إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 12 مايو 2021

خطبة عيد الفطر المبارك -١٤٤٢ هـ

 الخطبة الأولى:

 

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: الْزَمُوا التَّقْوَى؛ فَهِيَ خَيْرُ زَادٍ لِمَعَادِكُمْ، وَتَدَثَّرُوا بِالْحَيَاءِ؛ فَهُوَ خَيْرُ لِبَاسٍ لَكُمْ، وَاجْتَنِبُوا مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ يَوْمًا مُلَاقُوهُ؛ فَيَا بُشْرَى الْمُؤْمِنِينَ، وَيَا نَدَامَةَ الْمُفَرِّطِينَ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: قَبْلَ أَيَّامٍ أَدْرَكْتُمُوهُ فَبَارَكْتُمْ بُلُوغَهُ، وَبِغُرُوبِ شَمْسِ أَمْسِ شَهِدْتُمْ وَدَاعَهُ، وَفِي الْقَلْبِ كَمَدٌ، وَفِي الْعَيْنِ دَمْعَةٌ، وَفِي الْحَلْقِ غُصَّةٌ؛

ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِهِ وَحَتَّى خُرُوجِكُمْ لِصَلَاتِكُمْ هَذِهِ بِالصَّوْتِ مُكَبِّرِينَ، وَلِإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ شَاكِرِينَ، وَلِتَوْفِيقِ اللَّهِ لَكُمْ حَامِدِينَ؛ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 185]

هَذَا يَوْمُ الْبُشْرَيَاتِ، وَهُوَ يَوْمُ الْأُعْطِيَاتِ، وَمَوْسِمُ الْمَكْرُمَاتِ؛ فَحُقَّ لَكُمْ فِيهِ أَنْ تَفْرَحُوا، وَلَكُمْ فِيهِ أَنْ تَسْتَبْشِرُوا؛ أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّكُمْ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ".

 فَلْتَفْرَحُوا وَلْتَطِيبُوا نَفْسًا وَلْتَهْنَؤُوا قَلْبًا؛ أَوَلَيْسَ قَدْ أَدْرَكْتُمْ شَهْرَ النَّفَحَاتِ وَالْعَطَايَا وَالْهِبَاتِ، وَأَكْمَلْتُمْ عِدَّةَ صِيَامِهِ، وَأَدْرَكْتُمْ فَضْلَ قِيَامِهِ، وَتَلَوْتُمْ آيَاتِ كِتَابِهِ، وَاغْتَنَمْتُمْ سَاعَاتِ نَهَارِهِ وَلَيَالِيهِ فِي مَرْضَاتِهِ وَالْإِحْسَانِ لِعِبَادِهِ؛ ثُمَّ أَنْتُمُ الْيَوْمَ تَفْرَحُونَ بِفِطْرِكُمْ؛ 

وَفِي الْقِيَامَةِ تَفْرَحُونَ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ وَتَرَوْنَ حَصَادَ طَاعَتِكُمْ وَصَبْرِكُمْ؛ وَتُجْزَوْنَ مِنْ جِنْسِ مَا عَمِلْتُمْ، 

وَهُنَاكَ يَخْتَصُّ اللَّهُ الصَّائِمِينَ بِالرَّيَّانِ؛ فَعَنْ سَهْلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخَلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ...".

 فَهَنِيئًا لِأُولَئِكَ النُّبَلَاءِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا ضِيَافَتَهُ وَقَدَرُوا وِفَادَتَهُ؛ فَاغْتَنَمُوا سَاعَاتِهِ وَاسْتَغَلُّوا لَيَالِيَهُ؛ فَكَانَ الْقُرْآنُ جَلِيسَهُمْ، وَالصَّلَاةُ قُرَّةَ عُيُونِهِمْ، وَالصَّدَقَةُ سَلْوَتَهُمْ، وَالْخَلْوَةُ أَنِيسَهُمْ، وَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ حَدِيثَهُمْ، وَالْمَسَاجِدُ رُوحَانِيَّتَهُمْ، وَالْمُنَاجَاةُ مُتَنَفَّسَهُمْ.

 وَيَا لَخَسَارَةِ أُولَئِكَ الْمُفَرِّطِينَ ...وَلِهَؤُلَاءِ أَقُولُ: مَتَى تَرْجِعُونَ إِلَى اللَّهِ وَتَسْتَعِدُّونَ لِلِقَائِهِ وَالْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ؟! إِنَّ يَوْمَ السُّؤَالِ يَنْتَظِرُكُمْ فَهَلْ نَسِيتُمُوهُ؟! (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)[الصَّافَّاتِ: 24].

 اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ... اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَحَلَ ضَيْفُنَا وَفَكَّ أَشْرِعَتَهُ وَحَزَمَ أَمْتِعَتَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ مَعَنَا قَضَاهَا؛ عَاشَرَ فِيهَا الْكِرَامَ وَرَأَى فِيهَا أقواماً مفرطين، 

وَلَسْتُ أَدْرِي مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ نَحْنُ! نَعَمْ؛ لَقَدْ رَحَلَ وَحَمَلَ مَعَهُ تَفَاصِيلَ إِقَامَتِهِ، وَغَدًا يَوْمَ الْعَرَصَاتِ نَحْنُ عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ الدَّيَّانِ لِاسْتِعْرَاضِ تِلْكَ التَّقَارِيرِ؛ (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الْإِسْرَاءِ: 14]؛ فَمِنْ نَاجٍ مَسْرُورٍ، وَمِنْ خَاسِرٍ مَحْزُونٍ.

عِبَادَ اللَّهِ: وَسَوَاءٌ أَحْسَنَ مِنَّا مَنْ أَحْسَنَ أَوْ أَسَاءَ مَنْ أَسَاءَ؛ 

فَالْأَهَمُّ مِنْ هَذَا أَنَّ نِعْمَةً أُخْرَى رُزِقْنَاهَا وَفَضْلًا آخَرَ مُنِحْنَاهُ؛ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَانَا فُرْصَةً أُخْرَى، 

وَجَعَلَ لَنَا فِي الْعُمْرِ بَقِيَّةً، فَفِي الْوَقْتِ مُتَّسَعٌ، وَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ؛ وَالْفُرْصَةُ سَانِحَةٌ، وَالْأَمْرُ إِلَيْكَ، وَالْقَرَارُ بَيْنَ يَدَيْكَ؛ فَالتَّوْبَةَ التَّوْبَةَ، وَالْأَوْبَةَ الْأَوْبَةَ قَبْلَ؛ (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)[الزُّمَرِ: 56].

 اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ،... اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 قُلْتُ مَا قَدْ سَمِعْتُمْ، وَلِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ...

 

الخطبة الثانية:

 اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 عِبَادَ اللَّهِ: أَطِيعُوا رَبَّكُمْ، وَاتَّبِعُوا نَبِيَّكُمْ، وَاسْمَعُوا لِوُلَاةِ أَمْرِكُمْ، وَحَافِظُوا عَلَى أَمْنِكُمْ، وَاحْرُسُوا أَرْضَكُمْ وَوَحْدَتَكُمْ، وَاشْكُرُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

 بَرُّوا آبَاءَكُمْ وَارْعَوْا حُقُوقَهُمْ؛ فَعُقُوقُهُمْ وَأْدٌ لِلْمَعْرُوفِ، وَنُكْرَانٌ لِلْجَمِيلِ، 

وَأَحْسِنُوا تَرْبِيَةَ أَبْنَائِكُمْ؛ فَهُمْ أَمَانَةُ اللَّهِ فِي أَعْنَاقِكُمْ، أَحِيطُوهُمْ بِالنُّصْحِ وَالتَّوْجِيهِ، وَاحْفَظُوهُمْ مِنْ مَوَاطِنِ الرَّدَى وَمَهَاوِي الشَّرِّ وَالتِّيهِ، 

صُونُوا أَعْرَاضَكُمْ، وَأَحْسِنُوا عِشْرَةَ زَوْجَاتِكُمْ، وَقُومُوا عَلَيْهِنَّ خَيْرَ قِيَامٍ؛ نُصْحًا وَتَوْجِيهًا.

 صِلُوا أَرَحَامَكُمْ؛ فَالْقَطِيعَةُ غَضَبٌ وَلَعْنَةٌ وَمَحْقُ بَرَكَةٍ، 

وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ؛ فَفِي أَذَاهُمْ إِثْمٌ وَشَنَاعَةٌ،

وَعَلَيْكُمْ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَاخْتِيَارِ الْجَلِيسِ،

وَاحْفَظُوا الْأَمَانَةَ فَفِي تَضْيِيعِهَا نَقْصُ كَرَامَةٍ، وَفِي الْأُخْرَى خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ.

 احْمُوا جِدَارَ الْعَفَافِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، وَدَافِعُوا عَنِ الْحَيَاءِ قَبْلَ خُدُوشِهِ، 

وَاعْلَمُوا أَنَّ الْغَيْرَةَ عَلَى الْحُرُمَاتِ شَرَفٌ، وَالتَّنَازُلَ عَنْهَا خِسَّةٌ وَدِيَاثَةٌ.

 ثُمَّ أَنْتُنَّ يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ: تَذَكَّرْنَ أَنَّ "مَنْ أَطَاعَتْ رَبَّهَا، وَصَلَّتْ فَرْضَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، دَخَلَتِ الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِهَا شَاءَتْ"؛ فَأَيُّ نَعِيمٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا! وَأَيُّ غَايَةٍ مَقْصُودَةٍ أَشْرَفُ مِنْ دُخُولِ جَنَّةِ النَّعِيمِ، وَرُؤْيَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ!

 تَصَدَّقْنَ؛ فَالصَّدَقَةُ بَلْسَمٌ لِلزَّلَّاتِ وَلَقَاحٌ لِلْعَثَرَاتِ، 

الْتَزِمْنَ الْحِجَابَ، وَأَقْفِلْنَ فِي وُجُوهِ الْمُتَرَبِّصِينَ الْبَابَ؛ فَالْحِجَابُ تَوْجِيهُ رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَتَوْصِيَةُ سَيِّدِ الْأَحْبَابِ، وَهُوَ سَتْرٌ وَصَوْنٌ، وَالْقَرَارُ فِي الْبُيُوتِ كَرَامَةٌ وَعَوْنٌ، 

ثُمَّ إِنَّ بَنَاتِكُنَّ عِنْدَكُنَّ أَمَانَةٌ، فَكُنَّ لَهُنَّ قُدْوَةً وَحَصَانَةً، عَوِّدْنَهُنَّ الصَّلَاةَ وَالْحَيَاءَ وَالْحِشْمَةَ وَالسَّتْرَ وَحِفْظَ النِّعْمَةِ؛ فَـ (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْأَنْفَالِ: 27].

 مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ الْعَبْدَ الرَّاغِبَ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يَرْبُطُهُ زَمَانٌ وَلَا يَحُدُّهُ مَكَانٌ وَلَا يُقْعِدُهُ حَالٌ عَنِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَمَرْضَاتِهِ؛ فَهُوَ لَا يَشْبَعُ مِنْ طَاعَةٍ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَ قُرْبَةٍ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ، وَيَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةَ؛ فَهُوَ -دَائِمًا- يُحَقِّقُ قَوْلَ اللَّهِ -جَلَّ جَلَالُهُ-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الْحِجْرِ: 99]، وَهُوَ دَوْمًا يَتَمَثَّلُ قَوْلَ الْحَقِّ -سُبْحَانَهُ-: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)[الْبَقَرَةِ: 148].

وباب مفتوح لكم الان فلا تضيعوه : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال ، كان كصيام الدهر ) رواه مسلم 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق