( الدعاء وموانع الاجابة )
مِن أعظم ما نستعينُ به في جلب ما تصبو إليه نُفُوسنا من الخير، أو دفع ما نجد ونُحاذر من الشرِّ: الدُّعاء، فمتى ما توفرت الشُّروط وانتفت الموانع وتأدَّب الداعي بآداب الدُّعاء، استجاب الله الدعاء.
فلْنَخترِ الأوقاتَ التي هي مظنَّة الإجابة، وهي الثُّلث الأخير من اللَّيل؛ حيثُ ينزل ربُّنا في الثُّلث الأخير من اللَّيل إلى السماء الدُّنيا، نزولاً يليقُ بجلاله، فيقول: ((مَن يدعوني، فأستجيبَ له، مَن يسألني، فأعطيه، مَن يستغفرني، فأغفر له))، فما لنا في هذا الوقت الفاضل من الغافلين؟!
ومن مظنة إجابة الدُّعاء: عند الأذان، وبين الأذان والإقامة؛ فعن أنس قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الدُّعاء لا يردُّ بين الأذان والإقامة؛ فادعوا))؛ رواه الإمام أحمد، (12174)، بإسناد حسن،
فلْندعُ في صلاتِنا في سجودنا، وقبل السَّلام نسألُ ربَّنا مِن خَيْرَيِ الدُّنيا والآخرة، فأقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجد.
دبر الصلوات المكتوبات وفي حديث أبي أمامة " قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال جوف الليل الآخر ، ودبر الصلوات المكتوبات" رواه الترمذي (3499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ... والمقصود قبل السلام من الصلاة
ولْنَدعُ خارجَ الصَّلاة قبل إقامة الصلاة،، حينما لا تحضر إلاَّ بعد الإقامة، فقد حرمت نفسك هذا الوقت الفاضل، وفوَّتَ عليك الشيطانُ خيرًا كثيرًا.
عند الدعاء بـ" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له " رواه الترمذي وصححه في صحيح الجامع (3383)
الدعاء عند المريض : فقد أخرج مسلم (919) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : قال صلى الله عليه وسلم : " إذا حضرتم المريض فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون .. قالت : فلما مات أبو سلمة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أبا سلمة قد مات، فقال لي : قولي : اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة " قالت : فقلت فأعقبني الله من هو خير لي منه ، محمداً صلى الله عليه وسلم ".
دعوة المظلوم وفي الحديث : " واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " رواه البخاري (469) ومسلم (19) وقال عليه الصلاة والسلام : " دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ؛ ففجوره على نفسه " رواه أحمد وانظر صحيح الجامع (3382).
دعاء الوالد لولده – أي : لنفعه - ودعاء الصائم في يوم صيامه ودعوة المسافر فقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاث دعوات لا ترد : دعوة الوالد لولده ، ودعوة الصائم ودعوة المسافر " رواه البيهقي وهو في صحيح الجامع (2032) وفي الصحيحة (1797).
دعوة الوالد على ولده – أي : لضرره - ففي الحديث الصحيح : " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده " رواه الترمذي (1905) وانظر صحيح الأدب المفرد (372)
لنجتهدْ في الدُّعاء يومَ الجمعة، ففيه ساعة الإجابة؛ فعن أبي هريرة: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذكر يوم الجمعة، فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو يُصلي، يسأل الله شيئًا؛ إلاَّ أعطاه إيَّاه))، وأشار بيده يقلِّلها؛ رواه البخاري (935)، ومسلم (852).
وهذه الساعة آخر النَّهار من يوم الجمعة؛ ففي حديث أبي هريرة قال: "قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خير يوم طلعت فيه الشمس، وفيه ساعة لا يُصادفها عبدٌ مسلم وهو يصلي، يسأل الله حاجةً؛ إلاَّ أعطاه إيَّاها))، فقال عبدالله بن سلام لأبي هريرة: هي آخر ساعة من يوم الجمعة؟ فقال: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة، وقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يُصادفها عبدٌ مُسلم وهو يُصلي))، وتلك الساعةُ لا يُصلَّى فيها؟فقال عبدالله بن سلام: ألم يقُلْ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن جلس مجلسًا ينتظر الصلاة، فهو في صلاة حتَّى يصلي))، قال: فقلت: بلى، قال: هو ذاك"؛ رواه أبو داود (1046)، ورواته ثقات.
ولْنحرصْ على رَفْع اليدين أثناءَ الدُّعاء فيما لم يردْ فيه نَهي؛ فعن سَلْمان الفارسي، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ اللهَ حييٌّ كريم، يستحيي إذا رَفَعَ الرجلُ إليه يديه أنْ يردَّهما صفرًا خائبتين))؛ رواه الترمذي (3556)،
ولنفتتح دعاءنا بحمد الله والثَّناء عليه وسؤاله بأسمائه الحسنى، لا سيَّما ما دلَّ الدليلُ أنَّه مظنة الإجابة؛ فعن بريدة قال: سمع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً يدعو، وهو يقول: اللهم إنِّي أسألك بأنِّي أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، قال: فقال: ((والذي نفسي بيده، لقد سأل اللهَ باسمه الأعظم، الذي إذا دُعِيَ به، أجاب، وإذا سُئل به، أعطى))؛ رواه الترمذي (3475) بإسناد حسن.
ومِن أسبابِ الإجابة: البر بالوالدين؛ فعن أُسَيْر بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمدادُ أهل اليمن، سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتَّى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: مِن مراد، ثُمَّ من قَرَن؟ قال: نعم، قال: فكان بكَ برص، فبَرَأْتَ منه إلاَّ موضعَ دِرْهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة، قال: نعم، قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((يأتي عليكم أُوَيْسُ بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قَرَن، كان به برصٌ فَبَرَأَ منه إلاَّ موضع دِرْهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسمَ على الله، لأَبَرَّه، فإنِ استطعتَ أن يستغفر لك، فافعل))؛ فاستغفرْ لي فاستغفرَ له"؛ رواه مسلم (2542).
فإذا اجتمعَ مع الدُّعاء حُضُورُ القلبِ وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة، وصادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الربِّ، وذُلاًّ له، وتضرُّعًا بين يديه ورقَّة، واستقبل الدَّاعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله - تعالى - وبدأ بحمدِ الله والثَّناء عليه، ثُمَّ ثنَّى بالصلاة على محمد عبده، ثم قدم بين يدي حاجته التَّوبة والاستغفار، ثُمَّ دَخَل على الله وألَحَّ عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبةً ورهبةً، وتوسَّل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، فإنَّ هذا الدُّعاء لا يكاد يردُّ أبدًا، لا سيَّما إنْ صادف الأدعية، التي أخبر النبي أنَّها مظنة الإجابة، أو أنَّها متضمنة للاسم الأعظم.
الخطبة الثانية :
يقول ربُّنا: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، فهذا وعدٌ من اللهِ، والله لا يُخلفُ وعدَه، فإذا دعوناه، ولم يستجب لنا، فلنفتشْ في أنفسنا، ولْنعلمْ علمَ اليقين أنَّنا أوتينا من قِبَل أنفسنا، فلم يُستجب دعاؤنا؛ لخلل فينا.
فقد يتخلف أثر الدُّعاء، ولا يُجاب السُّؤال، فلا يحصل المأمول، ولا يندفع المحذور؛ إمَّا لضعف القلب وعدم إقباله على الله، واجتماعه عليه وقتَ الدُّعاء، فيكون الدعاء باللِّسان والقلبُ لاهٍ غافلٌ حينَ الدُّعاء، كحال بعض المسلمين منَّا في دُعائنا في الصَّلاة وخارجها؛ فعن عبدالله بن عمرو: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة؛ واعلموا ان الله لا يستجيبُ دعاء من قلبٍ غافلٍ لاه ))صحيح الترغيب
وإمَّا لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم )) ايُّها الناس، إنَّ اللهَ طيبٌ، لا يقبل إلاَّ طيبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثُمَّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يَمدُّ يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام وَغُذيَ بالحرام، فأنَّى يُستجابُ لذلك؟!))؛ رواه مسلم (1015).
وإمَّا للاستعجال في طلب الإجابة، فلْيُلحَّ الواحد منَّا بحوائجه على ربِّه ولا يستبطئ الإجابةَ، فرُبَّما تأخرت الإجابة فترة، فيترك الداعي الدُّعاء؛ فعن أبي هريرة: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي))؛ رواه البخاري (6340).
وإمَّا لضَعفه في نفسه، بأنْ يكونَ الدُّعاء مِمَّا لا يُحبه الله؛ لما فيه من العدوان والظلم.
ومن موانع الدُّعاء: الاستثناء في الدعاء، فتجد البعض اعتاد قولَ: إنْ شاء الله في الدُّعاء، فما يدعو لنفسه أو لغيره إلاَّ ويختم دعاءه بقول: إن شاء الله، وقد نُهينا عن ذلك؛ فعن أبي هريرة: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا دعا أحدُكم، فلا يقل: اللَّهم اغفرْ لي إن شئت؛ ولكن ليعزمِ المسألة، وليعظم الرغبة، فإنَّ الله لا يتعاظمه شيء أعطاه))؛ رواه البخاري (6339)، ومسلم (2679)
واعلموا ان للدعاء أرباحاُ قد تكون غير مرئية ..
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا " قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ " الالباني صحيح
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا " قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ " الالباني صحيح
فليس الخير دائما كما نظن , في إجابة سؤالنا وتحقيق طلبنا
فربما..لم يجبنا لأننا لا نعلم ما رده الدعاء عنا من بلاء , وما جرى من تصارع بين البلاء النازل والدعاء الدافع , الذي إنتهي بنجاتنا ودفع الشر عنا ,فحمدا لله على سلامتنا جميعا..
وربما..لم يجبنا لأنه سبق في علمه أن كفة حسناتنا لن ترجح يوم القيامة , إلا أن يوزن فيها أجر الدعاء المؤجل..
فإذا رأينا يوم القيامة أن ما أجابه الله لنا من دعاء ذهب أجره ,وما لم يجبنا فيه قد بقي ثوابه ..تمنى العبد ان لم تجب له دعوة قط ..!!
فإذا رأينا يوم القيامة أن ما أجابه الله لنا من دعاء ذهب أجره ,وما لم يجبنا فيه قد بقي ثوابه ..تمنى العبد ان لم تجب له دعوة قط ..!!
وربما..لم يجبنا لسابق علمه أن الخير في صرف هذا المطلوب عنك ,فهو وحده المطلع على الغيب , ولذا فهو الأدرى بما ينفعنا ويصلحنا ,فإذا كان المطلوب مالا فلربما أطغانا وأفسدنا,و إن كان ولدا فلربما كبر عاقا فأعيانا وأجهدنا , وإن كان عملا أو وظيفة فلربمافتحت لنا بابا للحرام أردانا وضيعنا ,فكم من محبوب في مكروه , ومكروه في محبوب ولا يعلم ذلك إلا الله ..
وربما..لم يجبنا لأنه أراد أن يصل حبالا قطعناها ووشائج هجرناها , فألجأنا إليه حتى يسمع همساتنا في الأسحار , ويرى دمعاتنا المدرار , فيغسل ذنوبا لا يغسلها سوى دموع الأسى على ما فات ,والندم على ما إنقضى ..
وهو ما تم إيجازه في قول إبن عطاء في قوله :" لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك ,فهو قد ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك , لا فيما تختاره لنفسك , وفي الوقت الذي يريد , لا الوقت الذي تريد "..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق