إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 5 سبتمبر 2019

الهجرة... إن الله معنا

الهجرة  ان الله معنا ) 
الخطبة الأولى : 
أما بعد:
.اتقوا الله -أيها المؤمنون-: فإن خير الزاد التقوى، فما هي إلا أعمار تطوى وآجال تفنى، كم من مؤمل قعد به أمله؟ وكم من مسوف عاجله أجله؟ فاجتهدوا -رحمكم الله- في العمل، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
 عباد الله: إن سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- بكل ما فيها من مواقف محل لكل تأمل، وحق لكل تدبر، تأمل يحرك القلوب، ويستثير الهمم، ويقود إلى العمل.
 إن الحب الصادق للنبي -صلى الله عليه وسلم- يستدعي العزمات الصادقة في الاستمساك بسنته؛ هدياً، وعلماً، وعملاً، وعبادة، وإن الحب رخيص حين يكون زعماً، وكلاماً خالياً عن العمل: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران: 31].
 من حسن حظ المؤمن أنه ما قلب سيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلميوماً فأخطأ دمع العين مجراه، في أيام نبينا محمد -صلى الله عليه وسلمأيام خوالد ما تزال تتوضأ على الأيام، وتتألق في غرة الزمان، ومن أروعها وأسطعها يوم الهجرة.
 إن حادث الهجرة يزداد بهاء وسناء كلما تناوله العرض، والبحث كالذهب الإبريز كلما عرضته على النار لتمحصه ازداد إشراقاً وصفاء.
 وهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت فاتحة الأمل، وبارقة النصر، وطريق العودة له ولأصحابه إلى مكة فاتحين ظافرين، 
 الهجرة النبوية تعطينا قدوة وأسوة، فيها تتجلى دروس من التضحية والفداء والبذل؛ فهذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يتحمل العبء الثقيل في سبيل الدعوة إلى الله، وإعلاء كلمته،
 ويشتط المشركون من أعدائه في مقاومته، والتطاول عليه بالسخرية، ثم بحيلة الوعد والإغراء، ثم بتسليط الغوغاء والسفهاء ثم بالتآمر على قتله: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].
 عباد الله: لما رأى المشركون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلمخرجوا إلى المدينة خافوا خروج الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولحاقه بهم، فاشتد عليهم أمره ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعلي -رضي الله عنهما- ومن اعتقله المشركون كرهاً.
 فلما كانت ليلة من الليالي همَّ المشركون برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء جبريل بالوحي من عند الله -تبارك وتعالى- فأخبره وأمره ألا ينام في مضجعه تلك الليلة، وجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر -رضي الله عنه- نصف النهار في ساعة لم يكن يأتيه فيها من قبل، فقال: "أخرج من عندكفقال: "إنما هم أهلك يا رسول الله" فقال: "إن الله قد أذن لي في الخروجفقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "الصحبة يا رسول الله؟قال: "نعمفقال أبو بكر: "فخذ بأبي وأمي إحدى راحلتي هاتينفقال عليه الصلاة والسلام: "آخذها بالثمن".
 وأمر علياً بأن يبيت في مضجعه تلك الليلة، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من شقوق الباب، ويرصدون النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويأتمرون أيهم يكون أشقاها.
 فخرج عليه الصلاة والسلام فأخذ حفنة من البطحاء فجعل يدره على رؤوسهم، وهم لا يرونه، وهو يتلو قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)[يــس: 9].
 ومضى عليه الصلاة والسلام إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فخرجا ليلاً ثم مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى غار ثور فدخله، وجدَّت قريش في طلبهما، وأخذوا معهم القافة، حتى انتهوا إلى باب الغار فوقفوا عليه، فقال أبو بكر: "يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدمين لأبصرنافقال عليه الصلاة والسلام: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما".
 ولما يئس المشركون من الظفر بهما جعلوا لمن جاء بهما دية كل واحد منهما، فجدَّ الناس في الطلب، فلما مروا بحي مدلج بَصُر بهم سراقة ابن مالك، فركب جواده، وسار في طلبهم، فلما قرب منهم سمع قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدعا عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فساخت يدا فرسه في الأرض، ثم قال سراقة: "أدعو الله لي ولكما علي أن أرد الناس عنكمافدعا له عليه الصلاة والسلام فأطلق، ورجع يقول للناس: "قد كفيتهم ما هاهنا".
ومر عليه الصلاة والسلام في مسيره بخيمة أم معبد، فقام عندها، ورأت من آيات نبوته في الشاة العجفاء، وكيف حلبها لبناً كثيراً في سنة مجدبة، ما بهر العقول عليه الصلاة والسلام.
ولما بلغ الأنصار مخرجه من مكة وقصده المدينة، كانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرونه أول النهار، فإذا اشتد حر النهار رجعوا على عادتهم إلى منازلهم، فلما كان في يوم من الأيام خرجوا على عادتهم، فلما حمي حر الشمس رجعوا وصعد رجل من اليهود على حصن من حصون المدينة لبعض شأنه، فرأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه، فصرخ بأعلى صوته: "يا بني قيلة، هذا صاحبكم قد جاء هذا، جدكم الذي تنتظرونه -يعني هذا حظكم-".

فبادر الأنصار إلى السلاح ليتلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسمعت الرجة والتكبير في المدينة، وكبر المسلمون فرحاً بقدومه، وخرجوا إلى لقائه، فتلقوه وحيوه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيقين مطبقين والسكينة تغشاه.
 وجاء المسلمون يسلمون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكثرهم لم يره بعد، وكان بعضهم أو أكثرهم يظنوه أبا بكر لكثرة شيبه، فلما اشتد الحر قام أبو بكر -رضي الله عنه- بثوب يظلل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتحقق الناس حينئذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
 عباد الله: في مثل هذه السيرة العطرة تتجلى الخواطر لننهل منها دروساً عظيمة يتربى عليها المسلم في حياته، 
 ولعل من أبرز الدروس المستقاة من حادثة الهجرة: أن صاحب الدين والعقيدة الصحيحة، يجب عليه أن لا يساوم في عقيدته، أو دينه، أو أن يحيد عنها، بل إنه يجاهد من أجلها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وإنه ليستهين بالشدائد والمصاعب من أجل دينه.
ومن ذلك: أن الهجرة تؤكد أن الدين هو السياج الحامي لكل حق من نفس، أو عرض، أو مال؛ من أجل الدين تهجر الأوطان، ويضحى بالمهج والثروات.
 ومن دروس الهجرة: أن الله ينصر من ينصره، ويعين من يلجأ إليه، ويعتصم به، ويلوذ بحماه، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن المخلص الموقن بما عند الله حين تنقطع به الأسباب، وحين يخذله الناس.
 ومن دروس الهجرة: الجمع بين الأخذ بالأسباب، والتوكل على الله -عز وجل-، ويتجلى ذلك من خلال استبقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي وأبي بكر -رضي الله عنهما- معه، حيث لم يهاجر إلى المدينة مع المسلمين، ويتجلى في استعانته بعبد الله ابن أريقط، وكان خبيراً ماهر في الطريق.
 ومن دروسها أيضاً: الاعتدال حال السراء والضراء؛ فيوم خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة مكرهاً لم يخنع، ولم يفقد ثقته بربه، ولما فتح الله عليه مكة، وأقر عينه بعز الإسلام لم يفخر، ولم يتكبر، بل دخل مكة وقد طأطأ رأسه، وقال لأهل مكة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
 ومن دروس الهجرة: ثبات أهل الإيمان في المواقف الحرجة، وذلك في جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر -رضي الله عنه- لما كانا في الغار، وذلك حين قال أبو بكر: "والله يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى موقع قدمه لأبصرنا" فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلممطمئناً بوعد الله، وواثقاً بما عنده: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما".
 فهذا مثل من الأمثلة في الصدق، والثبات، والثقة، والاتكال على الله في الشدائد.
 ومن دروس الهجرة: أن من حفظ الله حفظه، ويؤخذ هذا المعنى من حال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن كفار قريش ائتمروا على قتله فأنجاه الله -عز وجل- منهم بعد أن حثا في وجوههم التراب، وخرج من بينهم سليماً معافى، وهذه سنة ماضية؛ فمن حفظ الله في امتثال أمره واجتناب نهيه فإن الله -سبحانه وتعالى- يحفظه في الشدائد.
 ومن دروس الهجرة: أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فالمهاجرون تركوا ديارهم وأموالهم وأهليهم التي هي أحب إليهم، تركوها لله -عز وجلفعوضهم بذلك مرتبة صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومنقبة الهجرة من مكة إلى المدينة، وفتح الله عليهم الدنيا، وملكوا شرقها وغربها.
 ومن دروس الهجرة: ضرورة التربية الدينية، فقد دلت الهجرة على ذلك، فقد سار الصحابة بتربية النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤهلين للاستخلاف، وتحكيم شرع الله، والقيام بأمره -سبحانه وتعالى-.
 ومن دروسها: التنبيه على عظم دور المرأة، ويتجلى ذلك من خلال الدور الذي قامت به أسماء -رضي الله عنها-.
 ومن دروسها: عظم دور الشباب في نصر الحق، ويتجلى ذلك في الدور الذي قام به علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين نام في فراش النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الهجرة، ومن خلال ما قام به عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- حين كان يتسمع أخبار قريش ويزودها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر.
 اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم علمنا ما ينفعها وانفعنا بما علمتنا.
 أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية : 
لقد كان في حدث الهجرة وقفة تُجلي بكل وضوح صلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بربه، وتعلقه به، وعدم غفلته عنه في أحلك الظروف وأشد المواقف التي يهتز عندها الكبار، ويتزعزع فيها أصحاب الهمم، وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موقف العظمة والتفرد والجمال والجلال ليعطي أمته صورة من أعظم صور التعلق بالله.
لقد خرج -صلى الله عليه وسلم- مطاردًا من قومه يقتفون أثره، يُغْرون الناس بالجوائز إن هم قبضوا عليه أو عرفوا مكانه، يخرج -صلى الله عليه وسلموصاحبه أبو بكر لينزلا في غار ثور، ويصل المشركون عند باب الغار لتبدأ القصة، وتسطر الملحمة، ملحمة التعلق بالله.
أبو بكر -رضي الله عنه- يرتجف خوفًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقول: "يا رسول الله: لو نظر أحدهم إلى رجليه لأبصرنا"! حينها تتفجر أنهار العظَمة، وتتفتق أنوار اليقين، وتعبق روائح الإيمان تضمخ جبين الزمان، ينطق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في موقع المحنة، وهي محنة عظيمة تعجز الكلمات عن وصفها والإتيان بحقها: "يا أبا بكر: ما ظنك باثنين، الله ثالثهما؟!".
وينقل الوحي هذه اللقطة الرائعة، والوقفة الماتعة، ينقلها ليقتنصها عشاق الكمال، ومحبو الجمال؛ في قلب الغار،وفي الغار، غار ثور، تجلّى معنى الوحي إيمانًا وثقة ويقينًا وثباتًا: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) [التوبة:40].
"إن الله معنا"؛ هذا هو الشعار الذي يجب على كل واحد منا أن يلتزم به، وأن يعيش على مقتضاه، إن هو أراد السكينة في دنيا الضوضاء، والتأييد في عالم الخذلان، فبعد أن ذكر القرآن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله معنا" ذكر بعده مباشرة: (فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40].
 إن الله معنا: شعار تقوله في كل حال، وعلى كل حال، شعار يجعلك واثقًا بالله، مستشرفًا عطاءه، مستشعرًا معيته؛ شعار تقوله في الرخاء فيجعلك تستحضر نعمة ربك عليك فتجود لله، وتعطي لله، وتدمن شكر الله.
إن الله معنا: شعار تقوله وأنت في السلطة فيحملك على مراقبة الله وعدم ظلم العباد.
إن الله معنا: شعار تقوله وأنت في أية مسؤولية؛ فيجعلك تراقب الله وتقف عند حدوده.
إن الله معنا: شعار تقوله وأنت في الضراء؛ فيحملك على تذكر رحمة الله.
إذا نزل بك المرض وصرت ممددًا على السرير الأبيض فقل: إن الله معنا؛ فستنزل سكينة الله عليك.
إذا ضاقت بك الحال وكثرت عليك الهموم فقل: إن الله معنا، والجأْ إليه -سبحانه- مستحضرًا قدرته على كشف ضرك.
إذا استشعرت قرب نهايتك وبدت لك معالم رحيلك فقل: إن الله معنا؛ فسيحملك ذلك على حب لقاء ربك: (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ) [العنكبوت:5].
إذا خدعك القريب، وتخلى عنك الحبيب، ومكر بك، فقل: إن الله معنا؛ فإنها ترياق المهموم، وسلوة المحزون.
إذا دعتك نفسك إلى المعصية وزينت لك المخالفة فقل: إن الله معنا؛ فسينشرح صدرك، وتهدأ جوارحك، وعندها ستحضرك العناية، وستحفك الرعاية، وسيصرف عنك البلاء: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: 24].
إذا تلبَّسْتَ بالخطيئة، وغلبتك شهوتك، وغرّك ستر الله المرخي عليك، فقلإن الله معنا، والجأ إليه مستغفرًا باكيًا متضرعًا راجيًا: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ)، أي: تذكروا الله، (فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
قال ذو النون المصري -رحمه الله-: "ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنة إلا برؤيته".
إليكَ وإلَّا لا تُشَدُّ الرَّكائبُ *** ومِنْكَ وإلَّا فالْمُؤَمِّلُ خَائبُ 
وفيـكَ وإِلَّا فالغرامُ مُضيّعٌ *** وعنْك وإلَّا فالمحدّث كاذب
.يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "تفقد الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن؛ فإن وجدتُّم وإلا فاعلموا أن الباب مُغْلَق".
إن تركك الذكر وغفلتك عنه علامة على الغباء، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم- في حديثٍ عجيب: "مَا تَسْتَقِلُّ الشَّمْسُ فَيَبْقَى شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلا سَبَّحَ اللَّهَ بِحَمْدِهِ، إِلا مَا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَأَغْبِيَاءِ بَنِي آدَمَ". رواه ابن السني وحسنه الألباني.

إنه غباء ما بعده من غباء، لا يغفل عن ذكر حبيبه وربه وخالقه وسيده وموجده إلا غبي، ومع الأسف! قد اختلت موازين الذكاء والغباء في عالمنا اليوم، فأصبح الذكي هو الذي يحوز المناصب ويملك الأموال، ويُحسن التحايل؛ أما الذكاء الحقيقي في ميزان القرآن وعند النبي عليه الصلاة والسلام فهو الانتصار لله، والتذلل له، ومحاسبة النفس، والاستعداد للرحيل.
.إن الذكر -يا عباد الله- هو الظل الذي تأوي إليه الأرواح لتستظل من شعاع الفتن وبريق الشهوات، وكما كان الذكر في الدنيا ظلاًّ لأهله يستظلون به؛ فإنه يكون يوم القيامة ظلاًّ يستظلون به تحت العرش من شمس وحَرّ يوم القيامة في المشهد العظيم، والموقف الجسيم، موقف حشر الخلائق، موقف الفزع والهول الأكبر، الموقف الذي ينادي فيه كل واحد: نفسي نفسي! الموقف الذي يفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، بينما المرء في هذا الموقف فإذا به يرى مَن استظلوا بعرش الرحمن، حيث الظل والأمان.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدّق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه". رواه البخاري ومسلم.


3

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق