إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 15 أغسطس 2015

الإخلاص لله في العمل

( الاخلاص لله في العمل ) 
فاتّقوا الله -عباد الله- حقّ التقوى؛ فالعزّ في طاعة المولى، والذلّ في اتّباع الهوى.
أيّها المسلمون: القلوب لا تطمئنّ إلا بالله، وغِنى العبد بطاعةِ ربّه والإقبال عليه، ودينُ الحقّ هو تحقيقُ العبوديّة لله، وكثيرًا ما يخالط النفوسَ من الشهوات الخفيّة ما يفسِد تحقيقَ عبوديّتها لله، وإخلاصُ الأعمال لله أصل الدين، ولذلك أمر الله رسولَه بالإخلاص في قوله: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدّينِ) [الزمر: 2]، وأمِر النبيّ –صلى الله عليه وسلم- أن يبيِّن أنّ عبادتَه قائمة على الإخلاص فقال له: (قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدّينَ) [الزمر:11].
وبذلك أمِرت جميع الأمَم؛ قال -جلّ وعلا-: (وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَوةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ) [البينة:5].
وأحقّ النّاسِ بشفاعةِ النبيّ –صلى الله عليه وسلم- يومَ القيامة من كان أخلصَهم لله؛ قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: مَن أسعد النّاس بشفاعتك يا رسول الله؟! قال: "مَن قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه". رواه البخاري.
والإخلاص مانعٌ -بإذن الله- من تسلّط الشيطان على العبد، قال سبحانه عن إبليس فالمخلص محفوظ باخلاصه لانه أراد وجه الله 
به رِفعة الدرجات وطَرق أبوابِ الخيرات، يقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: "إنك لن تُخلَّف فتعملَ عملاً تبتغي به وجهَ الله إلا ازدَدتَ به درجةً ورفعة". متفق عليه.
وإذا قوِي الإخلاص لله علَت منزلة العبدِ عند ربّه، يقول بكر المزني: "ما سبقَنا أبو بكر الصدّيق بكثير صلاةٍ ولا صيام، ولكنّه الإيمان وقَر في قلبه والنّصحُ لخلقه".
وهو سببٌ لتفريج الكروبِ وإجابة الدعوات ..المخلصُ لربّه مجابُ الدعوة؛ يقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "انطلقَ ثلاثة نفرٍ ممّن كان قبلَكم حتى آواهم المبيتُ إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرةٌ من الجبل فسدّت عليهم الغار، فقالوا: إنّه لا ينجّيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال كلّ واحدٍ منهم متوسّلاً إلى الله بصالح عملِه وإخلاصِه: اللهمّ إن كنتَ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك ففرّج عنّا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجَت فخرجوا يمشون". متفق عليه.
بتجريدِ الإخلاصِ تزول أحقادُ القلوب وضغائن الصدور، يقول النبيّ –صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثٌ لا يغلّ عليهنّ قلبُ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحةُ ولاة الأمر، ولزوم جماعةِ المسلمين". رواه أحمد.
في الإخلاصِ طمأنينة القلب، وشعورٌ بالسّعادة، وراحَةٌ من ذلّ الخلق، يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "مَن عرف الناس استراح". أي إنهم لا ينفعونه ولا يضرّونه.
وكلّ عملٍ لم يقصَد به وجه الله طاقة مهدَرَة، وسراب يضمحِلّ، وصاحبه لا للدنيا جمَع ولا للآخرة ارتفَع، يقول النبيّ –صلى الله عليه وسلم-: "إنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغِي به وجهه". رواه النسائي.
وإخلاص العملِ لله وخلوصُ النية له وصوابه أصلٌ في قبول الطاعات، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لا ينفع قولٌ وعمل إلا بنيّة، ولا ينفع قولٌ وعملٌ ونيّة إلا بما وافق السنة".
والإخلاصُ أن تكونَ نيّتك لله لا تريد غيرَ الله، لا سمعةً ولا رياءً ولا رِفعة عند أحدٍ ولا تزلّفًا، ولا تترقّب من الناس مدحًا، ولا تخشى منهم قَدحًا،
والله سبحانه غنيّ حميد، لا يرضى أن يشرِك العبد معه غيرَه، فإن أبى العبد إلا ذلك ردّ الله عليه عملَه، قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي: "قال الله -عزّ وجلّ-: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركتُه وشركَه". رواه مسلم.

أيّها المسلمون: العمل الصّالح -وإن كان كثيرًا مَع فسادِ النيّة- يورِد صاحبَه المهالك، فقد أخبر الله -عزّ وجلّ- عن المنافقين أنهم يصلّون وينفقون ويقاتِلون، وأخبر النبيّ –صلى الله عليه وسلم- عنهم أنهم يتلون كتابَ الله في قوله: "ومثل المنافقِ الذي يقرأ القرآن كالرّيحانة؛ ريحها طيّب وطعمُها مرّ". متفق عليه. 
ولفَقدِ صدقِهم في إخلاصهم قال الله عنهم: (إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء:145]، و"أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة قارئ القرآن والمجاهدُ والمتصدّق بماله"، الذين لم تكن أعمالهم خالصةً لله، وإنما فعلوا ذلك ليقال: فلانٌ قارئ، وفلان شجاع، وفلانٌ متصدِّق. رواه مسلم.

والعملُ -وإن كان يسيرًا- يتضاعف بحُسن النيّة والصدقِ والإخلاص، ويكون سببًا في دخول الجنات، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "مرّ رجل بغُصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله، لأنحِّينَّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخِل الجنة". رواه مسلم. "وامرأة بغيّ رأت كلبًا يطيف بركيّة كادَ يقتله العطش، فسقته بموقها ماءً فغفر الله لها". متفق عليه.
يقول عبد الله بن المبارك: "رُبّ عملٍ صغيرٍ تعظّمه النية، وربّ عملٍ كبيرٍ تصغّره النية". قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله: (واللَّهُ يُضَـاعِفُ لِمَن يَشَاء) [البقرة:261]: "أي: بحسب إخلاصه في عمله".
والواجبُ على العبدِ كثرة الصالحات مع إخلاصِ النيات، فكن سبّاقًا لكلّ عملٍ صالح، ولا تحقرنَّ أيَّ عملٍ تخلِص نيتَك فيه، فلا تعلم أيَّ عملٍ يكون سببًا لدخولك الجنات، ولا تستخفَّنَّ بأيّ معصية؛ فقد تكون سببًا في دخولك النار، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "دخلتِ امرأة النارَ في هرّةٍ حبستها، لا هيَ أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاشِ الأرض". متفق عليه.
والله -جلّ وعلا- متّصِف بالحمد والكرم، وإذا أحسنَ العبد القصدَ ولم تتهيّأ له أسباب العمل فإنّه يؤجَر على تلك النية، وإن لم يعمل، كرَمًا من الله وفضلاً، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَن سأل الله الشهادةَ بصدقٍ بلّغه الله منازلَ الشهداء، وإن مات على فراشه". رواه مسلم.
ويقول النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الرّجل الذي لا مالَ عنده وينوي الصّدقة: لو أنّ لي مالاً لعملتُ بعمل فلان، قال: "فهو بنيّته". رواه الترمذي. بل إن الهمَّ بعملٍ صالح يؤجَر عليه العبد، وإن تخلَّف العمل، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عندَه حسنةً كاملة". متفق عليه.
والمسلم يجعل نيّتَه صادقةً في كلّ خير، يقول عمر -رضي الله عنه-: "أفضلُ الأعمال صدقُ النيّة فيما عند الله، فإن صدَّق العمل النيةَ فذاك، وإن حِيل بين العمل والنية فلك ما نويتَ، ومن سرّه أن يكمُل له عملُه فليحسِن النية، فإنّ الله يأجر العبدَ إذا حسُنت نيته حتى بإطعامِ زوجته".

أيّها المسلمون: إذا قوِي الإخلاصُ وعظُمت النيّة وأخفِي العمل الصالح مما يشرَع فيه الإخفاء قرُب العبد من ربّه وأظلّه تحتَ ظلّ عرشه، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم-: "سبعةٌ يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه -وذكر منها-: رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلمَ شماله ما تنفِق يمينه". رواه مسلم.
وكلّما أخفِي العمل كان أقربَ إلى الإخلاص، قال -جلّ وعلا-: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَـاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) [البقرة:271]. يقول بِشر بن الحارث: "لا تعمَل لتُذكَر، اكتُم الحسنةَ كما تكتم السيئة".
وفُضِّلت نافِلة الليل على نافلة النّهار، واستغفارُ السّحر على غيره؛ لأنّ ذلك أبلغ في الإسرار وأقربُ إلى الإخلاص.
وإذا أخلصتَ في العمل ثمّ أثنى عليك الخلقُ وأنت غيرُ متطلِّع إلى مدحِهم فليس هذا من الرياء، إنما الرياءُ أن تزيّن عملَك من أجلهم، سُئل النبيّ صلى الله عليه وسلم- عن الرّجل يعمَل العمل من الخير يحمدُه الناس عليه، فقال: "تِلك عاجِل بشرى المؤمِن". رواه مسلم.
ومن كان يعمل صالحًا، ثمّ اطّلع الخلق على عملِه، فأحجم عن الاستمرار في تلك الطاعة ظنًّا منه أنّ فعلَه بحضرتهم رياءٌ، فذلك من حبائل الشيطان، فامضِ على فعلِك، يقول الفضيل بن عياض: "تركُ العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شِرك، والإخلاص أن يعافيَك الله منهما".
وبعضُ النّاس يظنّ أنّ الإخلاصَ مقصور على الصّلاة والصّدقة والحجّ دون غيرها من الأوامر، ومِن رحمة الله ورأفته بعبادِه أنّ الإخلاص يُستصحَب في جميع العبادات والمعاملات، ليُثابَ العبد على جميع حركاتِه وسكناته، فزيارة الجارِ وصلةُ الرحم وبرّ الوالدين هي مع الإخلاص عبادَة، وفي جانب المعاملات من الصّدق في البيع والشراء وحسنِ عشرة الزوجَة والاحتساب في إحسان تربية الأبناء، كلّ ذلك مع الإخلاص يُجازَى عليه بالإحسان، يقول النبيّ –صلى الله عليه وسلم-: "ولستَ تنفِق نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلا أجِرت عليها، حتى اللقمة تضعُها في في امرأتِك". متفق عليه.

أيّها المسلمون: الإخلاص عزيز، والنّاس يتفاضلون فيه تفاضلاً كبيرًا، ولتحصينه من آفةِ الرّياء والعُجب بالعمل الجأ إلى الله دومًا بالدّعاء أن تكونَ من عباده المخلَصين، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلّبها كيف يشاء، وكان أكثر دعاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "اللهمّ اجعل عملي كلَّه صالحًا، واجعله لوجهِك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئًا".
وأكثِر مِن مطالعة أخبار أهلِ الصدق والإخلاص، واقرَأ سيَر الصالحين الأسلاف، واحتَقِر كلّ عملٍ صالح تقدّمه، وكن خائفًا مِن عدم قبوله أو حبوطِه، فليس الشأن الإتيانَ بالطاعات فحسب، إنما الشأن في حفظها ممّا يبطِلها.
ومِن حفظِ العمل عدمُ العجب وعدم الفخر به، فازهَد في المدح والثناءِ، فليس أحدٌ ينفَع مدحُه ويضرُّ ذمّه إلا الله، والموفَّق من لا يتأثّر بثناء الناس، وإذا سمِع ثناءً لم يزِده ذلك إلا تواضعًا وخشية من الله، وأيقِن أنّ مدحَ الناس لك فتنة، فادعُ ربَّك أن ينجّيَك من تلك الفتنة، واستشعِر عظمةَ الله وضعفَ المخلوقين وعجزَهم وفقرهم، واستصحِب دومًا أنّ الناس لا يملِكون جنّة ولا نارًا ، وأنزِل الناسَ منزلة أصحابِ القبور في عدمِ جلبِ النفع لك ودفع الضرّ عنك، والنفوسُ تصلح بتذكّر مصيرها، ومن أيقنَ أنّه يوسَّد في اللّحد فريدًا أدرَك أنّه لن ينفعَه سوى إخلاصِه مع ربّه، وكان من دعاء السّلف: "اللهمّ إنّا نسألك العملَ الصالح وحفظَه".
الخطبة الثانية : 
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعريّ: (من خلُصت نيّته كفاه الله ما بينه وما بين الناس
وقال عليّ رضي الله عنه: (لا تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا للقَبول)
كان معروف
الكرخي رحمه الله تعالى يلومنفسه ويقول‏:‏ يا نفس أخلصي تتخلصي‏.‏ 
وقال سليمان‏:‏ طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا الله تعالى‏.‏ 
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى أبي موسى الأشعري‏:‏ من خلصت نيتهكفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس
وكتب بعض الأولياء إلى أخ له‏:‏ أخلص النية في أعمالك يكفك القليل من العمل‏.‏

يقول الحسن البصري : إن كان الرجل جمع القرآن ولما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة ولما يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته ولم يشعر الناس به، ولقد أدركت أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملونه في السر فيكون علانية أبداً.
لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم 
وهذا عون بن عبد الله يقول " إذا أعطيت المسكين شيئاً فقال : بارك الله فيك ، فقل أنت : بارك الله فيك . حتى تَخلُصَ لك صدقتك "

ومن عجائب المخلصين ما حصل لصاحب النفق
فقد حاصر المسلمون حصناً واشتد عليهم رمي الأعداء ، فقام أحد المسلمين وحفر نفقاً في السور فانتصر المسلمون، ولا يُعرَف من هو هذا الرجل، واختفى ذلك الرجل فلم يعرفه أحد ، فصار قائد المسلمين – مَسلمَة – يقول ويستحلف الناس : سألتكم بالله أن يخرج إلي صاحب النفق ، فلما كان الليل جاء رجل فاستأذن على حارس مسلمة ، فقال الحارس من هذا ؟ قال : رجل يدلكم على صاحب النفق ، فاذهب إلى صاحبك – يعني مسلمة – وأخبره وقل له يشترط عليك شرطاً ، وهو ألا تبحث عن بعد ذلك اليوم أبداً ، ولا تطلب رؤيته بعده ولا الكلام معه أبدا ،فقال مسلمه : لهُ شَرطُه فأخبروني عنه من هو ؟ فدخل الرجل – نفسه – وقال أنا هو.. وليَ ما اشترطتُ ، لا تسألني .. لا تبحث عني .. لا تدعني إلا مجلسك .. فاختفى بين الجند .
فكان مسلمة بعد ذلك يقول : " اللهم احشرني مع صاحب النفق "
وهذا عبد الله بن المبارك حينما خرج في غزو بلاد الروم فالتقى المسلمون بالعدو ، وخرج عِلجٌ من العدو يطلب المبارزة ويجول بين الصفين ، فخرج له رجل من المسلمين فقتله العلج ، وخرج ثاني فقتله ، وخرج الثالث فقتله ، 
فبرز له رجل آخر ، فصاوله ثم قَتَلَ العلجَ ، فاجتمع الناس عليه ينظرون من هو ؟ فجعل يغطي وجهه بكمه لئلا يعرفه أحد ، فجاءه رجل يقال له أبو عمر فرفع كمه عن وجهه ، فإذا هو عبد الله بن المبارك ، فقال عبد الله بن المبارك : " وأنت يا أبا عمر ممن يُشنع علينا" – ماهذه الشناعة في نظر ابن المبارك رحمه الله ؟! الشناعة أنه أظهر أن هذا هو البطل الباسل الذي تمكن من قتل هذا العلج الذي قتل عدداً من المسلمين – كان يغطي وجهه بكمه يريد وجه الله تعالى 
يقول محمد بن أعين وكان صاحب ابن المبارك في أسفاره : كنا ذات ليلة ونحن في غزو الروم ، فذهب عبد الله بن المبارك ليضع رأسه ليريني أنه ينام ، يقول فوضعت رأسي لأريه أني أنام كذلك ، قال: فظن أني قد نمت ، فقام فأخذ في صلاته ، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمُقُه ، فلما طلع الفجر أيقظني وظن أني نائم ، وقال : يا محمد ، فقلتُ: إني لم أنم ، فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يُكلمني ولا ينبسط إليّ في شيء من غزاته كلها ، كأنه لم يعجبه ذلك مني لما فطنت له من العمل ، فلم أزل أعرفها فيه حتى مات ، ولم أر رجلاً أسرَّ بالخير منه

وقد كان عمل الخلوة كان أحب إلى السلف من عمل الجلوة.)).

يقول محمد بن واسع التابعي: (( إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته لا تعلم)).

للإمام الماوردي قصة في الإخلاص في تصنيف الكتب، فقد ألف المؤلفات في التفسير والفقه وغير ذلك ولم يظهر شيء في حياته لما دنت وفاته قال لشخص يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي وإنما إذا عاينت الموت و وقعت في النزع فاجعل يدك في يدي فإن قبضت عليها فاعلم أنه لم يقبل مني شيء فاعمد إليها وألقها في دجلة بالليل وإذا بسطت يدي فاعلم أنها قبلت مني وأني ظفرت بما أرجوه من النية الخالصة، فلما حضرته الوفاة بسط يده ، فأظهرت كتبه بعد ذلك.
وكان علي بن الحسن يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين بالظلمة ، فالصدقة تطفيء غضب الرب، وكان أهل بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم ، فلما مات عرفوا، و رأوا على ظهره آثاراً مما كان ينقله من القرب والجرب بالليل فكان يعول 100 بيت
.تلك الأحوال والقصص أظهرها الله ليكون أصحابها أئمة (( واجعلنا للمتقين إماماً)).
وهكذا كان أحدهم يدخل في فراش زوجته فيخادعها فينسل لقيام الليل وهكذا صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله فكان يأخذ إفطاره ويتصدق به على المساكين ويأتي على العشاء..
وهذا أعرابي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أهاجر معك، فغنموا بعد خيبر وقسم للأعرابي وأصحابه وكان يرعى دوابهم فلما جاءوه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي وصلني؟ ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا بسهم فأموت فأدخل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم : ((إن تصدق الله يصدقك))، فلبثوا قليلاً وهاجموا العدو وأثاب الله الأعرابي كما طلب فقيل أهو أهو قال صلى الله عليه وسلم : (( صدق الله فصدقه)) فكُفِّن في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة (( اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك وقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك )).
4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق