( الخمر أم الخبائث )
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ خُطْبَةَ هَذَا الْيَوْمِ عَنْ دَاءٍ خَطِيرٍ، وَشَرٍّ مُسْتَطِير، إِنَّهُ مَرَضٌ قَتَّالٌ، وَوَبَاءٌ عُضَال، إِنَّهُ يُفْقِدُكَ دِينَكَ وَدُنْيَاك، إِنَّهُ يُفْقِدُكَ عِرْضَكَ وَسُمْعَتَك، إِنَّهُ يَشُلُّ حرَكَتَكَ، وَيَجْعَلُكَ أُلْعُوبَةً فِي أَيْدِي الْمُسْتَهْتِرِين، وَعُرْضَةً لِلشَّامِتِين، إِنَّهُ يُسَوِّدُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ يُحِبُّك،
إِنَّهُ يَحْمِلُكَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَإِمَّا يَنْتَهِي بِكَ إِلَى الْمَصَحَّاتِ الْعَقْلِيِّةِ، أَوِ السُّجُونِ الإِصْلَاحِيَّةِ، فَكَمْ مِنَ الأُسَرِ عَانَتْ بِسَبَبِهِ، وَكَمْ مِنَ الْبُيُوتِ خَرِبَتْ لِأَجْلِهِ! إِنَّهُ مَرَضٌ أَوْدَى بِحَيَاةِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ، وَقَضَى عَلَى مُسْتَقْبَلِهم ، إِنَّهَا النَّجَاسَةُ الْحِسِّيَّةُ وَالْقَذَارَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ، إِنَّهَا أُمِّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهَا الْخَمْرُ، إِنَّهَا الْمُسْكِرَات.
َايُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: قَدْ تَكَاثَرَتْ أَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ، وَالْمِلَّةِ الْغَرَّاءِ، عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْهَا، قَالَ اللهُ -تعالى ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة: 90-91].
سميت الخمر بهذا الاسم لأنها تخمر العقل أي: تستره ومنه خمار المرأة لستره وجهها، وأثر الخمر على الإنسان هو إزالة العقل وأفضل ما في الإنسان عقله ولهذا إذا دبت الخمر في رأس شاربها وفقد الشعور، قتل وزنى ولاط وجاء بأنواع الفحش والفجور وسب وشتم ولعن الدين والمسلمين وربما اقترف الإثم مع إحدى محارمه وارتكب الموبقات وكذلك يفعل المخمور ومن أجل ما يترتب على شرب الخمر مما ذكرنا من الشرور حرمها بعض العرب على أنفسهم في الجاهلية قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام .
ومنهم قيس بن عاصم المتقري فقد شربه يوما فغمز ابنته وشتم والديه وضرب امرأته فلما أفاق أخبر بما صنع أنشد قائلا:
رأيت الخمر فاسدة و فيها خصال تفسد الرجل الحليما
فلا و الله لا أشربها صحيحا و لا أشفي بهـا أبدا سقيما
وقد حرم الله عز وجل الخمر بالتدريج ففي أول الأمر كان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال ثم إن عمر ومعاذا وآخرين قالوا يا رسول الله: أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال فنزل قوله تعالى: ( يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمها أكبر من نفعها ) ، فتركها قوم لقوله: ( إثم كبير ) ثم نزل بعد ذلك قوله تعالى: ) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) فحرم السكر في أوقات الصلاة ولما نزلت هذه الآية حرمها قوم وقالوا: لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة، وفي آخر الأمر نزل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون *إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) ، فقال عمر رضي الله عنه : انتهينا يا رب.
والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب أن الله تعالى علم أن القوم كانوا قد ألفوا شرب الخمر وكان انتفاعهم بذلك كثيرا، فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم فمن رحمته بهم درجهم في التحريم رفقا بهم.
والخمر أم الخبائث تجر شاربها إلى ارتكاب الجرائم وانتهاك المحرمات ..وقد ورد في الحديث :
( أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ وناسًا جلسوا بعد وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذكروا أعظمَ الكبائرِ فلم يكُنْ عندهم فيها عِلمٌ فأرسلوني إلى عبدِ اللهِ ابنِ عمرٍو أسألُه فأخبرني أنَّ أعظمَ الكبائرِ شربُ الخمرِ ، فأتيتُهم فأخبرتُهم فأنكروا ذلك ووثبوا إليه جميعًا حتَّى أتَوْه في دارِه..
فأخبرهم أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : إنَّ ملِكًا من ملوكِ بني إسرائيلَ أخذ رجلًا فخيَّره بين أن يشربَ الخمرَ أو يقتُلَ نفسًا أو يزنيَ أو يأكلَ لحمَ خنزيرٍ أو يقتُلوه ، فاختار الخمرَ وأنَّه لمَّا شرِب الخمرَ لم يمتنِعْ من شيءٍ أرادوه منه ، وإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : ما من أحدٍ يشربُها فتُقبَلُ له صلاةٌ أربعين ليلةً ، ولا يموتُ وفي مثانتِه منه شيءٌ إلَّا حُرِّمتْ بها عليه الجنَّةُ فإن من مات في أربعين ليلةً مات ميتةَ جاهليَّةٍ ) السلسلة الصحيحة الالباني
وأما حكم شرب الخمر فإنه حرام وشاربها عاص لله فاسق عن طاعته ويستحق اللعن والعقوبة من الله في الدنيا والآخرة إن لم يتب
إِنَّ شَارِبَ الخَمْرِ يَرْتَفِعُ عَنْهُ إِيمَانُه؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ"[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
إِنَّ الخَمَرَ أُمُّ الخَبَائِثِ، تَجُرُّ إَلى غَيْرِهَا مِنَ الفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَراتِ؛ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ : أَوْصَانِي خَلِيلِي -صلى الله عليه وسلم-: "أَنْ لا تُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئَاً وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلا تَتْرُكْ صَلاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدَاً فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدَاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلا تَشْرَبِ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ"[رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: كَيْفَ تُشْرَبُ الْخَمْرُ وَقَدْ لَعَنَهَا اللهُ، وَلَعَنَ كُلَّ مَنِ اقْتَرَبَ مِنْهَا؟ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَ إِلَيْهِ"[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّ عُقُوبَةَ شَارِبِ الْخَمْرِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُطَاقَ، وَأَبْشَعُ مِنْ أَنْ تُتَصَوَّر؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِوٍ -رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ "كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِراً، بُخِسَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ. قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ"[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي].
وَعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "كُلِّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ -عز وجل- عَهْدَاً لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ" أَوْ "عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
أَيُّهَا الْعَاقِلُ: إِنَّ شُرْبَكَ لِلْخَمْرِ فِي الدُّنْيَا يَحْرِمُكَ إياها في الجنة ؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ"[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وعن عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم "ثَلاَثَةٌ قَدْ حَرَّمَ الله -تبارك وتعالى- الْجَنَّةَ عَلَيْهِمْ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ"[رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الأَلْبَانِيُّ: حَسَنٌ لِغَيْرِهِ].
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلا عَاقٌّ وَلا مُدْمِنُ خَمْرٍ"[رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ شُعْيُبُ الأَرْنَاؤُوط: حَسَنُ لِغَيْرِهِ].
وأحب أن أنبه الذين يجالسون شاربي الخمر وإن كانوا لا يشربون نقول لهم: الحذر الحذرفقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الجلوس على مائدة يشرب فيها الخمر ففي الحديث : ( مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يَقعُدْ على مائِدَةٍ يُدارُ عليها الخَمرُ ) صحيح الارواء الالباني
الخطبة الثانية : وأما أضرار الخمر وآفاتها فكثيرة ..تكاد لا تحصى
فلها أضرارها الجسمية، حيث تضعف مناعة الجسم وتجعله عرضة للأمراض المختلفة ولذا ترتفع نسبة الوفيات بين المدمنين لها وكل المؤسسات العلمية متفقة على أن آثاره معروفة بصورة لا شك فيها.
ولها أضرارها العقلية، في الإصابة بالأمراض العصبية والتأثير على المخ وفقد الوعي والبلاهة. وتجد حوادث السير تزاداد بنسب مضاعفة وكبيرة مع الخمر وانتشاره مما يتسبب بالحوادث والوفيات والاعاقات وتيتيم الاطفال وتثكيل الامهات وترميل الزوجات
ولها أضرارها المالية، في إتلاف مال الشارب والقعود به عن الكسب وإهدار لثروات الامةفيما لا طائل من وراءه بل خراب الديار
ولها أضرارها الخلقية فيما يتبعها من جرائم العرض والشرف.
ولها أضرارها النفسية، فيما تقضي إليه من الاضطراب النفسي والشذوذ الخلقي والغضب والبلادة وقلة المبالاة وفقد السيطرة والسلوك.
ولها أضرارها الأسرية، في تمزيق الروابط العائلية وتدمير الأسرة وما تورثه في النسل من آثار وخيمة العاقبة.
ولها أضرارها الاجتماعية في تدمير المجتمع وتبديد طاقاته وإفساد علاقاته الاجتماعية وشيوع الجريمة وانتشار السوء.
ولها أضرارها الدينية في الصد عن ذكر الله وعن الصلاة وعن العبادات والطاعات .
وقد ذكر الشيخ البيحاني أيضا في آفاتها: (وبالخمر تقع العداوة والبغضاء وتصور لشاربه خلاف الواقع، ويتوهم وهو سكران القدرة على مصارعة الأسود وأنه السيد المطاع والحاكم المطلق والبحر الخضم في الكرم والجود والحقيقة أنه يكون وقت شربها أضعف من دجاجة وأخبث من جمل وأبلد من حمار وأديث من خنزير، يصده الشيطان بشرابه الخبث عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقعه في معصية الله وسخطه، يرتكب الكبائر، ويقترف الجرائم ويقع في الآثام ويخبط في الحرام، ويترك ما يجب عليه، من الأحكام فيفعل نكرا، وينطق كفرا يسب ربه وأمه وأباه، ويطلق ويزني ويلوط ويعبث بالأعراض والكرامات ويتلف أثاثه ويوسخ ثيابه على نفسه ويبكي بلا سبب ويضحك من غير عجب فتهزأ به الصبيان ويسخر به السفهاء ويمقته العقلاء ويبغضه أهله وجيرانه ورحم الله عدي بن حاتم، إذ قيل له: مالك لا تشرب الخمر؟ فقال: ما أحب أن أصبح حكيم قومي وأمسي سفيههم) أ.هـ.
فليتق الله شارب الخمر، ليتق الله ولا يكن أحدوثة الناس، ليتق الله فإن الله ناظر إليه وهو سبحانه يمهل ولا يهمل، ليتق الله ويثوب إلى رشده ويتوب الى ربه قبل أن يأخذه الله على ذنبه فيذوق العذاب الهون بما كنت يعمل.
أتأمن أيها السكران جهلا بأن تفجأك في السكر المنية
فتضحى عبرة للناس طرا و تلقى الله مـن شر البرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق