إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 7 مارس 2019

توقير رسول الله ﷺ

توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم
مرة أخرى وحديثنا اليوم عن الوقار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 فمِنْ حَقّ النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أن يُهاب ويُعظم ويُوَقّر ويُجَل أكثرَ مِما يُجِلّ الوَلدُ والِدَه، والعبدُ سيدَه، قال تعالى﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]. ﴿ وعزّروه ﴾ [الأعراف: 157]: أي وَقَّرُوه وعَظّمُوه.
 كيف لا نوقّره ونجِله؛ وهو صاحب المهابة والوقار، وصاحب القيم والأخلاق؟
  كيف لا نُوقّرُه؛ وهو صاحب الخلق العظيم، الذي زكاه ربه فقال سبحانه﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
 كيف لا نُوقّرُه؛ وهو نِعمةُ ربّ العالمين على الناس أجمعين. قال ربنا سبحانه﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]. وقال عز وجل﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
 كيف لا نُوقّرُه؛ وهو سيد المرسَلين، وخاتم النبيين، وإمام المتقين؟. هو الذي اصطفاه ربه واجتباه فختم به الرسالة، وهدى به من الضلالة، بعثه الله ليكون مبشرا بالخير، محذرا من الشر، سراجا ينير الطريق للسالكين. قال سبحانه﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]
 كيف لا نُوَقره؛ وبه هُدِينا إلى الطريق المستقيم؟.
 كيف لا نُوَقّرُه؛ وهو الحريص على هداية أمته؟ تعب من أجل هداية أمته، وأوذي فصبر من أجل هداية أمته، ما مِن خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذر الأمة منه، قال ربنا سبحانه﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]. 
كان عليه الصلاة والسلام يتألم لآلام قومه، ويصبر على أذاهم، ويفرح بهدايتهم، ويخشى عذابَ الله عليهم، كان يدعو لهم ولا يدعو عليهم؛ روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ [إبراهيم: 36]، وقال عيسى عليه السلام﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118] فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي» وبكى صلى الله عليه وسلم، فقال الله: «يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسَله ما يبكيه»، فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: «إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك».
 وها هو عليه الصلاة والسلام يجَسّدُ لنا حِرصَه على إنقاذ أمته من الهلاك والضلال فيقول: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا، فجعل الجنادِب والفراش يقعْنَ فيها، وهو يَذُبُّهن عنها؛ وأنا آخِذٌ بحُجَزِكم عن النار، وأنتم تفَلَّتُون مِن يَدِي». رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه.
 ولكل نبي من الأنبياء عليهم السلام دعوة مستجابة، دعوا ربهم فاستجاب الله تعالى دعواتهم، وأعطاهم مسائلهم، إلا رسولنا صلى الله عليه وسلم فإنه ادّخر دعوته شفاعة لأمته في موقفٍ هُمْ أحوجُ ما يكونون إلى شفاعتِه، فصلوات ربي وسلامه عليه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجّلَ كل نبي دعوَته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله مَنْ ماتَ مِنْ أمّتي لا يشركُ بالله شيئا».
 وإنّ نبيا بلغ حِرصُه علينا ورحمتُه بنا هذا المبلغَ العظيم لحَرِيٌّ بنا أن نؤمن به ونصَدّقه، وأن نعزّره ونوقره، وأن نتّبعه ونُطيعه، وأن نحبه أشدّ مِن محبتنا لأنفسنا وآبائنا، وأمهاتنا وأزواجنا، وأولادنا وأموالنا، فهو بفضل الله تعالى هدايتنا ونجاتنا، وهو حياتنا وسعادتنا، فما بُعِثَ به كان غيثَ قلوبنا وحياتَها، وزكاءَ نفوسنا وصفاءَها، وأعظمُ خير بلغنا-وهو الإيمان- إنما بلغنا عن طريقه، وأعظم شرّ تركناه -وهو الكفر- إنما تركناه لأنه صلى الله عليه وسلم قد حذرَنا منه، ومَن مات منا على الإيمان، ونال الجنة والرضوان، فما نال ذلك إلا بسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته؛ فهل تروْن لأحدٍ حقا عليكم -بعد حَقّ الله عز وجل- أعظمَ مِن حَقّ أبي القاسم صلى الله عليه وسلم؟. فكونوا من أحبابه، وكونوا من أتباعِه وأنصاره.
وجوب توقير النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه في حياته وبعد مماته:
أما في حياته فقد أمر الله تعالى بطاعتِه صلى الله عليه وسلم وحُسْنِ الأدَب معه في مخاطبته، ونهى عن أذيته ومخالفته، فقال سبحانه﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1 - 4].

 وقال عز وجل﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ [النور: 63]. أي لا تخاطبوه باسمه المجرد كما يخاطب بعضكم بعضا. ولكن احترموه ووقروه، واختاروا في مخاطبته ما يدل على تشريفه وتوقيره.
 قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك، إعظامًا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه، قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله.
 وقال قتادة: أمَر الله أنْ يُهابَ نبيُّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنْ يُبَجَّلَ وأنْ يُعظَّمَ وأنْ يُسوَّدَ.
  وتوقيرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه واحترامه بعد وفاته لازم كما كان حالَ حياته، وذلك عند ذِكره وذكر حديثه وسنته، وسماع اسمه وسيرته، وتوقيرُ أهل بيته وصحابته.
 عن السائب بن يزيد قال: كنتُ قائمًا في المسجد فحصَبَنِي رجلٌ، فنظرت فإذا عمرُ بن الخطاب، فقال: اذهَبْ فائتني بهذين، فجئتُه بهما، فقال: مَن أنتما؟ أو مِن أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتُما من أهل البلد لأوجعتُكما؛ تَرفعان أصواتَكما في مسجدِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
 وقد كان من توقير أهل العلم للنبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يحدثون بحديثه إلا وهم على أحسن حال وهيئة، ويربون أتباعهم على ذلك، قال أبو سلمة الخزاعي رحمه الله تعالى: (كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج ليُحدّث توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، ولبس قلنسوة، ومشط لحيته، فقيل له في ذلك، فقال: أوقر به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم).
 وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحاضرين بالسكوت وقال﴿ لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ [الحجرات: 2] ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله.
 وهذا الحسن البصري رحمه الله تعالى كان يبكي إذا حدّث بحديث الجذع الذي بكى لما فارقه النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: يا عباد الله، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ شوقا إليه لمكانه من الله، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
 من توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم: كثرة الصلاة والسلام عليه:
فالمحِب لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي لا يمل من كثرة الصلاة والسلام عليه، هو الذي لا يبخل بالصلاة عليه عند سماع اسمه وقراءة حديثه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: « البخيل مَن ذُكِرتُ عنده ثم لم يُصَلّ عَليّ ». أخرجه الإمام أحمد وابن حبان والنسائي والحاكم وصححه.
 ومن توقيره عليه الصلاة والسلام: تعظيمُ شرعِه وحُكمِه وسُنّتِه:
فما عظّمَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ولا وقَّرَه من يعترض على شرعه وحُكمه؛ فعن أبي رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا أُلْفِيَنَّ أحدَكم مُتّكِئا على أريكتِه، يأتيه الأمرُ من أمري مما أمَرْتُ به أو نهيْت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه». أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
 وقال تعالى﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]. أي: إذا حَكَّموك في أمر من الأمور فعليهم أن يطيعوك في بَواطنهم، فلا يجدُون في أنفسهم حرَجًا ممَّا حكمت به، وينقادون له في الظاهر فيُسلِّمون لذلك تسليمًا كليًّا من غير مُمانَعة ولا مُدافَعة ولا مُنازَعة.
الخطبة الثانية : 
 ومن توقيره عليه الصلاة والسلام: محبته أكثر من غيره من الخلق:
قال تعالى﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]
 وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه مِن والِده ووَلَده، والناسِ أجمعين».
 ومن توقيره عليه الصلاة والسلام: طاعتُه واتباعه:
فطاعته طاعة لله، كما أن مخالفته مخالفة لأمر الله، قال تعالى﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]
 وقال تعالى﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]. أي: مهما أمرَكُم به فافعَلُوه، ومهما نَهاكم عنه فاجتَنِبوه، فإنَّه إنَّما يأمُر بخيرٍ وإنَّما ينهى عن شرٍّ.

ومن خالف أمره عليه الصلاة والسلام فقد ضل عن سواء السبيل، قال تعالى﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50]
 وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه علامة على صدق محبة العبد لربه سبحانه، لقوله تعالى﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾[آل عمران: 31، 32].
 ولا سبيل إلى الجنة إلا بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلّ أمتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى»، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: «مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى».
 فأين نحن من توقير النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره واحترامه؟.
أين نحن من توقيره؛ ونحن نخالف أمره ونترك سنته؟.
أين نحن من توقيره؛ ونحن نتلاعب بدينه وشرعه؟.
 فهل وقرَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَن غيّرَ دينَ الله تعالى، وأولّ النصوص المحكمة الواضحة، ليوافقَ أهواء البشر ورغباتهم؛ لجاهٍ يبتغيه، أو مالٍ يطلبه، أو دُنيا يريدها، والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا أنه سيتبرأ يوم القيامة ممن بدّل وغيّر مِن بَعْدِه. ففي الصحيحين عن سهل بن سعد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «إني فرَطُكم على الحوض، مَن مَرّ علي شَرب، ومَن شرب لم يظمأ أبدا، لَيَرِدَنّ عليّ أقوام أعْرِفُهم ويَعْرِفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقولإنهم مِني، فيُقال: إنك لا تدري ما أحْدثوا بعدَك، فأقول: سُحقا سُحقا لمن غيّرَ بَعدي».
 وهل وقرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَن يَسْخَرون مِن سُنتِه، ويطالبون باطراح دينه، ويسعون في صرف الناس عنه واستبداله بمناهج الشرق والغرب؟.
 وهل وقرّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من يريد القضاء على أخلاقه التي ربى عليها أمته، ووعد المتخلقين بها بجواره في مجالس الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون»، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبرون». أخرجه الترمذي عن جابر رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
 فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بدينكم، واعْرِفوا لنبيكم صلى الله عليه وسلم حَقّه وقدْرَه، ووقروه وعزروه، وعظموا سنته، واحفظوا له مكانته، وأنزلوه منزلته التي أنزله الله تعالى إياها بلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو وتقصير، واقرؤوا سيرته، وتزودوا من حديثه، وأطيعوا أوامره، واجتنبوا زواجره؛ فذلكم هو طريق النجاة والنجاح، وسبيل الفوز والفلاح، ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71].

3

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق