إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 11 أكتوبر 2018

وسائل الثبات على دين الله

وسائل الثبات على دين الله
الخطبة الاولى : 
فإن الثبات على دين الله مطلب أساسي لكل مسلم صادق يريد سلوك الصراط المستقيم بعزيمة ورشد ويُريد الخاتمة الطيبة والمستقر الحسن . 
لا شك عند كل ذي لب أن حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظم من حاجة إليه أيام السلف ، والجهد المطلوب لتحقيقه أكبر ؛ لفساد الزمان ، وندرة الأخوان ، وضعف المعين ، وقلة الناصر . وكثرة الفتن وتنوعها ووجود المعين عليها والداعي لها والمسهل لطريقها ...
وسائل الثبات ومن رحمة الله عز وجل بنا أن بين لنا في كتابه وعلى لسان نبيه وفي سيرته عليه الصلاة والسلام وسائل كثيرة للثبات .
أولاً : الإقبال على القرآن : 
القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى ، وهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم . 
نص الله على أن الغاية التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت ، فقال تعالى في معرض الرد على شُبه الكفار : ( وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة ، كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ، ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً ) الفرقان /32 . 
لماذا كان القرآن مصدراً للتثبيت ؟؟ 
- لأنه يزرع الإيمان ويزكي النفس بالصلة بالله . 
- لأن تلك الآيات تتنزل برداً وسلاماً على قلب المؤمن فلا تعصف به رياح الفتنة ، ويطمئن قلبه بذكر الله . 
- لأنه يزود المسلم بالموازين والقيم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاع من حوله ، فلا تتناقض أقوله باختلاف الأحداث والأشخاص . 
لانه يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين ، وتأمل في هذه المثال : 
من العجب أن الله يعد المؤمنين في رجوعهم من الحديبية بغنائم كثيرة يأخذونها ( وهي غنائم خيبر ) وأنه سيعجلها لهم وأنهم سينطلقون إليها دون غيرهم وأن المنافقين سيطلبون مرافقتهم وأن المسلمين سيقولون لن تتبعونا وأنهم سيصرون يريدون أن يبدلوا كلام الله وأنهم سيقولون للمؤمنين بل تحسدوننا وأن الله أجابهم بقوله: ( بل كانوا لا يفقهون حديثاً ) ثم يحدث هذا كله أمام المؤمنين مرحلة بمرحلة وخطوة بخطوة وكلمة بكلمة . 
- ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين ربطوا حياتهم بالقرآن وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتدبراً ، ومنه ينطلقون ، وإليه يفيئون ، وبين من جعلوا كلام البشر جل همهم وشغلهم الشاغل . . 
ثانياً : التزام شرع الله والعمل الصالح : 
قال الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) إبراهيم /27 . 
قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وفي الآخرة في القبر " . 
وهذا بيّن ، وإلا فهل نتوقع ثباتاً على الدين من الكسالى القاعدين عن الأعمال الصالحة إذا أطلت الفتنة برأسها وادلهم الخطب ؟! ولكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم صراطاً مستقيماُ . ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يثابر على الأعمال الصالحة ، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل . وكان أصحابه إذا عملوا عملاً أثبتوه . وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته . . 
ثالثاً : تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل : 
والدليل على ذلك قوله تعالى : ( وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) هود /120 . 
فما نزلت تلك الآيات على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام للتلهي والتفكه ، وإنما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول الله عليه الصلاة والسلام وأفئدة المؤمنين معه . 
- فلو تأملت قول الله عز وجل : ( قالوا حرقوه وأنصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ، قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين ) الأنبياء /68-70 قال ابن عباس: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل" الفتح 8/22 
ألا تشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطغيان والعذاب يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه القصة ؟ 
- لو تدبرت قول الله عز وجل في قصة موسى : ( فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ، قال كلا إن معي ربي سيهدين ) الشعراء /61-62 . 
ألا تحس بمعنى آخر من معاني الثبات عند ملاحقة الطالبين ، والثبات في لحظات الشدة وسط صرخات اليائسين وأنت تتدبر هذه القصة ؟ . 
- لو استعرضت قصة سحرة فرعون ، ذلك المثل العجيب للثلة التي ثبتت على الحق بعدما تبين . 
ألا ترى أن معنى عظيماً من معاني الثبات يستقر في النفس أمام تهديدات الظالم وهو يقول : ( آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ، فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النجل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى ) طه /71 
ثبات القلة المؤمنة الذي لا يشوبه أدنى تراجع وهم يقولون : ( لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا ، فاقض ما أنت قاضٍ ، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) طه /72 . 
رابعاً : الدعاء : من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم : 
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) ، ( ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا ) . ولما كانت ( قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ) رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر مرفوعاً انظر مسلم بشرح النووي 16/204 . كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يكثر أن يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) رواه الترمذي عن أنس مرفوعاً تحفة الأحوذي 6/349 وهو في صحيح الجامع 7864 . 
خامساً : ذكر الله : وهو من أعظم أسباب التثبيت . 
- تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً ) الأنفال /45 . فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد . 
قال ابن القيم " وتأمل أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها ". بالرغم من قلة عدد وعدة الذاكرين الله كثيراً . 
- وبماذا استعان يوسف عليه السلام في الثبات أمام فتنة المرأة ذات المنصب والجمال لما دعته إلى نفسها ؟ ألم يدخل في حصن " معاذ الله " فتكسرت أمواج جنود الشهوات على أسوار حصنه ؟ وهكذا تكون فاعلية الأذكار في تثبيت المؤمنين . 
سادساً : الصحبة الصحبة  
تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر ) حسن وانظر السلسلة الصحيحة 
البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبير على الثبات . ومن ذلك : ما قاله علي بن المديني رحمه الله تعالى " أعز الله الدين بالصديق يوم الردة ، وبأحمد يوم المحنة " . 
فإخوانك الصالحون والقدوات والمربون هم العون لك في الطريق ، والركن الشديد الذي تأوي إليه فيثبتوك بما معهم من آيات الله والحكمة .. الزمهم وإياك والوحدة فتتخطفك الشياطين فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية . 
وكم من قدم زلت بسبب الصحبة السيئة التي تعين على الباطل وتفتح أبواب الشر وتيسر سبل الانحراف وتكون العاقبة وخيمة والنهاية نهاية أليمة
الخطبة الثانية : 
سابعاً : التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت : 
والجنة بلاد الأفراح ، وسلوة الأحزان ، ومحط رحال المؤمنين والنفس مفطورة على عدم التضحية والعمل والثبات إلا بمقابل يهوّن عليها الصعاب ، ويذلل لها ما في الطريق من عقبات ومشاق . 
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض ، 
وكان النبي عليه الصلاة والسلام  يذكر الجنة ليثبت أصحابه ، ففي الحديث الحسن الصحيح مر رسول الله عليه الصلاة والسلام بياسر وعمار وأم عمار وهم يعذبون في الله تعالى فقال لهم : ( صبراً آل ياسر صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) رواه الحاكم 3/383 ، وهو حديث حسن صحيح ، انظر تخريجه في فقه السيرة تحقيق الألباني ص103 . 
وكذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول للأنصار : ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) متفق عليه . 
وكذلك من تأمل حال الفريقين في القبر ، والحشر ، والحساب ، والميزان ، والصراط ، وسائر منازل الآخرة . 
كما أن تذكر الموت يحمي المسلم من التردي ، ويوقفه عند حدود الله فلا يتعداها . لأنه إذا علم أن الموت أدنى إليه من شراك نعله ، وأن ساعته قد تكون بعد لحظات ، فكيف تسول له نفسه أن يزل ، أو يتمادى في الانحراف ، ولأجل هذا قال عليه الصلاة والسلام : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) رواه الترمذي 2/50 وصححه في ارواء الغليل 3/145 . 
الثبات عند الممات : 
أما أهل الكفر والفجور فإنهم يحرمون الثبات في أشد الأوقات كربة فلا يستطيعون التلفظ بالشهادة عند الموت ، وهذا من علامات سوء الخاتمة كما قيل لرجل عند موته : قل لا إله إلا الله فجعل يحرك رأسه يميناً وشمالاً يرفض قولها . 
وآخر يقول عند موته : " هذه قطعة جيدة ، هذه مشتراها رخيص " ، وثالث يذكر أسماء قطع الشطرنج . ورابع يدندن بألحان أو كلمات أغنية ، أو ذكر معشوق . 
ذلك لأن مثل هذه الأمور أشغلتهم عن ذكر الله في الدنيا . 
وقد يرى من هؤلاء سواد وجه أو نتن رائحة ، أو صرف عن القبلة عند خروج أرواحهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . 
أما أهل الصلاح والسنة فإن الله يوفقهم للثبات عند الممات ، فينطقون بالشهادتين . 
وقد يُرى من هؤلاء تهلل وجه أو طيب رائحة ونوع استبشار عند خروج أرواحهم . 
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ). 
وختاماً : من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ..والله الغني ونحن الفقراء وكفر أهل الارض جميعاُ لن يضر الله شيئا ، فاثبتوا عباد الله وتمسكوا بالطريق المعينة على الثبات حتى تلقوا ربكم وتلقوا نبيكم عليه الصلاة والسلام واياكم ومضلات الفتن ، فلا العمر باقي ولا المال باقي ولا الشهوات باقية .. ولا يبقى الا وجه الله عزوجل 

1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق