تربية البنات والعناية بهنّ )
الخطبة الأولى:
للبنت في الإسلام مكانة سامية، ميلادها فرحة كبرى وبشارة عظمى، فهي ريحانة الحاضر وأم المستقبل، تربي الأجيال، وصانعة الأبطال، رمز الحياء، وعنوان العفة، وقد كتب أحد الأدباء يهنئ صديقاً له بمولودة "أهلاً بعطية النساء، وأم الدنيا، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، والمبشرة بإخوة يتسابقون، ونجباء يتلاحقون".
أعلى وأعلن الإسلام مكانة البنت في الإسلام، وأنزلها منزلة الحب والاحترام، فقد روى الترمذي عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله -رضي الله عنها. قالت: "وكانت إذا دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه".
من تكريم البنت هذه القصة التي تحمل مغزى تربوياً بليغاً، ففي الصحيحين عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عليه وسلم- قال "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو حامل امامة بنت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها".
البنات نعمة وهبة من الله، وفضلهن لا يخفى، هن الأمهات، هن الأخوات، هن الزوجات، جعل الله البنت مفتاح الجنة لوالديها، تسهل لهما الطريق إليها، تبعدهم عن النار، بل تضمن لهم أن يحشروا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن أحسن إليهن، فهنيئاً لك -أبا البنات- بهذا الشرف من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كيف لا وأنت بإحسان تربيتهن تعد شعباً وتبني مجداً، فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابًا من النار يوم القيامة". صحيح ابن ماجة
وعن جابر بن عبد الله - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم "من كن له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة"، قال: قيل : يا رسول الله: فإن كانتا اثنتين؟! قال "وإن كانتا اثنتين"، قال : فرأى بعض القوم أن لو قال له: واحدة لقال: واحدة.( السلسلة الصحيحة )
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم "من عال جاريتين –يعني بنتين- حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو". وضم أصابعه. رواه مسلم....وكفى بذلك فضلاً وفخراً وأجراً.
تربية البنات لها أهمية كبيرة، فهي قربى إلى الله، والمرأة المسلمة لها أثر في حياة كل مسلم، هي المدرسة الأولى في بناء المجتمع الصالح، هي ركيزة المستقبل، فهي الزوجة الصالحة والأم الحانية وحاضنة الأبناء، وإذا نشأت البنت صالحة في بيتها متدينة في سلوكها فإننا بذلك نضمن -بإذن الله- بناء أسرة مسلمة تخرج جيلاً صالحاً قوياً في إيمانه جاداً في حياته ... الفتيات يكن مصدراً للفضيلة والتقوى، يبنين المجتمع ولا يهدمنه، يؤسسن الأسرة ولا يهربن منها، ينشرن الخير والحب، قال تعالى ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) [النساء: 34].
اعلموا أن التربية الصحيحة للفتاة تقتضي تعاون الأب والأم القوي، والتنسيق الفكري بينهما؛ لتؤتي التربية أكلها.
الأساس الأول في بناء الفتاة: التركيز على حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام ، تعليمها الفرائض الدينية، تنشئتها منذ الصغر على الدين والفضيلة، وغرس ذلك في نفسها بالإقناع والتربية، يغذي ذلك وينميه قصص أمهات المؤمنين زوجات النبي عليه الصلاة والسلام ، وقصص الصحابيات اللاتي صنعن المجد بجودة تربيتهن.
تحقق التربية هدفها حين تكون الأم قدوة حسنة لابنتها، متمثلة قيم الإسلام مع سلوك حسن وسيرة حميدة في حركاتها وملابسها وتصرفاتها، حينئذ تحاكي البنت أمها، وتكون صورة صادقة عنها في السلوك.
ومما يحزن تساهل بعض الآباء والأمهات في تربية البنات، ترى مظاهر ذلك ضعفاً إيمانياً، خواءً فكرياً، تقديساً للتوافه، تفريطاً في القيم، كما تلمسه في مسألة الحجاب ولباس الفتنة والعري مع التبذل في الأماكن العامة كالأسواق والمتنزهات.
تربية البنت على خلق الحياء حارس أمين لها من الوقوع في المهالك؛ فإن مشت فعلى استحياء، زيها ورداؤها استحياء، سمتها الحياء، وقولها وفعلها وحركاتها يهذبه الحياء، كما قال "والحياء خير كله، ولا يأتي إلا بخير".
الكلمة الطيبة والرفق واللين في الأسلوب وسيلة مهمة في التربية، وإذا قارنها قلب مفعم بالمحبة والود من الوالدين عمل عمله وآتى أكله في تسديد السلوك، وله آثار نافعة، ويهدي إلى الاقتناع والقبول، قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) [إبراهيم: 24، 25].
تعاهد الفتاة بالتوجيه والتنبيه، فإن القلوب تغفل، ويقظتها بالنصح والتذكير، والذكرى تنفع المؤمنين، مع ترويضها على الانضباط بأحكام الشرع في اللباس والحجاب ومسألة الاختلاط.
لابد من تغذية الفتاة بأسس ومفاهيم وضوابط تتمكن بها من التمييز بين الغث والسمين، وتفرّق بين الخطأ والصواب، وتوفّر لها ملكة تكسبها القدرة على اكتشاف المظاهر الخادعة والخاطئة وكم انتشرت في مجتمعاتنا تلك المظاهر الخادعة المزيفة المسمومة التي تودي للمهالك
جفاف المشاعر الودية، وغياب معاني الحب في الأسرة، وانعدام أسلوب الحوار الهادئ يجعل الفتاة تبحث عن إجابات لأسئلتها الحائرة، وقد تكون بذلك صيداً سهلاً لرفيقات السوء أو غيرهن، وهذا يتطلب إحياء جلسات الإقناع والحوارات الأسرية وغمر البيت بمشاعر فياضة من الود والحب والاحترام.
العدل بينها وبين إخوتها من الذكور والإناث فإن الشعور بالظلم والانحياز إلى غيرها أكثر منها يزرع في نفسها الكره على أبويها والحقد على من فضل عليها من إخوتها أو أخواتها، فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم أما في النفقة فعلى حسب الحاجة، وأما في الهبة فللذكر مثل حظ الأنثيين وإن سوي بينهم فيها فهو حسن.
الفراغ مشكلة كبرى في حياة الفتاة، وملء أوقات الفتيات بالنافع المفيد حصانة ووقاية، ومن ذلك حفظ القرآن وتلاوته وتفسيره، تعلّم ما يتعلق بالمرأة من أحكام، توسيع دائرة الثقافة النافعة، ممارسة الهوايات المفيدة، مرافقة البنت لأمها تصقل شخصيتها، وتكون دليلاً لها في حياتها، وتضيف إلى سيرتها دروسًا ناصعة.
حسن اختيار الصديقة مسألة لا مساومة فيها ولا محابة ولا مداهنة ولو كانت أقرب قريب، وعليه فإن الصداقة لها تأثير بالغ في السلوك والأفكار والثقافة الشخصية، فصديقات السوء كالشرر الملتهب، إذا وقع على شيء أحرقه، وفي الحديث "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
تفكك الأسرة، ضعف الروابط بين أفرادها، كل يهيم في واد، الأب هنا، والأم هناك، يولد جفوة وجفوة تتراكم أضرارها فوق بعضها على الفتاة، وقد ينكشف الغطاء بعد فوات الأوان عن سلوك غير حميد. الأسرة السوية والروابط القوية في جو عائلي لا يسمح بالاختراق أو الاقتراب مع شعور بالطمأنينة والاستقرار.
تأخير زواج الفتاة يترتب عليه مفاسد خلقية واجتماعية ونفسية، وعضلها بمنعها من الزواج لأغراض دنيوية جريمة في حق فتياتنا والمجتمع، قال تعالى ( فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) [البقرة: 232].
أعظم الأخطار التي تؤثر في تربية البنات وجود القنوات الفضائية في البيوت، فهي تهدد بهدم كل القيم، وتحارب الدين والفضيلة، وتورث العري والفساد والانحلال، وكذا بعض مواقع الشبكة العنكبوتية التي تهدم أكثر مما تبني، فالسلامة في البعد عنها، والسلامة لا يعدلها شيء.
الخطبة الثانية :
من الخطأ أيضاً أن يهتم الأب بتعليم ابنته التعليم المدرسي ويفرط في التعليم الديني ( التعليم الشرعي) فتنشأ البنت وتكبر وهي لا تحفظ شيئا من كتاب الله ولا تعرف كثيراً من أحكام الصلاة والحيض والنفاس وغير ذلك من الأحكام التفصيلية التي تحتاجها المرأة في حياتها فتجدها في مسائل العلوم والرياضيات من أذكى البنات لكنها في مسائل الطهارة والصلاة لا تستطيع أن تفتي نفسها ولا شك أن هذا من الغفلة التي قال الله عنها ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾
فيجب على الوالدين أن يعلموا البنت إذا صارت في سن المراهقة أحكام البلوغ وأحكام الحيض أو يلحقوها بالمراكز النسوية والحلقات الشرعية التي تقام للبنات لتتعلم أحكام دينها ومسائل فقهها.
ومن الخطأ أيضاً ،أن يعطي الأب لابنته حرية زائدة وثقة مطلقة ،فيتركها تذهب حيث تشاء ،وتخرج متى تشاء ،وتدخل إلى البيت حين تشاء ،بزعم أنه يثق فيها ، وفي أفعالها ، وينسى أننا في زمن الفتن والماديات ، وكثرة المغريات وسبل الشر مزينّة بألف زينة .
إننا في هذا العصر نحتاج إلى المزيد من التركيز على تربية الفتاة والرعاية والعناية بها، فالفتاة المسلمة في زمننا هذا تتعرض من أعداء الأمة الإسلامية إلى حملة شعواء، تستهدف ضرب عفتها وطهارتها وأخلاقها وإسلامها، والخطورة تكمن في أن معنى إفساد فتاة مسلمة إفساد الزوجة وإفساد الأم وإفساد الجيل وإفساد المجتمع كله.
يجب تحصين الفتاة من الفكر الخبيث الذي يفسدها وتوعيتها بمخططات الأعداء.
وفتاة الإسلام مطالبة بأن تكون سداً منيعاً ضد هذه المخططات بوعيها والتزامها، وحذرة من دعوة الذئاب للحرية المزيفة والحقوق المزعومة.
لا تظن أخي المسلم أن الخطر الذي يهدد المرأة هو خطر الانحراف الخلقي بالوقوع في الفواحش أو المخدرات ونحوها بل هي أيضاً مهددة بخطر آخر وهو الخطر الفكري فالمرأة معرضة لأن تقع في شراك من أشراك الفرق الهالكة فقد تدخل في باب الالحاد ورغبة التخلص من الدين ، وهناك في عالم الشبكة العنكبوتية دعاة لمثل هذه الافكار لهم مواقعهم واعلامهم ويطرحون الشبهات وينساق اليهم جمع من بنات المسلمين
ينبغي على الآباء أن يكثروا من الدعاء لأبنائهم بالهداية والصلاح فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن دعوة الوالد لولده دعوة مستجابة.
وأخبر الله عن زكريا عليه السلام فقال ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء ﴾ ويقول سبحانه ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَاقُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾
ومن مستحسن الأخبار في هذا الباب ما يروى أن الفضيل بن عياض إمام الحرم المكي في زمانه قال ( اللهم إني اجتهدت أن أؤدب ابني علياً فلم اقدر على تأديبه فأدبه أنت لي ) فتغير حال الولد حتى صار من كبار صالحي زمانه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق