( صلاة الجماعة )
فَأَرعُونِي قلوبكم وأسماعكم جيدا، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هدى الله، وأولئك هم المفلحون.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الذي يتخلف عن صلاة الجماعة، وهو قادر على إتيانها فهو على خطر عظيم وتفريط كبير ...
قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم: 42 - 43].
وهذا يوم القيامة يغشاهم ذلُّ الندامة، لأنهم كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود، فلا يسجدون..
قال إبراهيم التيمي: «يدعون إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة فيأبونه».
وقال سعيد بن جبير: «كانوا يسمعون حيَّ على الفلاح فلا يجيئون».
وقال كعب الأحبار: «والله ما نزلت هذه الآية إلّا في الذين يتخلّفون عن الجماعات».
ولم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى أن يصلي في بيته، ويترك صلاة الجماعة.
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى المسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ».
وروى أبو داود بسند صحيح عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ..وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟، قَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً».
ولقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم تحريق بيوت الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة واجبة.
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ، فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ، أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ "
ولا يتوعد بحرق بيوتهم عليهم إلا على ترك واجب مع ما في البيوت من الذرية والمتاع..
وروى أبو داود بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَتِي فَيَجْمَعُوا حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ ".
والذين يتأخرون عن صلاة الجماعة يؤخرهم الله يوم القيامة في نار جهنمَ.
روى أبو داود بسند صحيح عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ فِي النَّارِ». رواه أبو داوود وصححه الالباني
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «لأن تمتلئ أذن ابن آدم رَصَاصا مذابا خيرٌ له من أن يسمع النداء، ولا يجيب».
ومن تخلف عن صلاة الجماعة بدون عذر فإن الله عز وجل يختم على قلبه.
روى النسائي بسند صحيح عن ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم، أَنَّهُمَا سَمِعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجَمَاعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ». صححه الالباني
ومن علامات النفاق التخلف عن صلاة الجماعة.
روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مَسْعودٍ رضي الله عنه، قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ،
وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ المسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ».
وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى المنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».
وآخر عرى الإسلام نقضاً الصلاة :
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لتُنقضنَّ عُرى الإسلام عروةً عروة، فكلَّما انتقضَت عروة تشبَّث الناسُ بالتي تَليها؛ فأولهنَّ نقضًا الحُكم، وآخرهنَّ الصَّلاة))؛ رواه ابن حبان في صحيحه. صحيح الجامع للالباني
والنائم عن الصلاة متوعد بعذاب في القبر – نسال الله السلامة والعافية - :
حديثُ رؤيا النَّبي صلى الله عليه وسلم الطويلُ، وجاء فيه: ((أتاني الليلةَ آتيانِ، وإنَّهما ابتعثاني، وإنَّهما قالا لي: انطلِق، وإنِّي انطلقتُ معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مضطجع، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصَّخرة لرأسه فيثلَغُ رأسَه، فيتدَهْدَه الحجَر ها هنا، فيتبع الحجرَ فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصحَّ رأسه كما كان، ثمَّ يعود عليه فيفعل به مثلَ ما فعل به في المرة الأولى، ثمَّ قالا له: أمَّا الرجل الأول الذي أتيتَ عليه يُثلغ رأسُه بالحجر، فإنَّه الرجل يأخذ القرآنَ، فيَرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة))؛ رواه البخاري
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "مَن سَمع المنادي فلم يجِب، لم يرِدْ خيرًا، ولم يُرَد به خير".
الخطبة الثانية :
قال سعيد بن المسيب: «ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة، إلا وأنا في المسجد».
وقال ربيعة بن يزيد: «ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضا أو مسافرا».
وقال مصعب بن الزبير: «سمع عامر المؤذن وهو يجود بنفسه-أي في مرض موته-، فقال: خذوا بيدي.
فقيل: إنك عليل!
قال: أسمع داعي الله، فلا أجيبه.
فأخذوا بيده، فدخل مع الإمام في المغرب، فركع ركعة، ثم مات».
وقال: أَبُو حَيَّانَ: قَالَ أَبِي: كَانَ الرَّبِيعُ بَعْدَمَا سَقَطَ شِقُّهِ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ إِلَى مَسْجِدِ قَوْمِهِ وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ يَقُولُونَ: يَا أَبَا يَزِيدَ لَقَدْ رَخَّصَ اللهُ لَكَ لَوْ صَلَّيْتَ فِي بَيْتِكَ، فَيَقُولُ: «إِنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يُنَادِي حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَمَنْ سَمِعَهُ مِنْكُمْ يُنَادِي حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَلْيُجِبْهُ وَلَوْ زَحْفًا وَلَوْ حَبْوًا»
.
وقال محمد بن المبارك الصوري: «كان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى».
وكان بعض السلف يقول: «ما فاتت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب أصابه».
وقال عبيد الله بن عمر القواريري: «لم تكن تفوتني صلاة العشاء في الجماعة قطُّ، فنزل بي ليلة ضيف، فشُغِلتُ بسببه، وفاتتني صلاة العشاء في الجماعة، فخرجت أطلبُ الصلاة في مساجد البصرة، فوجدت الناس كلَّهم قد صلَّوا، وغلقت المساجد، فرجعت إلى بيتي، وقلت: قد ورد في الحديث أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، فصليت العشاء سبعا وعشرين مرة، ثم نمتُ، فرأيتُ في المنام كأني مع قوم على خيل، وأنا أيضا على فرس، ونحن نستبق، وأنا أركض فرسي، فلا ألحقُهم، فالتفتَ إليَّ أحدهم، فقال لي: لا تُتْعِب فرسَك، فلستَ تلحقَنا.
قلت: ولم؟
قال: لأنا صلينا العشاء في جماعة، وأنت صليت وحدك.
فانتبهتُ، وأنا مغمومٌ حزين لذلك» .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق