إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 10 ديسمبر 2018

المؤمن كالنحلة

( المؤمن كالنحلة ) 
في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )  وَالَّذِينَفْسُ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ ‏ ‏لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِد .ْ ) صححه الشيخ أحمد شاكر والشيخ الألباني .

النحلة مخلوق عجيب من مخلوقات الله تعالى، هذه النحلة الصغيرة فيها من الأسرار ما يحير العقول والأفهام، لقد ألهم الله هذه النحلة وهداها وأرشدها إلى أن تتخذ من الجبال بيوتاً تأوي إليها، ومن الشجر ومما يعرشون
ومن عجيب شأنها أن لها أميراً يسمى اليعسوب لا يتم لها رواح ولا إياب ولا عمل ولا مرعى إلا به، فهي مؤتمرة لأمره سامعة له مطيعة، يدبرها كما يدبر الملك أمر رعيته، حتى إنها إذا آوت إلى بيوتها وقف على باب الخلية يرعى دخولهم وأمنهم واستقرارهم 

تأمل قدرة الله بخلقه يوم جعل من النحل حرّاساً للخلية يستطيعون أن يميزوا كل غريب ودخيل عليهم من النحل، فيطرحوه خارجاً أو يقتلوه، علماً أن تعداد الخلية يصل إلى ثمانين ألف نحلة أو أكثر فسبحان من ألهمه، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [(88) سورة النمل].
وأيما نحلة وقعت على نجاسة فلا يُسمح لها بالدخول الى الخلية ، فتبقى خارج المجتمع ( النحلي ) حتى تتطهر من رجسها ونجاستها.... فيالها من عبرة

إن في أحوال النحل وأعماله من العبر والآيات ما يبهر العقول، النحل مأمور بالأكل من كل الثمرات خلافاً لكثير من الحشرات التي تعيش على نوع معين من الغذاء، وتعجب أنها لا تأكل إلا الطيبات، زودها الله بشعيرات عصبية دقيقة يصل عددها إلى ثلاثين ألفاً تشكل حاسة الشم والسمع واللمس، وتعمل كالكشاف في ظلام الخلية، فسبحان من وهبها ذاك وبه زودها.
للنحلة عيون كثيرة، مما جعل لها سعة أفق في النظر، فالنحلة ترى أقصى اليمين وأقصى الشمال والبعيد والقريب في وقت واحد، علماً بأن عيونها لا تتحرك فلا إله إلا الله.
وتحمل النحلة ضعفي وزنها، وتطير به في خفة وحيوية. هناك من النحل مرشدات، عندما تجد مصدراً للغذاء تفرز عليه مادة ترشد إليه بقية النحل للرحيق، وعندما ينضب وينتهي الرحيق تفرز عليه المرشدات مواداً منفرة منه حتى لا يضيع الوقت في البحث فيه، ثم تنتقل إلى مصدر آخر، فمن علّمها وأرشدها؟ إنه الله جل جلاله، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها فلا إله إلا هو.

ماذا في النحل من عبر ؟ !ولنبدأ بما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
حيث ذكر من أهم الصفات المحمودة للنحلة أنها :تأكل الطيب ،وتضع الطيب  ، وإذا وقعت على عود لم تكسره ولم تفسد

ومجموع هذه الصفات تعتبر علامة فارقة في النحل دون غيره من الحشرات ، فليس ثم من الحشرات ما ينفع نِتاجه مثل النحل .. وليس من الحشرات ما ينتقي ما يقع عليه مثل النحل .. ورعي النحل للزهور وأعواد الورود وبساتين البراعم رعي حنون ، فهي لا تهجم هجوم الجراد ، ولا تعيث عيث الزنابير ، كما أن رعيها للزهور تلقيح لها لتثمر ، وتهييج للمياسملتنتج ...

فالنحل لا يمتص إلا رحيق الأزهار الفواحة .. لذا كان أطيب العسل البري الجبلي الذي ينتقي فيه النحل زهوره بنفسه لا بانتقاء الناس له ...

والعسل الخارج من بطنها من أطيب الإفرازات الحيوانية وأنفعها على الإطلاق ولذلك امتدحه القرآن وامتن به الله تبارك وتعالى .

والنحل ليس من نوع الحشرات الذي يهيج ويفسد كالجراد والزنابير ، حتى خلاياه يشيدها بعيدة عن مرمى البصر ومتناول الأيدي حتى لا يؤذي أحدا بها ...والنحل بطبعه لا يلدغ إلا من آذاه .. وهو يسيح في كل مكان ، إذا رأى حيوانا أو بشرا تحاشاه ، 

وما لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم من صفات النحل أنه يعمل ويجتهد ،ويثابر طوال يومه في بناء خليته ، وتشييد مدينته ، والمحافظة على نسله ، وأن له شجاعة وإقداما ، ويضحي بنفسه من أجل بني خليته ، ومن صفاته حب العمل الجماعي .. وهذا لا يحتاج إلى شرح أو بيان .. 

ومن صفات النحل المحمودة أنه لا يتبرم من العمل .. بل يعمل في صمت ، ولا ينتظر منصبا أو مكانة في خليته .. بل يعمل وهو يعلم أن مصيره الموت .. وفي عالم النحل صفات نبيلة يعلمها من تبحر في علم الحشرات ، وقد ضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم المثل في النحل فيما يعرفه عامة الناس ليكن أقرب للفهم ، وأدنى للتأمل والتبصر والاقتداء ...
والآن ...!
كيف هي صفات المؤمن .. على ضوء تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم له بالنحل ؟!
إن المؤمن طيب ...فمعدن الإيمان في قلبه ينفي الخبث ويطرد الدنيء ...فإذا طاب المؤمن وطاب معدنه صار محلا للطيبات .. وموئلا للجمائل ...
فلا ترى المؤمن يقبل إلا الطيب .. كسبه طيب....
عن المقدام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)). أخرجه البخاري

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه)). متفق عليه
أمرٌ من الله تعالى توجه لعباده المرسلين ، وأوليائه المؤمنين ، وللناس أجمعين ..
قال الله لعباده المرسلين : }يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ { [المؤمنون 51]
ونفقته طيبة ..وكلامه طيب ..وعمله طيب ..وعبادته طيبة ..مطعمه طيب ..ومشربه طيب..وملبسه طيب .. 
فاستحق أن أن تقول له ولأخوانه الملائكة يوم الدين ( سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين .
فالجنة دار طيبة .. أعدت للطيبين .. والمؤمن طيب .. لا يَقبل إلا طيبا ، ولا يُقبِل إلا على الطيب ..

وما يستودعه المؤمن عند الآخرين طيب .. مثل العسل الذي يضعه النحل فيستفيد منه الناس ..
إذا أنجز عملا كان طيبا .. ينتفع به الخلق ..وإذا علّم علما كان طيبا .. ينفع الناس ويمكث في الأرض .وإذا أنتج شيئا كان إنتاجه من أطيب الطيبات .المؤمن مثل النحل .. لا يقع على الجيف النتنة .. ليس كالذباب يحوم حول النجاسات والقذارات .. 
فالمؤمن إن رأى عيبا اصلحه أو خللا سده .. إن رأى تقصيرا أكمله وجمله .. 
لا يبحث عن أخطاء الآخرين .. ولا يجعلها هدفا لعمله ، فالنحل ينشد  الفائدة فقط ، ولا يضيع وقته في السفاسف .. 
والمؤمن لا يتحسس أخطاء الناس ..إن رأى تلك الأخطاء لا يجعلها مادة حياته .. وقبلة اهتمامه .. بل يمر عليها ولا يقف .. كالنحل !

والنحل إذا وقع على العود لم يكسره ... لأنه خفيفٌ حِمله .. رشيق تنقُّله ..فكذا المؤمن .. 
إذا عالج أمرا .. وتناول مشكلا لم يكسر القضية ويشوهها .. بل يقف على أعواد المشكلات وقوف النحل خفة ورشاقة ، ويعالج المشاكل كما يعالج النحل مص الرحيق من الأزهار وهو واقف على العود لا ينكسر به ، حتى إذا نال بغيته ، وكملت طِلبته قام عن العود وهو أكمل من ذي قبل ، فما من مشكلة يتناولها المؤمن إلا ويخرج منها وقد نالت منه خيرا ، ولم تر منه نقصا .

والنحل لا يُفسد في ترحاله وتنقله .. وكذا المؤمن .. يتجول في كل الأمور والقضايا نافعا منتفعا ، يفيد الناس عونا ، ويستفيد منهم مثوبة وأجرا ..

والنحل صبور .. وكذلك المؤمن ... جلد قوي .. ذو عزيمة وشكيمة ، يغالب الأمور ولا تغلبه ، يصارعها ولا تصرعه ..

يحب الجماعة كما النحل .. يتقوى بإخوانه .. ويستعين بهم .. يتعزى بسواعد القائمين على الخير مثله فيعمل معهم ، لا يكل ولا يمل .. مثلما
النحل .. 
المؤمن يضحي كالنحل ..بنفسه ..بماله ..بوقته ..بجهده ..بمتعته ..حتى تبقى جماعته قوية منيعة ..

ومن صفات النحل أنه لا يؤذي إلا من هجم عليه وآذاه في سعيه أو خرب عليه خليته ..وعدا ذلك فهو ماض في عمله .. دؤوب في سعيه لا يلوي على شيء .. يتعالى عن السفاسف .. لا يقع على الجيف .. ولا يحب النتن من الأشياء ..
فكذلك المؤمن ..مسالم .. مطمئن ..ماض في دربه .. يعبد ربه ..يدعو إلى دينه ..لا يؤذي الذر .. كما قال الحسن .
إن رأى المحسنين أحسن معهم ، وإن رأى أهل العلم سار في ركابهم ، وإن رأى أهل الجهاد جاهد معهم وآزرهم ، وإن رأى المحتسبين احتسب معهم ، وما من خير تدركه أطرافه إلا سعى إليه قدر طاقته ..  فإن رامه أحد بأذية كشر عن أنيابه .. وأبدى له شراسة أسود الشرى ...
فليس المؤمن بالخِب ولا الخِب ينال منه
.
الخطبة الثانية :
من أعظم نتاج النحل هذا العسل، ومن أعظم نتاج المؤمن العمل الصالح، فكن يا عبد الله كالنحلة تلقُط خيرًا وتلقي شهدًا.

قال الله تعالى عن نتاج النحل: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل]،

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رجلاً جاء إلى رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا رسول الله إن أخي استطلق بطنه، فقال: اسقه عسلاً، فذهب فسقاه عسلاً ثم جاء فقال: يا رسول اللّه: سقيته عسلاً فما زاده إلا استطلاقاً، قال: اذهب فاسقه عسلاً، فذهب فسقاه عسلاً ثم جاء فقال: يا رسول اللّه: ما زاده إلا استطلاقاً، فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: صدق اللّه وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلاً، فذهب فسقاه عسلاً فبرئ)) [أخرجه البخاري ومسلم]،
وفي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه الحلواء والعسل، 

وفي صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: ((الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي)).

إن الشفاء الحاصل من العسل حُرمه كثير من الناس، ولا ريب أن العسل شفاء كما أن القرآن شفاء، ولم يصف الله في كتابه بالشفاء إلا القرآن والعسل، فهما الشفاءان، هذا شفاء القلوب من أمراض غيها وضلالها وأدواء شبهاتها وشهواتها، وهذا شفاء للأبدان من كثير من أسقامها وأخلاطها وآفاتها.
والمحروم من حرمه الله، فهذا كتاب الله هو الشفاء النافع، وهو أعظم الشفاء، لكن ما أقل المستشفين به، بل لا يزيد الطبائع الرديئة إلا رداءة، ولا يزيد الظالمين إلا خساراً، وفي المقابل كم عوفي به من مريض، وكم قام مقام كثير من الأدوية التي لا تبلغ قريباً من مبلغه في الشفاء، ونحن نرى كثيراً من الناس بل أكثرهم لا نصيب لهم من الشفاء بذلك أصلاً، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [(57) سورة يونس].يبقى أن نقول : إن بعض بني البشر يكرهون الطيب ويبغضون الحلال .... بصائرهم منتكسة .. فصاروا يرون الخير شرا ، والحق باطلا ، والنور ظلمة ..وصار مذاق الإيمان في ألسنتهم علقما .. فما لنا من حيلة مع أولئك المرضى إلا أن يشفيهم الله حتى يبصروا حقيقة النحل وصريح الإيمان هذا درس واحد من حديث واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو تتبعنا أسرار النحل لوجدنا عجباً عجابا.. ولكن يكفي هذه الالماحة لتكون ذكرى للذاكرين وموعظة للمتفكرين   .. 
1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق