إلى توظيف. إن الطاقات كامنة تحتاج إلى تشغيل.
 وصدق النية أيضا موجود، ولكن نحتاج إلى عزيمة وعمل يخرج للوجود.
إن أعظم مؤسسة خيريه قد تقوم على مئة ألف فقير 
لكن لو قام كل مسلم قادر على كفالة فقير وسد عوزته كم فقير سنكفل ؟ ملايين 
وهكذا.......... إننا سنجد أنفسنا أمام عملية خيريه واسعة لا نظير لها توقظ  الأمة من رقاد انانيتها الاجتماعية وغفلتها
 بل تبعثها من ممات وتحركها من خمود..
إن واجبنا ، نتفقد أنفسنا ما مدى العزيمة على العطاء في نفوسنا ؟ ما مقدار الهم للعمل للدين في قلوبنا ؟
ثم نحول ذلك إلى برنامج عملي في حياتنا.
برنامج يومي يعيشه كل منا في يومه وهو أن يكون ذا عطاء لهذا الدين.
لقد مرِضَ المسلمون اليومَ بالتدينِ السلبيِ الجامدِ الهامد الذي لا يقدمُ ولا ينفعُ ولا يحرك،
إننا اليوم أمام خير لا خيار لنا غيره؛
وهو أن نقدم لديننا وأن نعيش له حتى نلقى الله وقد قدمنا شيئا لهذا الدين.
3

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق