( حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة )
أيُّها المسلمونَ: إِخوانُنَا وأبنَاؤنَا وأَخواتُنَا وبَناتُنَا ذَوُو الاحتياجاتِ الخاصَّةِ، وهمْ مِمَّن ابتُلُوا بقُصُورٍ أو خَللٍ وَظِيفيٍّ مُستدِيمٍ؛ حَرَكيٍّ أو حِسِّيٍّ أو عَقْليٍّ، وُلِدَ بهِ أو أُصيبَ بهِ بعدَ وِلاَدَتِهِ، هُم مِنَّا ونحن مِنهُم, هُم جُزءٌ مِن بِنَائِنَا ونَسيجِنَا الاجتماعيِّ، إنَّهم عَناصِرُ فَعَّالَةٌ ذَاتُ إِسهَامٍ في هذا البِنَاءِ، حَقُّهُمْ أَنْ تُوَفَّرَ لَهُمُ البِيئَةُ الصَّالحةُ والظُّروفُ الملائِمَةُ لِمَنحِهِمُ الفُرَصَ الحقيقيةَ المناسِبةَ مِن أَجلِ حَياةٍ لائِقَةٍ, مِن أَجلِ البِناءِ والعَطاءِ وتَوظِيفِ القُدُرَاتِ واستثمَارِهَا لَهُم.
تَأمَّلُوا - أيها الإِخوةُ - في أَحوالِ بعضَ الأَديانِ والشُّعُوبِ!! كَيفَ كانَ استقبَالُهُم لهؤلاءِ الضُّعفَاءِ والعَجَزَةِ، ففي عَهدِ الإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الرُّومَانِيَّةِ يُذكَرُ أنَّ المُعَاقِينَ يُترَكونَ للموتِ جُوعًا؛ أَو يُرْمَوْنَ في الصحراءِ، كِبارًا كَانوا أَو مَوالِيدَ، لِتأْكُلُهُمُ الطُّيورُ والسِّبَاعُ.
بَل تَذكُرُ بعضُ الرِّواياتِ التَّاريخيَّةِ أنَّه في الحربِ العَالميَّةِ كانَ مَشاهِيرُ القياداتِ العسكريةِ يَحتفِظونَ بالأطفالِ الأصحَّاءِ لتَحضِيرِهِمْ للتجنيدِ العَسكَريِّ الإِجبارِيِّ، وأمَّا فِئَةُ المعَاقينَ فلا بُدَّ مِن التَّخلُّصِ مِنهَا، إمَّا بالنَّفْيِ أَو القَتلِ؛ ومَا ذاكَ إلاَّ لاعتقَادِهِم بعَدَمِ إنتاجِهِمْ، وأنَّهُم عَالةٌ علَى المجتمعِ، ويَسْتَنْزِفُونَ اقتصادَ الدُّولِ.
وأمَّا في الإسلامِ العَظيمِ فهُم شَرِيحَةٌ مِن شَرائِحِ المجتمعِ، وفِئةٌ عَزيزةٌ مِن فِئَاتِهِ، لَهُمْ سَائِرُ الحقوقِ الَّتي للفردِ الصَّحيحِ، بلْ لَهُم حُقوقٌ أُخرَى انفرَدُوا بِهَا، مُراعاةً لأَحوَالِهِم وحَاجَاتِهِم.
وقَد شَمِلَ الإِسلامُ المعَاقِينَ بالرعايةِ فجَعلَهُم مَع غَيرِهِم مِنَ الأَسوِيَاءِ, يَتمتَّعُونَ بكاملِ حُقُوقِهِم, حيثُ حَفِظَتْ لَهُمُ الشَّريعةُ الكَرامةَ والعَدلَ والأمنَ , وكَفَلَتْ لَهُم حَقَّهُم فِي التَّعليمِ والصِّحةِ والعَملِ والتَأهِيلِ وإِبرَامِ العُقُودِ، والتَمَلُّكِ، وتَولِّي الوَظَائِفَ الشَّرعيةَ والإِداريةَ التي تَصِلُ إِلى الإِمارَةِ، كمَا أَعفَاهُم مِن مُهمَّةِ القِتالِ والدِّفاعِ عَنِ الأَوطَانِ لهذِه العِلَّةِ؛ قالَ تعَالى{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}.
ووضع الإسلام قاعدة تدفع عنهم المشقة والحرج، فقال سبحانه [لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا].
حتى في أعظَمِ أركانِ الإسلامِ عذرَ اللهُ المرضى وذوي الإعاقاتِ فقالَ صلَّى الله عليه وسلَّم (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ). فأيُّ تَكريمٍ؟! وأيُّ تَخفيفٍ؟! وأيُّ توجيهٍ لنا وَتنبِيهٍ لِتلكَ الفئَةِ الغالِيَةِ؟! حقَّا إنَّهُ دِينُ الرَّحمةِ!
والشرع المطهر راعى المعاق عند تكليفه، ولم يحمّله ما لا يطيق، أو ما لا يتناسب وقدراته وطاقته، وبينت أن الإعاقة تخفف عن المريض التكليف، ويكتب له الأجر كاملاً، قال صلى الله عليه وسلم: (( إذا مرض العبد أو سافر كَتَبَ الله تعالى له من الأجر ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا)) رواه البخاري
عبادَ اللهِ: في تَاريخِ الإِسلامِ الكبير، حَظِيَ ذَوُو الاحتياجاتِ الخَاصَّةِ باحتِرَامٍ وتَقدِيرٍ كَبيرَيْنِ، ولنَا في الفَارُوقِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ -رضيَ اللهُ عَنهُ- أُسوَةً حَسنةً فِي اهْتِمامِهِ بهذِه الفِئَةِ العَزيزَةِ؛ حَيثُ بَلَغَ اهتِمَامُهُ وحِرصُهُ إلى أَنْ بَادَرَ إِلى سَنِّ أَوَّلِ نِظامٍ اجتِمَاعيٍّ في العَالَمِ لحمَايةِ المستضعَفِينَ والمقعَدِينَ والأَطفَالِ, وذَلكَ بإِنشاءِ دِيوَانٍ للطُّفُولَةِ والمستضعفينَ، وقَد فَرضَ للْمَفْطُومِ والْمُسِنِّ والمُعَاقِ فَريضةً إضَافِيةً مِن بَيتِ المَالِ.
وقَد بَلغَ مِن اهتِمَامِ عُمرَ بنِ عَبدِالعزيزِ - رحمهُ اللهُ - بهذِهِ الفِئَةِ أَيضاً، أَنْ عَمِلَ علَى إِحصاءِ المعَاقِينَ في دَولَتِهِ، وخَصَّصَ مُرَافِقًا لكُلِّ كَفيفٍ، وخَادِماً لكلِّ مُقْعَدٍ لا يَقوَى علَى القِيامِ.
وقَضَتْ تَشرِيعَاتُ المسلمينَ أَنْ يَكُونَ بيتُ المالِ مَسؤولاً عَن نَفقةِ العَاجِزِينَ مِنَ المعَاقِينَ.
وَبنَى الخليفةُ الوَلِيدُ بنُ عَبدِالملكِ أَوَّلَ مُستَشَفىً للمَجْذُومِينَ (عامَ ثَمَانٍ وثَمانِينَ للهجرةِ)، وقَد أَعطَى كُلَّ مُقْعَدٍ خَادِمًا، وكلَّ أَعمَى قَائِدًا.
وبَنَى الخَليفَةُ المأمُونُ مَأوىً للعُمْيانِ والنِّساءِ العَاجزَاتِ في بَغدَادَ والمُدُنِ الكَبيرةِ، كمَا بَنَىالسلطانُ قَلاوونُ مُستَشفىً لرعَايَةِ المعَاقِينَ.
وكمَا سَمِعتُمْ - يا عبادَ اللهِ - كُلَّ هذه الإنجازاتِ الاجتماعيةِ لهذِه الفِئةِ العَزيزةِ تَمَّتْ قَبلَ مِئَاتِ السِّنينَ، وقَبلَ أَن تُقِرَّهَا وتَدعُوَ إليهَا المنظماتُ الحقوقيةُ، والجمعياتُ الخيريةُ في العُصُورِ المتأخِّرةِ ومَا ذَاكَ إلاَّ لِعظَمَةِ هذا الدِّينِ وعُلوِّ مَنزِلَتِهِ، ورُقِيِّ فِكْرِ أَهلِهِ.
وإِلَى إِخوانِنَا مِن ذَوِي الاحتياجاتِ الخاصةِ: نُذكِّرُكُم بأَنَّ اللهَ تعَالَى يَبتَلِي مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ بالْمِحَنِ، لِيَتَبيَّنَ الصَّادِقُ مِنَ الكَاذِبِ، والجَازعُ مِن الصَّابرِ، وهَذِه سُنَّتُهُ تَعَالى في عِبادِهِ؛ فسَلِّموا لربِّكُمْ وارْضَوْا بِمَا قَسَمَهُ – سُبحانَه -، وتذَكَّرُوا مَا أَعدَّهُ للمؤمنينَ بالقضاءِ والقَدَرِ، والصابرينَ علَى البلاءِ والضَّررِ من الخيرِ العظيمِ في الدنيا والآخِرةِ.
فاشكُرُوا مَولاكُم علَى مَا أَصابَكُم مِنَ البَّلاءِ وثِقُوا أنَّه ابتلاءُ مَحبَّةٍ واصطِفاءٍ، وأنَّ عَاقِبَتَه إنْ صَبرتُم جَنةٌ عَرضُهَا كعَرضِ الأرضِ والسَّماءِ، وتَذكَّرُوا دَوماً وأَبداً قولَ العَليمِ الخَبيرِ سبحانَه{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}،
وتَذَكَّروا أيضاً قولَ الحبيبِ صلَّى الله عليهِ وسَلَّم: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ" رواه الترمذيُّ وابنُ ماجَه.
كمَا يَنبغِي العِلمُ أنَّ الإعاقةَ لَم تَكُن يَومًا سَببًا للخُمُولِ والرُّكُودِ أو التَّنَصُّلِ مِنَ المسؤوليةِ والحَركَةِ في الأرضِ والإِسهَامِ في كافَّةِ مَجالاتِهَا الدينيةِ والدُّنيويةِ، فالإِعَاقةُ وإنْ حَرَمَتْ صَاحِبَهَا شَيئا مِنَ المجَالاتِ، فإنَّ ثَمَّةَ مَجالاتٌ لا حَدَّ لَهَا يَستطِيعُ مِن خَلالِهَا تَحقيقَ أَعلَى الإِنجازَاتِ وأَفضلَ الأَعمالِ, والتَّاريخُ حَافِلٌ بالمِئَاتِ مِن العُلماءِ والمفكِّرينَ والمختَرِعينَ, مِمَّن لَم تَمْنَعْهُمْ إِعاقَتُهُمْ عَن الإِنجَازِ والإِبدَاعِ.
وإذَا رُزِقَ الوَالدَانَ: الوَلَدَ، وكَتبَ اللُه تعالى عَليهِم أَنْ يَكونَ مُعَاقًا، فلْيَعْتَبِرَاهُ اختِبَارًا مِنَ اللهِ، فإنَّ الإسلامَ حثَّ الوالدينِ علَى العِنايةِ بهِ، وكيفيةِ التَّعامُلِ الصَّحيحِ مَعَ إِعاقَتِهِ، وتَربِيَتِهِ تَربيةً صَالحةً، والاهتمامِ بكافَّةِ شُئُونِهِ، وبذلِ كلِّ مَا يَحتَاجُهُ في سَبيلِ ذَلكَ، فلِكُلِّ الذينَ أَكرَمَهُمُ اللهُ عز وجل بوُجُودِ ذَوِي الإِعاقَةِ بَينَهُم مِن آبَاءٍ وأمهَاتٍ، وجَمعِيَّاتٍ، ومُعلِّمينَ ومُدرِّبينَ، وأَطبَّاءٍ وممرضِينَ، وتَدفَعُهُمْ إلى بَذلِ المزِيدِ مِن العِنايةِ، والرِّعايةِ بِهِم؛ فخِدمَتُهُم ورِعايَتُهُم، وإدخَالُ السُّرورِ على أنفُسِهِم، مِن أَحبِّ الأَعمالِ إلى اللهِ تعَالى؛ "فَخَيرُ النَّاسِ أَنفَعُهُمْ للنَّاسِ".
الخطبة الثانية :
عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- لم يكن عَمَى بصرِه مانعًا من النظر في كفاءته ومقدرته؛ فقد استخلفه النبي -صلى الله عليه وسلم- على المدينة ثلاث عشرة مرة، كما تقول كتب التاريخ، فالنقص في جانب ليس نقصا في كل الجوانب، بل لعل في ذلك ما ينبِّه إلى أن البشر كل البشر فيهم جوانب نقص كما أن فيهم جوانب كمال، عبد الله بن أم مكتوم شهد فتح القادسية ومعه اللواء وقيل: إنه قتل فيها شهيدا -رضي الله عنه وأرضاه-.
هذا الأعمى -رضي الله عنه- كان يقوم بوظيفة الأذان بل كان هو المسئول عن ضبط الوقت للصلاة والصيام “إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ” ولمزيد من دمجه ومشاركته في المجتمع وهو أنموذج لغيره لم يأذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التخلف عن صلاة الجماعة في المسجد على الرغم مما أبداه من أعذار فهو أعمى وليس له قائد يقوده إلى المسجد وبينه وبين الطريق عوائق قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قال: نعم، قال: أَجِبْ، لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً” (أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه
وثمة اعتبارات أخرى ذكرها بعض أهل العلم؛ منها: أن أصحاب الحاجات الخاصة مرهفو الشعور، رقيقو العاطفة دقيقو الإحساس، يخشى الواحد منهم أن يكون وجوده مع الأسوياء مكدِّرا أو مؤذيا فيتحرَّج من مخالطتهم، فيجب أن يراعى هذا ويوضع في الحسبان ، كل ذلك في إنسانية أخَّاذة ورفق جميل وإبعاد عن الخجل والمسكنة والاستنقاص والازدراء.
إنه هدم للحاجز بين المريض معوَّقًا أو غيره، وفتح للأبواب أمامه وأمام المجتمع بالخلطة والمشاركة دون خوف، فلا يتردد صحيح ولا يخجل مُبْتَلًى
معاشر الأحبة: ومن جميل حضارتنا وطريف تراثنا واحتفائها بكل رجالاتها أنها أبقت على رجالات الأمة وقادتها العلمية والفكرية من أعلامها، أبقت عليهم بألقابهم، من غير خجل أو انتقاص من الأعرج والأعمش والأصم والأخفش وغيرهم ولقد كان لأصحاب هذه الألقاب مكانتهم العلمية وخلَّد ذكرَهم التاريخُ تخليدا لا يدانى.
أيها المسلمون: ومما ينبغي تقريره أن أصحاب الاحتياجات الخاصة يواجهون مشكلات ومعوقات لا يستطيعون معها مواجهة معترك الحياة بقدراتهم الذاتية؛ مما يوجب بذل مزيد من العناية وحسن التعامل لتتحقق لهم حاجاتهم ويشبعوا حاجاتهم، إن لهؤلاء الأفاضل الكرام الحق في إيجاد الوسائل المساعدة وتوفير البيئة الملائمة وتهيئة الظروف في عملهم وتعليمهم وتنقلهم وتحركهم داخل المساكن والطرقات والمرافق العامة والخاصة، وأماكن العمل ودور التعليم، والبيئة العمرانية.
يجب تقديم كل المساعدات الْمُعِينَة على التكيف مع البيئة الاجتماعية ليتحقق لهم أقصى الدرجات الممكنة من الفاعلية الوظيفية والتوافق مع قدراتهم ليعتمدا -بعد الله- على أنفسهم، ولا ينبغي أن يتوقف الأمر عند حدود المبادرات الشخصية والتوجهات الخيرة لدى بعض الفضلاء والمحسنين بل يجب أن تتحول الجهود من الجميع دولا ومؤسسات وأفرادا إلى برامج وخطط وجهود منظَّمة لسد الاحتياجات بل لإشباعها وحُسْن توظيفها، وتحقيق الرعاية الاجتماعية الحقة لتصبح إحدى المهمات الرئيسية للدول والمجتمعات للوصول إلى أفضل مستوى معيشي وخدمي.
أيها المسلمون: مقياس الصلاح والرقي والفساد والتردي لا يرجع إلى مظاهر الغنى، واكتمال القوى، واكتناز الجسد، ولكنه راجع إلى صلاح النية والقلب وصلاح العمل، “أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ“.
الإنسان لا يستمد مقامه ولا مكانته من ضخامة بدنه وقوة عضلاته، ليس العجز بفقد السمع والبصر أو النطق ولكن العجز الحقيقي في عدم توظيف هذه الحواس والقوى التوظيفَ الحقيقيَّ، المعوَّق -على الحقيقة- مَنْ أكمل اللهُ له قدراتِه فعطَّلَها ولم يصرفها في مرضاة الله ونفع نفسه وأمته، ولقد قال الله في أقوام (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الْأَعْرَافِ: 179]، وقال سبحانه: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [الْأَنْفَالِ: 22].
ومن هنا: فإن نظرة الإسلام لهذه الفئة الكريمة من ذوي الاحتياجات الخاصة لم تكن نظرة شفقة أو استضعاف، إنهم جزء مما اقتضه حكمة الله وسنته من التنوع البشري والطبيعة البشرية، ومن أجل هذا فإن ما كانوا معذورين فيه لم يكن انتقاصا من حقهم أو تقليلا من منزلتهم؛
وهذه خطابات لجميع الأمة فمن حصل له عذر أو حل به مانع فالحرج عنه مرفوع وله الأجر كاملا والجزاء موفورا، فلهم الأجر غير منقوص إذا نصحوا لله ورسوله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق