إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 8 يناير 2019

المجاهرة بالمعاصي

المجاهرة بالمعاصي ) 
الخطبة الاولى : 
هَلاكٌ مُنْتَظر، وَجُرْمٌ لَيس بِمُسْتَصْغَرٍ، هُو إِثْمٌ عَظيمٌ، وَخَطَرهُ على المجتمعِ عَمِيْمٌ.
إذا تُرِكَ دمَّرَ الأخلاق، وَجَرَّأَ أهلَ الِّنفاقَ، وَأَفْسدَ الدِّينَ، وَأَبْعَدَ النَّاسَ عن عافيةِ ربِّ العالمينَ، قال عنه سيُّدُ المرسلين: (كل أُمَّتي معافى إلا المجاهرِين )
المجاهرةُ بالمحرماتِ والمنكراتِ إِثْمٌ، له ما بعده من الآثام، به تَشْقى المجتمعاتُ، وَعَبْرَ بَوَّابتِه تَتَسارعُ النَّكباتِ، وهو مُؤَشِّرٌ على ضعفِ الإيمانِ والتقوى، وبُعْدٍ عن طريقِ الصراطِ والوسطية والهدى
.المُجَاهِرُ بالمعاصي كَشَفَ سِتْرَ اللهِ عليه، فسوَّقَ للمنكراتِ، وأَشَاعَ المحرمات، فَسُلِبَ مِنْ قَلْبِهِ استقباحُ الذَّنْبِ، وهانَ بين جنبيه تَعْظيمُ الرَّبِّ، فكانَ جزاؤُهُ أنْ حُرِمَ مِنْ عافيةِ الله، وكانَ إِثْمُهُ أنْ يَحْمِلَ أثقالَ غَيْرِهِ مَعَ وِزْرِهِ، فكان بذلكَ داعيةَ ضلالةٍ بِفِعَالِهِ، وفي الحديث: (وَمَنْ دَعا إلى ضَلالَةٍ كانَ عليه مِنْ الإثمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارِهم شيئا). أخرجه مسلم

المجاهِرُ بالمنْكَرِ يَودُّ لو أنَّ المجتمعَ كلَّه مُجَاهِر، حتى لا يَستوحشَ ولا يُنبذ، ولا يُستقبحَ ولا يُلفظ
نَعَمْ.. لَنْ يَسْلَمَ المَرْءُ مِنَ العِصْيانِ وَالخَطَأِ، وَأَيُّنَا الْعَبْدُ الَّذِي مَا أَلمَّ بِذَنْبٍ؟ لَكِنْ فَرْقٌ
بَيْنَ مَنْ يُذْنِبُ وَيَطْلُبُ السَّتْرَ وَيَخْشَى الْعَيْبَ، وَبَيْنَ مُجَاهِرٍ مُتَبَجِّحٍ لَا يَعْبَأُ بِنَشْرِ
الْقَاذُورَاتِ وَالمُفَاخَرَةِ بِهَا
.عَجَباً عَجَباً من أمر هذا الإنسان حين يَتَجَلَّدُ فِي نُصْرَةِ الْبَاطِلِ وَتَشْيِيدِ صَرْحِهِ، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا مِعْوَلَ هَدْمٍ لِمُجْتَمَعِهِ فِي نَشْرِ الْفَسَادِ، وَمُدَافَعَةِ الْخَيْرِ وَالْإِصْلَاحِ، لَا تَجِدُهُ إِلَّا غَمَّازًا لِلشَّعَائِرِ وَأَهْلِهَا، شَائِعًا لِلْفَوَاحِشِ وَمُقَدِّمَاتِهَا، يَشْمَئِزُّ إِذَا ذُكِرَ اللهُ، وَيَسْتَبْشِرُ إِذَا صُدَّ عَنْ سَبِيلِهِ.
شَعَرَ المُجَاهِرُ أمْ لمْ يَشْعُرْ أنَّه يحْمِلُ مَشْروعَ هَدْمِ المجتمعِ وخَرْقِ سفينتِه، وأنَّ نهايةَ هذا المشروعِ إغراقُ المجتمعِ في أزمات وهلاك وبلاءات: (أنهلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخَبَثُ ))).
وأسوأُ صورِ المجاهرةِ بالمحرماتِ هو أن تُشَرْعَنَ هذه المجاهرة، أو أنْ تفرضَ على أنها نوعٌ من الحرية، وحقٌّ من الحقوقِ المرْعِيَّةِ، فتُسْتَعْلَنُ بالمحرَّمات التي نُقِلَ الإجماعُ على تحريمها، ثم يُجادل في حِلِّها ويُحامى عنها تحتَ ذريعة أنَّه قول قيل فيهِ بالجواز، وبالتالي ففي المسألة قولان، حتى رقَّ الدِّين بعد ذلك ولان، ويُعرض عن مئاتِ العلماءِ القائلينَ بالتَّحْرِيْمِ، بل وبالنَّصِ الشَّرعِيِّ الصحيحِ الدَّالِ على حرمتِهِ.
عباد الله : وإذا كانَ قَدَرُ المجتمعِ أنْ تَظْهَرَ فيه المنكراتِ وتُسْتَعْلَنَ وَتُفْرَضَ، فمن الواجب الشرعي الذي لا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ إلَّا به، أنْ يُعْلَنَ إنكاره صراحة، إبراءً للذمَّة وإعذاراً عند الله
إذا وُجِدَ المنكرُ وانْتِفَشَ وارتفعَ فالواجبُ على كلِّ مسلمِ محبٍّ لدينه، غيورٍ على مجتمعهِ، أن يكونَ موظَّفَ حُسْبَةٍ، وأن يستجيب لله، فيكون من أولي البقية الذين ينهون عن السوء
.
إن وجودَ هذه الفئةِ الناصحةِ المصلحةِ هو أعظمُ مَكْسَبٍ للمجتمعات، فبهم تُستدفعالعقوبات، وبهم تدرك الأمة الخيرية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله ) 
أما إنْ غابتْ هذه الفئةُ أو حُجِّمت وخُنقت، فَظَهَرَتِ المنكراتُ ثمَّ اسْتَحْكَمَتْ، وإذا تجذَّرَتْعَسُرَ إِزَالتُها، وَذَهَبَتْ مِنَ القلوبِ وَحْشَتُها
إِذَا راجتْ، المنكراتُ علانية وارتفع سُوقها، وتعطل النكير، وخَفَتَ صوتُه، كَثُرَ الْمُتَلَصِّصُونَ عَلَى الْأَعْرَاضِ، وَالْمُتَجَرِّئُونَ عَلَى الْحُرُمَاتِ، وَرَاجَتْ ثَقَافَةُ التَّنَكُّسِ الْأَخْلَاقِيِّ، والتطاول على الدِّين، ووَيْلٌ يومئذ لِلْأَخْيَارِ مِنَ الْفُجَّارِ، وَوَيْلٌ لِلصَّالِحِينَ مِنْ سَفَهِ الْجَاهِلِينَ، 
وَانْتَظِر حِيْنَها وبَعْدَهَا، العُقُوبَةَ أيَّاً كان نوعها: من أزماتٍ اقتصاديةٍ، أو شيوعٍ للظلم، أو حصولٍ للفرقةِ والتنافرِ، والتباغض والتدابر، (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)
يا أهل الإيمان والغيرة ... كم هو مؤسف ومؤلم أن تأتي المجاهرة بالمحرمات من هيئاتٍ رسمية، المفترض منها والمنتظر أنْ تَحْمِلَ هويةَ البلد، وأن تراعي تديُّنَ المجتمع، لا أن تكون قنطرة لاستيراد ثقافات المغضوب عليهم والضالين
.
نعم للترفيه المباح الحلال النقي، للرقي بالفرد، وبناء جسمه وعقله، وتعريفه بتاريخه وأمجاده، مع التنفيس عنه وإسعاده، في حدود ما أباح الله.
نتمنى ألا تختصرَ الترفيه بالرقصات، والتمايل مع النغمات، وتطبيع الاختلاط في المجتمعات، فهل خلت برامج الترفيه إلا باللجوء إلى المحرمات

.هذه البلاد لها صبغتها الدينية المتميزة فعبر فجاجها مشى خير الخلق صلى الله عليه وسلم، وفي حَرَمِهَا حجَّ الأنبياء وثجُّوا، وحاكمها يتصف بصفة ( خادم الحرمين الشريفين )ومهما شرَّق الفساد وغرَّب، ومهما علا وأصخب، فالواجب أن تبقى هذه البلاد عصيَّة عن المنكرات، وسدَّاً منيعاً على كل صاحب شهوة مسعورة، أو صاحب فكرة موتورة يسعى لتطبيع المجتمعات بالانفتاح غير المنضبط تحت ذريعة الحريات
.
كم مرَّت رياح التغريب على بلاد فأفسدتها ثم أفقرتها، فما أغنت عنهم مناظر التفسخ والاختلاط من شيء، وما جلبت لهم إلا فساد الأخلاق والقيم.
ألا فليعلمْ كلُّ داعية إلى الفساد أن مشروعه سيصطدم بمجتمعه المحافظ، الذي لم ولن يرضى أن ينهزم في معركة الدين والأخلاق
.
وليعلم كل مجاهر أو مبرر.. أنك سترحل وستذهب، ولكن ستبقى أعمالك وآثارك، وستراها مسطورة أمامك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَاد )ِ

الخطبة الثانية
أما بعد فيا أخي الكريم ارعِ لنا السمع واستجمع معنا القلب لهذا الخطاب الإنذاريالمحمدي لأمته حال ظهور المنكرات، فلْنَسْتَشْعر جميعاً حكاماً ومحكومين، رؤساء ومرؤسين، أننا نحن المخاطبون من نبينا صلى الله عليه وسلم ، ثم لننظر بعدها مدى استجابتنا لها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )

أخي الحبيب ... حدثنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم 
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ للهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْرَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ .

وضرب حبيبنا صلى الله عليه وسلم النهي عن الفساد بهذا المثل فقال: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا). أخرجه البخاري
.
وحدثنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم فقال: (من رأى منكُم منكرًا فلْيُغَيِّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان).
والله عزوجل حذرنا من اللعنه وضرب لنا مثلاُ ببني اسرائيل فقال : ( لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يتعدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ، لبئس ما كانوا يفعلون )

فحدِّد موقفك من هذا التغيير ، ولا تحتقر النصيحة بخطاب أو مقال
أو بمشافهة أو رسالة جوال، ويكفي أنك قدمت بعد أن علمت، ويكفي أنك كنت إيجابياً ولم تقل هلك الناس.
وبعد الممانعة والمقاطعة فكم نحن بحاجة أيها الكرام أن نقدم للمجتمع مشروعات
بديلة يُجاهر فيها بالفضائل والبدائل، لتغسل تلك الجهود ما أفسدته مشاريع السوء،( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ). 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق