( تطبيق حدود الله )
لقد شرع الله الشرائع ، وأرسل الرسل ، وبين المحجة للناس ، التي لا يزيغ عنها إلا هالك ،
وقد جعل الله شرعه متينا ، ينبي بعضه على بعض ، فليس للناس أن يتشهوا من الدين ما يعجبهم فيأخذوه ، ويتركوا ما سواه ، فقد عاب الله على الكفار ذلك فقال سبحانه ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) وقال سبحانه للمؤمنين : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )
عباد الله : من طبق شرع الله كما أمر الله ، وسن نبيه صلى الله عليه وسلم ، فستكون له السيادة والتمكين في الأرض ، وعد الله لا يخلف الله الميعاد ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ )
وإن الناظر للمسلمين في عصرنا هذا يرى بعدهم عن التمكين في الأرض ،وذلك لبعدهم عن تطبيق شرع الله تعالى ،
وكلما ابتعدوا عن الدين كلما نقص التمكين لهم ، وهم للأسف غافلون عن الطريق الصحيح للتمكين ، فتراهم يبحثون عنه في طرق أخرى بعيدة عن الدين .
معاشر المسلمين : لقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم الشرع في كل حياته ، فرسم للناس الطريق المستقيم الذي أراد من الخلق السير عليه ، وهو صراط الله الذي لا صراط غيره يدل الناس إلى رضوان الله والجنة والفلاح في الدارين.
فكان صلى الله عليه وسلم يطبق شرع الله على نفسه أولا ثم على أهله وذويه ثم الأقربين فالأقربين ، فلا استثناءات ولا شفاعات في شرع الله ، فالكل أمام شرع الله سواسية ،
وإن من أهم ما حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تطبيقه ، وحث الناس على إقامته على كل أحد ، تنفيذ الحدود الشرعية التي حدها الله تعالى للناس ، والتي بها قوام حياتهم ، وبها يرسو الأمن ، ويأمن الناس على أعراضهم وأموالهم ،
فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ» ؟!، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
هكذا أكد النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة جمعاء أن تطبيق الحدود فرض على الأمة ولو كان الذي يقام عليه الحد أشرف الناس ، فشرع الله فوق كل أحد ، وبهذا قامت السموات والأرض .
معاشر المسلمين : يقول سبحانه ( ولكم في القصاص حياة ) فتطبيق الشرع في القصاص بين الناس سواء في النفس أو في الجوارح والبدن ، حياة للناس ، لأن القتل ينفي القتل ، ومتى علم الجاني أنه سيقتص منه ، ارتدع عن جريمته ، وهاب الشرع
ولهذا كان الناس في الجاهلية كالرعاع ، لا يردهم شيء ، القوي يأكل الضعيف ، لا عدل ولا نصرة لمظلوم ، فكانت حياتهم بهيمية ، يسودها الخوف والرعب والجوع ،
ولقد من الله على هذه الأمة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما بعثه به من الشرع القويم ، الذي من طبقه نجى وأفلح ، ومن عارضه ونابذه خاب وخسر .
إن من شرع الله القصاص في الأرواح كما قال سبحانه ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
وكذلك شرع القصاص فيما دون ذلك في الجوارح فقال سبحانه (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)
وشرع الله الديات ، والأحكام الأسرية والأنكحة ، فلم يترك لمتطفل على الشرع طريقا ، ثم قال سبحانه ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)
فلا شرع تصلح معه الحياة غير شرع الله ، ومن نظر إلى الأمم المتخبطة يمنة ويسرة ، ممن يطبقون الأنظمة والقوانين الوضعية ، رأى كيف فقدوا الأمن ، وتعطلت المصالح ، وضاعت الحقوق ، وإن هذا من اتباع خطوات الشيطان ، كما قال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين )
الخطبة الثانية :
أما بعد أيها الإخوة اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.. واعلموا أن خطرَ الفكرِ الضال واعتناقِ المناهج والمعتقدات المنحرفة، وتقديمِ الولاء لجهات خارجية لا يقتصر على معتنقيه، وإنما يعم الأمة بضرره وخطره؛ فيزعزع أمنها ويبث الفوضى فيها، ويسهل ويغري معتنقيه بالخروج على ولاة أمر بلادهم.
وهذا الانتساب يؤدي لا محالة بمعتنقيه لتنفيذ جريمة القتل العمد بأنفسٍ معصومة من رجال الأمن الذين يقومون بحراسة أمن هذا البلد وربما تعدى لغيرهم..
وتناسوا في غمرة ضلالهم أَنَّ قتلَ الأَنفسِ من كبائر الذنوب بعد الشرك بالله وأنه مِنْ السَّبْعِ الـمُوبِقَاتِ، وهو حرامٌ بكتاب اللهِ حرامٌ بسنةِ رسولِ الله وبإجماع الأمة، وقد توعد اللهُ ورسولُه مقترفه بأعظمِ وعيد فقال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]
وقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ «لَنْ يَزَالَ الـمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» وَقَالَ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ» رواه البخاري [فِي فُسْحَةٍ] أي سَعَةٍ من دينه يرتجى رحمة الله ولطفه، ولو باشر الكبائر سوى القتل، فإذا قتل ضاقت عليه ودخل في زمرة الآيسين من رحمة الله تعالى
وقَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً». رواه أبو داود عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ وصححه الألباني.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الكَبَائِرَ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ فَقَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ..» رواه البخاري.
واستحلال جريمة القتل سبب لبث الخوف والذعر والفرقة بين المواطنين، ويَسُرُ كلَ عدوٍ ويُفْرِحُهُ.. ثم إن أمن هذا البلد ليس أمناً للمواطنين والمقيمين فيها، بل هو أمن لأمة الإسلام قاطبة التي تؤم هذه البلاد للحج والعمرة والزيارة..
عباد الله : الكل سمع بتطبيق الحدود على الجناة الذي خالفوا شرع الله ، وإن هذا لمن رحمة الله بالعباد ، أن يسر لولاة الأمر إقامة شرع الله وتطبيق الحدود على المخالفين للشرع ، وعدم الالتفات لمن نعق وصاح منددا بذلك ، فلا هوادة في تطبيق الحدود ، فبها قوام الحياة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق