إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 6 فبراير 2020

وما يعلم جنود ربك الا هو

( وما يعلم جنود ربك الا هو ) 
فإن ربك هو القوي المتعالوَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ الزمر: 67.

هو الله الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، ويرزق من في السماوات والأرض، ويملك السمع والأبصار والأفئدة، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويدبر الأمر )بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ( المؤمنون: 88  الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (  الفرقان: 2.

 عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، وسبحت بحمده الأرض والسماوات، وجميع الموجودات، فهو بارئ البريات، وعالم الخفيات، والمطلع على الضمائر والنيات، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا الطلاق: 12.

 ووسع كل شيء رحمة وحلما، وقهر كل مخلوق عزة وحكما يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا طه: 110، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ الأنعام: 103. …..ولا تغيره الأعصاروَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ الرعد: 8.
وهو الملك لا شريك له، والصمد فلا ند لهكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ القصص: 88لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يجيب المضطر، ويكشف الضر، فسبحانه وبحمده، وهو التواب الرحيم، ذو الفضل العظيم، العزيز الحكيم،
ابتلى إبراهيم بكلمات، وسمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا، فوهبه على الكبر يحيى هاديا مهديا، وحنانا من لدنه وكان تقيا، وأزال الكرب عن أيوب، والان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورفع إليه عيسى، وشق القمر لمحمد ، نجا هوداً وأهلك قومه، ونجا صالحاً من القوم الظالمين، فأصبح قومه في ديارهم جاثمين، وجعل النار برداً وسلاما على إبراهيم، وفدى ولده إسماعيل بذبح عظيم، وجعل عيسى وأمه آية للعالمين، ونجا لوطاً من القرية التي كانت تعمل الخبائث، ونجا شعيباً برحمته، وأغرق فرعون وقومه، وخسف بقارون داره، ونجا يوسف من غيابة الجب، وجعله على خزائن الأرض، ونصر نوح من قبل على القوم الكافرين، ونجاه وأهله من الكرب العظيم، أرغم أنوف الطغاة، وخفض رؤوس الظلمة، ومزق شمل الجبابرة، ودمر سد مأرب، وأهلك النمرود وجنوده، وهزم أبرهة بطير أبابيل ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ المدثر: 31.
فلله الجنود جنود السماوات والأرض ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ (  المدثر: 31 أي لا يعلم عددهم وكثرتهم إلا الله:

جنوده من المؤمنين، ومن حزبه المفلحين، وجنوده من الملائكة الذين ملأوا السماوات العلى
عباد الله: إن لله جنوداً عظيمة، فمن تلك الجنود التي لله -سبحانه وتعالى- مخلوقات، وظواهر يسميها الناس طبيعية، قال عز وجلفَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا الأحزاب: 9.

فالريح من جند الله -تعالىسلطها على الأحزاب ففرق شملهم، وشتت جمعهم، فهبت تلك الريح العظيمة على معسكرهم، فصارت الخيام تطير في الهواء، وانكفأت قدور القوم بأطعمتهم على التراب، فلم يجدوا بداً من الهزيمة والانصرافنصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور .
أنواع من الرياح، الدبور هذه الريح العقيم التي أهلك الله بها قوم عاد، فجعلهم كأعجاز نخل خاوية، تحمل الرجل العظيم، وكان قوم عاد يقولون ) مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً  ) فصلت: 15.

فجعل الله لهم قوة عظيمة في أبدانهم، وربما خرقوا الصخر، جابوا الصخر، قطعوه من شدة قوتهم، كانوا أقوى أهل الأرض، أصحاب الأجساد العظيمة، والعضلات المفتولة، اغتروا فقالوا: ( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً.

فأرسل الله عليهم ريحاً هي أشد منهم قوة؛ لأن الله أشد قوة من الجميع، فصارت تصعد بأحدهم إلى الأعلى، فتضرب برأسه الأرض، فتشدخ رأسه فيصبح قائماً كالنخلة بلا رأس، وهكذا جعلهم الله عبرة للمعتبرين على مر العصور، وكر الدهور.

وهكذا، فإن لله جنود عظيمة، كما قال سبحانه وتعالى أيضاً عن الصيحة التي أهلك بها قوم ثمود، فقطعت قلوبهم في أجسادهم، قطعت نياط القلب، عروق القلب تقطعت في الأجساد، من قوة تلك الصيحة التي أرسلها عليهمفَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ النمل: 52.

وكذلك، قال الله -عز وجل- عن قوم فرعون ) فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ الأعراف: 133 - 135.

وهكذا أرسل الله الطوفان على قوم فرعون، كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار، والجراد المعروف المشهور لا يبقي ولا يذر من جند الله الأعظم، سلطه الله عليهم على زروعهم وثمارهم فأكلتها، والقمل، السوس والدواب السود الصغار، البراغيث كما قال المفسرون، وهكذا كانت القمل من الجنود التي سلطها الله -تعالى- عليهم، وكذلك الدم، وهو الرعاف، قيل: إنه أصابهم فصار يخرج من أنوفهم، وأفواههم، وآذانهم، وكذلك قيل: أن مياههم انقلبت دماً عبيطا، لا يفتح أحدهم إناء إلا يجده دما عبيطا، 
قال محمد ابن اسحاق -رحمة الله-: فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوباً مغلولا، وأبى إلا الإقامة على الكفر، فتابع الله عليه الآيات، وأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم، آيات مفصلات، فأرسل الطوفان، وهو الماء ففاض على وجه الأرض، ثم ركد لا يقدرون على أن يحرثوا، ولا يعملوا شيئا حتى جهدوا جوعا، فلما بلغهم ذلك ( قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) الأعراف: 134.

فدعا موسى ربه، فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الجراد، فأكل الشجر فيما بلغني حتى إنه كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم و مساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم القمل، فذكر لي أن موسى -عليه السلام- أمر أن يمشى إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فضربه فانهال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعوا النوم والقرارة، فلما جهدهم قالوا له مثلما قالوا له، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الضفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه، فلما جهدهم ذلك قالوا له مثلما قالوا، فسأل ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دماً لا يستقون من بئر ولا نهر ولا يغترفون من إناء إلا عاد دما عبيطاً، إنها آيات الله تتوالى، وهكذا يرسلها الله على من يشاء من عباده -سبحانه وتعالى-.

هكذا كانت الحجارة قد أرسلت على عدد من الأقوام، ومن أشهرهم: قوم لوط الذين فعلوا الفواحش، وركبوا الذكران من العالمين، واستغنوا عما خلق الله لهم من النساء، فلما عمت الفاحشة، بالإضافة إلى ما كانوا فيه من الشرك الذي هو أكبر من الفاحشة، وغير ذلك من المنكرات، سلط الله عليهم من جنوده الصيحة، وكذلك قلع القرية، فجعل عاليها سافلها، وكذلك سلط عليهم الحجارة  تضربهم، ضربهم بحجارة من سجيل متوالية، وهكذا كان بعد عمي القوم فأخذ أبصارهم، صاروا عميانا، قلعت قريتهم، ضربت بالأرض، أتبعوا بالحجارة، وأخذتهم الصيحة، وهكذا صار مكانهم بحيرة منتنة ليس فيها حياة، هكذا الحجارة قد سلطها الله أيضاً -وهي من جنوده- مع جنود آخرين يحملونها على أبرهة الكافر الذي جاء يريد تخريب البيت العتيق، فأرسل الله -عز وجل- جنود من عنده، إنهم طير، مع كل طائر حجارة يرمي بها، وهكذا حصل طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ الفيل: 3 - 5.

 هكذا كانت النهاية لحملة الصليب والكفرة الذين جاؤوا يغزون الكعبة، فسلط الله عليهم الطير المتتابعة، أفواج أفواج من الطيور تتابع، عجيب أمرها، ومعها تلك الحجارة لا تصيب أحدا إلا أهلكته، وصرعته عن دابته.
إن الذي يرمي هو الله -عز وجل-: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى الأنفال: 17.
الخطبة الثانية : 
 لما غشي الكفار رسول الله  في بدر نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل بها وجوه الكفار، فقال:  شاهت الوجوه  فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله -عز وجل-، وكان ذلك في حنين، كما روى الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه.

عباد الله: إذا كان الله -عز وجل- له القوة جميعا، وهو يرسل ما يشاء على من يشاء ( وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الفتح: 4وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ المدثر: 31. أشياء كثيرة، صغيرة وكبيرة، فلما لا نلجأ إلى الله؟ ولما لا نتوكل عليه ولا نعتمد عليه؟
 
 أشياء صغيرة وكبيرة، هذه الأوبئة العجيبة، قال النبي :  يا معشر المهاجري خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن  أول شيء قال:  لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذي مضوا (.
 
إذا أمراض جديدة تنشأ كما جاء في هذا الحديث، يسلطها الله -عز وجل- على أهل الفاحشة إذا عملوا بها.
وهكذا الطاعون أيضاً سلطه الله على بني إسرائيل من قبل، فقال النبي :  الطاعون رجس، أرسل على طائفة من بني إسرائيل .
 
وبالنسبة لهذه الأمة فهم شهداء إذا قضوا فيه، فهو عذاب على الكفرة والفسقة أصحاب الفواحش، ورحمة بالمؤمنين، فلو قال قائل: هذا الإيدز، فنقول: إذا أصاب مجرما فهو عقوبة، وإذا أصاب بريئا بنقل دما أو غيره فهو رحمة وشهادة، وهكذا  لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها  نوادي العراة  حتى يعلنوا بها  أندية الشواذ  حتى يعلنوا بها  تشريع القوانين لإقامة الأسر على الشواذ، والمثليين، الجنسيين  حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا .

وهكذا قال  فيما رواه بريدة عند الحاكم بسند جيد، كما قال الحافظ(ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت ) .
  
أيها الإخوة: هذه الطواعين المسببة بهذه الجسيمات الصغيرة التي لا تكاد ترى، أوبئة تنتشر، وأمراض عجيبة، وهكذا لا يعلم جنود ربك إلا هو، يسلطها -سبحانه- فيحار فيها هؤلاء، ويقفون عاجزين بقوتهم العلمية، وتقدمهم التقني

عباد الله: إن التمعن في هذا الموضوع في هذا الوقت جدير جدا باهتمامنا.
إن معرفة  أن الله قوي عزيز، وأن له جنود سبحانه وتعالى لا يعلمها إلا هو، إنه ينبغي ألا يبطر البشر قوتهم، وأن لا يغتروا بما لديهم، فإن الله أقوى، وعنده من السلاح ما لا يعلمه إلا هو.

فالواجب ما هو إذا؟ 
اللجوء إليه، والتوكل عليه، واستمداد القوة منه، ودعاءه سبحانه، والتوكل عليهالَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ آل عمران:173-174.

أيها الإخوة: إذا كانت هذه القوة كلها لله؛ فإذا يجب أن لا يغشى بصر أحدنا أي قوة للبشر أبدا؛ لأن الله هو القوي العزيز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق