إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 18 أكتوبر 2018

الطلاق

( الطلاق : أسباب وآثار ) 
الخطبة الاولى : 
أيها المسلمون: حديثي معكم اليوم عن كلمة طالما أبكت العيون، وروَّعَت القلوب، وفرَّقَت الأُسَر، ومزَّقَت الشمل؛ يا لها من كلمةٍ صغيرةٍ! لكنها جليلةٌ عظيمة خطيرة، هل تعلمون ما هي هذه الكلمة؟ إنها كلمة: الطلاق!. 
كلمةٌ أبكت عيون الأزواج والزوجات، وروَّعَت قلوب الأبناء والبنات. أيستغرب أحدكم لو قيل له: إن كلمة من الكلمات تكون معولاً صلباً، يُهدَم به صرح أسر وبيوتات؟ أيستغرب أحدكم لو قيل له: إن كلمة من الكلمات تنقل صاحبها من سعادة وهناء، إلى محنة وشقاء؟ لا غرابة في ذلك لو عُلم أن تلكم الكلمة هي كلمة: الطلاق!.
إنها كلمة أبكت عيوناً، وأجهشت قلوباً، وروَّعَت أفئدة؛ إنها كلمة صغيرة الحجم، لكنها جليلة الخطب؛ إنها كلمة ترتعد الفرائص بوقعها، لأنها تقلب الفرح ترحاً، والبسمة غُصّة.
إنها كلمة الطلاق، وما أدراك ما الطلاق! كلمة الوداع والفراق، والنزاع والشقاق، والجحيم والألم الذي لا يطاق.
فلله! كم هدمت من بيوت للمسلمين! وكم قُطِّعَت من أواصرَ للأرحامِ والمحبِّين، وكم فرّقَتْ مِن شملٍ للبنات والبنين.
يا لها من ساعةٍ حزينةٍ! يا لها من ساعةٍ عصيبة أليمة، ولحظة أسيفة! يوم سمعت المرأة طلاقها، فكفكفت دموعها، وودَّعت أولادها، وفارقت زوجها، ووقفت على باب بيتها، لتُلقي آخر النظرات، على بيتٍ مليءٍ بالذكريات! يا لها من مصيبةٍ عظيمةٍ حين تقتلع السعادة أطنابها من رحاب ذلك البيت المسلم المبارك!.
أيها المسلمون: الزواج نعمةٌ من نِعَم الله، ومنةٌ من أجلِّ مِنَن الله، جعله الله آيةً شاهدةً بوحدانيته، دالةً على عظمته وألوهيته؛ لكنه إنما يكون نعمةً حقيقية إذا ترسّم كلا الزوجين هدي الكتاب والسنة، وسارا على طريق الشريعة والملّة، ولكن ما إن يتنكب الزوجان، أو يتنكب واحدٌ منهما عن صراط الله حتى تفتح أبواب المشاكل، عندها تعظم الخلافات والنزاعات، ويدخل الزوج إلى بيته حزيناً كسيراً، وتخرج المرأة من بيتها حزينةً أليمةً مهانةً ذليلةً، عندها يعظم الشقاق ويكبر الخلاف والنزاع، فيفرح الأعداء، ويشمت الحُسَّاد، وبعدها يتفرَّق شمل المؤمنين، وتتقطَّع أواصر المحبين.
أيها المسلمون: لقد كثُر الطلاق اليوم؛ هل تعلمون لماذا؟ كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجاً يرعى الذمم، وعندما فقدنا الأخلاق والشيم، زوجٌ ينال زوجته اليوم فيأخذها من بيت أبيها عزيزةً كريمةً، ضاحكة مسرورة، ويردها بعد أيام وربما سنوات حزينة باكية، مُطَلَّقَةً ذليلة.
كثُر الطلاق اليوم حينما استخف الأزواج بالحقوق والواجبات، وضيَّعوا الأماناتِ والمسئوليات، سهرٌ إلى ساعات متأخِّرةٍ، وضياعٌ لحقوق الزوجات، والأبناء والبنات، يُضحك الغريب، ويُبكي القريب
كثر الطلاق اليوم حينما كثر النمّامون، وكثُر الحُسَّاد والواشون؛ كثُر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجاً يغفر الزلة، ويستر العورة والهنة، حينما فقدنا زوجاً يخاف الله، ويرعى حدود الله، ويحفظ العهود والأيامَ التي خلت، والذكرياتِ الجميلةَ التي مضت.
كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا الصالحات القانتات، الحافظات للغيب بما حفظ الله، حينما أصبحت المرأة طليقةَ اللسان، طليقة العنان، تخرج متى شاءت، وتدخل متى أرادت، خرّاجةولاّجة إلى الأسواق، إلى المنتديات واللقاءات، مُضَيِّعَةً لحقوق الأزواج والبنات؛ يا لها من مصيبةٍ عظيمةٍ!.
كثر الطلاق اليوم حينما تدخّل الآباء والأمهات في شؤون الأزواج والزوجات، الأب يتابع ابنه في كل صغير وكبير، وفي كل جليل وحقير؛ والأم تتدخل في شؤون بنتها في كل صغير وكبير، وجليل وحقير؛ حتى ينتهي الأمر إلى الطلاق والفراق.
إن مثل هذه التدخلات في الحياة الزوجية لهي مكمن الخطر لدى كثير من الأسر، فما بال الآباء والأمهات يهجمون على البيوت فيأتونها من ظهورها، ويمزقون ستارها، ويهتكون حجابها،، ويوقعون العداوة والبغضاء بين الأزواج؟!. ان كان ولابد من التدخل حين تستعصي الامور ويعظم الشقاق فليكن بالحسنى وبالنظر الى مصالح البيت والابناء ، فيا أيها الاب قد يكون ابنك هو المخطئ فلا تأخذك العزة بالاثم ، ويا أيتها الام قد تكون ابنتك هي المقصرة فلا تأخذك العاطفة بعيداً عن الحق والانصاف ، اعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ...
وقبل ان يتدخل الاباء والامهات فيكونوا كمن يصب الزيت على النار ، نسألهم : هل ربيتم ابناءكم على تحمل المسؤولية ، الشاب على تحمل مسؤولية بنات الناس وتحمل مسؤولية البيت والرجولة في ذلك ، وهل ربت الام بنتها على تحمل مسؤولية بيت وزوج وابناء  ، أم أنه الدلع والترف واللامبالاة وسهوله كلمة : طلقني ارجع لبيت أهلي مدللله ؟
كثر الطلاق اليوم لما كثرت المسْكِرات والمخدِّرات، فذهبت العقول، وزالت الأفهام، وتدنَّت الأخلاق، وأصبح الناس في جحيم وألمٍ لا يُطاق.
كثر الطلاق اليوم لما كثرت النعم، وبطر الناس الفضل من الله والكرم، وأصبح الغني الثري يتزوج اليوم ويطلق في الغد القريب، ولم يعلم أن الله سائله، وأن الله محاسبه، وأن الله مُوقِفُهُ بين يديه في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، ولا عشيرة ولا أقربون.
لقد كثُر الطلاق اليوم لما فُقِدت قوامة الرجل في بعض المجتمعات، إبَّان غفلةِ تقهقُرٍ عن مصدر التلقِّي من كِتَابٍ وسُنَّة، ورَكَنَ فئامٌ من الناس إلى مصادرَ مريضةٍ، قلَبَتْ مفاهيمَ العُشرة، وأفسدت الحياة الزوجية، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وتولَّى كِبْرَ تلك المفاهيم الإعلام بشتى صوره، من خلال مشاهداتٍ متكرِّرة يقَعِّدُ فيها مفاهيمَ خاطئةً، ومبادئ مقلوبة في العشرة الزوجية. والواقع أن داخل البيت المسلم يتأثر بخارجه، وتيارات الميوعة والجهالة إذا عصفت في الخارج، تسللت إلى الداخل، فلم ينج من بلائها إلا مَن عصم الله.
الاعلام وما ادراك ما الاعلام ، افلام ومسلسلات وبرامج ومسرحيات ، كيف تظهر الحياة الزوجية ؟. كيف تظهر المرأة فيها ؟ انت حرة انت قوية انت لا تحتاجي الى ولاية أنت لا بد ان تعيشي في رومانسية وشموع وورود ، والزوج ينظر الى الممثلات بأبهى صورة ,اجملزينة فيزدري ما عنده ويتمنى مثل الممثلة الفلانية والمغنية الفلانية ، فتسقط زوجته من عينه ويبدأ في البحث عن الزلات والهفوات وتعظم الفجوة ( والكلام هنا مختصر ) والاّ دور الاعلام خطير وخطير جداً على الحياة الزوجية 
وهناك الاصدقاء والصديقات والقرناء والقرينات .. وهذا أمر يفطر الاكباد الان ، فهذا رفقته تؤزه الى الفراق أزاّ ، طلقها ، أرح بالك ، فك عمرك ، بلا همّ بلا غم  بلا مصاريف ، بلا وجع ابناء  الخ
والصديقات ، تخلصي منه ، خلك حرة ، متعي عمرك ،لا تدفني نفسك ، ارمي عليه ابناءه ، عندك راتبك وتقدري تعتمدي على نفسك الخ الخ
الحياة الزوجية -أيها المسلمون- حياة اجتماعية، ولا بُدَّ لكل اجتماع من رئيس يرجع إليه عند الاختلاف في الرأي والرغبة. إن الرجل أحق بالرئاسة؛ لأنه أعلم بالمصلحة، وأقدر على التنفيذ، بما أودع الله فيه من ذلك، وإنَّ ما تتلقنه المرأة من الأجواء المحيطة بها، على منازعة الرجل قوامته، لَمِن الانحراف الصرف، والضلال المبين.
إن قوامة الرجل في بيته لا تعني منحه حق الاستبداد والقهر، فعقد الزوجية ليس عقد استرقاق، ولا عقد ارتفاق لجسد المرأة، إنه أزكى من ذلك وأجلّ؛ وكلٌّ من الزوجين بشَرٌ تام، له عقل يفكِّر به، وقلب يحب به ويكره، فوجب الحق للمرأة حتى مع قوامة الرجل، قال الله تعالىوَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228]؛ كما أن قوامة الرجل لا تعني استغناءه عن زوجه، فالله -عز وجل- يقولهُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) [البقرة:187].
الخطبة الثانية : أيها المسلمون: الطلاق مصيبة عظيمةٌ. فيا من يريد الطلاق! اصبر، فإن الصبر جميل، وعواقبه حميدةٌ من الله العظيم الجليل؛ يا من يريد الطلاق! إن كانت زوجتك ساءتك اليوم فقد سرّتك أياماً، وإن كانت أحزنتك هذا العام فقد سرّتك أعواماً؛ يا من يريد الطلاق! انظر إلى عواقبه الأليمة، ونهاياته العظيمة، انظر لعواقبه على الأبناء والبنات، انظر إلى عواقبه على الذرية الضعيفة، فكم بُدِّد شملها، وتفرّق قلبها، بسبب ما جناه الطلاق عليها.
يا من يريد الطلاق! صبرٌ جميلٌ، فإن كانت المرأة ساءتك فلعلَّ الله أن يخرج منها ذريةً صالحةً تقر بها عينك، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قول الله تعالىَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19]، قال: هو الولد الصالح.
فلعل هذه المرأة التي تكون عليك اليوم جحيماً، لعلها أن تكون بعد أيام سلاماً ونعيماً؟! وما يدريك؟ فلعلّها تحفظك في آخر عمركاصبر، فإن الصبر عواقبه حميدةٌ، وإن مع العسر يسراً.
فإذا أردت الطلاق فاستخِر الله، وأنزل حوائجك بالله، واستشر العلماء، وراجع الحكماء، والتمس أهل الفضل والصلحاء، واسألهم عمّا أنت فيه، وخذ كلمة منهم تثبتك، ونصيحةً تقوّيك.".
أيها المسلمون: اللجوء إلى الطلاق كاللجوء إلى بتر عضو من الجسم، فهو الحل الأخير للضرر الذي يصيب أحد الزوجين أو كليهما، ومن حكمة الله تعالى أن جعل الطلاق ثلاث مرات، قال تعالىالطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) [البقرة:229]. سأل أبو رزين الأسدي النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: سمعت الله يقولالطلاق مرتان). فأين الثالثة؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أو تسريح بإحسان). رواه أبو داود.
أيها المسلمون: إن الله -عز وجل- لم يخلق الزوجين بطباع واحدة، والزوجان اللذان يظنان أنهما مخلوق واحد، يعيشان في أوهام، إذ كيف يريد منها زوجها أن تفكر برأسه؟ وكيف تريد هي منه أن يحس بقلبها ؟ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عليْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة:228].
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن لكل من الزوجين حقاً على الآخر، فحق على الزوج أن ينفق عليها، ولا يكلفها من الأمر مالا تطيق، وأن يسكنها في بيت يصلح لمثلها، وأن يعلّمها، ويؤدّبها، ويغار عليها، ويصونها، وألا يتخونها، ولا يلتمس عثراتها، وأن يعاشرها بالمعروف؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرامتفق عليه. وسُئل -صلى الله عليه وسلم-: ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: "تطعمُها إذا طَعِمْتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقَبِّحْ، ولا تهجر إلا في البيترواه أبو داود.
ومن حق الزوج على زوجته أن تطيعه في المعروف، وأن تتابعه في مسكنه، وألا تصوم تطوعا إلا بإذنه، وألا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه، وألا تخرج بغير إذنه، وأن تشكر له نعمته عليها ولا تكفرها، وأن تدبّر منزله، وتهيئ أسباب المعيشة به، وأن تحفظه في دينه وعرضه.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنةرواه الترمذي والحاكم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "خير متاع الدنيا المرأة الصالحةرواه مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجهاالترمذي  حديث صحيح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق