إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يناير 2019

القول على الله بغير علم

القول على الله بغير علم
فإن من المنكرات العظيمة، والأخطار الفادحة الجسيمة؛ التي بليت بها أمتنا اليوم: أنه تصدر للفتوى رؤساء جهالاً، يفتون بغير علم؛ فضلوا وأضلوا، وتجرؤوا على القول على الله بغير علم، وقد كثروا في هذا العصر-لا كثرهم الله-، فلقد تزاحموا وازدحموا على القنوات الفضائية، وعلى المنتديات ومواقع الإنترنت على الشبكة العنكبوتية؛ وأصبح الإعلام الفاسد ينمق تلك الرؤوس المتصدرة للفتوى، فربما أفتى الواحد من أولئك المتصدرين في مسائل لو اجتمع لها أهل بدر لتورعوا في أن يفتوا فيها، ولو استفتي فيها علماء كبار أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لقالوا: "الله أعلم".
فتاوى -يا عباد الله- سمعناها وقرأنها: تُحل ما علم تحريمه من الدين بالضرورة، كل تلك من دون حجة ولا برهان، بل مجاراة الواقع، ومداهنة للناس، وإرضاءً للحاكم أو الحزب، وما إلى ذلك من حظوظ النفس؛ وصدق الصادق -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
أين كلام السلف الصالح من هؤلاء المرتزقة الذين اتخذوا العلم والفتوى سلما للظهور والشهرة ؟ فكل من حفظ شيئا من القرآن وأحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعلم بعض مسائل الفقه نصب نفسه مفتيا بل حكما وقاضيا على العلماء . يصوب هذا ، ويخطئ هذا ، وقد ساعدت وسائل الإعلام من قنوات ومواقع انترنت وصحف ومجلات هؤلاء المتطفلين على البروز والظهور ، وأشاعت أقوالهم في كل مكان ، وتلقفها الجهلة وأصحاب الأهواء والشهوات . وكأنها فتاوى عثر عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة ؛ بل حتى المغنين والممثلين واللاعبين والصحفيين صاروا بهذا الزمن التعيس علماء ومفتين . تخبط في شئون العقائد ونشر للشرك والبدع والخرافات . تخبط في مسائل الجهاد وإزهاق الأرواح ، تخبط في الأحكام الفقهية ، تخبط في الأمور الأخلاقية والإجتماعية . فأين هؤلاء من الوعد الشديد بحق من قال على الله بغير علم ..
فيا أيها الرؤساء الجُهال المتصدرون للفتيا بغير علم : أما تخافون الله وتراقبونه، أما تخشون أن تقولوا في أشياء هذه حرام، وهذه حلال، فيقول الله لكم كذبتم، قال الله -تبارك وتعالى {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} أي لا تحرموا وتحللوا من تلقاء أنفسكم، كذبا وافتراء على الله وتقولا عليه {لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا بد أن يظهر الله خزيهم وإن تمتعوا في الدنيا فإنه {مَتَاعٌ قَلِيلٌ} ومصيرهم إلى النار {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة النحل(116)(117)،
قال الربيع بن خثيم -رحمه الله " ليتق أحدكم أن يقول أحل كذا وحرم كذا، فيقول الله كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا ".
أيها المتصدرون للفتوى: أما علمتم أن الفتوى من غير دليل قول على الله بغير علم، والله قد حرم القول على الله بغير علم، وجعل ذلك من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} سورة الأعراف(33), 
عباد الله  : إن التحليل والتحريم حق لله تعالى، ولذلك فقد عاب الله على الذين يتبعون رؤسائهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله؛ فقال تعالى: { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} سورة التوبة(31)، يُبين لك ذلك ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي فقال: يا رسول الله لسنا نعبدهم؟! قال: ( أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟) قال: بلى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فتلك عبادتهم).
أيها المسلون: اعلموا رحمكم الله أنه لا يجوز لأي إنسان أن يفتي في مسألة دينية إلا إذا توفرت فيه مواصفات وشروط ذكرها العلماء؛ فمن ذلك العلم، والصدق، وأن يكون حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلا في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله؛ ذلك أن الفتوى توقيع عن الله وتوقيع عن الله ليس كتوقيع عن غيره من ملوك الدنيا؛ 
يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله "وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟!" إلى أن قال: "فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب –أي الدعوة إلى الله والفتوى والقضاء- أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب؛ فقال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} سورة النساء(127)... "وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسئول غدا، وموقوف بين يدي الله"
أيها الناس: إنه لا ضير على العالم أو المفتي إذا سئل في مسألة لا يعلمها أن يقول: الله أعلم، فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم زوجاته من القول على الله بغير علم، والحكمِ على الأشياء بغير دليل شرعي؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دعي رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- إلى جنازة صبي من الأَنْصَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، قَالَ: ( أو غير ذلك، يا عائشة إنَّ اللّه خلق للجَنَّة أَهلاً، خلقهم لها وهم في أَصلاب آبائهم، وخلق للنَّار أَهلاً، خلقهم لها وهم في أَصلاب آبائهم ).
بل أعلم الأمة بكتاب الله وسنة رسول الله، أصحاب رسول الله كانوا يتورعون في الفتيا، ويتدافعونها فيما بينهم حتى تعود إلى الأول، يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى: " أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله يُسئل أحدهم المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول ما منهم من أحد إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا ".
وروى أيوب عن ابن أبي مليكة قال: سئل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عن آية، فقال: "أي أرض تقلني، وأي وسماء تظلني، وأين أذهب، وكيف أصنع؛ إذا أنا قلت في كتاب الله بغير ما أريد الله بها"، 
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "من كان عنده علم فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} سورة ص(86)، وقال أبو حصين الأسدي: "إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر".
عبد الله : اسأل عن أمور دينك من تثق في علمه ودينه عمن يستند في فتاواه على الدليل من الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة؛ وهم الذين أمرك الله بسؤالهم؛ فقال: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} سورة النحل (43) (44)، فلا تسأل كل من هب ودب من الجُهال الذين نمقهم الإعلام وأبرزهم على أنهم هم المراجع للفتيا.
بل عليك أن تعلم أن الفتوى دين فانظر عمن تأخذ دينك؛ قال محمد بن سرين -رحمه الله-: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".
 الخطبة الثانية:
عباد الله : إن من أعظم مصائب الأمة اليوم ، هي موت العلماء الربانيين والراسخين ، أو عدم الرجوع إليهم ، وهذا ما خشيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمته ، فيقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا .
قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَتَاهُمُ الْعِلْمُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ أَكَابِرِهِمْ، فَإِذَا جَاءَ الْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ أَصَاغِرِهِمْ فَذَاكَ حِينَ هَلَكُوا»المعجم الكبير للطبراني (8510 ).
وسئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أشراط الساعة فقال : ( إن من أشراطها أن يلتمس العلم عند الأصاغر ) اسناده جيد  الالباني  السلسلة الصحيحة
عباد الله : لا نستغرب هجوم أعداء الدين على علماء المسلمين الراسخين ، لأن العلماء هم الصف الأول للدفاع عن الدين وحفظ حوزته . فإذا أسقط العلماء ومكانتهم وأقوالهم سقط الدين وانحل رباطه .
يقول الحسن : مثل العلماء مثل النجوم إذا بدت اهتدوا بها ، وموت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار .
ولكن المستغرب أن نسمع ونقرأ القدح بالعلماء من أبناء المسلمين وممن ينتمي لهذا الدين من بني جلدتنا عبر وسائل الإعلام المختلفة ، حتى وصل الطعن بالصحابة فضلا عن غيرهم ممن صفوا ونقوا المنهج السلفي من الشوائب ؛ كشيخ الإسلام ابن تيميّة ، والإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ، وأئمة هذا العصر- رحمهم الله -  كالشيخين الجليلين ابن باز وابن عثيمين . في الوقت الذي تطلق فيه الألقاب الفضفاضة والثناء العظيم على قوم متطفلين على العلم وأهله ، هم معول هدم الإسلام ..
لماذا يستمع كثير من الناس لكل واحد يتكلم في الشرع وأما في مسائل الدنيوية لا يرجعون إلا إلى المختصين دون غيرهم .فإذا كان عند أحدهم مريض فإنه لا يذهب به إلى البقال ليعطيه وصفة العلاج بل يذهب به إلى الأخصائي أو الاستشاري في ذلك المرض . هذا في شئون دنيا الناس ، لكنهم في شئون دينهم أصبح الكثير منهم يستمع إلى كل من هب ودب ..
وإذا اعترضت على ذلك الذي يفتى بغير علم . قال : لك يا أخي ? لا تحجر واسعاً ... أليس الرسول صلي الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه " إذا أجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ? وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد" فيقول " أنا لا أعدم من هذا الفضل أما أجراً واحداً ? أو أجرين فلماذا أنت منزعج ? ولم تعترض علي في كوني أتكلم وأفتى بحسب علمي في مسائل الشرع .
والواقع أن هذا الحديث " أذا أجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ....." أن
ما يكون لمن توفرت فيه الشروط :أن يكون حافظاً للكتاب و مستظهر غالب السنة الصحيحة .عالم بالناسخ والمنسوخ من الشريعة .أن يبحث جميع أقوال العلماء في المسألة ثم يجتهد فيها . إذن من تكلم بغير عالم بحجة هذا الحديث فهو آثم حتى لو أصاب ? فإن أصابته لو وقعت كانت على سبيل الاتفاقوليست بمقتضى الطريقة الشرعية ?
وبعض الناس يخوضون في بعض مسائل الشريعة بحجة أنها سهلة وأن القضية يسيرة ولا تحتاج إلى كبير عناء .ولله در الإمام مالك رضي الله عنه – حينما سأله رجل عن مسألة فقال : " لا أدري " قال له " أنها قضية يسيرة سهلة !! فغضب الإمام مالك وقال له : ليس في العلم شيء ضعيف أما سمعت قوله الله تعالي " إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً " وبعض الناس يقولون لك إذا نصحتهم بأن لا يتكلم في الشرع إلا بعلم قالوا استفتي قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك . هكذا قال الرسول صلي الله عليه وسلم أقول لهم أعلمتم لمن وجه هذا الخطاب بارك الله فيكم .أنه قد وجه إلى وابصة بن معبد رضي الله عنه . فعند النسائي والترمذي بإسناد صحيح عن وابصة بن معبد قال أتيت النبي صلي الله عليه وسلم أسأله عن البر فقال جئت تسأل عن البر قلت نعم قال البر ما أطمئن إليه القلب وأطمأنت اليه النفس والآثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس . استفتي قلبك وأن أفتاك الناس وأفتوك " 0أقول لك أخي إذا كانت مثل وابصة بن معبد في العبادة والزهد فستفتي قـلبك وأن أفتاك الناس وأفتوك 
في الجزء العشر من تهذيب التهذيب يذكر الحافظ بن حجر ترجمة لوابصة بن معبد فينقل عن أحد التابعين أنه ما دخل عيه إلا وجد القرآن مفتوحاً بين يديه والدموع ينحدر على خديه . ثم يقول كان عابداً زاهداً ورعاً من فقهاء الصحابة أن محمد بن الإندلسي جاء من بلاد المغرب إلى المدنية حتى يسأل الإمام مالك في اثنين وثلاثين مسألة . قطع الآلاف كيلومترات حتى يسأل عن دينه .
نحن
 لا نريدك أن تقطع الآلف الكيلومترات إنما نريد منكم أن تصل بكبار العلماء عبر الهاتف أو تذهب إليهم في بلدك .وأخيراً ليس كل إمام مسجد عالم وليس كل خطيب أو واعظ عالم وليس كل من عليه علاماتالصلاح والتقوى من أهل العلم .يجب علينا أن نأخــــــذ ديننا من العلماء وأهل العلم ولا نخوض في شــــرع الله بغير علم وبصيرة

1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق