( حسن الظن بالله )
- الخطبة الاولى :
فإن حسن الظن بالله عمل قلبي عظيم المنزلة والأثر في الدين وله عاقبة حسنة. والعبد مفتقر إليه في سيره لربه ومكابدته لأمور معاشه وتعامله مع صنوف الخلق. قال الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين). قال سفيان الثوري: (أي أحسنوا بالله تعالى الظن).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرا فله وإن ظن شرا فله). رواه أحمد.
وكان سعيد بن جبير يقول : (اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك). ويروى في مسند البزار: (إن أفضل العبادة انتظار الفرج )
وحسن الظن بالله حقيقته أن يظن العبد بالله خيرا ورحمة وإحسانا في معاملته ومكافئته ومجازاته أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة وهذا يتحقق في مقامات:
الأول: إذا دعا ربه أن يقبل ربه دعائه. كما جاء في الحديث: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة). رواه الترمذي.
الثاني: إذا تقرب إلى الله بعمل صالح أن يتقبل الله عمله ويرفعه. قال تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
الثالث: أن يقبل توبته إذا أذنب وتاب فأناب. وقد تضافرت النصوص بهذه الحقيقة. قال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
الرابع: أن يوقن بوعد الله ونعيمه الذي أعده الله لعباده الصالحين المستقيمين على طاعته وشرعه. وقد تواترت النصوص بذلك. قال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ).
الخامس: أن يوقن بحسن لقاء الله وستره وتجاوزه عنه وهو في سياق موته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله). رواه مسلم.
وحسن الظن بالله حقيقته أن يظن العبد بالله خيرا ورحمة وإحسانا في معاملته ومكافئته ومجازاته أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة وهذا يتحقق في مقامات:
الأول: إذا دعا ربه أن يقبل ربه دعائه. كما جاء في الحديث: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة). رواه الترمذي.
الثاني: إذا تقرب إلى الله بعمل صالح أن يتقبل الله عمله ويرفعه. قال تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
الثالث: أن يقبل توبته إذا أذنب وتاب فأناب. وقد تضافرت النصوص بهذه الحقيقة. قال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
الرابع: أن يوقن بوعد الله ونعيمه الذي أعده الله لعباده الصالحين المستقيمين على طاعته وشرعه. وقد تواترت النصوص بذلك. قال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ).
الخامس: أن يوقن بحسن لقاء الله وستره وتجاوزه عنه وهو في سياق موته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله). رواه مسلم.
وقال ابن عباس: (إذا رأيتم الرجل قد نزل به الموت فبشروه حتى يلقى ربه وهو حسن الظن بالله تعالى وإن كان حيا فخوفوه بربه واذكروا له شدة عقابه).
السادس: عند نزول البلاء وضيق الحال. قال بعض السلف: (استعمل في كل بلية تطرقك حسن الظن بالله عز وجل في كشفها فإن ذلك أقرب بك إلى الفرج).
السادس: عند نزول البلاء وضيق الحال. قال بعض السلف: (استعمل في كل بلية تطرقك حسن الظن بالله عز وجل في كشفها فإن ذلك أقرب بك إلى الفرج).
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول " والذي لا إله غيره ما أُعطي عبد مؤمن شيئاً خير من حسن الظن بالله عز وجل ، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه ؛ ذلك بأن الخير في يده "
وسفيان الثوري رحمه الله كان يقول : ما أحب أن حسابي جعل إلى والدي ؛ فربي خير لي من والدي "
عَنْ حَيَّانِ أَبي النَّضْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَبِي الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ .. قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو الْأَسْوَدِ يَمِينَ وَاثِلَةَ فَمَسَحَ بِهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَوَجْهِهِ لِبَيْعَتِهِ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ: وَاحِدَةٌ، أَسْأَلُكَ عَنْهَا؟ .. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ .. قَالَ: كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّكَ؟ .. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ، أَيْ حَسَنٌ .. قَالَ وَاثِلَةُ: أَبْشِرْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ).
لا إلهَ إلا اللهُ .. وصيةٌ نبويةٌ أكيدةٌ .. لحياةٍ شقيةٍ أو سعيدةٍ .. فما ظننتَه باللهِ تعالى فهو عندَ ظنِك به .. قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي.. إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ.. وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).
ها هو إبراهيمُ الخليلُ عليه السلامُ .. أمامَ نارٍ لم يُوقدْ مثلُها قَطُّ.. لها شررٌ عظيمٌ .. ولهبٌ مرتفعٌ .. قد جُمعَ لها الحطبُ شهراً .. حتى أن الطيرَ ليمرُ بجَنَباتِها فيحترقُ من شدةِ وَهجِها .. يُلقى فيها مربوطاً من بعيدٍ .. فيقولُ وهو في الهواءِ .. منادياً لِمَنْ في السماءِ: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟ .. يأتي الأمرُ السريعُ .. من ربٍ سميعٍ: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ).
وبعدَ سنينَ عديدةٍ .. يأتي إِبْرَاهِيمُ بهاجرَ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ .. حَتَّى وَضَعَهُمَا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ولا ماءٍ .. وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى مُنْطَلِقًا إلى الشام ..فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ؟ .. وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا .. فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ .. قَالَ: نَعَمْ .. قَالَتْ: إِذَنْ لا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِها بربِها تعالى؟ .. أخرجَ اللهُ تعالى من تحتِ قدميَ ابنِها ماءَ زمزمَ المباركَ .. وبُنيَ عندَهم البيتُ الحرامُ .. وجعلَ (أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).. ورزقَهم من الطيباتِ .. وأصبحَ الناسُ يأتونَهم (رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) .. وشرعَ اللهُ تعالى السعيَ بين الصفا والمروةِ تخليداً لموقفِ تلك المرأةِ الصابرةِ وذكرى للمؤمنينَ.
ثم يأتي بعد فترةٍ من الزمانِ إلى ولدِه الوحيدِ الذي رُزِقَه على كِبَر .. وقد (بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) فأصبحَ يذهبُ معه ويأتي وتعلقت به نفسُه .. (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) ورؤيا الأنبياءِ حقٌ .. (فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) ..وكفى بهذا الموقفِ وصفاً قولُه تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) .. فما كانَ من ذلك الابنُ الحليمُ إلا أن قالَ لأبيه راضياً منقاداً لأمرِ اللهِ تعالى: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).. وتأملوا في قولِه: (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) .. أي إنه أمرٌ من اللهِ تعالى وليسَ لنا إلا السمعَ والطاعةَ .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟ .. (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) .. وها هي الأضحيةُ كلُ سنةٍ تُذكِّرُنا بهذا الموقفِ الخالدِ .. لقوةِ تسليمِ الولدِ والوالدِ .. فعجباً لهذه العائلةِ حُسنُ ظنِها بربِها تعالى.
واسمعوا خبرَ زكريا عليه السلامُ .. وما أدراكَ ما خبرُ زكريا .. (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) .. بلغَ من العُمُرِ عتياً .. (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً) .. فتجمعت الأسبابُ التي يكونُ فيها الإنجابُ من المستحيلاتِ في عُرفِ الأطباءِ .. ومع ذلك قالَ: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً) .. وليس ولداً فقط .. بل (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً) .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟ .. (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً) .. فرزقَه الله تعالى غلاماً وسماه باسمٍ لم يكن معهوداً من قبلُ .. وجعلَه ربُه رضياً بقولِه: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا).
وهذا موسى يخرجُ ببني إسرائيلَ فراراً بدينِهم .. حتى يصلَ إلى البحرِ وليس عندَهم ما يركبونَ عليه .. وإذا بفرعونَ قد أرسلَ في المدائنِ وحشرَ جنودَه وخرجَ يتبعُ موسى ومن معه .. (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) .. فالبحرُ من أمامِنا والجندُ من وراءِنا فلا مفرَ اليومَ .. فماذا قالَ الواثقُ بنصرِ اللهِ تعالى لأوليائِه .. (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) .. .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟ .. (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) .. (وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ) .. بل أورثَهم اللهُ تعالى أموالَ فرعونَ ومن منعَه كما قالَ تعالى: (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) .. فسبحانَ اللهِ تعالى الذي عندَ حُسنِ ظنِ عبدِه به.
يحكي لنا اللهُ تعالى في كتابِه قصةَ طالوتَ وجيشِه .. حيثُ أجرى لهم اختباراً: (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) .. فماذا كانت النتيجةُ؟ .. (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) .. فرجعَ الذينَ شَرِبوا وتجاوزَ طالوتُ وبقيةُ الجنودِ النهرَ .. (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) .. وهذا القولُ كانَ من البعضِ ..ولكن (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) .. ثم سعوا بأعظمِ الأسبابِ الشرعيةِ وهو الدعاءُ .. (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) .. .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِهم بربِهم تعالى؟ .. (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) .. فقُتلَ قائدُ الكفارِ .. وانتصرَ جيشُ الأبرارِ.
وأما إذا كان الحديثُ عن نبيِنا صلى اللهُ عليه وسلمَ .. فحياتُه كلُها مليئةٌ بحسنِ ظنِه بربِه تعالى .. ويكفينا في ذلك موقفُ الهجرةِ (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) .. يقولُ أبو بكرٍ الصديقُ رضيَ اللهُ عنه: (نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ .. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ .. أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ) .. فماذا قالَ الذي عاشَ للهِ .. وباللهِ .. ومع اللهِ: (يَا أَبَا بَكْرٍ, مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟) .. لا إلهَ إلا اللهُ .. (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) .. فما هي النتيجةُ؟ ..(فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
لا إلهَ إلا اللهُ .. وصيةٌ نبويةٌ أكيدةٌ .. لحياةٍ شقيةٍ أو سعيدةٍ .. فما ظننتَه باللهِ تعالى فهو عندَ ظنِك به .. قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي.. إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ.. وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).
ها هو إبراهيمُ الخليلُ عليه السلامُ .. أمامَ نارٍ لم يُوقدْ مثلُها قَطُّ.. لها شررٌ عظيمٌ .. ولهبٌ مرتفعٌ .. قد جُمعَ لها الحطبُ شهراً .. حتى أن الطيرَ ليمرُ بجَنَباتِها فيحترقُ من شدةِ وَهجِها .. يُلقى فيها مربوطاً من بعيدٍ .. فيقولُ وهو في الهواءِ .. منادياً لِمَنْ في السماءِ: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟ .. يأتي الأمرُ السريعُ .. من ربٍ سميعٍ: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ).
وبعدَ سنينَ عديدةٍ .. يأتي إِبْرَاهِيمُ بهاجرَ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ .. حَتَّى وَضَعَهُمَا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ولا ماءٍ .. وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى مُنْطَلِقًا إلى الشام ..فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ؟ .. وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا .. فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ .. قَالَ: نَعَمْ .. قَالَتْ: إِذَنْ لا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِها بربِها تعالى؟ .. أخرجَ اللهُ تعالى من تحتِ قدميَ ابنِها ماءَ زمزمَ المباركَ .. وبُنيَ عندَهم البيتُ الحرامُ .. وجعلَ (أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).. ورزقَهم من الطيباتِ .. وأصبحَ الناسُ يأتونَهم (رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) .. وشرعَ اللهُ تعالى السعيَ بين الصفا والمروةِ تخليداً لموقفِ تلك المرأةِ الصابرةِ وذكرى للمؤمنينَ.
ثم يأتي بعد فترةٍ من الزمانِ إلى ولدِه الوحيدِ الذي رُزِقَه على كِبَر .. وقد (بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) فأصبحَ يذهبُ معه ويأتي وتعلقت به نفسُه .. (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) ورؤيا الأنبياءِ حقٌ .. (فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) ..وكفى بهذا الموقفِ وصفاً قولُه تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) .. فما كانَ من ذلك الابنُ الحليمُ إلا أن قالَ لأبيه راضياً منقاداً لأمرِ اللهِ تعالى: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).. وتأملوا في قولِه: (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) .. أي إنه أمرٌ من اللهِ تعالى وليسَ لنا إلا السمعَ والطاعةَ .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟ .. (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) .. وها هي الأضحيةُ كلُ سنةٍ تُذكِّرُنا بهذا الموقفِ الخالدِ .. لقوةِ تسليمِ الولدِ والوالدِ .. فعجباً لهذه العائلةِ حُسنُ ظنِها بربِها تعالى.
واسمعوا خبرَ زكريا عليه السلامُ .. وما أدراكَ ما خبرُ زكريا .. (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) .. بلغَ من العُمُرِ عتياً .. (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً) .. فتجمعت الأسبابُ التي يكونُ فيها الإنجابُ من المستحيلاتِ في عُرفِ الأطباءِ .. ومع ذلك قالَ: (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً) .. وليس ولداً فقط .. بل (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً) .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟ .. (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً) .. فرزقَه الله تعالى غلاماً وسماه باسمٍ لم يكن معهوداً من قبلُ .. وجعلَه ربُه رضياً بقولِه: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا).
وهذا موسى يخرجُ ببني إسرائيلَ فراراً بدينِهم .. حتى يصلَ إلى البحرِ وليس عندَهم ما يركبونَ عليه .. وإذا بفرعونَ قد أرسلَ في المدائنِ وحشرَ جنودَه وخرجَ يتبعُ موسى ومن معه .. (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) .. فالبحرُ من أمامِنا والجندُ من وراءِنا فلا مفرَ اليومَ .. فماذا قالَ الواثقُ بنصرِ اللهِ تعالى لأوليائِه .. (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) .. .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِه بربِه تعالى؟ .. (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) .. (وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ) .. بل أورثَهم اللهُ تعالى أموالَ فرعونَ ومن منعَه كما قالَ تعالى: (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) .. فسبحانَ اللهِ تعالى الذي عندَ حُسنِ ظنِ عبدِه به.
يحكي لنا اللهُ تعالى في كتابِه قصةَ طالوتَ وجيشِه .. حيثُ أجرى لهم اختباراً: (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) .. فماذا كانت النتيجةُ؟ .. (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) .. فرجعَ الذينَ شَرِبوا وتجاوزَ طالوتُ وبقيةُ الجنودِ النهرَ .. (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) .. وهذا القولُ كانَ من البعضِ ..ولكن (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) .. ثم سعوا بأعظمِ الأسبابِ الشرعيةِ وهو الدعاءُ .. (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) .. .. فماذا كان نتيجةُ حُسنِ ظنِهم بربِهم تعالى؟ .. (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) .. فقُتلَ قائدُ الكفارِ .. وانتصرَ جيشُ الأبرارِ.
وأما إذا كان الحديثُ عن نبيِنا صلى اللهُ عليه وسلمَ .. فحياتُه كلُها مليئةٌ بحسنِ ظنِه بربِه تعالى .. ويكفينا في ذلك موقفُ الهجرةِ (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) .. يقولُ أبو بكرٍ الصديقُ رضيَ اللهُ عنه: (نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ .. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ .. أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ) .. فماذا قالَ الذي عاشَ للهِ .. وباللهِ .. ومع اللهِ: (يَا أَبَا بَكْرٍ, مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟) .. لا إلهَ إلا اللهُ .. (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) .. فما هي النتيجةُ؟ ..(فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ ، فَقَالَ : " كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ " فَقَالَ : أَجِدُنِي أَرْجُو اللَّهَ وَأَخَافُ ذُنُوبِي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : " مَا اجْتَمَعَا فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ إِلا أَمَّنَهُ اللَّهُ مِنْ شَرِّ مَا يَخَافُ "
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ .. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ .. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية :
يقولُ ابنُ القيمِ رحمَه اللهُ: (وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ .. حَسَنَ الرَّجَاءِ لَهُ .. صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ .. فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ .. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ .. وَلَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ).
وأنت يا عبدَ اللهِ .. ما هو ظنُك بربِك تعالى؟
ما هو ظنُك بربِك أيها الفقيرُ؟ .. وأنت تقرأُ قولَه تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ).
ما هو ظنُك باللهِ يا من يبحثُ عن وظيفةٍ؟ .. واللهُ تعالى يقولُ: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).
ما هو ظنُك بربِك أيها المريضُ .. ويامن أصابَته الهمومُ والغمومُ؟ .. وأنت تتلو قولَه تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ).
ما هو ظنُك بربِك وأنت رافعٌ يديكَ إلى السماءِ؟ .. واللهٌ تعالى يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
ما هو ظنُك بالرحمنِ يا مَن عصيتَه؟ .. وأسرفتَ على نفسِك بالمعاصي؟ .. واللهُ تعالى يناديك: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
يقولُ ابنُ القيمِ رحمَه اللهُ: (وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ .. حَسَنَ الرَّجَاءِ لَهُ .. صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ .. فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ .. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ .. وَلَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ).
وأنت يا عبدَ اللهِ .. ما هو ظنُك بربِك تعالى؟
ما هو ظنُك بربِك أيها الفقيرُ؟ .. وأنت تقرأُ قولَه تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ).
ما هو ظنُك باللهِ يا من يبحثُ عن وظيفةٍ؟ .. واللهُ تعالى يقولُ: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).
ما هو ظنُك بربِك أيها المريضُ .. ويامن أصابَته الهمومُ والغمومُ؟ .. وأنت تتلو قولَه تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ).
ما هو ظنُك بربِك وأنت رافعٌ يديكَ إلى السماءِ؟ .. واللهٌ تعالى يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
ما هو ظنُك بالرحمنِ يا مَن عصيتَه؟ .. وأسرفتَ على نفسِك بالمعاصي؟ .. واللهُ تعالى يناديك: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
ألم تسمعْ لذلك النداءِ العظيمِ .. من ربٍ رحيمٍ: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي .. يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي .. يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة).
ما هو ظنُكم بربِكم أيها المظلومونَ؟.. ودعوتُكم ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ، وتصعدُ إلى السماءِ كأنها شرارةٌ، وتُحملُ علَى الغَمامِ، و تُفتَحُ لها أبوابُ السَّماءِ، و يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى: (وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّكَ ولَو بعدَ حينٍ).
ما هو ظنُكم بربِكم أيها المظلومونَ؟.. ودعوتُكم ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ، وتصعدُ إلى السماءِ كأنها شرارةٌ، وتُحملُ علَى الغَمامِ، و تُفتَحُ لها أبوابُ السَّماءِ، و يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى: (وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّكَ ولَو بعدَ حينٍ).
ماظنك بالله ونحن على ابواب شهر عظيم تفتح فيه ابواب الجنة وتغلق فيه ابواب النيران وتجاب فيه الدعوات وتعتق فيه الرقاب من النار ومن صامه ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قامه ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ؟ ما ظنك بالله وانت قادم على هذا الشهر المبارك؟
فحسِّنْ ظنَك بربِك أيها المؤمنُ حتى آخرِ لحظةٍ من حياتِك كما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
فحسِّنْ ظنَك بربِك أيها المؤمنُ حتى آخرِ لحظةٍ من حياتِك كما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
وها هنا أمر ينبهنا عليه الحسن البصري رحمه الله
يقول الحسن البصري: إنَّ المؤمنَ أحسنَ الظنَّ بربِّهِ فأحسنَ العملَ، وإنَّ المنافقَ أساءَ الظنَّ فأساءَ العمل.
ينبغي لنا أن نلتفت إلى أمر مهم ومؤثّر ، وهو أن لا نخلط بين حسن الظن بالله والغرور، فإن حسن ظن الإنسان بالله لا يعني أبدا أن نترك الطاعات أو نتهاون بها أو نتجرأ على المعاصي والعياذ بالله غروراً بما ورد من أن حسن الظن بالله ، بل لا بد لنا من أن نتابع جهاد أنفسنا في الليل والنهار، فمجرد الرجاء وحسن الظن بالله لا يكفي لوحده أبداً،
وسأل رجل الخليفة علي بن ابي طالب رضي الله عنه فقال : "قوم يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت،
فقال: هؤلاء قوم يترجحون في الأماني، كذبوا ليسوا براجين، إن من رجا شيئا طلبه ومن خاف من شيء هرب منه"
قال السفاريني: ظن كثير من الجهال أن حسن الظن باللـه والاعتماد على سعة عفوه ورحمته مع تعطيل الأوامر والنواهي كاف , وهذا خطأ قبيح وجهل فضيح , فإن رجاءك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق.
- كيف يجتمع في قلب العبد؟:قال ابن القيم: وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاق اللـه ، وأن اللـه يسمع كلامه ويرى مكانه ، ويعلم سره وعلانيته ، ولا يخفى عنه خافية من أمره ، وأنه موقوف بين يديه ومسئول عن كل عمل وهو مقيم على مساخطه مضيع لأوامره معطل لحقوقه ، وهو مع هذا يحسن الظن به وهل هذا إلا من خدع النفوس وغرور الأماني.
- كيف يجتمع في قلب العبد؟:قال ابن القيم: وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاق اللـه ، وأن اللـه يسمع كلامه ويرى مكانه ، ويعلم سره وعلانيته ، ولا يخفى عنه خافية من أمره ، وأنه موقوف بين يديه ومسئول عن كل عمل وهو مقيم على مساخطه مضيع لأوامره معطل لحقوقه ، وهو مع هذا يحسن الظن به وهل هذا إلا من خدع النفوس وغرور الأماني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق