( فضل الصدقة )
الخطبة الأولى
|
اعلموا ـ عباد الله ـ أن الصدقة باب للرزق فلا تغلقوه، وطريق للخير فلا تنكبوه، اطلبوا الرزق الواسع بها، فبها يبارك الله لك في رزقك القليل،
والرسول الكريم
![]() ![]()
فأنت بصدقتك أدخلت السرور والفرح على أهل بيت ضاقت بهم السبل واشتد عليهم الكرب، فجاءت صدقتك نورًا وأملاً يبدد ظلامهم الدامس ويأسهم القاتل، فالله سبحانه حقيق أن يبدد من حولك الظلمات، ويدخل على قلبك السعادة والأمل. فمن يُعطِ باليد القصيرة يُعطَ باليد المبسوطة، ويدك بالتأكيد هي اليد القصيرة، ويد مولاك سبحانه هي المبسوطة العظيمة.
استنزلوا الرزق بالصدقة، فقد فرض الله الزكاة تسبيبًا للرزق، فلا تبخل بحق الله في مالك، فهو الواهب وهو المانح، فإن مَنَعتَ مُنِعْتَ، فأي المنْعَيْن أشدّ؟! فإنّ لله في كل نعمة حقًا، فمن أداه زاده منها، ومن قصّر عنه خاطر بزوال نعمته.
الزكاة تحصين، والصدقة حفظ، والعطاء زيادة، والبذل سيادة. سوسوا إيمانكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء. استنزلوا الرزق بالصدقة، والمعنى: إذا افتقرتم وأعسرتم فتصدقوا بالقليل الذي تملكون، فإن الله يعطف الرزق عليكم بالصدقة، فكأنكم عاملتم الله بالتجارة، وإنها لتجارة رابحة، وها هنا أسرار لا تعلم.
فأين المتاجرون بالصدقات؟! أين المتاجرون بالبذل والإنفاق؟! أين المتاجرون بدفع الزّكوات؟! أين الذين يتاجرون في هذا كله مع الله؟! وهل يخسر تاجر يتاجر في تجارة مع الواسع العليم؟!
![]() ![]()
فاستنزلوا الرزق بالصدقة، فقهٌ ينبغي له أن يحيَا فينا، فيتبوأ مكانًا عليًا، ويتصدر فهمنا، ويحكم سلوكنا، ويتوّج عرش قلوبنا، حتى نتخلّص من شحّ نفوسنا وسوء ظننا. قال الله تعالى آمرًا نبيه:
![]() ![]()
ويقول جل وعلا:
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
ومن الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله
![]()
عباد الله، إن للصدقة فضائل وفوائد:
أولاً: أنها تطفئ غضبَ الله سبحانه وتعالى، كما في قوله
![]()
ثانيًا: أنها تمحو الخطيئة وتذهب نارها، كما في قوله
![]()
ثالثًا: أنها وقاية من النار، كما في قوله
![]()
رابعًا: أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة، كما في حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله
![]() ![]()
خامسًا: أن في الصدقة دواء للأمراض البدنية، كما في قوله
![]()
سادسًا: إن فيها دواء للأمراض القلبية، كما في قوله
![]()
سابعًا: أن الله يدفع بالصدقة أنواعًا من البلاء، كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل التي أخبرنا بها رسول الله
![]()
فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض مقرون به لأنهم قد جربوه.
ثامنًا: أن المنفق يدعو له الملك كلّ يوم بخلاف الممسك، وفي ذلك يقول
![]()
تاسعًا: أن صاحب الصدقة يبارك له في ماله، كما أخبر النبي عن ذلك بقوله: ((ما نقصت صدقة من مال)) رواه مسلم.
عاشرًا: أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به، كما في قوله تعالى:
![]() ![]()
الحادي عشر: أن الله يضاعف للمتصدق أجره، كما في قوله عز وجل:
![]() ![]() ![]() ![]()
الثاني عشر: أن صاحبها يدعى من باب خاصّ من أبواب الجنة، يقال له: باب الصدقة، كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله
![]()
الثالث عشر: أنها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد أوجب ذلك لصاحبه الجنة، كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله
![]()
الرابع عشر: أن فيها انشراح الصدر وراحة القلب وطمأنينته،. فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح بها صدره،
الخامس عشر: أنَّ النبَّي جعل الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به، وذلك في قوله: ((لا حسد إلا في اثنين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل والنهار)). فكيف إذا وفق الله عبده إلى الجمع بين ذلك كله؟! نسأل الله الكريم من فضله.
السادس عشر: أنَّ الصدقة مطهرة للمال، تخلصه من الدَّخن الذي يصيبه من جراء اللغو والحلف والكذب والغفلة، فقد كان النَّبي
![]() |
عباد الله، أيها المسلمون، ما هي أفضل الصدقات؟
أولاً: الصدقة الخفية؛ لأنَّها أقرب إلى الإخلاص من المعلَنة، وفي ذلك يقول جل وعلا:
![]() ![]()
ثانيًا: الصدقةُ في حال الصحة والقوة أفضل من الوصية بعد الموت أو حال المرض والاحتضار، كما في قوله
![]()
ثالثا: بذل الإنسان ما يستطيعه ويطيقه مع القلة والحاجة؛ لقوله
![]() ![]()
رابعا: الإنفاق على الأولاد كما في قوله
![]() ![]()
خامسا: الصدقة على القريب، كان أبو طلحة أكثر أنصاريّ بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ. قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية:
![]() ![]() ![]() ![]()
وقال
![]() ![]()
سادسًا: الصَّدقة على الجار؛ فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله:
![]() ![]()
سابعًا: النفقة في الجهاد في سبيل الله، سواء كان جهادًا للكفار أو المنافقين، فإنه من أعظم ما بُذلت فيه الأموال؛ فإن الله أمر بذلك في غير ما موضع من كتابه، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات، ومن ذلك قوله سبحانه:
![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
ثامنًا: الصدقة الجارية؛ وهي ما يبقى بعد موت العبد ويستمر أجره عليه، لقوله
![]()
الخطبة الثانية :
فيا من أنعم الله عليهم بالأموال، قدموا لأنفسكم من أموالكم ما تؤمّنون به مستقبلكم الحقيقي، واشتروا منازلكم في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء، في نعيم لا يَبِيد وقصر مَشِيد،
![]() ![]() ![]() ![]()
أيها المسلمون، لو قرأ أحدنا إعلانًا في جريدة أو صحيفة أو عُرِض عليه الاشتراك في مساهمة أو صفقة تجارية يكون ربحه فيها عشرة أو عشرين أو خمسين بالمائة لبذل النفس والنفيس ليشترك فيها، ولاجتهد أن لا تفوته هذه الفرصة، مع علمه أن الأمر مغامرة ومخاطرة، وأنه قد يربح وقد يخسر، ولكنه يتجاهل ذلك كله، ويغض الطرف عنه، ويصبّر نفسه، ويقنّعها بالمساهمة، كل ذلك من أجل حَفْنة من المال يحصلها وينميها، ثم لعله أن يدركه الموت قبل أن يذوق لها طعمًا أو يرى لها نتاجًا، ويكون عليه بعد ذلك حسابها وغرمها، ويكون لغيره من الورثة عائدها وغنمها.
فما بالنا ـ أيها الإخوة ـ نقرأ كثيرًا، ونُدعى بين فينة وأخرى إلى مساهمة لا مثيل لها في أرباحها الكثيرة وضماناتها التي لا تَتَخَلّف ولا تُخْلَف، إنها مساهمة يكون الربح فيها سبعين ألفًا في المائة، نعم إخوة الإيمان، سبعين ألفًا بالمائة، بل أكثر من ذلك بكثير، ثم لا نرى المساهمين فيها إلا قليلاً، أليس هذا غَبْنًا فاحشًا وخسارة فادحة؟!
فإن الله سبحانه هو الذي ضمن لنا هذا الربح، وتكفّل لنا به، بل ودعانا إليه، ورغّبنا فيه، وهو الذي لا يخلف الميعاد، ألم يقل سبحانه في محكم كتابه:
![]() ![]()
ألم يبلغنا قول الناصح الحبيب
![]()
فيا لها من أرباح عظيمة عظيمة! ويا له من كرم ما بعده كرم! يتصدق العبد بتمرة أو مثلها من كسب حلال فيقبلها الله تعالى ويربّيها له وينميها حتى تكون مثل الجبل، والله إنه لخير عظيم وفضل عميم، لا ينبغي لإنسان أن يسمع به ثم يزهد فيه، ولا لصاحب مال مهما قلَّ يبلغه هذا الفضل ثم يمسك ماله عن الإنفاق في سبيل الله، ولكنها ـ ورب الكعبة ـ نفوس بني آدم الضعيفة، والبخل والشح الذي أهلك من كان قبلنا.
واسمعوا ـ رحمكم الله ـ إلى ما ورد في خطر الشح والبخل لعلكم تتعظون، قال الله جل وعلا:
![]() ![]()
وقال
![]()
أفبعد هذا كله يهنأ إنسان أو يرضى أن يتصف بالبخل والشح، وأن يمسك ماله ولا ينفقه في وجوه الخير وأعمال البر؟!
لا نظن ذلك يحصل من عبد تغلغل الإيمان في قلبه، وملأه حب الله ورسوله والدار الآخرة، ولكنه الشيطان ـ أبعده الله ـ يعد ضعاف الإيمان بالفقر ويخوفهم منه:
![]() ![]()
ألا فليتق الله من يخشى الفقر بسبب الإنفاق في سبيل الله، فإن الله عز وجل قد تكفل للمنفق في سبيله أن يرد إليه ماله، ويخلفه عليه، ويوفيه أجره غير منقوص، يقول تعالى:
![]() ![]()
ويقول
![]()
عباد الله : الساعي على المحتاجين كالمجاهدِ والعابد، قال
![]() ![]() ![]()
في مجالستِهم نماءُ المال وصفاءُ النفس وزهدٌ في الدنيا وتذكير بالنِّعم وشَحذٌ للهمم إلى الآخرة، في القُرب منهم تتفتَّح أبواب الرّزق، يقول عليه الصلاة والسلام: ((قال الله عز وجل: أَنْفِقْ أُنْفِق عليك)) رواه البخاري، وبهم تدفَع الآفاتُ والشرور، قال عليه الصلاة والسلام: ((هل تنصَرون وترزَقون إلا بضعفائكم؟!)) رواه البخاري، قال المناوي رحمه الله: "بسبَبِ كونِهم بين أظهرِكم، أو بِسبب رِعايَتِكم ذِمامَهم، أو ببَركة دعائهم".
أيها المسلمون، لقد كان نبيكم
![]()
عن أنس
![]() ![]()
وحدّث أبو ذر قال: كنت أمشي مع النبي
![]()
ولقد خرج أبو بكر
![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
قال
![]()
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك وبطاعتك عن معصيتك، اللهم قوِّ إيماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا يا رب العالمين.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق