( سؤال الله العفو والعافية )
عباد الله ، العافيةُ من أعظمِ نعمِ اللهِ على عبادِهِ بعد نعمةِ الإيمانِ والإسلامِ ، والعافيةُ أن يعافيَك اللهُ ، أيها العبدُ لله ، من سُقْمٍ أو بلية ، ويدخلُ في معناها عفوُ اللهِ تعالى عن الذنوب ، وأمَّا المعافاةُ فهي أن تستغنيَ عن الناسِ ويَستغني الناسُ عنك ، وأن تعفوَ عنهم ويعفون عنك .
يا لها من نعمةٍ عظيمةٍ لا تُقَدَّرُ بثمن ،خلقك فسواك فصورك فأحسن تصويرك، فلم يجعلك كالبهائم في اشكالها او عاداتها او طريقة مشيها او مأكلها ، بل صورك في أحسن صورة ، وعافاك من كثيرٍ من الأمراضِ الخِلقيةِ قبل أن تبدأ رحلتَك على الأرض ، واستمر فضلُه عليك حتى يومك هذا ، استمر فضلُهُ عليك في نعمةِ العافيةِ ، فقد حفظك طِيلةَ سنواتِ عُمُرِكَ الماضيةِ من الإصابةِ بأمراضِ كثيرة ، وإذا ما أردت أن تعرف حجم هذا الحفظ ، فتأملْ كلَّ صاحبِ مرضٍ قد عافاك اللهُ منه ، أو صاحبَ بليةٍ قد عافاك الله منها ، كلُ ذلك يُذكرك بمدى فضلِ اللهِ عليك .
مئاتٌ بل آلافُ الأمراضِ التي تصيبُ أجهزةَ الجسمِ وأعضاءَهُ المختلفة قد عافاك الله منها .
مئاتٌ بل آلافُ الأمراضِ التي تصيبُ أجهزةَ الجسمِ وأعضاءَهُ المختلفة قد عافاك الله منها .
لو علمت عَدَدَ الفيروساتِ والكائناتِ الدقيقةِ ومُسَبَّباتِ الأمراض التي تحيط بك ، وتسببُ أمراضًا خطيرة ، والتي لا يمنعُها من مهاجمتِك إلا اللهُ - عز وجل - ، لَهَرَعْتَ إلى السجودِ الطويلِ شاكرًا لله - عز وجل - على حفظِهِ وعافيتِهِ لك منها طِيلةَ هذه السنين ، ولَسَألْتَهُ دوامَ وتمامَ العافيةِ أبدًا ولم تسألْ غيرَها .
لذا قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ) [الأحزاب 9] ، (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [النحل18] .
سيروا في الأرضِ ، عبادَ الله ، رحلاتِ اعتبارٍ بالذهابِ إلى الأماكنِ التي يَتواجدُ فيها أهلُ البلاءِ كالمستشفياتِ والملاجئِ ، ودورِ الأيتامِ وأصحابِ الاحتياجاتِ الخاصة وغيرها – نسأل الله أن يرفع عن إخواننا المسلمين كل بلاء وفتنة - ، لتدركوا حجمَ النِّعمِ العظيمةِ التي أمدنا اللهُ بها وأغدق بها علينا . ولندرك عظيمَ فضلِ الله علينا .
زوروا السجون يومًا لتعرفوا قيمةَ نعمةِ الحرية .
زوروا أقسامَ الحروقِ والكسورِ وأصحابِ الحالاتِ الحرجةِ لتدركوا قيمةَ نعمةِ العافية . كم من الناس من لا يستطيع البصر ، وأنت تبصر ، كم من الناس من لا يستطيع الكلام وأنت تتكلم ، كم من الناس من لا يستطيع الحركة وأنت تتحرك في كل مكان كيفما تشاء ودون حاجة لأحد ، كم من الناس من لا يستطيع النوم من الآلام ، وأنت تنامُ قرير العين هانئا ، كم من الناس من لا يستطيع الأكل ولا الشرب ، وأنت تأكل وتشرب هنيئا مريئا ، كم وكم .
تخيل نفسك ، وأنت تشاهدُ الأخبار ، المجاعاتِ والزلازلِ والحروبِ والنكباتِ ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ( ، يا رب ، لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهكِ وعظيمِ سلطانك .
لذا قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ) [الأحزاب 9] ، (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [النحل18] .
سيروا في الأرضِ ، عبادَ الله ، رحلاتِ اعتبارٍ بالذهابِ إلى الأماكنِ التي يَتواجدُ فيها أهلُ البلاءِ كالمستشفياتِ والملاجئِ ، ودورِ الأيتامِ وأصحابِ الاحتياجاتِ الخاصة وغيرها – نسأل الله أن يرفع عن إخواننا المسلمين كل بلاء وفتنة - ، لتدركوا حجمَ النِّعمِ العظيمةِ التي أمدنا اللهُ بها وأغدق بها علينا . ولندرك عظيمَ فضلِ الله علينا .
زوروا السجون يومًا لتعرفوا قيمةَ نعمةِ الحرية .
زوروا أقسامَ الحروقِ والكسورِ وأصحابِ الحالاتِ الحرجةِ لتدركوا قيمةَ نعمةِ العافية . كم من الناس من لا يستطيع البصر ، وأنت تبصر ، كم من الناس من لا يستطيع الكلام وأنت تتكلم ، كم من الناس من لا يستطيع الحركة وأنت تتحرك في كل مكان كيفما تشاء ودون حاجة لأحد ، كم من الناس من لا يستطيع النوم من الآلام ، وأنت تنامُ قرير العين هانئا ، كم من الناس من لا يستطيع الأكل ولا الشرب ، وأنت تأكل وتشرب هنيئا مريئا ، كم وكم .
تخيل نفسك ، وأنت تشاهدُ الأخبار ، المجاعاتِ والزلازلِ والحروبِ والنكباتِ ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ( ، يا رب ، لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهكِ وعظيمِ سلطانك .
عباد الله ، الدُّعَاءُ بِالعَافِيَةِ لَا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَدْعِيَةِ ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ شَيْءٌ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ , كم من الناسِ من يدعو لأجل الدنيا ، وينسى الدعاءَ بالعافية ، وما تنفعُ الدنيا بدون عافية ، فالعَافِيَةُ دِفَاعُ اللَّهِ عَنْ العَبْدِ , فَالدَّاعِي بِهَا قَدْ سَأَلَ رَبَّهُ دِفَاعَهُ عَنْ كُلِّ مَا يؤذي العبد , الدُّعَاءُ بِالعَافِيَةِ تَحْرِيكٌ لِهِمَمِ الرَّاغِبِينَ عَلَى مُلَازَمَتِهِ وَأَنْ يَجْعَلُوهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ إِلَى رَبِّهِمْ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَيُسْتَدْفَعُونَ بِهِ فِي كُلِّ مَا يُهِمُّهُمْ .
لقد أرشدنا نبينُا – صلى الله عليه وسلم - إلى سؤالِ اللهَ تعالى العفوَ والعافيةَ والمعافاة ، فعَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ : لم يكن رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعْوَات حِين يُمْسِي وَحين يصبح : (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك العَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك العَفو والعافية فِي ديني ودنياي ، وَأَهلي وَمَالِي ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عورتي ، وَقَالَ عُثْمَان وَهُوَ ابْن أبي شيبَة : عوراتي ، وآمن روعاتي ، اللَّهُمَّ احفظني من بَين يَدي ، وَمن خَلْفي ، وَعَن يَمِيني ، وَعَن شمَالي ، وَمن فَوقِي ، وَأَعُوذ بعظمتِك أَن أُغتالَ من تحتي)) قَالَ وَكِيع وَهُوَ ابْن الْجراح : يَعْنِي الْخَسْف . صحيح ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه .
وقد بَدَأَ - صلى الله عليه وسلم – صباحَهُ ومساءَهُ ، بهذا الدعاءِ العظيمِ بسُؤالِ اللهِ العافية في الدنيا والآخرة . وسؤالُ العافيةِ في الدِّين فهو طلبُ الوقاية من كلِّ أمرٍ يَشِينُ الدِّينَ أو يُخِلُّ به ، وأمَّا في الدنيا فهو طَلَب الوقاية من كلِّ أمرٍ يَضُرُّ العبدَ في دنياه مِن مُصيبة أو بَلاء أو ضَرَّاء أو نحو ذلك ، وأمَّا في الآخرة فهو طَلَبُ الوقايةِ من أَهوالِ الآخرةِ وشدائدِها وما فيها من أنواع العقوبات ، وأمَّا في الأهل فبِوِقَايَتِهم مِن الفتَن وحِمايَتِهم من البَلاَيَا والمحن ، وأمَّا في المال فبِحفظِه مِمَّا يُتْلِفُه مِن غَرَقٍ أو حَرْقٍ أو سَرِقَةٍ أو نحو ذلك ، فجَمَع في ذلك سؤالَ الله الحفظَ من جَميع العَوارِض المُؤْذِيَة والأخطار المُضِرَّة.
في سننِ الترمذي ، وابنِ ماجةَ عن أنس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً جاء إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم – فقال : يا رسول الله أيُّ الدعاءِ أفضل ؟ قال : (( سَلْ رَبَّكَ العافِيَةَ وَالمُعافاةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ )) ، ثم أتاه في اليوم الثاني ، فقال : يا رسولَ الله ، أيُّ الدعاء أفضل ؟ فقال له مِثْلُ ذلكَ ، ثم أتاه في اليوم الثالث ، فقال له مِثْلُ ذلكَ ،.
في سننِ الترمذي ، عن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه – قال : قلت: يا رسول الله ، علمني شيئًا أسألُهُ اللهَ تعالى ، قال : (( سَلُوا اللهَ العافِيَةَ )) فمكثت أياماً ثم جئت ، فقلتُ : يا رسولَ الله علمني شيئًا أسألُهُ اللهَ تعالى ، فقال : (( يا عَبَّاسُ يا عَمَّ رَسُول اللَّهِ ، سَلُوا اللَّهَ العافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرَة )) قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما - ، أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ : اللهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ نَفْسِي ، وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا ، لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا ، إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا ، وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا ، اللهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : سَمِعْتَ هَذَا مِنْ عُمَرَ ؟ فَقَالَ : " مِنْ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ ، مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " . رواه مسلم .
سؤالُ اللهَ العافيةَ المطلقةَ من الكفرِ والفسوقِ والعصيانِ والغفلةِ والأمراضِ والأسقامِ والفتنِ ، وفعلِ ما لا يحبُّه وتركِ ما يُحبه ، هذه حقيقةُ العافية ، ولهذا ما سُئل الرَّبُّ شيئاً أحبَّ إليه من العافية ، لأنَّها كلمةٌ جامعةٌ للتخلُّصِ من الشَّرِّ كلِّه وأسبابِهِ ، ومِمَّا يدلُ على هذا ، ما رواه البخاري في الأدبِ المفرد وغيرُه ، عن شَكَلِ بنِ حُميد - رضي الله عنه – قال : قلت يا رسول الله ! علِّمني دعاءً أنتفعُ به ، قال : (( قل اللَّهمَّ عافنِي من شَرِّ سَمعي وبصري ولساني وقلبِي وشَرِّ مَنِيِّي )) .
فهي دعوةٌ جامعةٌ وشاملةٌ للوقاية من الشرور كلِّها في الدنيا والآخرة .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا اليَوْمِ مِنْ عَامِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ اسْتَعْبَرَ أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ : (( لَمْ تُؤْتَوْا شَيْئًا بَعْدَ كَلِمَةِ الْإِخْلاصِ مِثْلَ الْعَافِيَةِ، فَاسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ )) صحيح لغيره ، رواه أحمد ، أبو يعلى ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، وغيرهم .
قال مطرِّف بن الشِّخِّير : لأن أُعافى فأشكر ، أحبُّ إليَّ من أن أبتلى فأصبر ، وقال رحمه الله : ونظرت في النعمةِ التي لا يشوبها كدرٌ فإذا هي العافية .
رأيتُ البلاءَ كَقَطْرِ السَّماء ... وما تنبتُ الأرضُ من ناميه
فلا تسألنّ : إذا ما سألت ... إلهَكَ شيئاً سوى العافية
جاء عند الترمذي أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ((من رأى مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاء)) ، فمن المشروع إذًا أن تسأل الله تعالى العافية – أخي المسلم - صباح مساء ، وأن تحمد الله تعالى على العافية ، إذا رأيت مبتلى في الدين ، أو في بدنه ، أو في ماله ، وكم يمر الناس على أهل البدع والكفر والمعاصي والذنوب ولا يحمدون الله على العافية ، فهذا الذي يتعامل بالربا ، أو يأخذ الرشوة ، أو يبيع المحرمات أو يتعامل بها ، فهؤلاء وغيرُهم مبتلون ، نحمد الله تعالى أن عافانا مما ابتلاهم به ، ونسأله تعالى العافية .
فاتقوا الله عباد الله، وسلوا الله تعالى العافية ، عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - ، قَالَتْ : " لَوْ عَلِمْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا إِلَّا الْعَافِيَةَ حَتَّى أُصْبِحَ " ، وهي تتذكر وصية الرسول عليه الصلاة والسلام : (قولي : اللهم انك عفو كريم تحب العفو فأعف عني )
رأيتُ البلاءَ كَقَطْرِ السَّماء ... وما تنبتُ الأرضُ من ناميه
فلا تسألنّ : إذا ما سألت ... إلهَكَ شيئاً سوى العافية
جاء عند الترمذي أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ((من رأى مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاء)) ، فمن المشروع إذًا أن تسأل الله تعالى العافية – أخي المسلم - صباح مساء ، وأن تحمد الله تعالى على العافية ، إذا رأيت مبتلى في الدين ، أو في بدنه ، أو في ماله ، وكم يمر الناس على أهل البدع والكفر والمعاصي والذنوب ولا يحمدون الله على العافية ، فهذا الذي يتعامل بالربا ، أو يأخذ الرشوة ، أو يبيع المحرمات أو يتعامل بها ، فهؤلاء وغيرُهم مبتلون ، نحمد الله تعالى أن عافانا مما ابتلاهم به ، ونسأله تعالى العافية .
فاتقوا الله عباد الله، وسلوا الله تعالى العافية ، عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - ، قَالَتْ : " لَوْ عَلِمْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا إِلَّا الْعَافِيَةَ حَتَّى أُصْبِحَ " ، وهي تتذكر وصية الرسول عليه الصلاة والسلام : (قولي : اللهم انك عفو كريم تحب العفو فأعف عني )
الخطبة الثانية :
وهنا يأتي السؤال ممن ابتلوا بشيء من الامراض والمصائب وقد أصبحت مزامنة لهم : أين نحن من العافية ؟
فنقول لهم : ان لله حكمه في كل أمر أمر به او قضاء قدره وله الخلق والامر ، لا راد لامره ولا معقب على حكمه ولا معترض على قدره ، ولا ساخط على افعاله سبحانه
من رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط ، وأمر الله نازل لامرد له
ولذلك كانت اول معافاة لمن نزلت به مصيبة في بدنه او عياله او ماله ان يقول : انا لله وانا اليه راجعون ، فينال الصلوات من الله وهو الثناء والرحمة والهداية ( اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون )
ثم نقول لهم : ان هذا الابتلاء قد يكون – اذا صبر العبد واحتسب – باب من ابواب الجنة ، فتكون العافية فيه وان كان ظاهره ألم وتعب ونصب ، وتأملوا في هذا الحديث :
عن عطاء بن أبي رباح ، قال : قال لي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ألا أُرِيكَ امرأةً من أهل الجنة ؟فقلت : بلى ، قال : هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني أُصْرَعُ ، وإني أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللهَ تعالى لي ، فقال : " إنْ شِئْتِ صَبْرْتِ ولَكِ الجنة ، وإن شئت دعوتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ " . فقالت : أَصْبِر ، ثم قالت : إنِّي أتكشف فادع الله أن لا أتكشف ، فَدَعَا لَها " . رواه البخاري ومسلم .
اختارت هذه المرأة الصبر على الصرع ، لانها ترى ان العافية الحقيقية في الجنة ،
بل قد تكون العافية الحقيقية للبعض فيما اصابه ، كيف ؟
هذا شاب استغل شبابه فيما يغضب الله وولغ في المعاصي والذنوب والموبقات ، فسلبه الله الصحة والعافية في الدنيا ، فرجع وتاب وأناب وربما اصابه شلل او عاهة ، ففقد عافية الصحة ، ليعافيه الله في الدنيا بالتوبة والعمل الصالح ويعافيه في الاخرة بدخول الجنة
وقل مثل ذلك على صاحب مال سخره في المعصية ، فيسلبه الله ذلك المال ، ليعافيه في الدنيا من الآثام ، ويعافيه في الاخرة بدخول جنة الرحمن
بل حتى لو لم يتب – وبقي على شهادة لاإله الا الله – فان ذلك ينفعه في التخفيف عليه من الذنوب بما اصابه ، وكذلك حتى لايزداد اثماً فوق اثمه
فاعلم ان الله ما ابتلاك الاّ ليعافيك ، وما منعك الاّ ليعطيك
عن صُهَيب بن سِنان ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عَجَباً لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَه كُلَّهُ له خير ، وليسَ ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ !
إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَر ، فكان خيراً له ، وإن أصابته ضَرَّاءُ ، صَبَرَ فكان خيراً له " . رواه مسلم .
إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَر ، فكان خيراً له ، وإن أصابته ضَرَّاءُ ، صَبَرَ فكان خيراً له " . رواه مسلم .
فمادام القلب معلق بالله ، فامر الدنيا هين وما فيها من مصائب مهما طالت ستزول
وفي صحيح مسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة ، فيصبغ في النار صبغة ، ثم يقال : يابن آدم ، هل رأيت خيرا قط ؟! هل مر بك نعيم قط ؟! فيقول : لا ، والله يا رب . ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة ، فيصبغ في الجنة صبغة ، فيقال له : يابن آدم ، هل رأيت بؤسا قط ؟! هل مر بك شدة قط ؟! فيقول : لا ، والله ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط " .
وقد يقول قائل : اذاً نسأل الله المصائب ؟
فنقول : لا ، لا تسألوه الابتلاء والمصيبة ، ولكن اذا نزلت فاصبروا لها صبر الراضين بقدر الله ، الطامعين في الاجر من الله
عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟".
قَالَ: نَعَمْ كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ! لَا تُطِيقُهُ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؟"، قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ.
فاحفظوا نعم الله عليكم بالعمل الصالح ، فالبِرُّ لا يَبْلَى ، والإثْمُ لا يُنْسَى ، والديان لا ينام ، وكما تدين تدان .
قال أبو سليمان الداراني – رحمه الله - : " من صَفَّى ، صُفِّيَ له ، ومن كدر ، كدر عليه ، ومن أحسن في ليله ، كوفئ في نهاره ، ومن أحسن في نهاره ، كوفئ في ليله ".ومن سره أن تدوم له العافية ، فليتق الله -عز وجل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق