إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2018

تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة

( تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) 
أما بعدفأوصيكم ونفسي بتقوى الله ؛ فاتقوا الله حق التقوى، وأسلموا له وجوهكم ، وعلقوا به قلوبكم ؛ فإن الخلق مهما كانت كثرتهم وقوتهم لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا .. {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاكَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ} ..

وفي الحديث العجيب الذي يرويه ابن عباس رضي الله عنهما قال:كنت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً
تعرف إلى الله في الرخاء .. يعرفك في الشدة 
اسألوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر

وأصدق الأخبار أخبار القرآن الكريم .. هذا يونس بن متّى نبي الله يسقط في لجج البحار فيبتلعه الحوت فإذا هو في ظلمة جوف الحوت .. في ظلمة جوف البحر .. في ظلمة الليل البهيم , ظلمات ثلاث , فلا يعلم مكانه أحد, ولا يسمع نداءه أحد ولا يعلم بحاله أحد .. إلا من لا تخفى عليه خافية , إلا من لا يعزب عنه مثقال ذرة .. إلا من هو بكل شيء عليم .. سبحانه وبحمده .. فدعا وهو على تلك الحال: {لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فسمعت الملائكة دعائه , فقالت: صوت معروف في أرض غريبة , هذا يونس لم يزل يُرفع له عمل صالح ودعوة مستجابة ..
فيجيئه الجواب الإلهي: {فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} . ويأتيه الجواب بالنجاة {فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} .. قال الحسن البصري:" ماكان ليونس صلاة في بطن الحوت , ولكنه قدم عملاً صالحًا في حال الرخاء .. فذكره الله في حال البلاء ... وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه .. فإذا عثر وجد متكأً "..... صدقت بأبي أنت وأمي يا رسول الله : 
تعرف إلى الله فيالرخاء .. يعرفك في الشدة 

وفي البحر قصص أخرى ،وعبر تترى .. فالطاغية المتجبر فرعون .. حين أدركه الغرق .. نادى بالتوحيد {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} , وسمعت الملائكة دعائه فنزل إليه جبريل .. لا لينقذه .. وإنما ليأخذ من أوحال البحر فيدسه في فمه خشية أن تدركه رحمة الله .. وبعدها يأتيه الجواب {آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} .. 
وصدق من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم : 
) تعرف إلى الله في الرخاء .. يعرفك في الشدة ( 

ولا يزال لطيف صنع الله عز وجل بأوليائه وعباده الصالحين يتوالى عليهم في حال الشدائد والكروب ,فيفرِّج كربهم .. وينفِّس شدائدهم ... حيث كان لهم مع الله معاملة صالحة في الرخاء ..
فهذا نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام .. كان كثير المال .. كثير العيال ، حسن الحال , فسُلب ذلك كله واُبتلي بلاءً شديداً ، وطال مرضه حتى عافه الجليس , وأوحش منه الأنيس , ولم يبق معه أحدٌ يحنو عليه سوى زوجته الوفية ، فقد ظلت ترعى له حقه حتى ضعُف حالهاوقل مالها , حتى اُضطرت أن تخدم الناس بالأجر .. ثم إن الناس عافوها لما علموا أنها زوجة أيوب ، مخافة أن تعديهم , وحتى اضطرت أن تبيع ضفائرها .. وعندها نادى أيوب ربه {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} , فيأتيه الجواب: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين } .. ألم يقل الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : 
(( تعرف إلى الله في الرخاء .. يعرفك في الشدة .. ))

وذاك زكريا عليه الصلاة والسلام يدخل على مريم عليها السلام فيجد عندها رزقًا , يجد عندها فاكهة لم يأتِ أوانُها بعد , قال: {أنىّ لك هذا قالت هو من عند الله} .. ورجع زكريا وفكر وتأمل ..فإذا هو طاعن في السن .. وامرأته مع كبر السن عقيم لا تلد .. ولكن الذي يرزق الشيء في غير أوانه .. قادر على أن يرزقه الولد وإن كان طاعنًا في السن .. وإن كانت امرأته عاقر عقيم .. 

قال بعض السلف: قام من الليل .. فنادى ربه مناداة أسرها وأخفاها عمن كان عنده فقال: يا رب ، يا رب ، يا رب ، فقال الله لبيك .. قال : {رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأسشيبًا ولم أكن بدعائك ربي شقياً * وإني خفت الموالي من ورائي وكانت أمرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً } , فجاءه الجواب على الفور: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًا} ... إنه الله جلجلاله ..
فـ (( تعرف إلى الله في الرخاء .. يعرفك في الشدة .. ))

وقال سلمان الفارسي: "إذا كان الرجلُ دَعَّاءً في السرَّاء، فنزلت به ضرَّاءُ، فدعا الله تعالى، قالت الملائكة: صوتٌ معروف فشفعوا له، وإذا كان ليس بدَعَّاءٍ في السَّرَّاء، فنَزلت به ضرَّاءُ، فدعا الله تعالى قالت الملائكة: صوتٌ ليس بمعروف، فلا يشفعون له".

وعنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ" وفي رواية لمسلم: "قال اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ". (رواه البخاري ومسلم). 

في هذا الحديث يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم- قصة تاجر ممن كان قبلنا، و أن هذا الرجل لم يكن يعمل عمل خير قط ، إلا أنه بمخالطته للناس كان يداينهم ، فمن كان منهم معسراً عند السداد كان يأمر فتيانه أن يتجاوزوا عنه، والتجاوز هذا إما أن يكون بالإعفاء عنهم بالكلية, أو بالتجاوز عن البعض, أو بحسن المقاضاة وهذا كله من باب التيسير، 
فلما توفاه الله -عزوجل- وأقامه بين يديه سأله يا عبدي هل عملت خيراً قط؟ قال العبد: لا. إلا أنني كنت تاجراً وكنت أداين الناس، وكان لي غلام أو فتيان أبعثهم يتقاضوا الدين الذي لي، وكنت قبل أن أبعثهم آمرهم أن يأخذوا ما تيسر وأن يتجاوزوا عن المعسر ، لعل الله أن ينظر إلى عملي هذا فيتجاوز عني، كما أتجاوز عن هؤلاء المعسرينفقال الله -عزوجل- وهو أعلم- سبحانه- بما كان يعمل هذا الرجل، نحن أحق بذلك منه وأمر الله ملائكته أن يتجاوزا عنه ، رحمة من الله وفضل -سبحان وتعالى-.
( تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة )

ثم استمع وأنصت ، إلى خبر الثلاثة الذين قص النبي صلى الله عليه وسلم قصتهم .. يوم أن آواهم المبيت إلى غار في سفح جبل .. فتدهدهت عليهم صخرة عظيمة .. سدت عليهم فمالغار .. فإذا الغار صندوق محكم الإغلاق .. لا يمكن الخروج منه بحال .. إن نادوا فلن يُسمع نداؤهم .. وإن دفعوا فما يغني الدفع عنهم .. يا لها من كُربة عصيبة .. وشدة رهيبة .. حاولوا الخلاص، فلم يجدوا إلا وسيلةً واحدة .. إلا أن يتذكروا معاملاتهم الصالحة في الرخاء .. فدعوا الله في الشدة بصالح أعمالهم في الرخاء .. 

فدعا الأول ربه ببره بوالديه, فاسمع يا أيها العاق لوالديه .. لقد رجع يوماً متأخراً على غير عادته .. وكان أبواه لا يشربان الحليب إلا من يده .. فلما جاءهم به وجدهما قد ناما .. وكان بين خيارين ، إما أن يوقظهما , وإما أن يُطعم صبيتة الذين يتضاغون من الجوع !! فلميفعل شيئاً من ذلك .. بل ضل واقفاً وقدح اللبن على يده ، والصبية يتضاغون عند قدمه، ينتظر استيقاظ الوالدين الكريمين , والوالدان يغطان في نوم عميق .. حتى انبلج الصبح وأسفر الفجر فاستيقظا فبدأ بهما .. فعل ذلك في الرخاء .. ثم دعا في الشدة ((اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك .. فافرج عنا ما نحن فيه)) ..

أما الثاني .. فقد توسل إلى الله عز وجل بخشيته لله ومراقبته له .. يوم أن قدر على المعصية ، وتمكن من الفاحشة ، ووصل إلى أحب الناس إلى قلبه.. ابنة عمه .. بعد أن اشتاق إليها طويلاً ، وراودها كثيرًا .. وحاول فأعيته الحيلة ، حتى إذا أمكنته الفرصة ، واستطاع أن يصل إلى مبتغاه منها .. خاطبت فيه تلك المرأة مراقبة الله فقالت: اتق الله .. ولا تفض الخاتم إلا بحقه .. فارتعد القلب ..واقشعر الجلد .. ووجلت النفس .. فقام عنها وهي أحب الناس إليه .. وترك لها المال الذي أعطاها .. فعل ذلك في الرخاء .. ثم دعا في الشدة ((اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه )) ..

وأما الثالث .. فقد توسل إلى الله جل وعلا بصدقه وأمانته .. فقد استأجر عمالاً فأعطاهم أجرهم .. لكن بقي منهم عامل واحد .. ذهب ولم يأخذ من أجره شيئاً ، فحفظه ورعاه .. بل إنه استثمره ونمّاه, فكثر وتبارك .. فإذا هو عبيد وماشية وخير كثير بفضل الله .. ثم جاء الأجير بعد زمن طويل يقول: أعطني حقي .. .. 
ولأنه كان أمينًا غاية في الأمانة , نزيهًا غاية في النزاهة , فقد قال : حقك يا أخي محفوظ .. ثم عزل له قطيعاً ضخماً من الأغنام ومعها جملة من المملوكين الرقيق .. وقال له : كل هذا لك.. 
فكانت مفاجأة كبيرة.لم يستوعبها عقل الأجير الفقير , فقال مستنكراً : "اتق الله ولا تستهزئ بي" فقال: يا عبد الله .. إني لا أستهزئ بك .. فكل ماتراه من العبيد والماشية لك ... فاستاقه جميعًا , ولم يترك منه شيئًا .. فعل هذا في الرخاء .. ثم دعا في الشدة ((اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه)).

واستجيبت دعواتهم ، وقبلت مناجاتهم ، فإذا الشدة تفرج ، وإذا الصخرة الضخمة تتزحزح ، وإذا الضيق يتسع ، وإذا النور يملأ الغار وإذا بهم يخرجون يمشون .. كيف حدث هذا يا عباد الله ، لا غرابه ..
(( تعرف إلى الله في الرخاء .. يعرفك في الشدة .. ))

ترجم ابن كثير للبرامكة، وما أدراك ما البرامكة ! شيء عجيب! نبأ غريبالبرامكة أسرة أعجمية، فوضها المهدي وابنه هارون الرشيد بعده في الأموال والديار، بنوا القصور، بنوا الحدائق، رفعوا الدور، كانوا يطلون قصورهم بماء الذهب وماء الفضة، أي بذخ هذا! أي ثراء هذا! أي غنىً هذا! لكن نسوا الله، تركوا الصلوات، ارتكبوا الشهوات، أكثروا من السيئات، أكثروا من الفواحش، فأمهلهم الله عز وجل، ثم سلط عليهم أقرب قريب إليهم هارون الرشيد ، وثقوا بـهارون الرشيد ووثق بهم، أحبوه وأحبهم، لكن كما أتى في الحديث: {من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضى الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس }.

فغضب عليهم هارون الرشيد غضبة؛ لأنهم ما عرفوا الله في الرخاء فلم يعرفهم في الشدة، فأخذ أكبرهم يحيى بن خالد البرمكي , فأنزله في السجن سبع سنوات حتى طالت لحيته وأظفاره وشعره وحاجباه وطال شاربه، وطال كل شيء فيه حتى أصبح يقول: لا أنا في الدنيا ولا أنا في الآخرة.
!! ما رأى الشمس سبع سنوات، قال له بعض الناس لما دخلوا يزورونه: ما لك؟ قال: ما عرفت الله في الرخاء فلم يعرفني في الشدة، وقال في رواية عنه: أتدرون لماذا أصابني الله بهذه المصيبة؟ قالوا: ما ندري؟ قالدعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها.
فيا من تمهل في الرخاء، ويا من قاطع المساجد والصلوات الخمس: اعلم أن معنى حفظ الله في الرخاء معناه الحفظ في الشدة.

يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد الله البجلي : {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من طلبه أدركه ومن أدركه كبه على وجهه في النار 

كيف يحفظ الله؟ كيف يَرعى حدود الله؟ كيف يتعرف على الله في الرخاء من لم يصل الصلوات الخمس أو من أخرها عن أوقاتها أو من أسرف في تضييعها أو من تلاعب بها قدمها مرة وأخرها مرة أخرى؟ البرامكة قتل منهم هارون الرشيد مقتلة عظيمة، وأهانهم إهانة ما سمع في التاريخ بمثلها، وأنزلهم منازل الإذلال والقهر والبكاء والندم والحسرة وجعلهم يسبحون في دمائهم؛ لماذا؟ لأنهم ما تعرفوا على الله في الرخاء فلم يعرفهم في الشدة.

الخطبة الثانية : 

أحبتي في الله : وكما كُشفت عن الأفراد كروبهم .. وفرجت عنهم شدائدهم.. لأنهم عرفوا الله في الرخاء .. فكذلك تفرّجُ عن الأمّة كروبها .. وتنفّس عنها شدائدها .. إذا عرفوا الله في الرخاء .. وما ذلك على الله بعزيز .. .. أما حاصر الأحزاب المدينة النبوية وهم عشرة آلاف .. وكانت شدة عنيفة .. حكاها المولى الحكيم في كتابه الكريم فقال: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}
لكن الله فرجها عمن يعرفه في الرخاءلقد سلط الله على أعداءه البرد الشديد .. وأرسل عليهم الريح العنيفة ، اقتلعت خيامهم , ودحرجت قدورهم , وذرّت التراب في وجوههم.. فإذا بالجيش العرمرم يرتحل من غير نزال ولا قتال .. 
فـ(( تعرف إلى الله في الرخاء .. يعرفك في الشدة .. ))

والأمة اليوم تعيش شدائد متنوعة , تدكها دكًا .. ونعلم أن الأمة اليوم تدفع الثمن باهظاً .. تدفعه ثمناً لغفلة طويلة ، وصدود عن الله كبير , ولذا فحين ندعو في الشدة , ثم ندعو ثم ندعو ,يكون الحال كما تعلمون .. 

أيها الأخوة المؤمنون : فإن الشدائد في طريقها إلينا ،لن تخطئنا , ولن نخطئها , وإن خير ما نلقى به هذه الشدائد معرفة الله في الرخاء ..
الصحة رخاء , والشباب رخاء , والمال رخاء , والأمن رخاء , والفراغ رخاء , والقوة رخاء , فهل نعرف الله في هذه الرخاءات ..

وأما الشدائد فلا بدأن تأتي .. ولئن أخطأتنا شدة الفقر , أو إن أخطأتنا شدة المرض ، فلن تخطئنا شدة الموت؟! وهل أشد منه؟ .. وأمامنا شدائد لن تخطئنا ولن نخطئها , وأمامنا شدة القبر ,وشدة الحشر , وشدة العرض , وشدة المنقلب .. إما إلى جنة وإما إلى نار.. 
شدائد وأهوال عظيمة.. ونحن أحوج ما نكون إلى أن يعرفنا الله حينها ..

ثم إنَّ أمّةً نزل البلاء في نواحيها ، واستهدفها العدوُّ في دينها وأراضيها وفي كل ناحية من نواحيها.. يجب أن تكونَ أبعدَ الناس عن اللهو اللعب والترفِ، والركون إلى الدنيا وزينتِها ، وأن تكون أكثر الناس جدِّية في صرفَ جهودَها وطاقاتِها للتقرّب إلى خالقها وباريها ، وأن تُخلِصَ له الدّين ، وأن تقلِعَ عن المعاصي والشهوات ، وتهجُر الذنوبَ والمنكرات ، فهي التي أبحرت بأهلها إلى بحارٍ الظّلمات ، وهي سر المآسي والنكبات , حتمٌ على كلّ مسلمٍ أن يتذكَّر جيدًا أنّه لاطريق لسعادةِ الدنيا والآخرة .. 

ولا سبيلَ إلى الفوز والفلاح والأمن والنّجاحإلا بالتمسّك بصراط الله المستقيم ، وتحكيمِ أمر الله ونهيه ، وتقديمِ حكمِه وشرعِه في كلِّ التصرّفات والتصوّرات ، سمعاً وطاعة ، وحرصاً على الجماعة ،

واعلموا يا عباد الله أنَّ العبدَ لا يكون مؤمِنًا حقاً حتى يكون هواه تبعًا لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهذا يقتضي عودةً صادقة إلى الله ، وتمسُّكًا حقيقيًّا بكتاب الله وسنّة رسول الله ، واتِّباعًا لهدي النبيّ صلى الله عليه وسلم في كلِّ الأمور، بعيدًا عمَّا تمليه أهواء البشر ، أو معارضةِ الوحي بالاستحسان والنظر ..

وفي نهاية المطاف ..فإن من عرف الله في الرخاء يدخل الجنة , ويقول عند دخولها: {إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} ..
أما المعرضون عن ربهم في الرخاء فيقال لهم: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون} ..
أحفظ وصية رسول الله يحفظك الله .. 
(( تعرف على الله في الرخاء .. يعرفك في الشدة .. ))
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سرَّه أن يستجيبَ الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء)))


3

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق