إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 14 نوفمبر 2019

الرقية الشرعية

الرقية الشرعية
الخطبة الأولى : 
عباد الله: أباح الشرع العلاج وطلب الشفاء بواسطة الأدوية الحسية والمعنوية ومن ذلك الرقية الشرعية فقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط
الأول أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، 
الثاني : أن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره،  
الثالث : أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل الشافي هو الله تعالى إنما هي سبب
ومن الصفات الواردة في الرقية الشرعية النفث على المريض ففي حديث أبي سعيد فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين.
ومن الوارد النفث في اليدين ومسح بدن المصاب فعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدي..رواه البخاري (4439
 ومن الوارد بل الأصبع بالريق و وضعها بالتراب ليعلق بها شيء منه ثم وضعها على الجرح ونحوه والدعاء فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه أو كانت به قَرْحَةٌ أو جُرْح قال النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعه هكذا ووضع - سفيان بن عيينة سبابته بالأرض - ثم رفعها باسم الله تربة أرضنا بِرِيقَةِ بعضنا لِيُشْفَى به سقيمُنا بإذن ربنا رواه البخاري (5745ومسلم (2194) قال النوويمعنى الحديث أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل، ويقول هذا الكلام في حال المسح. والله أعلم.
ومن الوارد وضع اليد على موضع الألم والدعاء فعن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل باسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر "رواه مسلم (2202).
أما السور التي وردت قراءتها في الرقية فهي الفاتحة وخواتيم سورة البقرة وآية الكرسيوالمعوذتين والإخلاص وكل القرآن شفاء فيقرأ منه. وكذلك يدعو الراقي بما شاء لا سيماالادعية الواردة.
أما وقت النفث فالأمر في ذلك واسع فللراقي أن ينفث قبل القراءة أو في أثنائها أو بعد الفراغ منها فالنصوص الواردة تحتمل كل هذه الصور والله أعلم.
عباد الله : فقهاء المذهب الأربعة وغيرهم يرون جواز أخذ المال على الرقية فالرقية نوع من أنواع العلاج فيجوز أخذ المال عليها وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه - رضي الله عنهم - على أخذ المال مقابل الرقية فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء فقال بعضهم نعم والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فانطلق يمشي وما به قَلَبَةٌ قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقسموا فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له فقال وما يدريك أنها رقية ثم قال قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما" رواه البخاري 
 فيجوز أخذ المال على الرقية بشرط الشفاء فإذا شفى الله المريض أخذ الراقي المال كما في هذا الحديث وتسمى جعالة ويجوز أخذ المال بمجرد الرقية من غير شرط الشفاء فتكون إجارةلكن التفرغ للرقية وأخذ المال عليها لم يكن معهودا في القرون المفضلة.
 عباد الله : العين حق فربما نظر العائن إلى شخص فأصابه إذا لم يكن متترسا بالأذكار المانعة بإذن الله من الأذى فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه - رضي الله عنه - حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخَزَّارِ من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف - رضي الله عنه - وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - وهو يغتسل فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مُخَبَّأَةٍ فَلُبِطَ سهل فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا رسول الله هل لكفي سهل والله ما يرفع رأسه وما يفيق قال هل تتهمون فيه من أحد قالوا نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه وقال علام يقتل أحدكم أخاه هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت ثم قال له اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب ذلك الماء عليه فراح سهل مع الناس ليس بهبأس رواه الإمام أحمد (15550) وغيره بإسناد حسن.
 فإذا كان العائن معلوما فيطلب منه الاغتسال ويصب الماء على المعيون ويجب علي العائنالاغتسال ويحرم عليه الامتناع لإمر النبي صلى الله عليه وسلم العائن بالاغتسال. والأصل في الأمر الوجوب وإذا أخذ من ملابس العائن التي تلي جسده وغسلت بماء واغتسل بهالمعيون نفعت بإذن الله لأمر النبي عامر بن ربيعة بغسل داخلة إزارة وهي طرف الإزار مما يلي الجسد 
وإذا كان العائن غير معروف يرقى المعيون فعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس رضي الله عنها ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة قالت لا ولكن العين تسرع إليهم قال ارقيهم " رواه مسلم (2198 ) 
والوقاية من العين التسلح بالأذكار والدعاء هذا هو الطريق الشرعي أما إظهار الحاجة وعدم التوفيق ونحوه من جحد نعمة الله فهذا لم يجعله الشارع وسيلة تتقى به العين.
عباد الله : إن الرقية لما مارسها من ليس لها بأهل بسبب قلة العلم أو رقة الديانة دخلت فيها كثير من المحاذير والمخالفات الشرعية ومنها على سبيل المثال:
أولاً: الرقى بالطلاسم والكلمات المجهولة المعاني، وقد تقدم أن من شرط الرقية أن تكون بكلام مفهوم المعنى، ومن يستعمل الطلاسم في علاج المريض هو في حقيقة الأمر كاهن أو ساحر أو مشعوذ دجال يتظاهر بالصلاح والخير.
ثانياً: طلب الراقي من المريض أن يتخيل صورة العائن أو الحاسد أو من تسبب في سحره فيغمض المريض عينيه وقد يتمثل له الشيطان في صورة أخيه أو زوجته أو صديقه فيحصل من جراء ذلك التقاطع والتهاجر والتدابر بين الأقارب بناء على وسوسة الشياطين وتخييلاتهمبسبب جهلة الرقاة أو فساقهم.
ثالثاً: طلب الراقي من المريض أن يكرر بعض الآيات أو الأذكار أو الأدعية بعدد معين في وقت معين بلا دليل شرعي، وقد لا تكون هذه الأذكار والأدعية المخصوصة لهذا المرض واردة أصلا في الكتاب ولا في السنة. وتعيين عدد أو وقت للذكر والدعاء بل دليل شرعي نوع من البدع والمحدثات.
رابعاً: القراءة الجماعية على المرضى بالصوت مباشرة أو من خلال مكبرات الصوت، وهذه الرقية الجماعية من البدع والمحدثات فلم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه إنما الرقية تكون على مريض واحد يرقيه الراقي وينفث عليه.
وقد توسع بعضهم فصار يرقي المرضى عن طريق الاتصال بالهاتف، وتوسع بعضهم أكثر فصار يرقي وهو جالس في مدينته مريضاً يقيم في مدينة أخرى بلا اتصال بل بتجه بوجهه إلى مدينة المريض ثم ينوي رقيته ويشرع في القراءة، وقد أفتى أهل العلم والبصيرة بأن هذا كله من العبث واللعب بالرقية ومن الإحداث فيها ما لم يشرعه الله ولا رسوله .
خامساً: مجاوزة الحدود الشرعية في رقية الراقي للمرأة الأجنبية عنه وذلك بالخلوة بها أو بمس جسدها أو بالتحرش بها وبما هو أدهى من ذلك والعياذ بالله.ولا يجوز للراقي أن يخلو بالمريضة ولا يجوز له أن يمسها لأنه لا حاجة للمس أصلاً لأن الرقية هي تلاوة آيات وأدعية نبوية ونفث وذلك كله لا يحتاج إلى لمس.
سادساً: أكل أموال الناس بالباطل وذلك بالمبالغة في طلب المال من المريض استغلالاً لحاجته فللدخول مبلغ معين، وللجلسة العامة مبلغ وللجلسة الخاصة مبلغ أعلى، وللقراءة المركزة مبلغ أعلى وأعلى. ومن خلال المبالغة في أسعار الماء والزيت والعسل بدعوى أنه مقروء فيه. وإذا تحققت ربما اكتشفت أنه غير مقروء فيه وذلك لكثرة الكراتين وكثرة العبوات وبعضها محكم الإقفال لم يفتح.
\سابعاً: الاستعانة بالجن وجلود الذئاب لمعرفة الممسوس من غيره وهذه وسائل شركية ومظاهر خرافية فالجن لا تعلم الغيب، والاستعانة بها لا تجوز فإنها لا تعين الراقي إلا أن يبذل لها دينه والعياذ بالله. ودعوى خوف الجن من الذئاب خرافات واساطير لا دليل عليها.
ثامناً: تعذيب الرقاة للمرضى بالخنق والضرب والصعق بالكهرباء مما قد يلحق بهم الآفات والأمراض أو حتى قد يؤدي بهم إلى الوفاة، وإلحاق الرعب والفزع بهم وبمرافقيهم حين يجمعون الجميع في صالة واحدة مع ما يصاحب ذلك من الصرع والصراخ والمناظر المزعجة المخيفة حتى ربما مرض الصحيح السليم ودخله الوهم والوسواس.
 الخطبة الثانية : 
من أعظم البلاء عند الناس الإصابة بالسحر وعلاجه إذا علم مكان السحر استخراجه و احراقه فينفك السحر عن المسحور بإذن الله وحينما سحر النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد في دعاء ربه حتى رأى في المنام مكان السحر و إذا لم يعلم مكان السحر يلجأ المسحور إلى الرقية الشرعية والدعاء 
ويحرم الذهاب للسحرة لفك السحر فهي من عمل الشيطان حيث يتقرب المسحور والساحر لشياطين الجن بالمحرم فيتم حل السحر عن المسحور فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال من عمل الشيطان "رواه الإمام أحمد (13721) بإسناد حسن والنشرة التي من عمل الشيطان هي حل السحر عن المسحور بالسحر والله أعلم.
 وليتق الله المسحور وأولياؤه فالسحر كغيره مما يُبتلى به المؤمن فهو من أقدار الله ﴿ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ﴾ (102) سورة البقرة فسؤال السحرة كبيرة من كبائر الذنوب فعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" رواه مسلم (2230) فسائلهم لا تقبل له صلاة أربعين يوما. 
ومن أتاهم وصدقهم بما يزعمونه من علم الغيب والنفع والضر فهذا كفر مخرج من الملة فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد (9252) بإسناد صحيح. 
 عباد الله : النصوص في تحريم الإتيان للسحرة وسؤالهم وتصديقهم عامة ولم تفرق بين مسحور وغيره فالواجب الصبر وعدم اللجوء للسحرة والعلاج من باب الحاجات و ليس من باب الضرورات ولم يجعل ربنا شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها. فلنتق الله إخوتي ولنتذكر قول ربنا تعالى ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [سورة الطلاق: 2 ،3].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق