إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 15 ديسمبر 2018

القابضون على الجمر

القابضون على الجمر:
فنحن كما لنا أن نقول للمسيء أسأت فإنه يجب أن نقول لمن أحسن أحسنت، 
فأتعس الناس ما بين الورى... رجلاً يرى الجميل بتبصار القبيحات.
 فالله الذي قال مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ( هو الذي قال ) وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ) [فصلت: 46] ، 
والذي قال عليه الصلاة والسلام "بئس أخو العشيرة"، هو الذي قال "نعم الرجل عبدالله".
 موازين الشكر يحسن أن تكون موازية لموازين النصح، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله والشاكرون لربي أفضل الناس.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر » رواه الترمذي .
 أبلغوا أصواتنا بالشكر لهؤلاء، فهذا المقام مقام شكر، ولما كنا في زمن القبض على الألم على الجمرة الحمراء يصطلي بلهيبها قلوب، لولا الله ذابت تلك القلوب على الجمر.
 شكرا لأفواج القابضين، شكرًا لقبض الثابتين الصابرين الصامدين الصالحين، يتضعضع الزمان ويكلح المكان، ولا يزالون يعيشون على الوثيقة الخالدة، اختلفت البيئات أم أقفرت البلدان أم تفرق الصحب القديم بهم.
 تصيبك ارتعاشات الفخار ، تصيبك العزة، تصيبك الغبطة وأنت تسمع عن قصص الذين ثبتوا فلا تلبث إلا أن تُوقِن بعزة هذا الدين عزةً خالدة، وأنه الباقي على مكر العدا.
 قد تصيبك حالة من الوهن فترة من الزمن؛ لأنك طينة من الطينات؛ لأنك بشر من البشر يصلاك الكرب، ويغشاك الخطب، وتظن بالله الظنون؛ فإذا تذكرت أن الله منزّل هذا الدين وهو الذي تكفَّل بالبقاء له اعتزازًا، فإذا بك انجلت عنك الغمة، وانحلت عنك الكربة، وسكن جأشك وطاب قلبك.
 شكرًا لأفواج القابضين، شكرًا لأطواد الثابتين، هناك حالة في هذا المجتمع ليست لغيره إذا رأيتها أحسست أنها بخير، وأن هذا التشاؤم مكسور في صخرة العزم الأبي، وبربنا باقون فهو الخالق الحق العلي.
 شكرا لأفواج القابضين، ثبتوا لما بدَّل الناس، وقبضوا لما أفلت الناس، وتقدموا لما تضعضع الناس 
 إذا سمعت الله أكبر رأيتهم يحيون الصفوف الأولى، وإذا قرع أسماعهم منكر سعوا في تغييره بالحسنى، وإذا سمعوا بمظلمة أو نكبة تداعت له سائر أحزانهم، تشتكي أعضاء اخوانهم فيشتكون لشكواها ...
 قرؤوا (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) [الجن: 16]، فاستقاموا على الطريقة، عرفوا أن بقاء هذا الدين حقيقة، فاستمسكوا به ؛ رجال كالسنابل في العطاء ... اذا بخل الناس باموالهم جادوا.. واذا ادخر الناس الدرهم والدينار انفقوا .. واذا نام الناس عن الصلاة قاموا ، واذا تكاسل الناس اجتهدوا
روى الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم "يا شداد بن أوس! إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة، فاكنز هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك".
 رجال ونساء، شباب وأشبال، إذا انتكس البعض فهم الثابتون، وإذا خارت القلاع فهم الشامخون، وإن تخطفت غيرهم الشهوات، فهم الصابرون.. تجدهم في حِلَق الذكر وفي دور القرآن، وفي محاضن العلم وساحات المساجد.
 لا أستثني رجلاً ولا امرأة، الرجال في ثغور الخير والنساء على ثغور العز والفخر، أبلغوا أصواتنا بالشكر لهؤلاء تدور عيناك في الناس فإذا بحثت عنهم تلقوك هناك حيث الثغور الصامدة يحفظون أوقاتهم إذا انسكبت أوقات غيرهم في الشوارع وتشع وأصواتهم بالقرآن إذا بحت حناجر غيرهم بكلام الغرام الآثم، 
 بقاء أحدهم يرتل الآيات في قرآنه شغفًا إذا انتشى غيره من لحن الموسيقى، وبقاء إحداهن في الدور القرآنية أشهى إليهن من تزويق منحرف في السوق يتلو الغرام الحلو تزويقًا.
هي فتوحات ليست أعطيات فحسب (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) [إبراهيم:27]، أي: شعور يجتاحك وانت ترى أفواج المنسابين بعد صلاة العصر من الشباب والأشبال يلوذون بأقرب مجمع قرآني يحفظون أوقاتهم إذا ساومت الأبالسة على أوقات المتسكعين.
 أي قشعريرة تتمكن منك وأنت ترى الدور النسائية صباح مساء مليئة بالمؤمنات يحفظن الأوقات ومسالك الثبات، والله يفتتح الرضا في قلبهن، فربنا كريم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
 أبلغوا أصواتنا بالشكر لهؤلاء (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد: 17]، تعلم علم اليقين وتجزم تمام الجزم أن جملة هائلة من الشباب الصالح والنسوة المهتدية لو أرادوا لبدَّلوا واستبدلوا وأوغلوا وانتقلوا وانتكسوا، ولكنهم لا يزالون مخلصين لهذا العهد الأول، ولا يزالون مستمسكين بالعروة الوثقى.
 يرى أحدهم معالم المنتكسين فينشد حيّ على الثبات، فالدين درب المكرمات، والله ناصردينه بذي الحياة وذي الممات.
 والأخرى لما رأت حفلات الموت البطيء للحجاب بين بنات جنسها فتقول تالية:
ماضون رغم الدرب درب *** الجمر يحرقنا ظلما ونكالا
ماضيات على الحجاب *** وربي سابغ بالرضا قلوب الهداة
 ماضون بثباتنا في زمن الانسلاخ ، وفي زمن انصداع الآداب، وفي زمن حشرجة الألباب والتواء كلمة الحق وغربة دين الله.
 ماضون وهم يتلون: "يا عباد الله فاثبتوا، يا عباد الله فاثبتوا".
 شكرا لأفواج القابضات على الجمر.. لا تُخرِج زينتها رغم كونها جميلة، وتستطيع إغراء مجموعة من الشباب بفتنة لباسها وساحر جمالها، وما فعلت ذاك إلا لأنها خافت الله رب العالمين .
 لا تتخفف من حجابها رغم أن بنات جنسها وصديقاتها يعاتبنها على ذلك فتلك أخرجت خصلة شعرها والاخرى شف الغطاء على لبسها وثالثة تبرجت وتعطرت ، ويصل الأمر لاتهامها بالتشدد والتزمت، ومع ذا فهي قلعة صابرة من الثبات والكرامة.
 أبلغوها إذا رأيتم حماها ... أن ربي لن يضيع جزاها.
 لا تخرج إلى السوق لغير حاجة رغم أنها قادرة على الذهاب مع السائق كل يوم، وتستطيع بأدنى مجهود  تحريك كمائن الشهوة لأيّ شاب يعترضها في الطريق، ولكنها مع ذاك خافت الله رب العالمين 
 تسمع النداءات المنحرفة تتلقاها عاطفيًّا، وتطالبها وجدانيًّا بالتحرر من هويتها، ولكنها مع ذاك كانت تقول لهم: أنا حرة بالله 
 تسمع من يقول لها: كوني حرة، وانتفضي من هذه الأغلال، لكنها تقول لهم: حريتي ديني، وما حرية خرجت على ديني فإنها عبث اللصوص بكلمة معسولة يتلو بها عربيد.
 لا تسمع لحديث المنحرفين في قنوات التواصل والشاشات، رغم أنها تتلقى عشرات الدعوات من الإيحاءات اليومية تدعوها يوميًّا للخروج على شريعة ربها.
 ترى في مواقع وتطبيقات التواصل نساء يتحللن من حجابهن ثم ينلن الشهرة بأسرع طريق ، ولكنها كانت تحتقر تلك الموضة التي بدأت بالرواج ولسان حالها يقول: وماذا ينفع الناس اشتهار إذا كانت أواخره ندامة؟!
 صامدات ملايين من نساء امتنا الاسلامية يقدرن بأسهل حيلة الانفلات من المكرمات، ولكنهن قانتات تائبات عابدات سائحات ثابتات.
 نعم لا تستمع للدعوات المشبوهه .. رغم أن النداءات المنحرفة تتكرر عليها يوميًّا بشعارات المساواة بين الرجل وبين المرأة.
 تسمع بدعوات إسقاط الولاية والحسابات المجهولة التي لقيت صدًى في بعض الأوساط لكنها امرأة بلغت من الوعي مبلغًا يكفيها لفرز خبث النداء من حناجر الأعداء، ولأنها تعلم أن الولاية والقوامة تكليف للرجل وتشريف للأنثى، وأمر رباني يقتضي صيانتها لا التسلط عليها، وأن أيّ تطبيق خاطئ فالذنب ليس في النظام الرباني، وإنما في التطبيق الإنساني.
 لا تترك الدُور القرآنية فهي ابنة حلقات الذكر، وصاحبة التلاوات الندية، رغم أن كثيرًا من أخواتها قد انسحبن من تلك المحاضر مللاً أو كسلاً.
 شكرًا لكل امرأة تسبح في هذا العصر ضد تيار الزمن، فهي تصبر على دهرٍ يؤزها ويؤز بناتها نحو الشياطين.
 شكرًا لكل أخت عرفت أن هذا الطريق صعب، ولكنه آمِن النهايات  ، فاستقامت عليه وانتظرت موعود الله الذي لن يتخلف ..
شكرًا لكل أم احترقت من أجل بناتها خائفة عليهن من الانسلاخ في زمن الصراخ على القيم، شكرًا لكل أم ما بدلت ولا تحولت ولا استنكفت.
 أبلغوا أصواتنا بالشكر لتلك العظيمات، شكرًا لكل فتاة عظيمة تسمع العواء، لكنها لا ترد عليه؛ لأن الكلب أحقر من جواد، وما أمات الكلب شيء كالسكوت.
الخطبة الثانية : 
 شكرًا لهذا الزمن الذي أرانا صورة تطبيقية هائلة لمعنى القبض على الجمر، أتعجبون.. الشهوات والشبهات، والنعرات والإلحاد، والإفساد والإجهاد، ومع ذا فإني أرى شبابًا يخرج من بين البيوت يحكي عن قصص عظيمة في الثبات مروية في السماوات.
 شكرًا لكل شاب عرفته حلقات التحفيظ فعرفته عصرًا ثم زفته إلى بيته مساءً لم يرح روحاته من أجل أبيه، ولا من خوف أمه وإنما راح طيعًا وجاء طيعًا.
 شكرًا لكل شاب مستقيم تنازل أصدقاؤه عن بعض مظاهر الاستقامة، فبقي مشتريًا رضا خالقه.
 شكرًا لكل شاب مقصِّر على نفسه بالمعاصي، ويعلم أن له ربًّا رحيمًا 
شكراً لكل شاب يستطيع أن يتخفى عن الناس بجهاز جواله ويطلع على ما يغضب الله ، لكنه يعلم بأن الله يرى ، فيثبت على الايمان والتقوى وينتظر ما عند الله وهو خير وأبقى ..
 شكرًا لكل معلم حلقة راعته الصروف، وأنهكته الظروف يعلم أن بقاءه في مسجده هو الخير الباقي، والإغراءات المادية تناديه فلا هشّ ولا بشَّ، وإنما انتفش لهذه السكنات المنبعثة من أرجاء هذه المساجد.
 شكرًا لكل معلم مدرسة يذكر بالخير لطلابه برفق ولين 
 والله لن يضيع الله إيمانكم ثقةً بموعود الله وحسن ظن بكرم الله، 
الثبات على دين الله ولزوم الصراط المستقيم أعظم أوسمة الدنيا كلها.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) .
 اللهم ثباتًا وإخباتًا، اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، اللهم ارزقنا التمسك بكتابك وبسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.

1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق